الشراء العشوائي أو الفوضوي عناوين أساسية لثقافة الاستهلاك.. والأرباح تتصاعد في جيوب التجار

الشراء العشوائي أو الفوضوي عناوين أساسية لثقافة الاستهلاك.. والأرباح تتصاعد في جيوب التجار

أخبار سورية

الجمعة، ٢٧ أبريل ٢٠١٨

بعد انقضاء فترة صلاحيتها، ألقى أبو فادي بعض المواد الغذائية المعلبة التي ابتاعها قبل عام تقريباً من أحد تجار الجملة، حينها قدم له ذلك التاجر عرضاً مغرياً لم يستطع رفضه، وباعه المواد بنصف القيمة فقط، فأخذ الرجل ما زاد عن حاجة استهلاكه، واستهلاك عائلته، وساعد التاجر من حيث لا يدري بتصريف بضاعته، ليجد نفسه خاسراً حين انتهت صلاحية المواد دون الاستفادة منها أو استهلاكها، وخسر كل ما اعتقده توفيراً، فأرسلها إلى سلة المهملات، وهو يتمتم بالمثل الشعبي المشهور: “كأنك يا أبو زيد ما غزيت”، وربما يندرج ذلك المثل الشعبي المتداول ببساطته ودلالة معناه على حالات مماثلة ودارجة بكثرة في العرف المحلي، هي ذلك الاتجاه الشعبي الذي يتطلع للتوفير والاقتصاد، ولكن ينتج عنه الهدر بكثرة، وزيادة المصاريف، ليعكس ذلك ثقافة استهلاك متردية تفاقمت في الأزمة، وعززتها طرق تجار “ملتوية”، حتى إن بعضهم أيضاً كان ضحية لها من قبل تجار آخرين، أو نتيجة سوء تقديرهم لتقلبات السوق.  
شائعات اقتصادية ­­­
يبدو أن الحالة الاقتصادية غير المستقرة، والتذبذب المستمر في الأسعار على مدار سنوات الأزمة التي أتمت عامها السابع، دفعا العديد من المستهلكين، وفق حالات رصدناها، إلى شراء وتخزين سلع تفوق احتياجاتهم الأساسية الآنية، لتصبح متابعة العروض، ومواسم التخفيضات، الأوقات الأكثر ملاءمة للتخزين والشراء، وتصبح “لحق حالك” الجملة الأكثر انتشاراً التي رافقت كل مرحلة من مراحل الأزمة، وما تتضمنه من إشاعات عن غلا­ء الأسعار، أو فقدان المواد، يتحدث حسام، وهو موظف حكومي، بأنه اشترى أربعة أكياس حليب من الحجم الكبير دفعة واحدة، مدفوعاً بخوفه من انقطاع المادة من الأسواق أو غلائها، ويشبهه أبو راغب، رب الأسرة المتقاعد، الذي تجهز للشتاء باكراً هذا العام، إذ يقول: منذ منتصف شهر حزيران الماضي قمت بتعبئة ما توفر لي من مادة المازوت، واشتريت كميات وافرة منه، وبأسعار زادت عن السعر المحدد من التموين، ولكن للأسف المادة كانت متوفرة، والشتاء هذا العام لم يكن بالبرودة التي كنا نتوقعها، وأعتقد أنه لم يكن هناك من داع لشراء تلك الكمية الإضافية بالسعر التجاري.
“انضرب السوق”
في المقابل يتحدث عماد، وهو شاب ثلاثيني، بأن بعض التجار أيضاً نالوا حصتهم من سوء تقديرهم لتقلبات السوق، وبعض السلع المطلوبة، وتصرفهم بطريقة مماثلة للتصرف الشعبي الذي يبحث عن التخزين، واغتنام فرصة الأسعار المخفضة، وخاصة أولئك التجار في سوق الكهرباء الذين خزنوا كميات هائلة من البطاريات القابلة لإعادة الشحن، والليدات، والمصابيح الكهربائية، وغيرها من متطلبات انقطاع الكهرباء، ولكن ما إن تحسن الواقع الكهربائي حتى وجد هؤلاء أنفسهم أمام كميات هائلة من تلك المواد التي كسد سوق تصريفها، يقول ذلك الشاب: قبل مدة قصيرة فقط كنت أسأل عن قطعة كهربائية معينة، وما إن دخلت أحد المحلات حتى قام صاحب المتجر بالتهليل والترحيب بي وكأني ضيف قادم من السماء، وبدأ يشرح لي عن ميزات البطاريات المختلفة المتوفرة لديه، والسعات التي يمكن تخزينها في كل منها، ثم قدم لي عرضاً بتخفيض وصل لأكثر من ثلاثين بالمئة من السعر الأصلي، وكل هذه اللهفة تعكس بكل تأكيد الحالة التي أصابت تجار هذه المواد، وخاصة الذين خزنوا كميات كبيرة منها، وهو ما يؤكده معظم التجار في سوق الكهرباء الذين تتردد على ألسنتهم بكثرة عبارة “انضرب السوق” بعد التحسن الكهربائي الذي لمسه معظم سكان العاصمة دمشق خاصة، وباقي المحافظات على وجه العموم.
فوضى وخوف  
ويفسر د. وائل حذيفة، اختصاصي علم النفس الإعلامي في كلية التربية بدمشق، الشراء العشوائي أو الفوضوي في أوقات الأزمات بحالة من الصراع تنشأ بين أفراد المجتمع، قد يكون مصدرها الخوف من المجهول، مثال: الأشخاص الذين يتوجهون للحصول على كمية كبيرة من الغذاء خوفاً من افتقاد المادة في الأيام القادمة، أو نتيجة الاستماع إلى إشاعة هدفها خلق فوضى في المجتمع، (وهذا ما ينمي النزعة الأنانية داخل المجتمع)، وهنا لابد من العودة بأي شكل من الأشكال للنظر بطرق التربية المتبعة، والاستفادة من خبرات الآخرين الذين تعرّضوا لأزمات كانت في أوجها، مثال: (كوبا تجاري العالم من الناحية الصحية بالرغم من الحصار الاقتصادي عليها)، وأكد: الأساس قبل كل شيء هو تدعيم الوسائل التربوية الصحية للتعاطي مع أية أزمة بحالة من الوعي، فمن الصعب إيجاد حلول جاهزة وتقديمها على طبق من ذهب لأفراد المجتمع، لكن العقل الجمعي المبني على التربية هو الأساس السليم لإيجاد حلول مقنعة ترضي الجميع، والمطلوب أخيراً هو إحداث قيم ثقافية جديدة، ونسف القيم والمعايير الأخلاقية الموجودة في المجتمع.
سياسات متشددة
في المقابل يرى بعض الاختصاصيين في الاقتصاد أنه من الطبيعي أن كل أزمة تخلق أنماطاً استهلاكية مختلفة، وتؤدي إلى تغيير النمط الاستهلاكي السائد، وما لاحظناه نتيجة الأزمة عموماً، والإشاعات التي كانت تصدر من التجار، ظهور نوع من الاستهلاك لم يكن سائداً من قبل، مثال على ذلك أن شخصاً ما يضحي بمدخراته مقابل شراء سلعة شيع بأنها ستفقد، أو يطرأ عليها ارتفاع في السعر، وأكبر مثال على ذلك مادة المازوت، فالناس اليوم تشتري من الصيف مدفوعة بعاملين: غلاء السلعة أو فقدانها، إضافة إلى تجارب السنوات السابقة، ويبدو أن هذا النمط الاستهلاكي قد يخلق مشكلة اجتماعية واقتصادية متفاقمة مع الزمن، فحاجة المال قد تؤثر بشكل سلبي في المجتمع والناس من الناحيتين النفسية والإنتاجية، أما المطلوب فهو سياسات اقتصادية متشددة تجاه المتلاعبين بالسلعة، وبناشري الإشاعات لتجنب الهدر، وتحقيق ثقافة استهلاك واعية عند مجمل الفئات في المجتمع.
محمد محمود