كَسَب وإرادة العودة إلى الحياة: «الله! هِنا الجنة»

كَسَب وإرادة العودة إلى الحياة: «الله! هِنا الجنة»

أخبار سورية

الجمعة، ١٨ أغسطس ٢٠١٧

على الرغم من الحذر الذي رافق أهالي كسب خلال فترة ما بعد معارك 2014، غير أن سكان المنطقة حاولوا انتزاع رزقهم مجدداً، بمبادرات فردية اعتاد اللاذقيون الركون إليها لتعود رحلة نهايات الأسبوع الصيفية
 يحمل الطريق إلى كسب، خلال عطلة نهاية الأسبوع، الكثير من المشاعر المختلطة. منحدرات الطريق وخطورتها توحي بذكريات المنطقة القريبة التي زارتها الحرب وأسهمت بنكبة سكانها اقتصادياً. بعضهم مضى حاملاً ذكرياته الحزينة إلى أرمينيا، باعتبار سكان المصيف السياحي أرمناً بمعظمهم.
غير أن كثيرين منهم ما زالوا يعانون في سبيل نهضة البلدة وإعادة بناء ما تهدم. أهالي اللاذقية يُكبرون في الكسبيين روح الإرادة ويلبّون دعوة ضمنية لقضاء إجازة نهاية الأسبوع في المنطقة الجبلية، رغم فقر الخدمات المنتظرة من المحافظة والبلدية. ويرددون ذكريات عاشها بعضهم، خلال معارك الجبال القاسية عام 2014. المشهد الأقسى الذي يوضح أن الذكريات المترددة على الألسنة ليست مجرد حكايات أو كوابيس، يتلخّص في الشجر المتكسر والمحترق على طول الطريق بين مفرق وادي قنديل وكسب السياحية، ومروراً بمنطقة بللوران. جميع هذه المناطق واقعة على الأوتوستراد الدولي الواصل إلى الحدود التركية، والذي كان يوماً «مربط خيل» التجار السوريين. النظر باتجاه مفرق الحدود التركية، اليوم، يثير اشمئزاز اللاذقيين وشتائمهم، بفعل السياسة ومطباتها. «هُنا طريق النبعين. وعبر هذا المفرق يمكن الصعود عبر طريق طويل نحو قمة الـ 45»، يقول ثائر، الشاب الثلاثيني الشاهد على حقبة معارك المنطقة. وتعود إلى الأذهان مرحلة سقوط القمة عسكرياً واستعادتها، ثم سقوطها واستعادتها، حتى أحالت حياة أهل البلدة كوابيس، في ظل وجود الأبناء في محيطها للذود عنها، إلى أن عاد بعضهم شهداء في حينها.
«غالية قمة الـ 45. بذلنا مهرها دماً. وعادت الأعالي والسهول المحيطة إلى أصحابها التاريخيين»، يقول حيدر، جندي أسهم في تحرير المنطقة. أشجار التفاح قد أثمرت بما يثير البركة والتفاؤل، وكذلك الدراق. فيما انتهى موسم الكرز منذ أكثر من شهر. يقول جورج، صبي عامل في مطعم: «ولى زمن الكرز». يضيف أحد الزبائن: «تحرير المدينة كان في موسم الكرز عام 2014». يعلق جورج مجدداً: «صحيح في شهر حزيران. كانت مزارعنا حافلة بالكرز. أشجار كثيرة سُرقت وتكسرت. لقد كان ذلك الموسم كابوساً نسعى إلى أن نصحو منه». رحلة العثور على هذا المطعم لم تكن سهلة كعادة الرحلات إلى المنطقة الجبلية الراقية. لكنّ الوصول إلى مطعم «الصخرة» الذي كان من تراث المكان، مصيب للخيبة. لم يفتتح صاحبه مطعمه بعد، وأعمال الصيانة قائمة. يعد بعودة قريبة، لكن بوعد لا يخلو من الأسى، طاوياً ذكريات المطعم الشهير وزواره الحلبيين الذين يحيون رجالاً ونساء حفلاته النهارية العامرة بالقدود ورقصتهم «السماح»، التي يتأملها اللاذقيون بالكثير من الإعجاب.
في المطعم الوحيد الذي يستقبل زواراً والمطلّ على مساحات شاسعة من الخضرة والجمال، يمكن أن تتناول ما جادت به الطبيعة على هذه المنطقة من خضر وفواكه، إضافة إلى ما ترغبه من اللحوم. الهواء هُنا لا يشابه رطوبة اللاذقية الخانقة. يمكن أن تسأل عن بعض الحلويات، فيجيبك صاحب المطعم مبتسماً: «لا عمال كافين لدينا. بدأنا العمل بـ 10 برادات. نريد المزيد كي نقدم وصفات إضافية ما بعد الغداء».
العديد من المعارف والأصدقاء يمكن أن يصادفوا بعضهم في المطعم ذاته. فالكل تاق إلى استعادة الهواء النظيف في المنطقة البديعة. ويمكن ابتياع بعض منتجات المنطقة من ماء الزهر وصابون غار والتوت الشامي والحصرم والكثير من الفواكه. متابعة المسير في طرق البلدة مروراً بساحتها، وأُمنية افتتاح قريب لكثير من الفنادق والمحال التجارية المغلقة، مثار حسرة وترقب زائريها الأسبوعيين. حجم الخراب المحدود يجعل الآمال بعودتها أكبر. أما في رحلة العودة من كسب، فيمكن الكثير من السيارات التوقف عند إحدى النقاط المعروفة جيداً لأهل اللاذقية، والمطلة على الجبال ومن خلفهم البحر، والشمس تلوح إلى المغيب. مشهد بديع يتداول اللاذقيون عنه أن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر أوقف سيارته وتأمل الصورة الطبيعية قائلاً: «الله! هِنا الجنّة». ولا شكّ في أنها جنة بالنسبة إلى أهل المدينة... جنّة دفع ثمن حريتها وعودتها إلى أهلها غالياً جنود مجهولون، يقابلك بعض رفاقهم على حواجز الدخول والخروج قائلين برضى: «أهلاً بعودتك إلى كسب».