جامعيو سورية.. سنة سادسة حرباً

جامعيو سورية.. سنة سادسة حرباً

أخبار سورية

الأربعاء، ٢٤ أغسطس ٢٠١٦

طاارق العبد
أسابيع قليلة بقيت على بدء سنة دراسية هي السادسة من عمر الحرب الدائرة في سوريا، يعقد عليها مئات الالاف من الشباب الأمل لإيجاد طوق نجاة أو بوابة تمكنهم من الاستمرار والعمل برغم المعوقات الهائلة التي تواجههم، في حين يستعد آخرون لشد الرحال نحو الخارج متحملين بذلك التكاليف العالية.
في فعالية «تيد اكس» قبل عام ونصف العام، وقف طارق ليستعرض تجربته في مجال التعليم، وقد خلص طالب كلية الطب البشري إلى أهمية اتجاه الشباب السوري لاستمرار التعلم مهما كانت الوسيلة وبغض النظر عن ظروف الحرب، «فلا أحد في الخارج سينظر لهذه الظروف بقدر ما سيهتم بتحصيلنا العلمي» وفق قوله.
كلام الشاب العشريني لم يكن من فراغ، إذ أنه على بعد أمتار قليلة من مبنى جامعة دمشق وضمن كلية طب الأسنان كان يستعد يحيى للتقدم للإمتحانات الصيفية في سنته الثانية، بعد رحلة انطلقت من ريف دير الزور حيث سيطرة تنظيم «داعش»، ليتنقل لأكثر من يومين ضمن البادية ثم ريف حماه ويواجه خطر الموت والاعتقال من حواجز «داعش» بتهمة الهجرة الى أرض الكفر كما يسمونها، وذلك قبل أن يصل بسلام إلى العاصمة قبل أسابيع قليلة.
ينتظر يحيى موعد امتحانه مقلّباً بعض الكتب ومعلقاً: «هرب إخوتي واستقروا في المانيا ولم تسعفهم سوى شهاداتهم الجامعية، العالم لا يهتم بمآسينا لكنه يهتم بلغة العلم، حاولت أن ألحق بهم ولكن نصيحة الجميع كانت: أكمل دراستك».
إلى جوار يحيى كان زميله أيمن قد وصل للتو من رحلة أقصر ولكنها مماثلة في الصعوبات، فابن حي برزة الخاضع للمصالحة يتعرض لمضايقات من عناصر «جبهة النصرة» والفصائل المسلحة بسبب تنقله الدائم إلى دمشق. يبدو الشاب متمسكاً بخيار الجامعة بغض النظر عن كل الصعوبات وتراجع المستوى التعليمي، يقول: «بدأت دراستي في السنة التالية للأحداث، اضطررت للتوقف سنتين ثم عدت مجدداً وأدرك جيداً مساوئ التعليم عندنا لكني لا املك المال الكافي للسفر للخارج ولن اجلس هنا بلا عمل».
أما ندى فلها حكاية أكثر مأساوية، وقد قادتها رغبتها بدراسة الصيدلة لجامعة خاصة أغلقت مقرها قرب دمشق وانتقلت لقلب العاصمة بمقرات مؤقتة، وبرغم الوضع الاقتصادي الصعب لها ولغالبية الطلبة، فإن الرسوم بقيت مرتفعة وتقترب من نصف مليون ليرة سورية، وسط خدمات تعتبر بسيطة جداً ولا تليق بما يتم دفعه من مال، تُبدي الشابة استياءً كبيراً لكن لا خيار أمامها سوى إكمال السنة الأخيرة.
ثمة خليط واضح للَّهجات في جامعة دمشق التي احتضنت نسبة كبيرة من طلاب مناطق أصبحت تحت سيطرة الفصائل المسلحة أو انهم بالأصل مسجلون ضمن قوائم طلابها، وقد أسهم افتتاح كليات أو جامعات جديدة في المناطق الآمنة بتخفيف الضغط على المؤسسة الحكومية في العاصمة، وذلك بحسب ما تقوله طالبة التخرج في الهندسة المدنية كندة، وهي الاتية من حماه وقد تمنت لو أن خطوة كهذه كانت اتخذت من قبل.
الأمر نفسه ينسحب على زميلتها الطرطوسية التي تعقب: «أسعار الإيجارات مرتفعة جداً في دمشق خاصة قرب الكليات لذلك بات يفضل الطلاب الجدد البقاء مع أسرهم في مدنهم الرئيسية مادامت الكليات ذاتها قد افتتحت في مناطقهم ما يجنبهم صعوبة السفر والسكن».
استيعاب المزيد من الطلبة
داخل مبنى وزارة التعليم العالي تبدو حركة الموظفين والمراجعين أشبه بخلية نحل تملأ الطوابق السبعة المطلة على ساحة الأمويين وسط العاصمة، الاستعدادات للسنة الدراسية على قدم وساق بين اليات جديدة للقبول الجامعي وأخرى تتعلق بطلاب التعليم الخاص وغيرهم.
وتكشف أرقام وزارة التعليم العالي عن 760 ألف طالب ملتحقين بالجامعات الرسمية والخاصة موزعين بين 460 الفاً للحكومية منها و20 الفا للخاصة، بالإضافة لرقم قريب لكل من المعاهد التقنية والتعليم المفتوح والافتراضي، وقد بدا لافتاً أن 11 ألف طالب غير سوري من العرب والأجانب مازالوا يدرسون في البلاد.
ويدرس 23 ألف طالب ضمن إطار الدراسات العليا في مختلف الجامعات الرسمية وفق آخر إحصائية نشرتها الوزارة، وتعتبر كلية الآداب الأكثر استقطاباً بنسبة تقترب من 31 في المئة، فيما التحق 115 ألف طالب جديد للعام الدراسي الفائت في وقت تستعد الوزارة لإطلاق عملية التسجيل بالجامعات للسنة الحالية.
وكانت الوزارة قد أعلنت منذ العام الماضي أن أي طالب لن يبقى خارج القبول الجامعي، مطبقة نسبة استيعاب تصل إلى 126 في المئة للكليات العلمية، ما يعني وجود فائض من المقاعد الشاغرة.
إلى المانيا وجهة البعض
في المقابل تبدو خيارات السفر إلى الخارج محدودة، وتُعد المانيا الوجهة الأفضل لطلب العلم بحكم التكاليف المنخفضة، غير أن رسوم الجامعات الألمانية القليلة نسبياً (500 يورو تقريبا) تبدو بمثابة الطعم الذي يكشف وراءه سيلاً من التكاليف المرتفعة نوعاً ما، وذلك بحسب طالبة الأدب الفرنسي فرح، التي تشير إلى أن إجراءات معقدة للغاية تواجه طالب العلم فتقول: «عليك أن تضع رصيداً في المصارف الألمانية يقترب من ثمانية آلاف يورو، أي ما يعادل ستة ملايين ليرة سورية ومعها تأمين قبول في معهد لتعليم اللغة وسكن جامعي ثم تقدم أوراقك للسفارة، سيعطونك القبول سريعاً ولكن الحياة هناك قاسية ولا يمكنك الاكتفاء بما لديك».
المفارقة هنا بانتشار عشرات المكاتب وعدد مماثل من السماسرة ممن يؤمنون مواعيد للطلاب ضمن السفارة الألمانية في بيروت، ومعها تسجيل في الجامعات وما يستتبعه من تكاليف لتقفز الأرقام إلى عشرة آلاف يورو (سبعة ملايين ليرة سورية)، وهو رقم يعتبر صاعقاً لكثير من العائلات السورية بعد التدهور الاقتصادي وظروف الحرب، غير أن الإقبال على هذه المكاتب يبدو هائلاً، ويعلق احدهم رافضاً الكشف عن اسمه: «ربما اصبح الأمر موضة ولكن اعرف أشخاصاً باعوا جزءاً مما يملكون أو استدانوا لإرسال أبنائهم إلى هناك، إذا لم يملك الطالب هذا المبلغ ولا قريب لديه يكفله هناك فلن يستطيع السفر».
أما لبنان فلم يعد وجهة أساسية للدراسة، وهو ما تشير إليه إحصائيات الجامعة اللبنانية عن تراجع الطلاب السوريين إلى 1400 مقارنة بستة الاف قبل الحرب، علماً أن غالبية السوريين لا يفضلون أساساً التوجه لجامعات في بيروت نظراً لارتفاع رسومها التي تقدر بآلاف الدولارات ناهيك عن صعوبة السفر والسكن والمعيشة في البلد الجار.
السفير