بحثــاً عـــن الحلـول حرق النفايات.. أضرار بيئية وصحية متعددة.. وخسائر اقتصادية كبيرة

بحثــاً عـــن الحلـول حرق النفايات.. أضرار بيئية وصحية متعددة.. وخسائر اقتصادية كبيرة

أخبار سورية

الأحد، ٢٤ سبتمبر ٢٠١٧

تقدّر النفايات التي تُرمى في المكبات يومياً بمئات الآلاف من الأطنان فيها السائل والجامد والصلب والبلاستيك والمعدن وما بينهما وما يمكن تدويره، ما يجعل المئات إن لم نقل الآلاف من الأسر تعيش من وراء القمامة جراء النبش في أعماقها بحثاً عن أثر له مردود مادي عليهم من خلال بيعه لوسيط ليقوم هذا الوسيط ببيعه لشركات أو مصانع لإعادة تدويره مجدداً.
فهل تمتلك وزارة الإدارة المحلية والبيئة تقديراً أو تصوراً لما يُرمى يومياً أو شهرياً من هذه الأدوات أو النفايات في المكبات الرسمية وغير الرسمية أو المطامر، بل قد يكون السؤال الأجدى طرحه هنا هو: لماذا الاستثمار في النفايات لدينا شبه معدوم رغم أن  حجم سوق هذه النفايات يتعدى مئات الملايين سنوياً أو شهرياً؟.
يتصف قطاع إدارة النفايات بالتخلف، وضعف الاستثمارات والممارسات الشديدة الخطورة في التخلص من هذه النفايات في الوقت الذي أخذ حجم هذه النفايات في الازدياد بشكل مثير للقلق جراء الاستخدامات الالكترونية الزائدة فضلاً على أنه لا يوجد لدى الجهات العليا التزام شديد بإدارة النفايات، كل ما هنالك يوجد لدينا مطامر صحية كما يطلق عليها، وبعض المكبات التي تفتقد لأدنى الشروط والسلامة البيئية والاستراتيجيات الوطنية.

مكبات على مد النظر
في الطريق من مصياف إلى وادي العيون السياحية تطالعك العديد من مكبات القمامة بين الغابات وعلى مفارق الطرق كنقاط علام، ما يؤكد أن النفايات لا تلقى الاهتمام المطلوب لجهة وضعها في أماكن مخصصة بعيداً عن الغابات والطرقات العامة، وخاصة إذا كان هناك مطامر صحية، ما يؤكد النواقص التي تشوب هذا القطاع، وضعف مقاييس التخلص من هذه النفايات بشكل بيئي سليم، فليست هناك أنظمة مناسبة لجمع النفايات ونقلها في الوقت ذاته، فإنها لا تشمل العديد من السكان، بل تُرمى أينما وجدت للتخلص منها في كثير من الأحيان.
في هذا الصدد قال مهندس يعمل في قسم الحراج: إن أغلب النفايات التي توضع في مكبات غير رسمية، أي خارج إطار المطامر يتم التخلص منها عن طريق الإحراق في الهواء الطلق مخلفة وراءها الروائح والانبعاثات الغازية المختلفة وفقاً للمواد المحترقة، ما يزيد التلوث تلوثاً، ويسهم في ارتفاع درجات الحرارة.

نظافة وترحيل نفايات
الخبير في شؤون النفايات والأكاديمي  الدكتور قاهر أبو الجدايل رئيس مجلس مدينة مصياف، قال: يعتبر ترحيل النفايات، والعمل على جعل المدن نظيفة هو من أولويات عمل الوحدات الإدارية، فنظافة الأحياء يعني أولى الخطوات نحو إقامة بيئة نظيفة مستدامة، وهذا ما نعمل عليه منذ أن تم تكليفنا برئاسة مجلس المدينة مؤخراً.
وأضاف: لكن للأسف قد يلجأ البعض إلى حرق هذه النفايات بالهواء الطلق، ما يؤدي إلى تحلل منتجاتها، وبالتالي تلوث الهواء والمياه الجوفية والسطحية والتربة، أضف إلى ذلك قد تجد هذه الملوثات طريقها بعد ذلك إلى الهواء الذي نتنشقه، أو تدخل سلسلة الغذاء مسببة مخاطر صحية مباشرة دون أن ندري.
وأشار أبو الجدايل أن مجلس المدينة السابق، كان قد أهمل عدة آليات بلا أي سبب، ما جعل القمامة تتراكم هنا وهناك، حيث كانت  مرمية في المرآب دون أن يكون بها أي عطل أو خلل فني فضلاً على أنه تم استدعاء العشرات من عمال النظافة الذين كانوا “مفيشين” للأسف فإذا كان مجلس المدينة لا يقوى على القيام بواجباته المتمثلة بجعل المدينة أكثر نظافة وبهاء، فماذا يمكنه أن يعمل؟.

أكثر من مئة ألف طن
المهندس محمد مشعل مدير الخدمات الفنية بحماة، قال عن آلية ترحيل النفايات والتعامل معها: يوجد لدى محافظة حماة ثلاث مطامر فنية في كل من كاسون الجبل شمال شرق مدينة حماة وآخر في مجال منطقة السلمية، حيث تبلغ طاقة كل منهما ما بين الـ 100 ألف و150 ألف طن متر مكعب، يتم ترحيلها يومياً إلى هذه المطامر من كل من مدينة حماة والسلمية والتجمعات القريبة منهما.
أما المطمر الطويل في ريف مصياف القريب من بلدة حنجور فلم يوضع بعد بالاستثمار، والذي تبلغ طاقته الاستيعابية 120 ألف طن/ متر مكعب، وهو عبارة عن خليتين سيوضع بالاستثمار مع بداية العام القادم، وهو سيخدم كل منطقة مصياف، وعدداً كبيراً من ريفها، ومنطقة الغاب، ومحردة، بدلاً من رمي النفايات في وسط الغابات، وعلى مداخل المدن مخلّفة وراءها المزيد من التلوث البيئي، لافتاً إلى أن الذي أربك العمل، وجعل هذه النفايات تتراكم بشكل ملفت، هو ضعف الإمكانيات لجهة الآليات، وعدم جاهزيتها الفنية التامة، وقد تم شرح ذلك وتوضيحه قبل أسبوع لدى زيارة وزير الإدارة المحلية والبيئة لمدينة مصياف.
وأوضح بأنه يمكن للوحدات الإدارية استئجار آليات لترحيل القمامة، والمساهمة في كل ما من شأنه أن يقدم خدمة للمواطنين، ولكن نظراً للوضع غير المتطور، والممارسات غير المستدامة السائدة فيه، تبرز حاجة ماسة إلى إجراء تحول عميق في معالجة النفايات الصلبة بدلاً من رميها وحرقها وطمرها، إلى منهج لإدارة الموارد بشكل سليم حفاظاً على البيئة وسلامتها.

ضعف وغياب
من ناحيته قال رئيس مجلس مدينة حماة في معرض جوابه عن سؤال: لماذا تفاقم وضع القمامة والنفايات في شوارع وأطراف المدينة، بشيء لا يخلو من العصبية وردة الفعل، معللاً الأسباب بأنه تم تسريح المئات من عمال النظافة الذين كانوا يتقاضون أجورهم من المنظمات الدولية، فضلاً عن ضعف وغياب الضواغط والآليات اللازمة، ولذلك طلب منا أن نوفر له هذه الآليات، نافياً في الوقت ذاته أن يكون قد استلم أي مبلغ من الاعتمادات التي خص بها رئيس الحكومة أثناء زيارته إلى مدينة حماة قبل شهرين من الآن، وأنها مجرد وعود بوعود على حد تعبيره ووصفه؟!.

انتهاكات صحية وبيئية
مديرا الحراج في مجال زراعتي حماة والغاب قالا عن حرق النفايات في المكبات غير الصحية بأن هذه الخطوة تشكّل انتهاكاً صارخاً للسلامة العامة، وللبيئة، وتترك وراءها العديد من الآثار السلبية، سواء أكان على التربة أو على النباتات المحيطة بها، كل ذلك يحدث في ظل غياب المراقبة، بل كثيراً ما سبب حرق هذه النفايات حرائق الغابات، كما يحدث بريف غابات مصياف، مسببة العديد من المشاكل البيئية، باعتبار ذلك يشكّل جريمة لما يلحق بهذه الغابات لخطورة تلك الممارسات.

دردشة مع النباشين
حاولنا عدة مرات إجراء دردشة مع هؤلاء النباشين في النفايات، لكنهم رفضوا، بل قال أحدهم: “كان ينقصنا أن توضع صورنا بالجرائد”، لكن إصرارنا على أن الحوار هو من باب الاطلاع وليس للنشر، أفضى أحدهم واسمه سامر حين قال بأن ما يجمعونه من النفايات من معادن، ونحاس، وقطع بلاستيكية، وغيرها، يبيعونها لشخص، وبدوره يبيعها لشركات أو معامل لإعادة تصنيعها وتدويرها.

تطوير الاستراتيجيات
ينبغي على الجهات المعنية في كل من وزارة الإدارة المحلية والبيئة، والزراعة أن تطور استراتيجيات وطنية لإدارة النفايات، ووضع مخططات عامة توفر الدعم الكافي للالتزام بمنهجية توضع للتعامل مع النفايات بشتى أنواعها وأشكالها، ويدخل في هذا المجال تشجيع الاستثمار في  تخفيض النفايات، وإعادة استخدامها واستعادتها بدلاً من رميها هنا وهناك ملحقة الآثار البيئية الخطيرة على التربة، والهواء، والصحة، والسلامة العامة، بعيداً عن النباشين الذين يقومون بانتقاء المواد البلاستيكية والمعدنية منها وبيعها هنا وهناك بحثاً عن مصادر العيش دون أن يدروا ما قد يخلفه هذا الإجراء بصحتهم الغالية!.

محمد فرحة