في سبيل حلم التفوق الاجتماعي وليس العلمي.. الدروس الخصوصية.. أعباء مادية كبيرة.. وترف على حساب سمعة القطاع التربوي

في سبيل حلم التفوق الاجتماعي وليس العلمي.. الدروس الخصوصية.. أعباء مادية كبيرة.. وترف على حساب سمعة القطاع التربوي

أخبار سورية

الأحد، ٢٣ أبريل ٢٠١٧

آراء ومواقف متناقضة تتخذ حيال الدروس الخصوصية، ولاسيما خلال مرحلة الشهادة الثانوية، ومدى الحاجة إليها، سواء من خلال معاهد نظامية مرخصة، أو من خلال إعطاء الساعات المنزلية، ولو كان بشكل غير نظامي، وغير منضبط رسمياً، أو بعيداً عن أعين ما يعرف بالضابطة العدلية التي أجاز القانون للمعنيين في مديريات التربية القيام بهذه الوظيفة، وملاحقة المدرسين، فكيف ينظر طرفا العلاقة: /الأهل والمدرس/ إلى هذه الإشكالية؟ وأي دور أو ربما وجهة نظر للتربية والمختصين المعنيين من موجهين، ومرشدين، وغيرهم  في هذه الإشكالية؟.

عينات واسعة

أسئلة عديدة وجهناها  لعينات واسعة من مناطق مختلفة  في محافظة طرطوس، ريفاً ومدينة، تضمنت هذه الأسئلة كل ما يخص وجهة نظر الطالب وعائلته حول الدروس الخصوصية، والحاجة لها، وكذلك أسئلة حول العملية التدريسية، والمناهج العلمية، وما يعتريها من صعوبة في الفهم، وأثر ذلك على الحصيلة النهائية للطالب، بالإضافة لسلالم التصحيح، فقال الطالب أيهم من منطقة الشيخ بدر، /طالب بكالوريا علمي/: مع بداية الفصل الثاني انقطعت بشكل  شبه نهائي عن المدرسة بعد أن سجلت في أحد المعاهد الخاصة لأخذ ساعات في مادة الرياضيات، مع الإشارة إلى أن تكلفة الساعة الواحدة تصل لحدود 500 ليرة سورية، وكذلك الأمر بالنسبة لمادة الفيزياء والكيمياء وحتى مادة العربي واللغات، وهنا تدخّل والده ليخبرنا فقال: رصدت مبلغاً يصل لـ 500 ألف ليرة عن طريق المشاركة في جمعيات بيني وبين مجموعة زملاء، وبمشاركة والدته، الأمر الذي رتب أعباء إضافية أثقلت كاهلنا، لاسيما أن لدي ولداً آخر في مرحلة التعليم الأساسي /تاسع/، كذلك الأمر، يأخذ بعض الساعات، وإن كان بشكل أقل بسبب عدم قدرتي لأكثر من ذلك كوني وزوجتي موظفين، ولكن بسبب  رغبتي ورغبة أيهم بتحصيل أكبر نتيجة تؤهله لدخول الجامعة العامة، وبعلامات ممتازة، حيث أمنيته بدخول كلية الطب.

تكاليف عالية

الطالبة جورجيت مخائيل من صافيتا قالت: الدروس الخصوصية مكلفة للغاية، وأصبحت تجارة أكثر من تلبية حاجة علمية، وبات التهافت عليها من باب التسابق لمن يستطيع إعطاء أكثر من قبل المدرسين، وربما  صارت الأسعار فلكية بالنسبة للطالب والأهل، فهل من المعقول أن تصل أجرة ساعة رياضيات  إلى ألف ليرة، وعلى الطالب أن يحجز دوراً منذ بداية العام عند هذا الأستاذ أو غيره، والمسألة لم تعد محصورة بمادة واحدة، وهنا يشير أخ جورجيت وليد بالقول: عندما غاب دور المدرسة والعطاء فيها من قبل المدرس ذاته الذي يعطي دروساً خصوصية في منزله، تراجع اهتمام الطالب، وبات يجد الخروج من المدرسة وقبل انتهاء الفصل الدراسي مخرجاً للتعويض عند مدرس المقرر، ويضيف وليد: للأسف في ظل هذه الظروف، وحاجة الأهل لمواكبة أولادهم للتحصيل العلمي العالي، وفي ظل ارتفاع الأقساط السنوية للجامعات الخاصة، ودعم قدرة الأهل للتسجيل فيها باختصاصات علمية مناسبة، وعدم القدرة على  تعليمهم خارج القطر، تبقى الدروس الخصوصية أهون الشرور على كل عائلة وطالب!.

“برستيج” اجتماعي

وبالمقابل فقد وجدت السيدة أم علاء من منطقة الدريكيش، وهي معلمة وأم لطالب في الصف الثاني عشر علمي، بأن الدروس الخصوصية، سواء في المعاهد الخاصة، أو في البيوت، باتت مشكلة، وعبئاً إضافياً، وقدراً لا مفر منه، وقالت: لي في مهنة التعليم أكثر من ثلاثين سنة، وأشعر بأني أرضيت وجداني، وأخلصت لمهنتي، ولكن في ظل هذه الظروف، والحاجة المادية، أشعر للأسف بأن الأمور، وبالرغم من العمر، اختلفت، وحتى الأساتذة الذين علّمتهم في مرحلة التعليم الابتدائي، وأصبحوا الآن مدرسين، وغير مدرسين، يختلفون عنا كثيراً، وكذلك مهنة التعليم والتدريس، ومع ذلك فإني مضطرة بالنسبة لولدي أن يأخذ دروساً خصوصية عند المدرس ذاته الذي علّمته عندما كان طالباً، وذلك لكي أضمن له مستقبلاً أفضل، ولكي لا أشعر بأي تقصير أو ذنب تجاه مستقبله، لاسيما أنه ولدي الوحيد، وأتمنى أن أراه يحمل أرقى الشهادات العلمية.

وضمن المدينة فقد اختلف الرأي، وتباينت وجهات النظر عند الطلاب، وحتى الأهالي، إذ رأى البعض أنها ضرورية كون الطالب يشعر بالحاجة، ولاسيما عند كثرة العطل، وعدم قدرة المدرس على إنهاء البرنامج لأسباب مختلفة، وضغط القاعات الصفية، الأمر الذي يحد من قدرة المدرس على القيام بإعطاء المعلومات بشكل جيد، أو لجهة قدرة الطالب على الفهم بالشكل المطلوب، وكذلك رأى البعض من جانب آخر أنها أقرب “للبرستيج” والتقليد الأعمى انطلاقاً من مقولة: “ما حدا أحسن من حدا”، وكما “ابن فلان يأخذ عند أفضل الأساتذة، كذلك الأمر ابني ليس أقل منه”.

رأي تربوي

بعض الموجهين والمدرسين طالبوا بإعادة النظر بالعملية التدريسية والتربوية، حيث أشار المدرس ذكي علي إلى ضرورة إعادة النظر بنظام القبول الجامعي الرسمي الذي بات حلماً صعب المنال، وأكد الأستاذ محمد جمعة على الحاجة لإعادة الاعتبار لكرامة المدرس، والهيبة للمدرسة معاً، وذلك من خلال تحسين واقعه المادي ليضمن له عدم الحاجة لإعطاء ساعات خارج المدرسة، وكذلك طالب البعض منهم بتخفيف الضغط على الطلاب في القاعات، فليس من المعقول أن يتواجد في القاعة أكثر من 25 طالباً، ونطلب من المدرس أن يقدم قصارى جهده ومعلوماته ضمن حصة درسية محددة، وعلى الطالب أن يستوعب ذلك، وهنا تكمن الحاجة أيضاً إلى إعادة النظر بالبناء المدرسي، وتوسيعه أفقياً وشاقولياً ضمن نطاق المدرسة الواحدة، وحتى التوسع في البناء بشكل مناطقي أوسع، وزيادة القاعات ورفدها بالكوادر التدريسية المؤهلة والمتدربة، ولاسيما في المواد الأساسية لمرحلة التعليم الثانوي.

ودعت المدرّسة فدى سلمان إلى تبسيط المناهج، والتخفيف من رهبة الامتحان، وضبط عملية تسرب الطلاب ومغادرة المدرسة قبل انتهاء الفصل الدراسي، وكذلك ضبط دوام المدرسين، والتقليل من منح الإجازات الصحية،  وتفعيل دور التربية من موجهين، ومرشدين اجتماعيين، وغيرهم، وجميع هذه القضايا، برأي عينة من الموجهين والمدرسين، تحتاج لسياسة وطنية شاملة، على الجهات الوصائية أن تتبناها، وتجد الحلول الشافية لها، لأن الواقع التربوي والتدريسي، ليس فقط في طرطوس، وإنما على مستوى سورية، بخطر فعلاً، وسوف تدفع الأجيال القادمة الثمن غالياً جراء عدم معالجة هذا الواقع بشكل جذري وعادل للجميع!.

تربية طرطوس

عبد الكريم حربا مدير تربية طرطوس أكد أن ظاهرة الدروس الخصوصية تحولت إلى ظاهرة اجتماعية، وليست تربوية، وهي ضرب من ضروب الترف المجتمعي، وأضاف حربا بأنه قد تكون هناك حاجة لترميم بعض الثغرات، أو لبعض الأسئلة التي قد تحتاج لإجابات وشرح تفصيلي محدود، وليس أكثر من ذلك، وبكل الأحوال باتت هذه الظاهرة غير مستحبة تربوياً، ولا اجتماعياً.

خلاصة

من المفيد جداً معالجة كل الأسباب التي أدت إلى تفاقم ظاهرة الدروس الخصوصية، أو ضبطها بالطريقة التي تخدم الطالب، وبشكل لا تتحول العملية التدريسية إلى مجرد تجارة على حساب الرسالة الإنسانية التربوية.

لؤي تفاحة