في معادلة غير متكافئة ارتفاع أسعار الدواء.. يُرجّح كفة ضمان استمرار الإنتاج على حساب تضاعف الفاتورة المعيشية للمواطن

في معادلة غير متكافئة ارتفاع أسعار الدواء.. يُرجّح كفة ضمان استمرار الإنتاج على حساب تضاعف الفاتورة المعيشية للمواطن

أخبار سورية

السبت، ٢٥ مارس ٢٠١٧

انضمت أسعار الدواء، ومعاينة الأطباء لقائمة الأسعار الملتهبة… قائمة أنهكت كاهل المواطن، وحمّلته أعباء بات لا يقوى على تحملها… ثلاثة أضعاف، أو أكثر ارتفعت أسعار بعض الأدوية… حالة وصفها المواطنون بأنها ابتزاز، واستغلال للأزمة من قبل شركات التصنيع… المعنيون برروا الارتفاع بأنه طبيعي في ظل نقص المواد، وارتفاع كلف الإنتاج، وإعادة تسعير بعض الأدوية من أجل استمرار هذه الصناعة، وتأمينها بالسعر المناسب للمواطن والشركات في آن واحد.

فاتورة باهظة
فاتورة الدواء المرتفعة، لا يقوى أبو سليم على دفعها، فهي فاتورة شهرية ارتفع خطها البياني من 1000ليرة، لتصل اليوم إلى عشرة آلاف ليرة  بعد سلسلة زيادات طرأت على أسعار الدواء.. الرجل الستيني الذي يعاني من العديد من الأمراض في القلب والكليتين، وبعض الأمراض الصدرية، وجد نفسه اليوم  مجبراً على تحمّل آلامه فترات طويلة حتى يجد سبيلاً لتأمين سعر الدواء، يقول أبو سليم: إنه كان بمقدوره تأمين الدواء عندما كان سعره مقبولاً، ولكن اليوم بات من المستحيل عليه تأمين ذلك، فيضطر للاعتماد على بعض التبرعات التي تأتيه من الجمعيات الخيرية، وهذه التبرعات متقطعة، وليست منتظمة، وبالتالي عليه تحمّل آلامه وأوجاعه فترات، قد تصل لشهرين أو أكثر.. حالة “أبو مازن” ليست الوحيدة، فالشاب حسام هو أحد مصابي الحرب، والذي أقعدته الإصابة، وجد نفسه اليوم مضطراً أيضاً لانتظار المعونات التي تأتيه، فدواؤه غالٍ جداً يصل لنحو 15 ألف ليرة في الجرعة الواحدة.
يقول حسام، والدمعة التي بدأت تشق طريقها على خده، تروي الكثير من الآلام النفسية التي يعاني منها في موازاة آلامه الجسدية وكبريائه لم يسمح لها بالانفجار كثيراً، لولا الغصة الكبيرة التي شعر بها، أجبرته على البوح بدموعه لحظات قليلة من التأمل والشرود، ثم يعود إلى مجرى حديثه، فيقول: لو أنني أستطيع القيام بأي عمل لأشتري الدواء، مهما كان سعره غالياً، فأعلم أن الوطن يمر بأزمة كبيرة، وهناك تدمير مقصود لكافة المنشآت الحيوية، ومنها معامل الأدوية بهدف إذلال المواطن، ولكنهم لم ولن يستطيعوا ذلك، فالمواطن السوري قادر على تضميد جراحه، وعلينا جميعاً أن ننهض ونقف يداً واحدة لمواجهة العدو الذي دمّر وطننا، ثم يعود ويتذكر أنه لن يستطيع أن ينهض من جديد، وقد فُقدت ساقه اليمنى وشُلّت يده أيضاً، وكل حلمه اليوم بات تأمين بعض الأدوية التي تُسكن آلامه.

احتكار منظّم
عامل في أحد مستودعات الأدوية، خرج عن صمته ليصف”للبعث” مشاهداته اليومية لما يجري حوله، ورغم أنه لا يعرف كثيراً من أسرار العمل، إلّا أن حالة من التلاعب يبدو أنها تسير بشكل منظم ومدروس في البعض من تلك المستودعات لجهة عمليات الاحتكار لبعض الأصناف لتمرير أصناف أخرى… إخفاء أصناف محددة ومطلوبة بهدف تمرير أنواع غير مطلوبة، أو قاربت على انتهاء مدة الصلاحية… الحالة يبدو أن تقع في خانة الاحتكار، وإن كانت الكميات الواردة إلى تلك المستودعات، حسب مصادر مديرية الصحة، ليست بالكميات الكبيرة، وبالتالي لايمكن أن يكون هناك هامش كبير للتلاعب، وإن كان من يسرق البيضة يسرق الجمل، كما يقال، فليس المهم هو كميات الاحتكار، بل المهم هو الحالة بحد ذاتها.
يقول الدكتور مازن قيسية: إن ارتفاع أسعار الأدوية لم يشمل جميع الأصناف (على الأقل بالوقت الحالي)، كما تناقلت بعض الصفحات والمنشورات مؤخراً، حيث تم تعديل أسعار بعض أدوية الأطفال والغدد وغيرها (مثل التيروكسين من 260  إلى 950 ل.س) بحجة الزيادة في تكلفة تصنيع الأدوية الهرمونية والمستحضرات بشكل شراب خصوصاً، مشيراً أن معظم المواد الأولية ومواد  التعليب والتغليف والسواغات مستوردة، ويتم شراؤها بالدولار، وبيّن قيسية أن زيادة الأسعار الأخيرة صدرت عن الشركات المصنعة بموافقة حكومية، وكان قد صدر قبلها العديد من التعديلات المماثلة بشكل متكرر ولعدد كبير من الأدوية، ولكنها لم تجلب اهتماماً واستهجاناً مماثلاً للزيادة الأخيرة، وإذا كان رفع سعر الدواء وسيلة لتحسين الجودة في ضوء ارتفاع الكلفة، وبديلاً عن موازنة الكلفة والسعر على حساب الجودة، (وهي الطريقة المعتمدة من قبل عدة شركات دوائية في الوقت الحالي)، فقد نجد بعض القبول والتبرير، علماً أنه كان الأجدر بالحكومة أن تبذل الجهد لتخفيض تكاليف إنتاج الدواء المحلي (بإعفاء المصنعين من الرسوم الإضافية، وتأمين المستوردات اللازمة بسعر صرف مخفض، وتسهيل معاملات الاستيراد والجمارك، وتأمين الكهرباء والوقود للمعامل الدوائية  بشكل كافٍ على سبيل المثال لا الحصر) بدلاً من الموافقة الرسمية على رفع الأسعار استجابة لطلب المعمل، وحول زيادة أسعار باقي الأدوية، أشار قيسية حالياً لم يصدر أي تطمين رسمي بخصوص باقي الأدوية، وتبقى المخاوف من تكرار الأسلوب القديم في نشر الإشاعة  وتكذيبها، ثم تأكيدها بقرار رسمي، كما تعوّدنا سابقاً.

النقابة تبرر
سؤال مهم أثاره البعض حول علب الدواء الموضوعة على الرفوف، والتي تغيّر السعر الموضوع عليها عدة مرات، كانت آخرها القفزة الكبيرة في ذلك السعر، فكم من الأرباح تدرها تلك القفزات المتتالية في السعر، يقول المتسائلون، هذا السؤال يضاف لآخر حول مبررات رفع سعر الدواء، في وقت يعاني فيه المواطن ما يعانيه من ضائقة مادية خانقة، حيث  لا يحتمل أية زيادات جديدة على فاتورة استهلاكه اليومي، إضافة إلى مدى المراقبة على مستودعات الأدوية، والتي تشكّل صلة الوصل بين الشركات المصنعة، والصيدليات، حقيبة التساؤلات تلك حملناها لنقيب الصيادلة في السويداء، الدكتور خلدون حسون الذي بيّن وجود العديد من المعوقات التي تعترض صناعة الأدوية، ومنها استيراد المادة الخام من الخارج، وارتباط ذلك بسعر الصرف، وكذلك الظروف الأمنية، وما يرتبط بها من انقطاع للتيار الكهربائي، ونقص المحروقات قلل من ساعات العمل، وبالتالي قلل من كميات الإنتاج، هذه العوامل، حسب حسون، انعكست سلباً على أسعار الدواء، رغم أن ارتفاع تلك الأسعار أرحم بكثير من التوجه نحو عمليات الاستيراد، أو انقطاع الأدوية من الأسواق، مشيراً إلى أن هذه العوامل جعلت من ارتفاع الأدوية أمراً طبيعياً في ظل نقص المواد، وارتفاع كلف الإنتاج، منوّهاً إلى أن آلية تسعير بعض الأدوية تعتمد على ضمان استمرار هذه الصناعة، وتأمينها بالسعر المناسب للمواطن، وشركات الإنتاج في آن واحد، منوّهاً إلى أنه من أصل 9 آلاف صنف دوائي، هناك 1475 صنفاً طالها الغلاء، وبنسب متفاوتة من 30 الى 100%، وهناك صنفان فقط طالهما الغلاء بشكل كبير، وهما: دواء الصرع ما يقارب 400%، ودواء الغدة 300%، وأن كافة الأدوية التي طالها الغلاء لم تكن موجودة على رفوف الصيدليات، وأنه بعد فترة قصيرة من الغلاء بدأت الأصناف تتوارد.

أسس التسعير
رغم ذلك يؤكد نقيب الصيادلة أن الآليات التي تم على أساسها تسعير الدواء لم تأخذ بعين الاعتبار الوضع المعيشي للمواطن، لأن القفزات في الأسعار كانت كبيرة، وإن كانت ضرورية لاستمرار إنتاجه، حيث وقعت شركات الأدوية على تعهد عند وزارة الصحة تلتزم بموجبه بإعادة إنتاج الأصناف المقطوعة بعد رفع سعرها،‏ وتساءل حسون عن سبب تعميم أسعار الأدوية عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، وعدم إرسال كتب رسمية للنقابة إلا بعد عدة أيام، علماً أنه كان من المفروض أن تصدر نشرات زيادة الأسعار بحزمة واحدة وليس تتابعاً على عدة أيام منعاً لاحتكار الدواء، مطالباً وزارة الصحة بتفسير آلية تسعير الدواء، وضرورة إشراك نقابة الصيادلة بلجنة تسعير الأدوية، مؤكداً أن لجان النقابة تقوم بجولات ميدانية على الصيدليات، والنقابة على تواصل دائم مع الصيادلة، مضيفاً: إن الصيادلة لحقهم ظلم وإجحاف كبير كون أغلب الأصناف التي كانت مقطوعة سيشترونها بسعرها الجديد، وهناك صيدليات فرغت بعض رفوفها من الأدوية؟!.
وحول عمليات الاحتكار أكد حسون وجود لجان مشتركة من قبل مديرية الصحة، والنقابة، تقوم بعمليات المراقبة لمستودعات الأدوية، والتي تشكّل مراكز استثمار، وإذا كانت هناك حالات احتكار فتكون في الشركات المصنعة، وليست المستودعات.
معادلة غير متكافئة
معادلة مستحيلة الحل فرضها الارتفاع الكبير في سعر الدواء، والذي ضمن استمرار عمليات الإنتاج، لكنه لم يراع الوضع المادي الصعب الذي يعيشه المواطن، وإذا كان المبرر هو الاستمرار في عمليات الإنتاج، والممهور بتعهد الشركات المصنعة بذلك حين طالبوا بهذه الزيادة، إلا أن هذا التعهد كان يرافق كل زيادة كانت تحصل، ومع ذلك يتجاهلونه حين تتقلص أرباحهم عن حدودها المعهودة، ومن هنا لابد من وجود آليات متابعة حقيقية لعمل تلك الشركات عبر لجان متابعة موثوقة تحدد الكلف الحقيقية للإنتاج، وتضع حدوداً لعمليات الاحتكار التي قد تحصل، وكذلك البحث عن آليات جديدة غير تلك المعمول بها، ونقصد هنا آلية اليد الممدودة لجيب المواطن لحل أزمة الصانع، والتاجر، والمسؤول، فموازنة المعادلة تعني تقاسم الأرباح والخسائر بين طرفيها، ولكن حقيقة ما يحصل اليوم عند جهابذة حل المعادلات الاقتصادية في البلد هو الأخذ من الطرف الأول، ونقصد هنا المواطن، ووضعها في الطرف الآخر، وهم كثر ممن وضعوا أعينهم على لقمة عيشه التي تحولت هدفاً لكل من أراد تحسين واقعه، والخروج من أزماته، ونتمنى مع المواطن ألا تكون هناك زيادة على أسعار أدوية المفاصل، والمسكنات، فهي باتت حاجة ملحة للمواطن كي يستطيع الوقوف على قدميه مجدداً، والتقليل من توتره اليومي؟!.

رفعت الديك