الزراعة الشتوية.. مع قلة الأمطار.. تحضيرات مؤجلة تهدد المحاصيل.. وارتفاع أسعار الأسمدة يزيد التحديات

الزراعة الشتوية.. مع قلة الأمطار.. تحضيرات مؤجلة تهدد المحاصيل.. وارتفاع أسعار الأسمدة يزيد التحديات

أخبار سورية

الخميس، ٢٣ نوفمبر ٢٠١٧

بدأت التحضيرات للخطة الزراعية لموسم عام 2017 – 2018 من خلال تشكيل مجموعات عمل للمتابعة، وهي الخطوة الأولى المتبعة منذ سنوات، أي أن ما يجري التخطيط والتحضير له كل عام مثل هذه الأيام، وصولاً إلى إتمام عمليات الزراعة لمختلف المحاصيل الشتوية دون النظر إلى ما قد يعتري مراحل التنفيذ في منتصف الطريق من صعوبات وظروف جوية، ما يؤثر على سير العملية الإنتاجية، و”يلخبط” كل الحسابات، وهذا ما لا نتمناه، وبخاصة أننا أصبحنا في شهر تشرين الثاني، ولا نزال ننتظر الأمطار ما يجعل المزارعين يضعون أيديهم على قلوبهم خوفاً، بل هذا ما عبّر عنه بشكل واضح مدير عام هيئة تطوير سهل الغاب المهندس غازي العزي  حين قال: الوضع مقلق لجهة قلة الأمطار، فحتى الآن من الصعب بمكان تهيئة الأرض ما لم تروَ بالمطر الذي يسبق الإعداد لعمليات الزراعة.
بل لعل السؤال الكبير والجوهري الذي يطرح نفسه الآن، مؤداه : هل يعقل أن يتم رفع أسعار الأسمدة مع بداية موسم الزراعة، حيث تم تخفيض سعر كيس اليوريا ألف و750 ليرة، ورفع سعر المركب ثلاثة آلاف و300 ليرة، فعن أي دعم للقطاع الزراعي هذا الذي عنه يتحدثون؟.
خذوا مثالاً عندما رفعت مؤسسة الأعلاف أسعار طن النخالة والجريش، كيف تكدست المادة في مستودعاتها  لدرجة راحت تبحث عن مستودعات في كل من شركة إطارات حماة، وشركة سكر سلحب لتخزين المادة، بل تم تخزينها بالعراء في منطقة السلمية، الأمر الذي دفع المؤسسة العامة للأعلاف، ومن يعنيهم الأمر تخفيضها، لعل وعسى تجد سوقاً وإقبالاً من المربين، وهذا ما سيحدث مع الأسمدة بعد رفع أسعارها.
وأكد مدير التخطيط والتعاون الدولي في وزارة الزراعة في منتصف شهر أيلول أنه تم تشكيل مجموعات عمل مركزية في المناطق وحتى القرى التابعة لها من أجل  إقرار وتنفيذ الخطة الزراعية، حيث ركزت أي الخطة، والكلام مازال لمدير التخطيط والتعاون الدولي، على زيادة المساحات البعلية والمروية المزروعة بالقمح مقارنة مع العام الماضي.. انتهى الاقتباس.
دعونا نتوقف لنسجل بعض الملاحظات التالية: أولاً للعام الثاني أو الثالث نسمع نفس المونولوج، أي زيادة المساحات المزروعة، وللعام الثاني أو الثالث يتراجع إنتاجنا من القمح في المساحات المروية أيضاً، كما كان الموسم الماضي الذي زادت فيه المساحة المروية عن عام 2016 بـ69 ألف هكتار وفقاً لما قاله وزير الزراعة، مبشراً بإنتاج وفير، فهل إنتاج 337 ألف طن على مستوى سورية إنتاج وفير، مقارنة بثلاثة أو خمسة ملايين أو بنصف مليون، الأمر الذي جعل فاتورة شراء القمح بالاستيراد ترتفع في الوقت الذي كان من الضروري توفير القطع الأجنبي لخزينة الدولة؟.
المسألة لا تحتاج إلى الكثير من العناء فقط، لو تم توفير الأسمدة في حينها رغم عشرات المراسلات من المصرف الزراعي لوزارة الزراعة، كون وزيرها هو من يقدّر احتياجات القطر من الأسمدة، لكن دون جدوى، ما جعل الإنتاج يتراجع بهذا الشكل منذ استقلال سورية، وحتى الآن لن يفيد البكاء على الحليب المسكوب، ولا على المواسم التي خسرنا إنتاجيتها، رغم أنها حارقة، بل لكي نكون منصفين وموضوعيين أيضاً، لابد من الإشارة إلى أن لهذا التراجع الإنتاجي أسبابه الخارجة عن السيطرة كالتحول المشهود في المناخ بما يحمله من جفاف ونضوب في منسوب المياه المختزنة، وتتالي سنوات الجفاف العجاف، مثل ظاهرة التصحر، وخروج العديد من المساحات الزراعية من الخدمة، ومع كل هذا أكدت وزارة الزراعة بأن المساحات التي زرعت بالقمح العام الماضي تفوق عام 2016، فما هذا التناقض؟. وكما كان إنتاج القمح كان إنتاج القطن، فمن يقرأ الأرقام القادمة من محافظة الحسكة، أم الإنتاج يدرك صحة ما ذهبنا بالقول إليه، حيث كان مخطط لزراعة القطن هناك 16600 هتكار لم يزرع منها سوى 1740 هكتاراً، أعطت إنتاجاً، قدره 5000 طن، سيسوق إلى حماة.

لحظة بلحظة
رئيس اتحاد فلاحي حماة الدكتور هيثم جنيد قال في اجتماع اللجنة الزراعية حول كل ذلك: لم نقصّر يوماً في مخاطبة المعنيين في الحكومة عن تطورات ومراحل نمو المحصول لحظة بلحظة، ولكن للأسف لم يكن أحد يتعامل معنا كما كنا نشتهي ونبتغي، وصولاً لإنتاج وفير في وحدة المساحة، في حين قال عضو المكتب التنفيذي لقطاع الزراعة المهندس رفيق عاقل: لا أحد يستطيع أن ينكر تراجع الزراعات لكل المحاصيل، عدا محصول التبغ الذي حظي بشتى أنواع الدعم، وتم توفير الأسمدة له قبل محصول القمح، متسائلاً: كيف يمكن تأمين الأسمدة لمحصول التبغ، ولا يمكن توفيره لمحصول أكثر استراتيجية ألا وهو القمح؟!.. مضيفاً بأن ما نسمعه من أحاديث عن دعم القطاع الزراعي يشي بكثير من الرغبة لدى الفلاحين لبذل المزيد من الجهد، والإصرار على المضي قدماً بالتمسك بالأرض وزراعتها، لكن هذا يتطلب أدنى شروط استدامتها، وهو ما يحتاجه هذا القطاع من بذار محسّن عالي الجودة والحيوية.
إحجام زراعي
في هذه الأثناء أوضح مدير عام هيئة تطوير سهل الغاب، المهندس غازي العزي، بأن الخطة المقررة لمحصول الشوندر هذا العام تبلغ 5000 هكتار، ولكن لم يزرع منها حتى الآن سوى عدة هكتارات، بمعنى هناك إحجام عن زراعة المحصول، حسناً لنبحث عن زراعات أكثر اقتصادية وريعية واستراتيجية في آن معاً، مشيراً إلى أن إنتاج سهل الغاب لهذا العام من القطن هو الأدنى أيضاً، بحيث لا يتعدى  الـ 150و200 طن في كل الأحوال، فعودة القطاع الزراعي إلى الواجهة بعد أن عادت سيطرة القسم الأكبر من الأراضي للدولة تحتاج إلى دعم كبير وواضح وملموس من خلال التحفيز، وإعطاء هامش ربح مجز، أو سلف نقدية تتناسب وتكاليف الإنتاج.

شهادات المزارعين
المزارع فراس منصور، منطقة الغاب، قال: رغم كل الظروف الصعبة التي ترافق القطاع الزراعي لجهة قلة المياه، وغياب المستلزمات، وإن حضرت ارتفعت أسعارها، مازالت الرغبة لدينا لكي نزرع، لكن الخسائر المتلاحقة التي ألمت بنا، وتدني أسعار الإنتاج، من شأنهما أن يقللا من عدد العاملين بالزراعة فيما لو استمرت طويلاً، وزاد على ذلك بالقول: إن الواقع المأزوم يجب أن نواجهه بتصميم وإرادة أكبر من خلال التركيز على الزراعة كونها تساند وتدعم القطاع الصناعي أيضاً، وما أثير قبل أشهر هنا في منطقة الغاب حول أن بذار الشوندر المراد توزيعه غير جيد، أفقد الرغبة لدى المزارعين، حتى إن بعض الذين زرعوا العام المنصرم لم تكن نسبة الإنبات لديهم جيدة، ولم يعوض علينا بشيء، مؤكداً بأنه لا يجوز الاتكاء بشكل دائم على الحكومة، بل يجب الاعتماد على الذات لجهة البحث عن الأسمدة العضوية، وغربلة المحاصيل، وتنقية البذار.

تحضيرات جيدة
الاستراتيجية الغذائية للعالم تنطلق من قاعدة السيطرة على موارده المائية، واستغلال هذه الموارد إلى أقصى حد ممكن لكي تستطيع هذه الدول مجتمعة أو منفردة أن تلبي الحد الأدنى لاحتياجاتها الغذائية في المدى المنظور، وإلا فإنها ستواجه اختلالاً في ميزانها الاقتصادي الغذائي، إن لم نقل فاقه، وتبعية للآخرين، أو الاثنين معاً، من هنا نرى أهمية دراسة المحاور الرئيسية للخطة الزراعية القادمة، وهي محورية يأتي في مقدمتها الماء المرتبط كلياً بالإنتاج الغذائي، والذي لم يؤخذ بعين الاعتبار منذ سنوات لجهة حصد المياه، وإقامة السدات والخزانات المائية، اللهم فقط الحديث يدور حولها،  والمحور الثاني السلوكيات التبذرية للاستعمالات المائية، أما المحور الثالث فهو توفير كل مستلزمات هذه الخطة الزراعية في وقت مبكر، وإذا ما تحققت هذه الشروط الثلاثة يمكنها رأب الصدع والخلل الذي رافق الإنتاج الزراعي خلال السنتين الماضيتين، لتأتي الضربة القاضية متمثّلة برفع أسعار الأسمدة في لعبة أشبه ما يقال عنها غير مدروسة، وستكون لها منعكسات كبيرة وخطيرة على تراجع الإنتاج الزراعي أكثر مما كان في العام المنصرم!.
محمد فرحة