المرأة السورية في سنوات الحرب العجاف.. معاناة من العنف والإرهاب وإرادة النجاح تقهر التحديات

المرأة السورية في سنوات الحرب العجاف.. معاناة من العنف والإرهاب وإرادة النجاح تقهر التحديات

أخبار سورية

الثلاثاء، ٢١ فبراير ٢٠١٧

من ضعفها استمدت السيدة إيمان قوتها بعد أن استشهد زوجها، وترك لها أربع بنات وصبياً دون أي مصدر للرزق، (فهو لم يكن موظفاً)، وهي لا تمتلك أي خبرة لممارسة حرفة ما، أو أي مجال من مجالات العمل، وبدأت رحلة البحث عن مورد للرزق لتعيل أولادها، فما كان منها إلّا اللجوء لإحدى الجمعيات لمساعدتها، فكانت فكرة فتح محل صغير في منزلها بعد اقتطاع أحد الغرف وتجهيزها بما يلزمها من المواد الغذائية والاستهلاكية والمدرسية وغيرها لينطلق العمل، ويكون بارقة أمل للأسرة التي استطاعت بمساعدة كل فرد فيها تأمين دخل مناسب لها، وتقول إيمان: وجدت نفسي وحيدة دون أي دعم سوى مساعدات الناس والأقارب، وشكّلت مساعدة إحدى الجمعيات الخيرية فرقاً كبيراً، حيث وفرت لي الدعم المادي والمعنوي، فانطلقت بمشروعي الصغير، وبدأ الناس يتوافدون لشراء حاجياتهم من محلي الصغير، وبالمقابل بت قادرة من خلال المردود المادي الذي يوفره المحل على تلبية متطلبات أولادي دون عوز الناس، والتحقت ابنتي الكبرى بمعهد مهني، وتتابع: إن قسوة الحياة تفرض علينا أن نتحداها، ونكون أصلب منها، وهذا ما حصل وكبر أولادي قبل أوانهم، وأصبحوا يشعرون بالمسؤولية، فكل واحد منهم مسؤول ومعني بمشروعنا، ويقوم بمساعدتي بطريقته، حتى ثائر ابن التسع سنوات أصغر أبنائي، أصبح يشعر بمسؤولية كبيرة ملقاة على عاتقه، فكلنا نعمل من أجل إنجاح هذا المشروع الصغير، لأنه مورد رزقنا، وأنا أشجع كل إنسان قبل أن يطلب دعم الآخرين أن يقوم بمساعدة نفسه لتحصيل لقمة عيشه، وأنا مستعدة لمساعدة أي شخص محتاج، سواء بالنصيحة، أو من خلال عملي.

نعظّم ونقدّر

لا نستطيع سوى أن نعظّم، ونقدّر عمل هذه المرأة الأم المكافحة، التي تحارب للحصول على لقمة عيشها وعيش أبنائها، استطاعت إيمان تلك المرأة الريفية أن تنجح في سنوات الأزمة، فمحاولاتها لتأمين مصدر دخل كللت بالنجاح، في وقت عجز كثير من الرجال عن إيجاد لقمة عيش، تقول دائماً: “إنه لا يأس مع الحياة”، فبدأت بزراعة الفطر المحاري في منزلها لتعيل أبنائها، وتبيع الفطر بسعر جيد، وتقول إيمان: بدأت حكايتي في تحدٍ كبير، أولادي يحتاجون للعناية، وتأمين جميع متطلبات الحياة والدراسة، لم يكن أمامي خيار سوى العمل ليلاً ونهاراً. كل هذه الأمور استمرت بعد الحرب، لكن بصعوبات أكبر، فتعرّض محلي الصغير للاعتداء من قبل العصابات الإرهابية، لكنني لم أيأس، ولم أترك عملاً إلّا وعملته، حتى قمت بالمشاركة بالمشاريع الصغيرة التي أقامتها الجمعيات الخيرية والإغاثية، ورغم الصعوبات التي واجتهها في حياتي اليومية من التعامل القاسي من قبل أصحاب العمل والأجر القليل  والمواصلات إلّا أنني واصلت العمل.

مثال آخر في المرأة..

ماري من أوائل المنتسبات إلى لجنة المتطوعين الشباب في فرع الهلال الأحمر العربي السوري بريف دمشق، روت لنا تجربتها خلال الأزمة، حيث قالت: مع بداية الأزمة عانيت من الحرب، ومن غياب زوجي الذي استشهد دفاعاً عن أرض الوطن، وذلك بالتزامن مع فقدان أبسط مقومات الحياة، كنت بمفردي، وأنا أعيش مع ابني البالغ خمسة عشر عاماً، وضمن هذه الأزمة ومع قساوة شعور العجز كان لمساندة أسرتي الثانية في الهلال الأحمر الدور الأكبر في قدرتي على تخطي هذه الأزمة، وبعد مرور عامين، كان هناك انفراج، كبر ابني وبدأ يعمل ويبيع أحياناً في الأسواق واعتدنا على الحياة الصعبة في ظل الحرب المستمرة، وهناك خوف على مستقبل ابني، وأنا مستمرة بعملي، ومن خلال رؤيتي للفواجع التي يتعرض لها أهل مدينتي كنت أحصل على طاقة مضاعفة للمساعدة وتقديم الدعم الإنساني للمحتاجين دون كلل أو ملل، ودون أن يؤثر ذلك على واجباتي الأسرية، وكان ابني وما يزال خير سند لي أثناء قيامي بواجبي الإنساني ومساعدة أهل مدينتي ورعايته وإخوته الصغار.

وهناك الكثير من النساء اللواتي انخرطن في العمل إن كان عن طريق الجمعيات التابعة للشؤون الاجتماعية والعمل أو الجمعيات الخاصة من خلال المشروعات الصغيرة التي تنفذها الشؤون أو الجمعيات والهيئات التي تهتم بالمرأة ومجتمعها وعملها.

إطلاق المشاريع

المهندس بركات ماريا عضو المكتب التنفيذي لقطاع الشؤون الاجتماعية والعمل في محافظة ريف دمشق قال، إن المحافظة تستمر في إطلاق المشروعات الصغيرة لتدريب المرأة وتشغيلها ومساعدتها مادياً وتهدف هذه المشاريع إلى التمكين الاقتصادي للمرأة الريفية، ما ينعكس إيجاباً على تحسين وضعها ووضع أسرتها ويجعلها شريكاً أساسياً في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية وزيادة دخل الأسر الريفية والمساعدة على تثبيت هذه الأسر في قراها نتيجة تعرضها لسنوات متتالية من الجفاف والحفاظ على فرص العمل القائمة في قطاع الزراعة بشقيه النباتي والحيواني وذلك من خلال تأسيس مشاريع للنساء في هذا المجال.

وأكد أن المحافظة ووزارة الشؤون تهتم بهذا الشأن، وخاصة مشروعي يبدأ بخطوة، الذي أثبت نجاحاً بارعاً، وشارك به المئات، حيث عمل على تأمين فرص عمل ودخل للمرأة لإعانة أسرتها من جميع النواحي، وهناك متابعة جادة لعدم ترك المرأة لوحدها في هذه الظروف سواء من الجمعيات الخيرية أو الهيئات الأسرية والشؤون الاجتماعية والزراعة في مجال مشروع المساعدة العاجلة المنفذ بين وزارة الزراعة ومديرية تنمية المرأة الريفية ومنظمة الزراعة والأغذية الفاو، من جهته الدكتور علي سعادات مدير زراعة دمشق وريفها، أكد على أنه تم تنفيذ منحة لذوي شهداء الجيش العربي السوري والجرحى لمساعدتهم تبلغ 150 ألف ليرة لكل منحة استفادت منها 15 أسرة، كما تم تنفيذ 983 نشاطاً وندوة و 62 بياناً عملياً ودورة مهارات للمرأة.

المرأة في مجتمعها

للمرأة دور أساسي في ظل هذه الظروف لدعم المجتمع وحمايته جنباً الى جنب مع الرجل، خلال سنوات الحرب الظالمة على سورية، فهي ربة المنزل، والطبيبة والممرضة، وكذلك الضابط والمقاتلة التي تقوم بواجبها على الجبهات بكل ماتعنيه الكلمة من نضال وقوة، وهناك الآلاف من القصص والروايات والحكايات التي تروى عن جسارة وقوة المرأة التي كان لها الدور الأساسي والكبير في إدارة الأزمة، بدءاً من تطوعها في الدفاع الوطني أو كتائب البعث، أو التمريض والهلال الأحمر، حاربت وقدمت أولادها فداءً لعزة أهلها ووطنها، وواجهت المصاعب والأعمال الشاقة التي قدمتها خلال ست سنوات من الأزمة القاسية، والحديث يطول جداً هنا عن المرأة السورية.

عبد الرحمن جاويش