تحت ضغط التكاليف.. انشغال عائلي بلمة العيد وقرار السفر على أجندة التأجيل

تحت ضغط التكاليف.. انشغال عائلي بلمة العيد وقرار السفر على أجندة التأجيل

أخبار سورية

الثلاثاء، ٢٧ يونيو ٢٠١٧

“سقى الله تلك الأيام”.. نداء شوق وحنين لأيام زمن مضت، أطلقه أبو رامي، وصور كثيرة تحضر في ذاكرته يقوم بسردها أمامنا، في الوقت الذي يتحضر فيه مع زوجته وولديه للسفر في العيد من دمشق إلى مدينة بانياس مسقط رأسه، ومعايدة الأهل والأحباب، لا شيء يعود كما كان، يبدأ الرجل الأربعيني حديثه مقارناً بين وقائع كثيرة، باتت في معلوم وحسابات معظم السوريين عند التفكير بالسفر، أو التنقل من مكان إلى آخر، أو من محافظة إلى أخرى، خاصة في ظل ظروف اقتصادية متردية وصعبة،  وتراجع ملحوظ في الخدمات التي تقدمها شركات النقل من جهة، وارتفاع أسعار الوقود من جهة أخرى، لتكون هذه الظروف مجتمعة عوامل تعرقل، وتؤجل أي مشروع للبهجة والفرح، ولم شمل الأحباب في الأعياد والمناسبات التي تعني السوريين، وتكون فرصة للقاء بينهم.

تكاليف ضخمة

عطلة هذا العيد طويلة ومناسبة، ولولا ذلك لما حسمنا قرارنا كعائلة للسفر، يكمل أبو رامي حديثه، موضحاً معلومات تفصيلية عن تكاليف رحلته هذا العام التي تتطلب بالحد الأدنى خمسين ألف ليرة بعد الارتفاعات الأخيرة في أجور النقل، وهذا الرقم فقط لأساسيات الرحلة أي (تعبئة السيارة بالوقود وجلب بعض الحاجيات البسيطة وبعض الهدايا)، ويضيف: السفر اليوم هو مشروع قائم بحد ذاته، إذ باتت تكاليفه مرهقة للأسر السورية، وخاصة بالنسبة للموظفين وأصحاب الدخل المحدود، ويكفي أن نقول: إن أجور الشاليهات تضاعفت إلى حدود خيالية، ولو لم نكن من أبناء تلك المدينة الساحلية لازداد وضع السفر صعوبة، بعكس ما كان سابقاً، فمثلاً كان يمكن للأسرة السورية في أعوام سبقت الحرب من عام 2000 وحتى عام 2010 التنقل بين المحافظات بأريحية، والسفر بتكاليف بسيطة جداً، وإحضار الهدايا والحلويات لكل من تزوره، لكن اليوم كل شيء تغيّر، اختفت بهجة العيد، وأصبحت ضريبة الفرح مرتفعة، والخوف والحذر يرافقان أي رحلة من ناحية وضع الطريق وسلامته، أو الخوف على منازلنا التي نتركها من السرقة، هذا ناهيك عن طول مدة السفر بسبب الحواجز وإجراءات السلامة الأمنية التي يتطلبها الانتقال من محافظة إلى أخرى.

عروض المواسم

ورغم الصعوبات والإشكاليات العديدة التي ذكرت في المثال السابق، بدت حركة السفر في هذا العيد نشطة، والحجوزات بالجملة من دمشق للكثير من المسافرين الراغبين في إنهاء الموسم الصيفي بمعايدة أقاربهم في المحافظات الأخرى، ففي مكتب حجز لإحدى شركات النقل الخاصة التي باتت محدود جداً، يبدو العيد موسماً جيداً والحجوزات نشطة، والكثير من الرحلات أصبحت غير شاغرة قبل أيام من موعدها، ويقول رائد موظف في الشركة: للأسف لم تعد الأمور كما كانت سابقاً، كنا كشركة نقدّم عروضاً كثيرة للمسافرين في أيام سبقت هذه الحرب، فكان يمكن للمسافرين، مثلاً، أن يحصلوا على تذاكر سفر مجانية بعد جمع 6 بطاقات سافروا بها سابقاً، وكنا نقوم بتخفيضات، وبحسم للأطفال الصغار، لكن هذا الأمر لم يعد ممكناً اليوم، خاصة في ظل الارتفاعات المستمرة لأسعار الوقود، والأوضاع الأمنية الحساسة التي تشهدها طرق السفر، والتي تحمّل شركات النقل أعباء كثيرة!.

مزاجية “الفانات”!

وفي ظل الواقع الجديد الذي فرضته الأحداث السورية، وواقع النقل المتردي بين المحافظات، والشركات القليلة الخاصة التي تعمل في ظروف أمنية صعبة، وواقع اقتصادي متقلب، بدا أن الكفة رجحت في اختيار طرق جديدة للسفر، وهي طريقة فرضها واقع الحال، ودرجت في الأزمة باستخدام “فانات” خاصة للسفر، أو “التكاسي”، وهذه السيارات الصغيرة مفضلة بالنسبة لمسافرين كثر لسهولة حركتها، وتوقفها داخل المدن، أو وصولها إلى قرى كثيرة في المحافظات السورية، وحركتها خفيفة وسهلة بعكس الباصات والبولمانات الكبيرة التي تتطلب التوجه لأطراف المدن حيث “الكراجات”، ويقول عمار، الشاب الذي يسكن في منطقة المزة: هذه الطريقة جيدة جداً، ووفرت على مسافرين كثر عناء التنقل المتكرر في المدينة قبل السفر، ولكن من المهم جداً تنظيمها ومراقبتها، خاصة أن هناك مزاجية كبيرة، فكل سائق فان يضع تسعيرة خاصة به، إضافة للمشكلات التي قد تحدث أحياناً بموضوع توزيع المقاعد، وجلوس الركاب، ويذكر عمار سلبية أخرى لهذه السيارات أنها لا تستطيع في أحيان كثيرة استيعاب حوائج وحقائب الركاب، وهنا يمكن الحديث عن ضرورة تدخل الوزارات المعنية كوزارة النقل، وحماية المستهلك، ودوائر الخدمات في المحافظات، فيمكن على سبيل المثال منح تراخيص لشركات خاصة تعتمد هذه الطريقة في ظل الحاجة لها.

أولويات

من جهة أخرى يبدو أن الظروف المعيشية، والواقع المتردي قد حرما الكثيرين من السفر في العيد وقضاء بهجتهم، فرغم أن فترة العطلة وتوقيتها مناسبان، لم يسافر بعض من قابلناهم، وفضّلوا قضاء هذه العطلة في منازلهم، يقول منهل، (موظف): إن الأولوية بالنسبة له هي لشراء بعض الملابس الشتوية في بداية فصل الخريف، ومثله أم ربيع  التي فضّلت قضاء العطلة مع أسرتها في هذا العيد دون التوجه إلى أقاربها في محافظة حمص، وتقول: إن الأكثر أهمية بالنسبة لها هو موضوع المونة والتجهيز لأيام أخرى قادمة في ظل ظروف الحرب التي يتمنى السوريون جميعاً أن تنتهي قريباً، وتعاد عليهم في أجواء أخرى يسود فيها الأمن والسلام.

محمد محمود