لايزال محل جدل الطب البديل.. تقدّم على ساحة الصحة الدوائية.. وبدائل علاجية لا تلتزم بالمعايير

لايزال محل جدل الطب البديل.. تقدّم على ساحة الصحة الدوائية.. وبدائل علاجية لا تلتزم بالمعايير

أخبار سورية

الثلاثاء، ٢١ مارس ٢٠١٧

حينما كنت أتجول في سوق العطارين العريق بمنطقة دمشق القديمة، كانت عيني تتنقل من معروضات محل إلى أخرى، وكانت رائحة الأعشاب الفواحة تملأ المكان، وتخلق رغبة حقيقية وحافزاً لكل من يمر هناك للدخول،  والسؤال عن تلك الأعشاب، ومدى قدرتها على شفاء الأمراض وفائدتها لصحة أجسامنا، وقد أدهشتني كثرة الأعشاب وألوانها وأصنافها التي غصت بها المحال، حتى إن المشهد بدا لي وكأنني أمام صيدليات من نوع آخر، لكن الفرق هنا أن الدواء لا يحتوي على مواد كيميائية، وإنما مجرد أعشاب طبيعية، ووصفات دأب على تقديمها العطارون للمرضى، وتوارثوها منذ مئات السنين عن آبائهم وأجدادهم، حينما لم يكن هناك شيء يسمى معامل أدوية أو صيدليات تغص بأدوية يكاد لا يخلو واحد منها من أضرار جانبية على جسد المريض، هذا السوق هو مقصد كثيرٍ من الناس في دمشق الذين يرون في الطب البديل ملاذاً لهم، لا يستطيعون الاستغناء عنه، مدفوعين لذلك بأسباب عديدة، فمنهم من يؤمن بأن الطب البديل أكثر فاعليةً من الطب الحديث (الدواء الكيميائي)، وآخرون لديهم قناعة أن هذا الطب الذي يشمل الأعشاب والنباتات والإبر الصينية والتدليك والحجامة والصوم وغيرها هو طب آمن، وإن لم يفد المريض فإنه لن يضره، فضلاً عن التكلفة المقبولة للطب البديل مقارنة بالطب الحديث.

ورغم أن العلاج بالأعشاب (الطب البديل) عمره آلاف السنين، لكن مع التقدم العلمي، وصناعة الأدوية، واستخدام المواد الكيماوية فيها، تراجع الطلب على هذا النوع من العلاج، ثم عاد ليظهر بقوة مع انتشار الآثار الجانبية للعقاقير الطبية والطب الحديث.

وما بين اختفاء وظهور، وطلب ضعيف، وآخر قوي يبقى السؤال: هل العلاج بالطب البديل، كما يطلق عليه هو الآمن والأنسب، وإلى أي حد الأعشاب التي يبيعها العطارون فعالة وناجحة في علاج الأمراض، وما موقع الطب البديل في ظل فرض الأدوية الكيميائية نفسها على الساحة، وهل الناس يفضلون الطب البديل، أم أن الطب الحديث يمتلك مزايا تجعل الناس يكتفون به لعلاج أمراضهم؟.

فعالية متأرجحة

في متجره الواقع وسط سوق باب سريجة والذي مضى عليه 15 عاماً والمسمى “مملكة الأعشاب”، التقيت بزهير التلاوي “خبير أعشاب”، وحدثني عن مدى قدرة الأعشاب على علاج الأمراض: ليس لكل الأمراض علاج بالأعشاب، ولكن في الحالات التي يمكن أن نستخدم معها وصفات عشبية تتراوح نسبة النجاح والفعالية من 50% حتى 100%، وذلك حسب المرض، فعلاج البواسير بالأعشاب تبلغ نسبة نجاحه 99%، وعلاج آلام المفاصل تبلغ نسبة نجاحه 70%، وأضاف: في الحالات التي لا ينجح معها علاج الأعشاب أشك كخبير بأن المريض لم يلتزم بالوصفة المقدمة له، أو أن جسده فيه نقص مناعة، وغير قابل للاستجابة، وهذا الأمر يحصل أيضاً في الطب الحديث، ولكن بشكل عام إذا لم يستفد من الوصفة العشبية فإنها لن تضره خصوصاً إذا وصفت بشكل صحيح، وذلك لتدني تأثيرها الجانبي مقارنة بالدواء الكيميائي.

وعن الشرائح الاجتماعية التي تقبل على محله، وما السبب الذي قد يمنع الناس من التوجه لطب الأعشاب بدلاً من الطب الكيميائي، ذكر “التلاوي” أنها ليست هناك شريحة معينة من الناس تأتي لشراء الوصفات العشبية، فجميع الشرائح التي تؤمن بقدرة الأعشاب على شفاء الأمراض نتيجة تجارب سابقة نجدها تقبل على الطب البديل متمثلاً بالأعشاب وغيرها سواءً كانوا شباباً أم نساءً أم كباراً في السن أو حتى أطباءً، وتعليقاً على سبب تردد الناس في التوجه لطب الأعشاب، أكد التلاوي أن هناك كثيراً من الناس يتجنبون الطب البديل ويعتمدون على الطب الحديث نظراً لقلة ثقتهم بفعالية الوصفات العشبية مثلاً أو اعتقادهم بأنها غير موضوعة وفق معايير مدروسة ومجربة، فضلاً عن شكهم بأن العاملين في الطب البديل غير مؤهلين ومحيطين بهذا المجال.

 

وجهة نظر متوازنة

وفي حوارنا مع الصيدلاني “عبداللطيف الخضر” عن فعالية الطب البديل والمقارنة مع الطب الحديث كان له وجهة نظر مفادها أنه لا يمكن الجزم بشكل مطلق من هو الأفضل للعلاج فذلك يعتمد على الحالة المرضية، فبعض الأمراض الدواء الكيميائي أنسب لها، وأمراض أخرى الأعشاب أفضل لعلاجها، كما أن هناك أدوية معينة لا يوجد بديل عشبي لها مثل القطرات العينية والإبر العضلية للالتهابات والآلام، وعن الأضرار والآثار السلبية للأدوية الكيميائية علّق الخضر: غالباً ما يترافق الدواء بأعراض جانبية تظهر على المريض كالصداع أو ألم الرأس أو الدوار، كما لا يجوز لمرضى القلب والضغط والسكري تناول أدوية معينة في حين أن الأعشاب يستطيع أي شخص أن يتداوى بها، وعموماً لا تكون لها آثار جانبية أو مضاعفات.

وحدد الخضر الأسباب التي جعلت الطب الحديث يحل مكان الطب البديل بأن الناس أصبحوا يتوجهون كثيراً للطب الحديث، فسابقاً لم يكن لديهم خيار آخر غير الطب البديل، كما أن الأدوية الكيميائية بنظرهم أسرع وأكثر فعاليةً وتأثيراً فضلاً عن أن المجتمع عموماً في الوقت الراهن ليس لديه ثقافة العلاج باستخدام الطب البديل خصوصاً الأعشاب.

لكل شخص رأيه

سوق عتيق تدب فيه الحركة منذ ساعات الصباح الباكر يقصده من كل صوب النساء والرجال والشباب والسياح الأجانب، فهذا يقف على باب أحد الدكاكين مستفسراً عن نبتة جبلية وآخر يتساءل داخل دكان عن قيمة حشائش ما، وأخريات يبحثن عن خلطة أعشاب تعالج مرضاً يعانين منه، وغيرهم كثير وجدوا في سوق العطارين وأمثاله وجهةً تغنيهم عن الصيدليات نتيجة لتجاربهم السابقة التي أثبتت جدوى الطب البديل.

والتقيت خلال جولتي في السوق بالعديد من الأشخاص الذين أخبروني عن تجاربهم، فهذا الشاب حسين الأحمد يروي قصته لي: عانيت كثيراً من التهاب البلعوم والسعال الجاف وجربت عدة أدوية من الصيدلية لكني لم أتحسن، فتوجهت إلى خبير أعشاب فوصف لي خلطة أعشاب مع عسل وبالفعل كانت النتيجة ممتازة وتعافيت بسرعة.

أما أبو أحمد “70عاماً ” فأظهر دعمه الواضح للطب البديل وخصوصاً الأعشاب فهو الرجل المسن الذي ترعرع وهرم وهو يتداوى بها، ومن وجهة نظره يرى أنه رغم كون الطب الحديث قد جعل الكثير من الناس يستغنون عن الطب البديل، لكن بالنسبة له ثقته بدواء الأعشاب لا تزال بمحلها ففي تجارب كثيرة عاشها أثبتت قدرتها على شفائه.

وأضاف: الطب الحديث اليوم مكلف جداً وشريحة واسعة من الناس غير قادرين على تحمل تكاليفه، فما معنى أن يكون سعر حقن الإبر 10 آلاف ليرة، وبرأيي أن طب الأعشاب يفتقر حالياً للاهتمام والمعرفة الكافية من قبل الناس، والسبب في ذلك أن الإعلام مقصر جداً في هذا المجال، وهو الأمر الذي يدفع الناس للاعتماد على الطب الكيميائي – رغم أسعاره العالية أحياناً-عوضاً عن الطب البديل وكما يقال “الإنسان عدو ما يجهل”، ورغم الحالات التي وجدت في الطب البديل ضالتها- خصوصاً طب الأعشاب- إلا أن هذا الطب يبقى بعيداً عن خيارات أناس آخرين، ومنهم محمد الخالد، “طالب جامعي”، فحينما سألناه عن رأيه بذلك قال: أنا لا أستخدم الأعشاب عموماً، وأفضّل الأدوية الكيميائية، لأن ثقتي بها وبالأطباء الذين يصفونها عالية، وغالباً أستفيد وأتحسن بنسبة جيدة عند تناولي هذه الأدوية، ففعاليتها أعلى، ولكن دائماً أحرص على تناولها بإشراف الطبيب، وبحذر، لأن الإفراط بها، أو تناولها بشكل خاطئ ستكون له أضرار كبيرة على الجسم.

للعلم كلمة

ما بين من يدعم ويثني على دور وفوائد الطب البديل الكثيرة، وبين من لا يتحمس له، مفضلاً الطب الحديث عليه، يبقى للأبحاث والدراسات كلمتها، ففي دراسة تابعة “لأرشيف طب الأطفال والمراهقين”، ذكر الباحثون أنه يمكن استخدام العسل لتخفيف السعال، حيث إن الطعم الحلو للعسل يزيد من إفراز اللعاب، ويخفض نسبة المفرزات المخاطية، ويقلل من استثارة السعال، كما أن استنشاق بخار الماء الممزوج بالعسل يساعد كثيراً في تلاشي الاحتقان الأنفي، ومن فوائد العسل الأخرى أنه يدعم مناعة الجسم، ويعالج القرحة المعدية، وتشنجات الساقين.

وتؤكد دراسات عديدة على فوائد زيت الخروع، حيث ذكرت بأنه يستخدم لعلاج الالتهابات الفطرية، وعلاج الحروق الجلدية، وحب الشباب، كما يساعد كثيراً في شفاء الآلام الناتجة عن التهاب المفاصل، ويمكن لزيت الخروع أن يخلص الجسم من الإمساك، إضافة إلى أنه يعمل على تنظيم حركة الأمعاء.

وفي دراسة “للجمعية الأمريكية لأمراض الصدر”، توصل الباحثون إلى أن الزنجبيل بإمكانه علاج الربو، ويمكن استخلاص مواد من الزنجبيل تساعد على استرخاء العضلات في المجاري التنفسية، وبالتالي تحسين التنفس لدى مرضى الربو، حيث يشبه عمل الزنجبيل ما تقوم به أدوية (Beta-Agonists)، وهي من أكثر أدوية مرض الربو انتشاراً، كما أثبتت التجارب أن الزنجبيل لديه قدرة على إنقاص الوزن، وحرق الدهون، وتخفيف آلام العضلات، فضلاً عن أن الزنجبيل يعزز مناعة الجسم ضد نزلات البرد، ويقاوم هشاشة العظام.

ومن ناحية أخرى، رغم أن العلم يثبت الفوائد التي لا تحصى للطب البديل، وخصوصاً طب الأعشاب، ولكن في الوقت نفسه هناك دراسات أشارت إلى احتمال وجود مخاطر للأعشاب في بعض الحالات، حيث كَشَفَتْ دِرَاسَة حديثة نشر تقرير عنها في دورية كلية طب القلب الأمريكية أن فوائد الأعشاب الطبية قليلة بالنسبة للمصابين بأمراض القلب، وتعرّضهم لمخاطر عديدة في الوقت نفسه، وذكر الفريق المسؤول عن الدراسة أن هناك دلائل على وجود مخاطر كبيرة لتفاعل أدوية القلب مع الشاي الأخضر، والزعرور البري، والثوم.

بالمحصلة

نحن لا نتبنى الآراء، والمواقف المتناقضة، أو الحالات المختلفة التي تتأرجح بين مع أو ضد الطب البديل، ولكننا نشير إلى أن غياب الكثير من الأنواع الدوائية، وعدم فعالية بعضها، دفع بالطب البديل إلى مراتب متقدمة على الأدوية المصنعة، وهذا ما يشكّل خطراً لناحية تسلل بعض الدجالين إلى سوق الأعشاب الطبية، ومزاولة مهنة دون دراية بعواقبها، فكثرة استخدام بعض الأعشاب قد تؤدي إلى نتائج كارثية على صحة الناس كالإصابة مثلاً بالفشل الكلوي، فهل تتم مراقبة هذه المهنة، أم ستتاح الفرص للتجارة بحياة الناس وصحتهم؟!.

أحمد الزعبي