من بوابة الاقتصاد المنزلي .. مشاريع نسائية.. تفاعلت مع حاجة السوق.. وفتحت أبواباً جديدة للعمل والإنتاج الربحي

من بوابة الاقتصاد المنزلي .. مشاريع نسائية.. تفاعلت مع حاجة السوق.. وفتحت أبواباً جديدة للعمل والإنتاج الربحي

أخبار سورية

السبت، ١٨ فبراير ٢٠١٧

ثباتهن وإصرارهن على العمل، ليسا إلّا محاولة لاستمرار الحياة، فقد أثبتن للعالم أجمع أنهن قادرات على العمل والإنجاز رغم صعوبة واقعهن، ففي ظل الظروف المعيشية المأساوية، برهنت الكثيرات منهن أنهن العامل الأقوى، والسند الأمتن، والمنقذ الوحيد للأسرة التي فقدت معيلها، والشريك الفاعل على صعيد الحياة المعيشية وتخطي التحديات، واستطاعت أفكارهن، وصبرهن اللامحدود، وابتكاراتهن العديدة، رغم بساطتها، الدخول إلى سوق العمل بمشاريع منزلية، أسهمت في تأمين مصادر رزق جديدة لعائلاتهن، وتقديم الخدمات للناس.

محاولة للعيش والاستمرار
“زهرة”، أو “أم خلدون”، كما عرفت في أوساط النساء في منطقة مشروع دمر، هي امرأة خمسينية صلبة، يكفي أن تنظر إلى الندوب في يديها، والتجاعيد التي تكسو وجهها، والوهن الواضح في عينيها لتكتشف بأية معاناة مرت، وأي ظروفٍ عايشت، فقد اضطرت زهرة للنزوح مع ما تبقى من أسرتها المكونة من شب وثلاث فتيات من غوطة دمشق نتيجة لموجة الإرهاب التي لحقت بالمنطقة بعد مقتل زوجها لتقطن في العاصمة دمشق كمحاولة للعيش واستمرار الحياة، تقول: في بداية الأحداث اضطررنا للإقامة في أحد مراكز الإيواء، وبدأ كل منا برحلة البحث عن عمل، ليحظى ابني ذو العشرين عاماً بفرصة العمل عند أحد بائعي الخضار، فكان يقوم بتنظيف المحل، وترتيب الخضراوات، وتوصيل الطلبات، ونتيجة لذلك أصبح لديه معرفة وثيقة بأغلب نساء الحي، الأمر الذي شجعنا على توظيف مدخراتنا لاستئجار منزل، وفتح بسطة صغيرة لبيع الخضراوات والفواكه على أحد الأرصفة، وعملنا على استقطاب سكان المنطقة من خلال تقديم خدمات عديدة من ( تقطيع، فرم، حفر الخضراوات) بحيث تصبح جاهزة للاستخدام الفوري، بالإضافة إلى تجهيز المونة الموسمية في منزلي بمساعدة بناتي من (بازلاء، فول، ورق العنب ومكدوس) وغيرها، ومع الأيام وبعد حصولي على ثقة معظم النساء، ونتيجة لاتساع نطاق عملنا بحيث أصبح يشمل مجالات الطعام المجمد كافة، واتفاقنا مع العديد من المطاعم والمحلات التجارية المعنية، تمكنا من استئجار محل، وتشكيل ورشة صغيرة من الفتيات تساعدنا بتجهيز الطلبيات، وإيصالها في الوقت المحدد، وعن المعوقات التي واجهتها تقول زهرة: دائماً هناك حالة استغلال خاصةً من قبل أصحاب البرادات التي نستخدمها لتخزين المونة، كون منزلي صغيراً جداً، فتارة يكون الشرط حصولهم على نسبة من المبيع، وتارة يكون رفع مبلغ إيجار البراد الحل الأمثل لهم،  وأنهت  حديثها معنا بابتسامة رضا تزين تجاعيد وجهها وعبارة “الله كريم”.

البداية من العلم السوري
ولايختلف طموح زهرة، وعزيمتها على الاستمرار، وحب الحياة كثيراً عن طموح وعزيمة جمانة القاسم (أم ريان) التي كان ارتفاع أسعار الحُلي الموجودة بالسوق سبباً أساسياً لبداية مشروعها الصغير، تقول: ظهرت فكرة صناعة الحلي اليدوية عندي في بداية الأزمة عندما طلب ابني الصغير شراء اسوارة العلم السوري التي لاقت رواجاً كبيراً في تلك الفترة، فأدهشني سعر هذه القطعة الصغيرة في السوق والمصنوعة أساساً من الكوشوك غير المكلف، ما دفعني لرفض شرائها، ومحاولة صنعها يدوياً، كوني أملك خبرة مسبقة بالأعمال اليدوية، فنجحت باستخدام الخرز بألوان العلم بدلاً من الكوشوك، وتحقيق الاختلاف، والتميز، وبدأت بتوزيعها على كل فرد من أفراد أسرتي، وعلى الأصدقاء المقربين دون أي هدف مادي بداية، ثم قررت امتهان هذه الصناعة لتحقيق دخل مادي جديد، حيث لاقت قطعتي الأولى رواجاً كبيراً، وبدأت تصلني كمية كبيرة من الطلبات عن طريق الأصدقاء والمعارف، ما دفعني إلى ابتكار أشكال جديدة، وتوسيع نطاق عملي ليشمل كافة أنواع الحُلي والاكسسوار المصنوع يدوياً من “حقائب وأساور وجرافات”، وتعدد أنواع المواد المستخدمة من “خرز وكريستال وصوف “وغيرها، كما بدأت بعرض أعمالي على صفحات التواصل الاجتماعي والمشاركة بالمعارض والبازارات التي حققت لي انتشاراً واسعاً، وعن المشكلات التي واجهتها تقول أم ريان: إن ارتفاع سعر أجار طاولة المشاركة بالبازارات مرتفعة جداً، وقد تصل أحياناً الى 20 ألف ليرة سورية لمدة ثلاثة أيام فقط، بحيث لا يمكن تغطية الكلفة إلّا إذا تم رفع سعر القطعة الواحدة، وهذا لا يتناسب مع مبادئي،  فارتفاع أسعار السوق كان من أسباب دخولي في هذا المجال، بالإضافة إلى ضعف التغطية الإعلامية لهذا النوع من البازارات، وعدم قيام الدولة بمعارض مجانية سوى مرة أو مرتين في السنة، لذلك أسعى لإيجاد مكان خاص لي، أعرض فيه أعمالي، وإقامة ورشة صغيرة لمساعدتي بالطلبيات، كون الأشغال اليدوية حرفة متعبة، وتتطلب الكثير من التركيز، وهذا هو حلمي  حالياً.

قيمة اقتصادية واجتماعية
تلعب المشاريع الصغيرة دوراً أساسياً في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية إذا ما توفرت لها مقومات النجاح، والمناخ الاجتماعي الملائم، فبرأي الخبير الاقتصادي الدكتور محمد عبد الله، أنه من الممكن أن تضيف هذه المشاريع، رغم صغرها،  قيمة اقتصادية واجتماعية على الناتج القومي المحلي، رغم أنه لا يمكن إغفال الدور الأساسي للحكومة في دعم هذه المشاريع، وخاصة في المجال التسليفي، ومنح القروض، كون أنه من المتعارف عليه أن كل مشروع يحتاج لرأس مال للبدء بتشكيل قاعدة انطلاق مكونة من الآلات والتجهيزات الصغيرة، إضافة للمواد الأولية، إلّا أنه للأسف حتى الآن نجدها تمر بحالة من الفوضى، وعدم التنظيم من حيث السياسة التسليفية القاصرة التي تنتهجها الحكومة تجاهها (فقيمة القروض غالباً لا تتجاوز نصف مليون ليرة سورية) في ظل انخفاض القوة الشرائية للعملة الوطنية، والارتفاع الجنوني في المستوى العام للأسعار، بالإضافة إلى افتقارها لعنصر التنظيم، ودراسة الجدوى الاقتصادية، فمن أجل نجاح هذه المشاريع، وزيادة انتشارها، لا بد من تبني استراتيجية تقوم على عوامل عدة، في مقدمتها العامل التنظيمي والإداري، بالإضافة للعامل المالي المختص بشؤون التسليف، وأخيراً عامل المراقبة والتنفيذ وتقييم الأداء.

قيد الدراسة
البحث عن المساعي، أو الإجراءات التي تتخذ من قبل العديد من الجهات الحكومية لتبني هذا النوع من الأعمال، أوصلنا إلى مكاتب وزارة السياحة التي تحاول المساهمة في عملية دعم وتنمية  الصناعات والمهن التقليدية، والإسهام في تدريب وعرض وإنتاج الصناعات اليدوية، وتأمين فرص عمل جديدة، حيث قامت بتقديم مقترح لإحداث هيئة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة خاصة بها إلى وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية لتنفيذ هذه المشروعات التي تلعب دوراً هاماً بتشجيع الاستثمار في القطاع السياحي، ومن ضمنها مشاريع لتنمية الحرف والصناعات التقليدية، وذلك وفق تصنيف هذه المشروعات إلى مشروعات “متناهية الصغر”، لا تزيد مساحتها عن /12/  متراً مربعاً و “صغيرة ” بمساحة، لا تزيد عن /50/ متراً مربعاً و “متوسط” بمساحة لا تزيد عن /100/ متر مربع، لكن إلى الآن مازال هذا الاقتراح قيد الدراسة.

بالمحصلة
أثبتت الكثير من القصص أن النجاح لا يأتي فجأة، ولا يطرق أبواب الكسالى، بل يتطلب دائماً وجود الإصرار والجهد والبحث والتحلي بالأمل والشجاعة مهما ضاقت سبل العيش، وفي المقابل لا بد أن تتسارع الخطوات التي من شأنها احتضان هذه الأعمال أو المشروعات ودعمها بالشكل المناسب لتتحقق نتائج إيجابية، سواء على الصعيد المعيشي لآلاف الأسر، أو على الصعيد الإنتاجي الذي يساهم في إتاحة فرص النجاح  للمبادرات الفردية التي من شأنها تخفيف الأعباء المجتمعية، ودعم الاقتصاد الوطني بالمحصلة النهائية.
ليلاس العجلوني