في غياب التنشئة الاجتماعية والوعي تخريب مستمر للممتلكات العامة ومحاولات يائسة لردع العابثين

في غياب التنشئة الاجتماعية والوعي تخريب مستمر للممتلكات العامة ومحاولات يائسة لردع العابثين

أخبار سورية

الجمعة، ١٥ ديسمبر ٢٠١٧

لم تكن تلك المرة الأولى التي نشاهد فيها عمال الصيانة لحديقة تشرين يستبدلون حنفية مياه الشرب الموجودة بمدخل الحديقة، والملفت أنه خلال مدة لا تتجاوز الأسبوعين بعض الأحيان، كنا نلاحظ “حنفية” جديدة يتم تركيبها بعد عطل وضرر أصاب القديمة، وتسبب غالباً في تسرب المياه المستمر وهدرها، ويمكن لأي مراقب أن يميّز بسهولة التغيير المستمر في مورد مياه الشرب ذاك الذي يقصده معظم رواد الحديقة، وعابرو السبيل.

في كل مرة كنا نلمس فيها التغيير الحاصل، كان السؤال يزداد إلحاحاً عن الأسباب، هل المرافق العامة سريعة العطب فعلاً بتلك الصورة التي شاهدناها نتيجة كثرة الاستخدام اليومي، وتحتاج لتلك الصيانة المبالغ فيها، أم أن للموضوع صلة بطريقة التعامل معها، والعبث والتخريب المستمر الذي يطال الأماكن العامة من قبل بعض المستهترين، وتحكي قصته تلك “الحنفية” المسكينة التي تبدل ثوبها باستمرار، ليس غروراً أو مباهاة، ولكن نتيجة الحاجة الماسة لوجودها في الحديقة، بخلاف أشياء أخرى تعرضت للتخريب والعبث، وخسرها روادها من العامة، كتلك المقاعد التي انُتزعت بعض أجزائها وعوارضها الخشبية، ومازالت تنظر بعين الحسد “لحنفية” المياه، وتنتظر بفارغ الصبر دورها في الصيانة، وثوبها الجديد.

محاولات يائسة

بمثل شعبي شائع يبدأ “أبو محمد”، أحد عمال حديقة تشرين الذين التقيناهم، إجابتنا عن أسباب استبدال “حنفية” المياه المستمر، “فالج لا تعالج”، لم تفلح كل المحاولات التي كنا نقوم بها باستمرار يا بُني لحماية “حنفية” المياه تلك والحفاظ عليها، ودائماً هناك يد تطالها بالتخريب، ومهما كان نوع “الحنفية” التي نركبها أو جودتها يجد العابثون طريقة لانتزاع مقبضها، أو تركها في حالة تسريب للمياه، أذكر في إحدى المرات أننا قمنا بتركيب إطار معدني للحماية، لكن تم تخريب “الحنفية” أيضاً رغم وجوده، وحين سألنا عامل الصيانة ذاك عن إمكانية تركيب كاميرات مراقبة لرصد الأشخاص ومحاسبتهم، قال: هذا الإجراء تم بالفعل في وقت سابق، وقمنا بتركيب كاميرات مراقبة لفترة من الزمن، لكن كان هناك اعتراض من البعض على وجودها، فتمت إزالتها، لكن باختصار حتى لو تمكّنا من معرفة الفاعلين، ونحن بالفعل نقبض أحياناً على بعضهم، فلا توجد طريقة لردعهم، أو كف يدهم ومحاسبتهم، فمعظمهم يكون من المراهقين ودون السن القانونية، وبعضهم يتهرب من مسؤولية، ويدّعي البراءة، خاصة في ظل تفعيل القوانين التي تحاسب هؤلاء وتردعهم.

للأذى فقط

عامل آخر، كشف لنا عن بعض أعمال التخريب الأخرى التي تطال الحديقة، وخاصة في الحمامات، حيث يقول: في إحدى المرات شاهدت أحد الأشخاص في الحمامات العامة للحديقة، ويقوم بتحطيم المغاسل الموجودة، وحين اقتربت منه، بدا في حالة من الغضب، ويحاول تفرغيه عن طريق تكسير هذه المغاسل، فحاولت تجنبه قدر الإمكان، لكنني لم أستطع منع نفسي من توجيه الاتهام له، وسؤاله عن أسباب قيامه بتلك التصرفات، وتخريب أشياء يستفيد منها جميع رواد الحديقة، فما كان منه إلّا أن دفعني بقوة، وبدأ بالصراخ، يروق لي تدمير الأشياء حين أكون حزيناً، ثم مضى هارباً، وليست تلك الحالة الوحيدة، ففي كل يوم تصادفنا الكثير من القصص، ونضبط الكثير من الحالات بعضها من طلاب المدارس أو المراهقين الذين يجدون في الأذى متعة حقيقية، وبعضهم يقوم بحفر المقاعد وكتابة الذكريات، وبعضهم الآخر يقوم بفك البراغي منها، وكم كان مؤسفاً حين شاهدنا بأنفسنا مجموعة فتية تقوم بتخريب مقعد في مكان منعزل من الحديقة.

التنشئة الاجتماعية

يعتقد الدكتور مهند إبراهيم، اختصاصي علم نفس الطفل في جامعة البعث، أن للتنشئة الاجتماعية والأهل دوراً بارزاً في تعليم الطفل الكثير من القواعد والقوانين التي تؤثر على السلوك الاجتماعي لديه، وتبدو أكثر وضوحاً حين يصبح هذا الطفل شخصاً فاعلاً في المجتمع، ويوضح د. إبراهيم: للأسف الشديد هناك الكثير من الممارسات الاجتماعية السلبية التي تفرض وجودها على وقعنا كمجتمع سوري، والأمثلة كثيرة جداً كرمي الأوساخ في الطرقات، والعبث بالمرافق العامة (وسائل نقل، حدائق إلخ)، أو تخريبها، وهذا ينتج عن عدم الإحساس بالمسؤولية الذاتية، وعدم التقدير الغير، فمثلاً عندما يقوم أحدهم برمي مناديل ورقية في الطريق، ويرى الناس هذا السلوك يتكرر بصورة دائمة في الشارع والحديقة يصبح هذا السلوك لديهم متقبلاً لا شعورياً وموجوداً في العقل الباطن، فيقوم الفرد بتكراره بشكل تلقائي ودون انتباه، والسبب هنا يكون عن عدم فهم المسؤولية الذاتية، وعدم الإحساس بالآخرين أي عندما نرى هذه السلوكيات نكررها، باعتبار أننا جزء من هذا النسيج، لذلك نجد أن الكثير من القوانين لا تجدي، ومثال ذلك منع التدخين في الأماكن العامة، وهنا القانون واضح، لكن التطبيق غير قائم، ويؤكد د. إبراهيم أنه لتغيير السلوكيات غير المقبولة اجتماعياً وأخلاقياً يجب العودة بالضرورة لعملية التنشئة الاجتماعية الأولى، وأيضاً من خلال المعززات، فالمفروض وضع لافتات وإشارات خدمية، أو استخدام إعلانات تبحث التأثيرات النفسية في المجتمع لتقنعهم بضرورة تصحيح سلوك خاطئ، ومن المهم وجود القدوة دائماً، وأخيراً يمكن أن تكون القوانين الصارمة والمحاسبة المباشرة طرقاً مفيدة، لكنها لا تحدث التغير الدائم الذي ينشده المجتمع مثل الأساليب الأخرى التي تستخدم التأثيرات النفسية (الإيحاء- السلوك المتكرر)، وخاصة فيما يتعلق بالممتلكات والمرافق العامة التي ينبغي على الجميع المحافظة عليها.

محمد محمود