ارتجالات فردية تقود دفّة جزئيات خطيرة ومؤثرة.. إعادة تدوير النفايات.. ثقافة مغيّبة من حياة المجتمع.. وجهات “تنبش” النجاح من تجارب الآخرين

ارتجالات فردية تقود دفّة جزئيات خطيرة ومؤثرة.. إعادة تدوير النفايات.. ثقافة مغيّبة من حياة المجتمع.. وجهات “تنبش” النجاح من تجارب الآخرين

أخبار سورية

السبت، ٢٥ فبراير ٢٠١٧

“المال مقابل القمامة”.. حين تشاهد مقطع فيديو يحمل هذا العنوان متضمناً مشهد شخص يلقي بعض عبوات البلاستيك المستهلكة، وفوارغ معدنية في آلة أنيقة الشكل، وجميلة المظهر، ثم يبتسم بعد قبضه إيصالاً بمبلغ مادي ثمناً لتلك العبوات التي تخلّص منها بيسر وسهولة؛ تأكد أنك في مكان آخر من هذا العالم، ففي السويد بدأت تنتشر هذه الطريقة للتخلّص من القمامة القابلة لإعادة التدوير، وحين تقرأ خبراً عن حكومة تدعو مواطنيها إلى التخلّص من الهواتف القديمة في حاويات مخصصة وزعتها في أنحاء البلاد، وهدفها تصنيع ميداليات الأبطال الفائزين من تلك المخلّفات في أولمبياد طوكيو 2020، تأكد أيضاً أنك تسافر في رحلة عبر الزمن إلى دولة اليابان، وحين يتناهى لمسامعك أرقام الاستثمارات الضخمة في قطاع تدوير المخلفات وعوائده التي تتجاوز الـ 700 مليار عبر العالم؛ حينها ستحاول تحفيز ذاكرتك بجهد باحثاً عن شيء مشابه في التجربة المحلية التي أرهقتها سنوات الحرب، وأعادتها سنوات كثيرة إلى الوراء، لتستذكر مشروع صناديق القمامة الملونة الذي أطلقته محافظة دمشق قبل الأحداث لفرز القمامة وتصنيفها، فكانت تجربة خجولة ضعيفة الإمكانيات لم تر النور طويلاً، ولم يكتب لها النجاح، لتقضي الحرب عليها تماماً في مجتمع مازال يفتقر كثيراً لثقافة التعامل مع نفاياته وإعادة تدويرها.
عوائد مادية
يحقق أبو ياسر بائع الخردة، الذي تحدثنا معه، عوائد مادية مقبولة من جمع بعض المخلّفات القديمة من المنازل، فيبحث بسيارته الصغيرة من نوع “سوزوكي” عن أي شيء قابل لإعادة التدوير، يحركها ببطء في إحدى الضواحي السكنية مستخدماً عبر مكبر صوت نداءً شهيراً يعرفه معظم السوريين، مؤكداً إمكانية شرائه لقطع الخردة، وأي أغراض قديمة أخرى لايحتاجها أصحابها. كل شيء عند ذلك الرجل قابل لإعادة الاستخدام والتدوير أو البيع، يقف أمام أحد المحلات، ويشتري فوارغ بلاستيكية بسعر 25 ليرة للحافظة، ويشتري حافظات أخرى من مادة الفلين، يقول: إن السليم منها يمكن بيعه للاستخدام مجدداً، في حين أن التالف يشتريه بالكيلو، ويبيعه لمكبس خارج مدينة دمشق، متحدثاً عن صعوبات كثيرة تعترضه من حين لآخر نتيجة الأحداث الحالية لتواجد معامل الفرز التي يقصدها خارج مدينة دمشق، وربما يفسر هذا الأمر أيضاً تناقص أعداد هؤلاء الأشخاص من جامعي الخردة عما كانوا عليه قبل الأحداث، ويشتري أبو ياسر كذلك أنواعاً أخرى من الخردة بما فيها الحديد والخشب وفوارغ “التنك” والبلاستيك، ولكل سعره وثمنه، ويشتري الخبز اليابس أيضاً بسعر 60 ليرة للكيلو، ويبيعه لمعمل تصنيع الأعلاف في ريف دمشق، أو لبعض مربي الأبقار والدواجن في منطقة سكنه “حفير تحتا”.

ثقافة ضعيفة
ومع ثقافة ضعيفة تنتشر في مجتمع استهلاكي، لا يعير اهتماماً لطرائق التعامل مع النفايات المنزلية والتخلص منها، يبدو الطريق طويلاً وشاقاً في بناء وسيلة تعاطي حضارية ومنتجة مع النفايات، حيث يكفي بالنسبة للكثير من العائلات والأسر السورية وضع كل فضلاتهم والأشياء التي لا يحتاجون إليها في كيس بلاستيكي وإلقائها في القمامة رغم وجود بعض المواد الخطرة في هذه النفايات، ووجود مواد أخرى قابلة للاستخدام مجدداً، وتبدي سلوى، ربة المنزل، حماساً لفكرة الاستفادة من معظم المواد قبل أن تُلقى في القمامة، لكن حماسها يبقى دون فاعلية لغياب أي من دوافع التشجيع، تقول السيدة: إنها شاهدت منذ مدة وثائقياً عن عائلات تتسابق في إنتاج أقل كمية من القمامة، وجعل معظم مخلفاتهم قابلة لإعادة التدوير، فيقتصدون مثلاً من استخدام أكياس النايلون، ويبحثون في المتاجر عن كل ما هو صديق للبيئة، وقابل لإعادة التدوير، لكنها تختم بالقول: أين نحن من كل ذلك، اليوم تتجه دول العالم لتصنيف القمامة، ويحرص مواطنوها على الالتزام بطرق التخلص منها، وخاصة تلك النفايات الخطرة التي تتضمن البطاريات والمواد الكيميائية والسامة، في حين نجد أن بعض أفراد مجتمعنا يستكثر الوصول لحاوية القمامة، فيلقي بفضلاته على الأرصفة وفي الشوارع العامة.

تجارب محدودة
وباستثناء تلك التجارب المحدودة والفردية لجامعي الخردة الذين يحققون عوائد مادية مقبولة من جولاتهم ونداءاتهم المتكررة، وبعض “النباشين” الذين ما زلنا نجدهم يبحثون بين الحين والآخر في حاويات القمامة عن أشياء كثيرة قابلة لإعادة التدوير، يبدو أن الاستثمار في هذا المجال على المستوى الحكومي تباطأت عجلته بعد إنشاء بعض المطامر الفنية المحيطة ببعض المدن، ومنها مطمر دير الحجر جنوب دمشق الذي يعتمد مبدأ تحويل النفايات إلى سماد، ثم توقفت تماماً بفعل الأحداث، وازدادت معها طرق المعالجة التقليدية التي تعتمد إلقاء النفايات والقمامة في مكبات عشوائية ربما تنذر بمخاطر في المستقبل خاصة في ظل غياب تقديرات أو إحصائيات رسمية من وزارة البيئة عن كمية هذه النفايات أو الأضرار البيئية المتوقعة من وجودها، وفي القطاع الخاص أيضاً ما زالت الحركة في هذا القطاع في حدودها الدنيا رغم الخطوات الكبيرة التي تحققت في دول مجاورة وانتشار الآلات التي تصنف القمامة وتعيد تدويرها، مع أن التفكير بمثل تلك المشاريع يمكن أن يحقق عوائد مادية مجدية ويخلق فرص عمل كثيرة، إضافة لزيادة الوعي المجتمعي بطرق التعامل مع النفايات.

نظام مختلط
ويبدو أن وجود صعوبات كثيرة تتعلق بالكلف الإضافية والبنية التحتية غير المتوفرة كانت مبررات منطقية لمدير معالجة النفايات الصلبة المهندس موريس حداد، إذ أوضح أن نظام الجمع المنفصل أو الفرز المنزلي يحتاج إلى تكاليف إضافية وتأمين البنية التحتية اللازمة كوجود أكثر من نوع للحاويات ووجود آلية خاصة لكل نوع من أنواع النفايات، علماً أن النسيج العمراني لمدينة دمشق وضيق الشوارع لا يسمح بتوزيع أنواع مختلفة من الحاويات ضمنها، لذلك فإن النظام المعتمد حالياً لجمع النفايات في محافظة دمشق وكافة أنحاء القطر هو نظام الجمع المختلط للنفايات مؤكداً أن المخطط التوجيهي لإدارة النفايات الصلبة (تريفالور) والمصدق من رئاسة مجلس الوزراء اعتمد على نظام الجمع المختلط للنفايات على أن يتم بناء وتشغيل محطات معالجة متكاملة للنفايات، وقد خصص مدينة دمشق بواحدة ذات استطاعة كبيرة بحيث يتم فرز النفايات الواصلة لمحطة المعالجة المتكاملة بواسطة محطات فرز كبيرة (آلية ويدوية) ومن ثم تحويل النفايات المتبقية إلى سماد على أن يتم طمر الجزء الصغير المتبقي والذي لا يمكن الاستفادة منه، علماً أن المخططات والدراسات في مديرية معالجة النفايات الصلبة في محافظة دمشق هي جاهزة وبانتظار التنفيذ عند توفر الظروف والاعتمادات لذلك.

مهام متعددة
ويتحدث حداد عن مهام متعددة تتم حالياً في مركز معالجة النفايات الصلبة في الغزلانية دير الحجر، إذ تتم معالجة حوالي 1800 طن سنوياً من النفايات الطبية بواسطة التعقيم والتطهير بالبخار، وعبر جهاز الأوتوغليف، كذلك يُعالج جزء من نفايات البلدية الواردة للمركز، ويتم تحويلها إلى سماد (كومبست) وذلك بحدود 200 طن يومياً، ويتم أيضاً طمر حوالي (3000- 3500) طن يومياً من نفايات البلديات ضمن المطمر الخاص بمديرية المعالجة، وذلك بشكل يومي والعمل منظم على مدار الـ 24 ساعة، أما النفايات الخطرة فيتم تخزينها ضمن بناء خاص صمم خصيصاً لهذه الغاية، وبالنسبة للورق التالف القادم من الجهات الحكومية والمؤسسات الرسمية والفعاليات المختلفة، فيتم فرمه بواسطة فرامة خاصة، وتوضع النتائج ضمن بالات جاهزة للاستخدام بإعادة التدوير، ويتم فرم الدواليب والإطارات المطاطية الواردة للمعمل بواسطة فرامات خاصة بها بحيث تكون النتائج عبارة عن حبيبات صغيرة يمكن إعادة استخدامها ضمن الصناعات المطاطية.

حاويات فرز تجريبية
في المقابل يتحدث مدير النظافة في محافظة دمشق، المهندس عماد العلي، عن تجربة نفايات الفرز التي تم توزيعها سابقاً في دمشق، ويؤكد أنها كانت لأغراض دراسية وتجريبية، فتم توزيع عدد محدود من الحاويات الخاصة بالنفايات الجافة في بعض المناطق، لكن للأسف لوحظ أن تعاون المواطن في هذا المجال كان محدوداً، حيث يتم وضع النفايات المطبخية والعضوية من قبل المواطن ضمن الحاويات المخصصة للنفايات الجافة، وعليه تم سحب هذه الحاويات من مناطق المزة، وبعض المناطق الأخرى، ويوضح العلي أنه تم حالياً وضع الحاويات المسحوبة من المناطق المختلفة في المدينة مرة أخرى، والبدء بتجربة في منطقة شرقي التجارة، بالتعاون والتنسيق مع مديرية شؤون البيئة، ومديرية معالجة النفايات، وتم توزيع ما يقارب 20 حاوية كبيرة مخصصة للنفايات الجافة: (ورق- معدن- بلاستيك- زجاج)، في منطقة محاذية للحاويات الخاصة بالنفايات العضوية، ويتم إجراء تجارب الفرز، وتقييم العمل بشكل مستمر، وتعتبر النتائج حالياً مقبولة، وأكثر تطوراً عن السابق.

تعاون مستمر
ويشرح العلي عن أهمية التعاون المستمر والقائم مع فعاليات المجتمع المدني المختلفة، فيتحدث عن مجموعة نشاطات قامت بها المحافظة كالتعاون مع جمعية الندى التنموية لعمل نشاطات، وحملات توعية: (الرسم على الحاويات، وتوعية الأطفال في منطقة دمر)، والتنسيق مع فرع دمشق للاتحاد النسائي، وعقد لقاء توعوي في منطقة الميدان حول قواعد الصحة، والنظافة، والمحافظة على المرافق العامة، كذلك تم التعاون مع بعض المجموعات الشبابية بالتنسيق مع وزارة السياحة لتنظيف مجرى نهر بردى في المنطقة الموازية لمبنى وزارة السياحة، وشاركت المحافظة بالدعم والتسهيلات مع فريق شباب دمشق التطوعي حين قام بحملات تنظيف الجدران من الملصقات بعد انتخاب مجلس الشعب، ومع فريق دمشق الآن الإعلامي بإزالة الملصقات من الجدران والأبنية، وكذلك كان هناك تعاون مع فريق فسيفساء سورية التطوعي في إقامة حملة نظافة ودهان في منطقة جسر الثورة، وصولاً إلى ساحة الأمويين، مع العلم أنه توجد نشاطات أخرى يتم تنسيقها مع مديرية شؤون البيئة مباشرة.

خطة عمل
ويتحدث العلي عن خطة عمل مستقبلية تهدف لتطوير هذا القطاع، والعمل على تنفيذ دراسة متكاملة تم إعدادها لإنشاء معمل جديد لمعالجة النفايات، وتحويلها إلى سماد بعد فرز القمامة لإنتاج مواد يمكن الاستفادة منها عبر إعادة التدوير، مؤكداً أن هذه الدراسة موجودة منذ عام 2011، إلا أن الأزمة الحالية فرضت التريث في تنفيذها لعدم توفر الاعتمادات اللازمة، وعدم ملاءمة الظروف الحالية لذلك، ويختم: تم الاتفاق مع الحكومة التشيكية منذ حوالي الشهرين لتأمين منحة مالية خاصة بتقديم دراسة تنفيذية حديثة لإنشاء محطة معالجة لنفايات البلدية، وتحويلها لطاقة كهربائية وحرارية وفق أحدث الأساليب المتطورة، والمتوافقة مع المواصفات الأوروبية الخاصة بانبعاث الغازات.

حقائق وأرقام
– يبلغ عدد محطات الكهرباء التي تعتمد استخدام النفايات، وتحويلها إلى طاقة، 668 محطة عبر العالم، منها 400 في أوروبا، و100 في اليابان، و89 في الولايات المتحدة، و79 في عدد من البلدان الآسيوية، وجميعها تعمل بتقنية حرق كتلة النفايات.
– يصدر الاتحاد الأوروبي 70% من المواد البلاستيكية للصين لإعادة تدويرها.
– تتوقع بعض الدراسات نمو قطاع إعادة تدوير المخلفات كالبلاستيك مثلاً 20 مرة في السنوات الـ 5 المقبلة.
– نظرياً كل المواد قابلة للتحويل، ولكن اقتصادياً بعض أنواع التحويل تعتبر ذات مردود أقل، لذا لا يمكننا تحويل أي شيء، فمثلاً تكاليف تحويل المواد الالكترونية مكلف جداً، وفي حال عدم إمكانية استرجاع مادة من المواد، من الممكن استعمالها لإنتاج الطاقة بحرقها، واستعمالها كوقود للتدفئة مثلاً، كما توجد إمكانية استخراج مادة غاز الميثان بواسطة عملية تحويل بعض المواد الغذائية، وبعض الفضلات الموجودة في محطات تنقية المياه.
محمد محمود