ماذا تضمنت الوثيقة البالغة السرية عن سورية؟

ماذا تضمنت الوثيقة البالغة السرية عن سورية؟

أخبار سورية

الأربعاء، ١٥ فبراير ٢٠١٧

ما بين أذار ونيسان عام 1986، شهدت سوريا موجة تفجيرات بواسطة سيارات مفخخة في العاصمة دمشق وأنحاء متفرقة من البلاد. آنذاك، وجهت
في تلك الحقبة من الزمن، يروي الكاتب البريطاني باتريك سيل أن سوريا كانت تعاني من عزلة دولية غير مسبوقة عقب إخماد تمرد حركة “الإخوان المسلمين” عام إثنين وثمانين وتصاعد عداء النظام العراقي، بالتوازي مع الأحداث اللبنانية التي شكلت مسرحًا إقليميًا ودوليًا مفتوحًا أرادت منه أطراف عديدة كسر شوكة سوريا.
بعد أشهر قليلة على موجة التفجيرات، أعدّ مركز تابع لقسم “القضايا الاقليمية” في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية “سي أي إيه” وثيقة تم تصنيفها على أنها بالغة السرية تحت عنوان “سوريا: سيناريوهات تغيير سياسي دراماتيكي”.
هي واحدةٌ من 900 ألف وثيقة رفعت وكالة الاستخبارات المركزية السرية عنها ونشرتها أخيرًا على موقعها على الانترنت.

تم توزيع الوثيقة الصادرة في الثلاثين من شهر تموز من العام ستة وثمانين على مجموعة من الوكالات الحكومية والشخصيات البارزة في إدارة الرئيس الأسبق رونالد ريغان، من بينهم دينيس روس وريتشارد مورفي اللذين كانا يشغلان مناصب حكومية في الخارجية وقتها، فضلا عن السفير الأميركي في دمشق وجهات منتقاة بعناية “لأن التحليل (مضمون الوثيقة) قابل لسوء التفسير”.
في مستهلها، تذكر الوثيقة بوضوح أن الهدف منها فحص السيناريوهات البديلة للانقلاب على الرئيس حافظ الأسد، قبل أن تخوض في وصف مكونات المجتمع السوري المذهبية والطائفية لتخلص إلى رسم سيناريو دموي تتقاتل فيه المذاهب والطوائف وتنشق فيه قيادات ومجموعات كبيرة من الجيش السوري وتشكل فيه حركة الإخوان المسلمين رأس الحربة ضد النظام عبر مجموعات عسكرية مدربة تقود الحراك ضد الأسد.
وفي حين تقارب الوثيقة موقف إسرائيل والاتحاد السوفياتي ولبنان من سيناريو الحرب السورية، فإنها تلخص المصلحة الأميركية من أحداث السيناريو بوصول “نظام سني يقوده رجال أعمال معتدلون”، بحسب تعبير الوثيقة، التي ترى في هكذا نظام فرصةُ “لعلاقات قوية مع الحكومات الغربية”.
في 25 صفحة، يتناول السيناريو الأميركي مواقف كل الأطراف المعنية بالانقلاب المزعوم في سوريا. آنذاك، اعتبرت واشنطن أن نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين سيشكل محور دعم لزعزعة استقرار حكم الأسد الأب، بالتزامن مع رهان واضح على انشقاقات واسعة في الجيش السوري.
وبعد كل سيناريو تضعه الوثيقة الرسمية الأميركية للإطاحة بالأسد، تذكر مجموعة مؤشرات للأخذ بعين الاعتبار.
فعندما تطرح إمكانية استلام رفعت الأسد الحكم، تتحدث عن أعدائه الكثيرين في النظام، وفي مقدمهم رئيس شعبة المخابرات العسكرية الاسبق “علي دوبا” لتخلص إلى أن البديل عن رفعت سيكون مجموعة من الضباط العلويين؛ النتيجة التي لا تعلق عليها الوثيقة بشكل مباشر لتنتقل إلى سيناريو أخر يعتمد على العامل الإسرائيلي.
في السيناريو الإسرائيلي، تزداد الضغوط السياسية في تل أبيب لوضع حدٍ للتسلح السوري وانتشار قواته في لبنان، فيوجه الجيش الإسرائيلي ضربة “مذلة” للجيش السوري انطلاقًا من الجولان، بالتزامن مع ارتفاع الخسائر السورية في لبنان. هذا السيناريو يستوجب بحسب التقديرات الأميركية اندلاع تظاهرات داخل سوريا وارتفاع أصوات معترضة في الجيش السوري على سياسة النظام ودوره في لبنان فضلًا عن هزيمته المفترضة في مواجهة إسرائيل. مرةً أخرى نتيجة هذا السيناريو ليست حاسمة، إذ سيقوم الأسد “بطرد الضباط المعارضين لسياساته”.

السيناريو الثالث يعتمد على الفتنة الداخلية من خلال تسيير تظاهرات “احتجاجا على سياسة التمييز ضد المسلمين السنّة”، بحسب تعبير الوثيقة الحكومية الأميركية.

وبعد مدّ النظام العراقي للمعارضين بالسلاح، تدخل سوريا في دوامة من العنف والتفجيرات في مناطق السنّة والعلويين، وتؤدي الحرب الأهلية إلى انشقاق مجموعات واسعة من الجيش والانضمام إلى الجماعات المعارضة المسلحة.

تقدّر الوثيقة الصادرة قبل ثلاثة عقود من الحرب السورية، بأن الرهان على جماعات المعارضة المسلحة سيصطدم بـ”مشاكل تنظيمية”، لكنها تراهن بشكل واضح ومباشر على استفزاز جنود وضباط في الجيش على طريق الدفع نحو حرب أهلية.
حرب أهليةٌ سرعان ما تتطور لتشهد انخراطًأ إقليميا عبر تدفق المقاتلين والأسلحة عبر الحدود من الدول المجاورة.