حين يُصنع الجمال بمشرط طبيب..!! ازدهار عمليات التجميل بإغراءات الوهم الممزوج بالمآسي الفادحة أحياناً!!

حين يُصنع الجمال بمشرط طبيب..!! ازدهار عمليات التجميل بإغراءات الوهم الممزوج بالمآسي الفادحة أحياناً!!

أخبار سورية

الاثنين، ٢٤ أبريل ٢٠١٧

منال صافـي

ماحدث مع الشابة مايا رامي زيدان مؤخراً التي خضعت لعملية جراحية تنتمي إلى الطب التجميلي لتخرج جثة هامدة ومايحدث بشكل شبه يومي من اختلاطات وتشوهات في مجال الجراحة التجميلية تصعب إعادة إصلاحها، كل ذلك يضعنا أمام جملة من التساؤلات لعل أبرزها: مَنْ المسؤول عن كل هذا «التخبيص»؟ ومَنْ هو المخول حقاً للخوض في حقل التجميل؟ ولماذا ازداد الإقبال على هذا النوع من العمليات رغم الظروف الاقتصادية الصعبة لدى الأغلبية؟
إدمان
تظهر الأسباب واضحة وراء التهافت الكبير على مراكز وعيادات التجميل التي تغص بالمئات من مختلف الشرائح عند سؤال السيدة والفتاة بشكل مباشر من أجل مَنْ تتجملين؟
ليلى التي رفضت الإفصاح عن عمرها وهي أم ثلاثة أبناء وتواظب على حقن البوتكس والفيلر منذ ما يقارب الـ10 سنوات تجيب: لإرضاء زوجي ولكي أبقى جميلة في نظره، فهو، على حد تعبيرها، يعمل في شركة مرموقة وحوله الكثير من الفتيات وهذا قد يشكل نقطة خوف من إعجابه بإحداهن لذلك يجب أن تظل جذابة وساحرة بنظره ولا تخفي أن زوجها يكرر على مسامعها باستمرار أنه يحبها لكن قناعتها راسخة بأن الحفاظ على الرجل في هذه الأيام واهتمامه لا يقتصران على أداء واجبه  تجاه الأسرة فطالما يبدي إعجابه ببعض مطربات «الفيديو كليب» ونجمات الشاشة فهذا دليل على أنه يلتفت للجمال، بينما يختلف الأمر بالنسبة لرنيم ابنة الـ 28 عاماً وتعمل مدرسة إذ تقول: إنها تلجأ إلى زيارة العيادة التجميلية بين فترة وأخرى لحقن البلازما من أجل أن تبقى جميلة بنظر نفسها بغض النظر عن إرضاء أحد، مبينة أن تكلفة الجلسة الواحدة تصل إلى 15 ألف ليرة وبأن المبلغ تؤمنه عن طريق جمعيات تشترك بها مع زميلاتها لأن دخلها الشهري لايحتمل مصاريف معيشتها ودفع أجرة المنزل الذي تقطن فيه، مبينة أنها تخطط حالياً لإجراء عملية تجميل أنفها وتفكر ببيع قطعة ذهب لتستطيع تغطية التكاليف التي تصل إلى حوالي 200 ألف ليرة.
حين لا ينفع الندم
أما دارين،43 سنة، موظفة، فتبدي حسرتها على ماقامت به منذ سنتين بناء على نصيحة إحدى الصديقات من عملية شفط الدهون، من أجل إنقاص وزنها، إذ خسرت بسببها الكثير من الدم، وهي تعاني حتى اليوم نقص الحديد في الجسم، إضافة إلى ترهلات في البطن والأذرع تقول: أنصح من يرغب بالقيام بأي عملية استشارة طبيب خبرة، وألا يثق برأي أحد من أصدقائه حتى لا يندم بعد فوات الأوان، فالأشخاص الذين يعانون تشوهات هم من لهم الحق بعمليات التجميل، أما الآخرون فعليهم الاقتناع والرضا بما أنعمه الله عليهم من صحة وعافية وخلق كامل، فالجمال يعني الصحة، وليقتنعوا بما هو مناسب لهم.
تعدٍّ على الاختصاص
الإعلان الذي نشرته جامعة دمشق- كلية طب الأسنان ربما يجعلنا نمسك بطرف الخيط لنكتشف أن اللامسؤولية وضعف الرقابة وراء الأخطاء الطبية في هذا المجال، إذ تضمن الإعلان بأن مكتب ممارسة المهنة في كلية طب الاسنان بالتعاون مع شركات خاصة يقيم دورة في تجميل الوجه (نظري– سريري) مدة 6 أيام، وبيّن الإعلان أن المشترك سيحصل في نهاية الدورة على شهادة مصدقة أصولاً من كلية طب الأسنان، هذا الإعلان أثار حفيظة اختصاصيي الجراحة التجميلية ما دفع رابطة الجراحة التجميلية لرفع مذكرة إلى وزارة الصحة والتعليم العالي ونقابة الأطباء، معلنين رفضهم التعديات على هذا الاختصاص رغم وجود القرارات والأنظمة النافذة التي تمنع مثل ذلك لافتين إلى أن دورات كهذه لها من الأثر السيئ على سمعة هذا الاختصاص النبيل.
وجاء في المذكرة أن وزارة الصحة والتعليم العالي ووزارة الدفاع ممثلة بالخدمات الطبية تقوم بتدريب مقيمين للحصول على اختصاص في الجراحة التجميلية وتبلغ هذه المدة من التدريب ٦ سنوات و٣ سنوات لاختصاصي في الجراحة العامة ويشرف على ذلك مجلس البورد السوري والمجلس العلمي لاختصاص الجراحة التجميلية ممثلاً بالوزارات الثلاث.. باختصار، فإن الأمور في الوزارات الثلاث منظمة بشكل مثالي والطبيب المقيم بعد فترة من التدريب المتواصل يحتاج بعدها اجتياز اختبار أو امتحان نظري وعملي قبل حصوله على رخصة من وزارة الصحة تخوله ممارسة هذه المهنة.
وأضافت المذكرة: نتفاجأ اليوم بأن ندوة مدتها ٦٠ ساعة نظرية على مدار أسبوع تمنح بعدها طبيب الأسنان شهادة تخوله ممارسة العلاجات التجميلية من حقن البوتوكس والمواد المالئة وشد الوجه بالخيطان.
ولفت الأطباء إلى أن حقن المواد بما له من تأثيرات سيؤدي إلى المشكلات والتشوهات والاختلاطات الناجمة عن حقنها بأيد غير خبيرة.
وطرحت المذكرة جملة من الأسئلة تتعلق بمكتب ممارسة المهنة الذي يخول نفسه تجاوز الأنظمة والقوانين وما صلاحيات الشركة الراعية لتروج لمنتجاتها على حساب صحة المواطن!؟ وكيف يشرّعون ﻷنفسهم ويتجاوزون ما صدر به نص قانوني صريح يمنع هذه الممارسات!!؟
حتى الممرض والكوافير!
يبدو أن هذه المهنة حقاً أصبحت لمن لا مهنة له، هذا ما يؤكده الدكتور سامي حمدان، اختصاصي التجميل إذ يقول: هناك الكثير من المراكز التجميلية يشرف عليها كوافير أو ممرض أو حتى شخص ليس له علاقة بالتخصص وكل ذلك من دون رقابة ومن دون ضوابط وبعضهم يمتلك أساليب خفية بهدف اجترار أكبر عدد من الزبائن ولاسيما ميسورات الحال.
وتابع: أعرف أحد المراكز يديرها شخص لم ينجح بالحصول على الشهادة الثانوية وبعد أن كثرت عليه الشكاوى لكثرة الأخطاء قام بإغلاق المركز وافتتح مركزاً داخل أحد المشافي الخاصة أي أصبح يعمل تحت اسم المشفى.
تجارة رابحة
ولكن ما سرّ هذه «الحشرية» في دخول أشخاص غير أكفياء لهذا المجال؟ تجيب الدكتورة ريم منصور أن تجميل الوجه يعد تجارة رابحة تدر الكثير من الأموال فنحن اليوم نعيش عصر الصورة، والكل يريد ويبحث عن الصورة في عين الآخر، وعن الرضا عن النفس فالفتيات والشباب يجرون هذه العمليات اقتداء بالموضة، وهم أيضاً يريدون أن يبدوا أصغر سناً.
وأضافت إن هناك نوعين من المرضى، النوع الأول هم الأشخاص المصابون نتيجة العمليات الإرهابية بسبب المفخخات، وعمليات التشوه الخلقية، فأغلبية مرضاها في العام الماضي كانوا ضحايا التشوهات، أما النوع الثاني فهم المرضى الذين يريدون التغيير في أشكالهم، موضحة أن هذا النوع بحاجة إلى طبيب نفسي لا طبيب تجميل.
مخالفة لقرار الصحة
بالعودة إلى قرارات وزارة الصحة نجد أن هناك قراراً واضحاً وصريحاً وهو القرار رقم 13 الصادر لعام 2005 وينص على أن تنحصر ممارسة أعمال التنحيف وإزالة الشعر وزرع الشعر الطبيعي والاصطناعي وتنظيف البشرة وعمليات التجميل بما فيها الوجه والأثداء وشد البطن والحقن من قبل أطباء متخصصين ومرخصين أصولاً من قبل الوزارة، كما أن المادة /٤/ الفقرة /ب/ تنص صراحة على أن تطبيق الحقن العلاجية التجميلية يكون من قبل اختصاصي جراحة تجميلية أو طبيب جلدية حصراً.
بالأرقام
مبالغ خيالية تنفق سنوياً على عمليات التجميل في الوقت الذي نعاني فيه أزمة بكل شيء بدءاً من تدني نسبة الأجور ومروراً بارتفاع غير مسبوق بتاريخ البلاد للأسعار انتهاء بظروف أمنية سيئة نتيجة الإرهاب الذي نتعرض له لكن كل ذلك لم يمنع حواء من مواصلة اهتمامها بالجانب الجمالي الذي يعد على رأس أولويات أغلبهن.
وبحسبة بسيطة وإذا اعتبرنا أن هناك 400 مشفى (خاص– عام) من أصل 482 مشفى تقوم بإجراء عمليات تجميلية، باعتبار أن كل مشفى مرخص من وزارة الصحة يحق له إجراء عمليات تجميلية، وإذا كان وسطي عدد العمليات اليومية التي يجريها كل مشفى 3 عمليات- كما جاء على لسان أحد أطباء جراحة التجميل- فيكون عدد العمليات التجميلية سنوياً 432 ألف عملية وإذا اعتبرنا أن تكلفة أي عملية في حدها الأدنى تصل إلى 200 ألف ليرة (تجميل أنف مثلاً) فيصل المجموع العام لتكلفة هذه العمليات حوالي 86 مليار ليرة و400 مليون ليرة. ناهيك بعمليات الحقن التي تجرى في العيادات الخاصة من البوتكس التي تصل تكلفتها إلى حوالي 50 ألف ليرة وحقن البلازما التي تتراوح سعر الجلسة الواحدة منها بين الـ10-25 ألف ليرة حسب تسعيرة كل طبيب.
واقع بحاجة إلى تجميل
بدوره الدكتور وائل البرازي رئيس رابطة الطب التجميلي تحدث عن واقع الطب التجميلي خلال الأزمة إذ أكد ازدياد الطلب على عمليات الجراحة نتيجة الأذيات الناجمة عن الأعمال الإرهابية (انفجارات– شظايا رضوض– طلق ناري) مضيفاً أن الجراحات التجميلية الخاصة (شد وجه– أجفان– حقن البوتكس) ازداد الطلب عليها أيضاً بسبب الضغوط النفسية والاجتماعية التي نمر فيها والأمر لا يقتصر هنا على النساء بل يتعداه إلى الرجال الذين يطلبون مثل هذه العمليات.
وأوضح أن الجراحة التجميلية تتدخل أيضاً في حالات التشوهات الخلقية والحروق ولفت إلى أن الفئات العمرية التي تطلب العمليات التجميلية تقع بين /20-60/ إلا أن الفئة العمرية بين /50-60/ هي الأكثر طلباً معللاً ذلك بسبب الزواج الثاني سواء للنساء أو الرجال.
وأشار الدكتور البرازي إلى وجود تعديات من قبل زملاء من اختصاصات أخرى على هذا التخصص (أذنية– الأسنان– النسائية) وبأن هذا مخالف لقرار وزارة الصحة الذي يحدد أن الطبيب الاختصاصي بالجراحة التجميلية هو الوحيد المؤهل علمياً بهذا المجال.
وبيّن أن المراكز التجميلية أيضاً يجب أن تكون مرخصة من وزارة الصحة بحسب القرار وأن يكون المسؤول عنها طبيباً اختصاصياً بالجراحة التجميلية والجلدية، لكن هذا غير مطبق على أرض الواقع فنجد أن «الكوافيرة» تقوم بحقن البوتكس والبلازما منوهاً بأن هذه المخالفات تقف وراء الاختلاطات الكثيرة التي تراجعنا بشكل شبه يومي وقد تكون غير قابلة للإصلاح مطالباً وزارة الصحة بالتشدد في تطبيق القرار رقم /13/ وعدم التهاون وألا تسمح المشافي الخاصة لأي طبيب القيام بهذه الجراحات ما لم يكن حاصلاً على ترخيص من وزارة الصحة.
«بوتكس» مهرب
وفيما يتعلق بالمواد المالئة (البوتكس) وإن كانت خاضعة لرقابة وزارة الصحة قال: هناك أنواع خاضعة لتراخيص نظامية ومسجلة بالوزارة أصولاً وهذه الأنواع ننصح بالتعامل بها بينما هناك أنواع غير خاضعة للرقابة وتدخل بشكل غير قانوني من الدول المجاورة ولها أضرار كبيرة وتسبب اختلاطات.
بين ما أفسدته الحرب والدهر
ولفت د. البرازي إلى أن شعبة جراحة التجميل في مشفى دمشق أجرت العام الماضي /1220/ عملاً جراحياً تجميلياً، /400/ منها كان من نصيب الجراحات التجميلية الخاصة (تجميل أنف–  شد البطن والأجفان والوجه– شد العضدين) وحوالي /600/ عملية كانت للحروق والتشوهات الناجمة عن الأعمال الإرهابية، لافتاً إلى أن أكثر من 80% من المرضى المقبولين في شعبة الحروق ومعظم المراجعين للعيادات الخارجية في المشفى نتيجة تشوهات الحروق الناجمة عن الأعمال الإرهابية ومعظمهم من المحافظات البعيدة (دير الزور– الرقة– القامشلي– الحسكة– حلب).
وأضاف: يبقى /220/ عملاً جراحياً لإصلاح التشوهـــــات الخلقيـة والرضـوض الناتجــة عن حوادث السير والأورام الجلدية.
وأوضح أن عدد الأطباء التجميليين الموجودين في سورية حوالي 80 طبيباً وأن من غادر البلاد بسبب الأحداث عددهم قليل ولم يؤثّروا في هذا الاختصاص.
مشدداً على ضرورة الحفاظ على سمعة طبيب التجميل السوري إذ إنه ورغم الأزمة والظروف الأمنية السيئة يأتينا مرضى من لبنان والعراق بغرض هذه العمليات لذلك لا يجوز التهاون من قبل الجهات المعنية بأي تجاوز.
البعد النفسي والاجتماعي
توجهنا للدكتورة رشا شعبان الأستاذة في علم الجمال بجامعة دمشق (علم الاجتماع) للتعرف على الأسباب التي تدفع المرأة اليوم للتوجه إلى عيادات ومراكز التجميل فأوضحت أن على رأسها الغزو الثقافي الذي روج لقيم جمالية تديرها سوق رأسمالية عبر الإعلان وتسويق منتجات جمالية ما نتج عن ذلك تسليع وتشييئ لجسدها وفق ما تروجه الشركات التجارية عبر إجراء عملية تجميلية لنموذج معين يقارب بعض الممثلات الشهيرات مثل نانسي عجرم أو هيفاء وهبي وغيرهن من اللواتي هن أنفسهن روجن لنماذج وهمية وغير حقيقية لجذب الجمال.
وتضيف: في ظروف الحرب ازداد الإقبال من قبل البعض منهن لإجراء عمليات التجميل من شفط ونفخ ونحت وغيرها لأن في هذه الظروف أصبحت المرأة بحاجة أكثر للرجل الذي اتجه للحرب أو الهجرة والنتيجة أن نسبة النساء طغت على الرجال وتكاد تصبح العلاقة وفق قاعدة العرض والطلب ما يعني أن العلاقة وصلت إلى أدنى مستوياتها وأصبحت المرأة تعرض أحسن ما عندها في عرض مفاتنها وأعضاء جسدها بالطريقة التي يريدها الرجل عوضاً أن تدفعها الحرب إلى أن تكون شخصية عملية.
وأشارت إلى أن المبالغة في ارتياد المرأة العيادات وإجراء العمليات المتكررة يعني أن الحالة (مرضية) بل أصبحت كلعبة «الدومينو» تبدأ بعملية وتضطر لتتم العملية الأولى لكون المواد لها فعالية لفترة محددة وفي كل مرة تكون غير راضية عن شكلها، وتالياً تصبح حالة مرضية أكثر حتى لو كانت جميلة لأنها أساساً بداخلها غير راضية عن أنوثتها أو شكلها لضعف ثقتها بنفسها، وتؤيد د. شعبان إجراء التجميل في الحالات التي تتطلب ذلك مثل حالة تشوه ما أو حروق تستدعي إجراء عمليات كهذه.
وتؤكد على دور التربية منذ الصغر للمرأة على أساس أنها ستصبح طبيبة ناجحة في المستقبل بدلاً من الغرس في عقلها أنها ستصبح عروساً جميلة وتكريس ثقافة الجسد، إضافة إلى عامل البيئة والمدرسة والمناهج، والنقطة الأهم الإعلام وإعادة النظر بالإعلام الذي يروج على أنها جسد لتصريف منتجات البوتكس والتركيز على دوره باتجاه التوعية ومخاطبة العقل والارتقاء به والاهتمام بغرس القيم الأخلاقية.
باختصار
ربما نتقبل اليوم كل مفرزات الأزمة من وجود لصوص وتجار أزمات وارتفاع منسوب الفساد وتردي الخدمات، لكننا لن نقبل بوجود حفنة من المتلاعبين بالأرواح والمتسللين إلى عالم جراحة التجميل بهدف الربح من خلال بيع الأوهام ولاسيما لدى النساء اللواتي يطمحن للوصول إلى الشكل المثالي، لذلك نطلب من الجهات المعنية عدم التهاون في ضبط المخالفين.