يقصدها الناس أسواق البالة..خيارات تناسب كل الأذواق.. وأسعار منافسة للبضائع الجديدة

يقصدها الناس أسواق البالة..خيارات تناسب كل الأذواق.. وأسعار منافسة للبضائع الجديدة

أخبار سورية

الجمعة، ٢٠ أكتوبر ٢٠١٧

يوم آخر من أيام السبت، ودفعة جديدة من بضائع الألبسة المستعملة (البالة) تصل إلى سوق “الفحامة” الذي تحولت بيوته العربية، أو جزء كبير منها إلى صالات، خُصصت لعرض هذه البضائع، فشكلت مع بعض المحال الأخرى تجمعاً رئيسياً هو الأكبر بين الأسواق الأخرى المختصة في عرض هذه السلع والمتاجرة بها.
أما البضائع فكانت – كما كل المرات – ذات محتوى مختلط لا هوية لها.. فيها ألبسة لكل الأعمار ولكل المقاسات، بدءاً بألبسة الأطفال، وانتهاء بمقاسات من نوع “ثلاثة إكسات لارج”، تجمعت أكوامها على ألوح خشبية وبسطات، والمشترك الوحيد بينها هو تلك الأيدي التي تقلبها، وتتفحصها لتتأكد إن كانت صالحة لإعادة الاستعمال أم لا، فتختار الأنسب لذوق أصحابها، أو تتركها، وتمضي باحثة عن بضائع أخرى.

أسواق عديدة

ويبدو أن سنوات الأزمة المتعاقبة جعلت من أسواق هذه البضائع التي تتركز في أمكنة عدة من مدينة دمشق منها بالإضافة لمنطقة الفحامة.. منطقة باب الجابي، منطقة الشيخ محي الدين، وأيضاً في القرب من منطقة المرجة، فيما يعرف بسوق الحرامية، وفي أمكنة  أخرى، حيث أصبحت هذه التجمعات مقصداً للعديد من الأسر التي تبحث عن أسعار رخيصة، أو مقبولة قدر الإمكان من ألبسة، وأحذية أجنبية مختلفة الأشكال والألوان، وتقول أم رامي إحدى الزبائن هذه الأسواق: إنها تأتي كل شهر تقريباً لترى ما هو الجديد في السوق، وهي تعرف بالضبط الأيام التي يمكن أن يأتي فيها السوق بجديد من الملابس لمرتاديه، وتحددها بومي السبت أو الاثنين من كل أسبوع، وتضيف: إن عدد أولادها الكبير يجبرها في كثير من الأحيان على اختيار الملابس الخاصة بهم من هذه الأسواق، ولا ترى مشكلة على الإطلاق في تلبية طلبات أولادها واحتياجاهم من البالة، فنوعية الأقمشة كما تقول جيدة جداً، وهي بحاجة فقط إلى وجهين من الغسيل في غسالة “الأتوماتيك” التي تمتلكها.

قمصان رياضية

في حين يراها أبو عزام، زبون آخر، أنها المكان الأفضل لمن يبحث عن “لقطات”، فسوق البالة بحسب هذا الرجل مكان يمكن أن يجد فيه أشياء تضاهي أفخر الماركات المحلية، لا بل وتتفوق عليها أيضاً سعراً وجودة، لكنها بحاجة إلى دقة وخبرة وصبر في عملية البحث، ويتابع أبو عزام حديثه عن “اللقطات”، مخرجاً أحدها من كيس أسود يمسكه في يده، وهو حذاء اشتراه لتوه، ويقول: هذا الحذاء على سبيل المثال صناعة إيطالية، وهو من أفخر أنواع الجلود، وأفخم الماركات، لكن في المقابل يمكن أن تفاجأ بالأسعار المرتفعة التي تحسب على الدولار، فالأحذية اليوم في أسواق البالة يمكن أن يقارب سعرها الأسعار المتوفرة محلياً، أو قد تزيد عنها، إذ بلغ سعر الحذاء الذي ابتاعه أبو عزام 12000 ليرة، وهو سعر مرتفع، ويمكنه  شراء حذاء جديد، لكن هذه ضريبة الأوروبي كما يقول، وهو يعتقد أنه الحذاء الذي ابتاعه لا يمكن أن يجد نظيره في السوق المحلية بنفس السعر، وبنفس الجودة والمتانة، أما منصور وسليمان وزاهي، فهم مجموعة شبان يقصدون السوق في كل مرة للحصول على قمصان رياضية للأندية الأوروبية التي يشجعونها، ويقولون: إنهم في مثل هذه الأمكنة يجدون طلبهم الذي لا يتوفر في السوق المحلية بمثل تلك الجودة والأسعار الرخيصة، حيث يمكنهم أن يجدوا قمصان نواديهم المفضلة كريال مدريد وبرشلونة، في حين أن أسعار هذه القمصان مرتفعة جداً في محلات الرياضة التي تبيع مثل تلك القمصان.

جمهور خاص

في الجانب الآخر يؤكد أصحاب المحلات التجارية الذين يبيعون الألبسة الجديدة محلية الصنع، أو المستورد منها، أن لا ضرر من وجود محلات البالة بجوار محلاتهم، وأن عملهم كأصحاب محلات لا يتأثر كثيراً بوجود هذه السلعة، ويوضح السيد عبد الله، صاحب محل تجاري في منطقة “الفحامة”، أن لكل نوع من البضائع جمهوره، وأن زبون البالة هو زبون من نوع “خاص” يأتي قاصداً المستعمل من الملابس والأحذية، ولا يرضى بديلاً عنها، وفي المقابل فمن يرغب بشراء الجديد من الملابس لا يمكن أن يقصد سوق الألبسة المستعملة أيضاً، وهذا ما أكده أحد الزبائن الموجودين في المتجر بقوله: “لا أحد يعرف ماذا فيها من أمراض، ومن كان يلبسها قبلنا، أنا شخصياً أفضل الملابس الجديدة حتى ولو كانت أغلى ثمناً”، وفي المقابل يدافع أصحاب متاجر البالة عن بضائعهم، ويباهون بجودتها، ويتحدث “أبو علي”، صاحب محل على الشارع الرئيسي في سوق “الفحامة”، بالقول: “أصحاب المعامل حاربوها، وادعوا أنها تحمل الأمراض، ولكن الحقيقة أنها معالجة، وفيها مواد للحفاظ عليها من (العت) الذي يصيب الأقمشة، وهي بضاعة ذات جودة عالية يفترض أن تدفع الصناعة المحلية نحو التطور لتكون بجودتها، ومن ناحية أخرى مناسبة لأصحاب الدخل المحدود، ومن لديهم عائلات كبيرة”.

أسرار خاصة

ويتحدث رضوان نوح، صاحب محل آخر في السوق، موضحاً بعض أسرار هذه المهنة، إذ يقول: إن البالات ليست، كما يظن البعض، بضاعة من نوع أو صنف واحد، بل لها تصنيفات عديدة، حيث تأتي بحاويات أو “كراتين” مختومة، وعلى درجات أو تقسيمات مختلفة، والتقسيمات المتعارف عليها بين الباعة والتجار هي كالتالي: منها ما يسمى “الكريم”، وهو أفضل الأنواع، ومنها الدرجة الأولى، ثم الدرجة الثانية، ثم درجة ثانية قوي، ثم درجة ثانية ضعيف، ثم درجة ثالثة، وهكذا، ويقول: إن لكل نوع من “الكراتين” المصنفة سعره المختلف عن غيره، وهذه التصنيفات تنطبق على الألبسة والأحذية على حد سواء، ويقول: هذه التجارة لا أمان لها، إذ تتطلب درجة من الخبرة، ونسبة من الحظ الوافر، وهي كمن يغرف من البحر بالنسبة لأحذيتها، أو كمن يدخل مغارة مفتوحة بالنسبة لألبستها، واحتمال الربح والخسارة وارد جداً في بداية كل موسم عندما تأتي البضائع الجديدة، فمثلاً يمكن لصاحب متجر ما أن يشتري عدداً من “الكراتين” على أنها من نوع “كريم”، وبعد أن يفتحها يكتشف أنها من الدرجة الثانية فيخسر بدلاً من أن يربح، وفي المقابل يكشف صاحب هذا المحل عن تجار من نوع خاص يقومون بانتقاء البضائع الممتازة، أو “تصافي المحلات” التي لاتزال أسعارها عليها، ويتم بيعها مجدداً على أنها بضائع جديدة ذات منشأ أجنبي، وبأسعار غالية جداً!.

محمد محمود