عندما تتداخل أوراق الواقع الوظيفي … فائض العمالة..توافقات اجتماعية تتمرد على أدبيات الاقتصاد والإدارة

عندما تتداخل أوراق الواقع الوظيفي … فائض العمالة..توافقات اجتماعية تتمرد على أدبيات الاقتصاد والإدارة

أخبار سورية

الخميس، ٢٥ أغسطس ٢٠١٦

الأصوات الصاخبة الصادرة من الممر في تلك المؤسسة.. كانت تعج بالضحك، وكأنك تدخل إلى مطعم أو منزل، اجتمعن فيه النسوة لإقامة ” الصبحية” سوية.. ففي كل مكتب من مكاتب المؤسسة اجتمعت الموظفات لتبادل أطراف الحديث، وتناول فقرات العمل المتضمنة” القهوة والفطور، وما يتبعها من تصفح لمواقع التواصل الاجتماعي”، ريثما تنتهي ساعات الدوام الطويلة المملّة، والعودة إلى منازلهن دون أي فائدة وإنتاجية على صعيد العمل، وفي المقابل تجد طوابير المواطنين الذين يقفون ساعات النهار لإنهاء معاملاتهم التي تضطرهم للعودة مرات عديدة للمبنى حتى تنتهي نتيجة قلّة عدد الموظفين، وعدم قدرتهم على إنجاز جميع المعاملات في يوم واحد.. ففي أغلبية المؤسسات الحكومية نشاهد أعداداً زائدة من العاملين لا ضرورة لوجودهم، بل على العكس يشكلون عبئاً مادياً واجتماعياً لهذا الوطن، بالمقابل هناك منشآت أخرى تعاني من نقص الأيدي العاملة، وإن عدم توفر حاجتها منها يؤثر على سير العملية الإنتاجية والإدارية لديها، لذا كان من الضروري إصلاح هيكلية المؤسسات العامة بغية انتقاء موظفين أكفاء حسب الاختصاص، والمؤهل العلمي لضمان التخلص من توزيع الموظفين عشوائياً على المؤسسات والشركات العامة، وتجنّب الوقوع في مشكلة العمالة الفائضة.
كذبة كبيرة
تشير بعض التقارير الاقتصادية السورية إلى أن الموظف يعمل 26 دقيقة فقط يومياً من أصل ثماني ساعات، هذا الرقم يحمل دلالات خطيرة على الاقتصاد الوطني، إذ لا يُعقل في عصر تكنولوجيا المعلومات استمرار تأدية عشرات الموظفين الأعمال المكتبية ذاتها مع أن موظفاً واحداً قادر على إنجازها، وحالياً وفي ظل الأزمة التي تمر بها البلاد، واستهداف الكثير من المنشآت العامة الخدمية والإنتاجية، فقد برزت مشكلة العمالة الفائضة بشكل كبير، حيث إن عدداً كبيراً من العمال المتوقفة منشآتهم نتيجة تواجدها في مناطق ساخنة لا يعملون، وهذا خلق فائضاً في عمالتهم، بالمقابل لا نزال نلحظ نقص اليد العاملة في عدد كبير من الدوائر الحكومية الأخرى، وهذا يجعلنا نؤكد أن العمالة الفائضة ليست هي ما تعاني منه معظم المؤسسات والشركات، بل هي فكرة مضللة للواقع، وتم تبنيها من قبل المؤسسات، والحقيقة التي نلمسها هي وجود سوء توزيع كبير للعمال في أغلب مؤسسات القطاع العام.

ضرورة المعالجة
تخلق العمالة الفائضة مشكلات كبيرة تتفاقم لتصبح خطيرة، فالهدر والفساد، وسوء التنفيذ، وغيرها من المشكلات التي عانى، ومازال يعاني منها القطاع الصناعي، كان من أبرز أسبابها العمالة الفائضة، فمنذ سنوات عدة، ونحن نسمع بأن مشكلة العمالة الفائضة في المؤسسات والشركات الصناعية قيد الدراسة، والحل وإلى الآن لم تخطُ وزارة الصناعة خطوة واحدة للأمام، والآن وفي ظل هذه الأزمة تفاقمت هذه المشكلة في القطاع الصناعي بشكل كبير نتيجة تعرّضه للكثير من عمليات السلب والنهب والتخريب، وبالتالي توقفت العديد من المعامل عن الخدمة، لذا كان لهذا القطاع النصيب الأكبر من هذه المشكلة التي تعد أحد أسباب خسارة بعض شركات القطاع العام الصناعي، وعلى الرغم من أن وزارة الصناعة قامت بتسوية أوضاع عدد لابأس به من حجم العمالة الفائضة لديها من خلال ندب ونقل عدد من العاملين إلى بعض الوزارات الأخرى، إلا أن هذا لم يلغ قيام بعض الشركات بتعيين عاملين جدد لديها، علماً أن الزيادة قد تكون بفئة أو اختصاص معين، والنقص يكون باختصاص آخر، لذا كان لابد من وضع خطة استراتيجية تعالج مشكلة البطالة الفائضة جذرياً بدل إبقاء ملفها مفتوحاً عقوداً إضافية.

حلول إسعافية
من خلال احتكاكنا بالمؤسسات والوزارات نجد أن القطاع الصناعي والإنتاجي لا يعاني من مشكلة العمالة الفائضة، بل نحن من خلق هذه المشكلة من خلال سوء توزيع هذه العمالة على مستوى المنشأة، أو الشركة الواحدة، وهذا يتجسّد بزيادة الإداريين و”الخدميين” على حساب عمال الإنتاج، خاصة خلال سنوات الأزمة، لذا تم خلق فائض واضح وفاضح في عمالة القطاع الإداري، وهو بحاجة إلى معالجة وإعادة دراسة الملاكات العددية، فالمنشآت الإدارية الخدمية اليوم تعاني من تكدّس الموظفين، وقلة المراجعين، بينما المنشآت الإنتاجية: “صناعية، وزراعية، ووو” تعاني من نقص في العمالة مع عمالة مريضة ومسنة، وخصوصاً على خطوط الإنتاج، وكمختص بإدارة الموارد البشرية قدم لنا الأستاذ مضر سليمان مجموعة من الحلول المساعدة في حل هذه المشكلة، أهمها الانتقال من مرحلة إدارة المنظمة إلى قيادة المؤسسة، وإنشاء هيئة عليا لإدارة الموارد البشرية، مهمتها تخطيط ووضع استراتيجيات واضحة، وربط مخرجات التعليم مع حاجة سوق العمل الفعلي، وإعادة توزيع ونقل العمالة الفائضة، كلاً حسب اختصاصه ومهاراته دون بيروقراطية وروتين، وخلال مواعيد زمنية واضحة، إضافة لمعالجة أوضاع العمالة المريضة والمسنة ذات المردود الضئيل من خلال تقديم قوانين تكفل الحقوق التأمينية، والعيش اللائق، واستبدالها بعمالة شابة مؤهلة ذات مردود عال، وكمثال (تفعيل قانون التقاعد المبكر)، وربط الإنتاجية بالأجر، ووضع سياسات تحفيز لإشباع الحاجات الشخصية والاجتماعية للعمال على خطوط الإنتاج، وتغييب ثقافة الجلوس على الكراسي خلف المكاتب.

فائض عقود موسمية
العمالة الفائضة كانت قبل الأزمة ولم تتم معالجتها لأسباب اجتماعية، وكان هناك سوء توزيع للعمالة قبل الأزمة، وإذا تمت إعادة توزيع العمالة على الشركات مرة أخرى بشكل أفضل على الشركات، فإن مشكلة العمالة الفائضة ستختفي، والمشكلة هي سوء توزيع العمالة، حسب ما حلله لنا الدكتور عابد فضلية “خبير اقتصادي” وأوضح فضلية أن سوء التوزيع هذا سببه أن الشركات والمؤسسات البعيدة عن مركز المدينة تعاني من سوء بالإدارة، وسبل الدخل الإضافي فيها محدودة، لذا نجد فيها نقصاً بالعمالة، وملاكات المؤسسات غالباً مصممة بالشكل القديم، فالمؤسسة تتطور ويبقى الملاك كما هو، لذا يتم في أغلب الأحيان الاعتماد على العقود السنوية والموسمية، إضافة لوجود مناطق لا تحتاج لعمالة فائضة نجد فيها عقوداً مؤقتة كثيرة، هذا كان قبل وخلال الأزمة، لذا يتحتم على الحكومة بعد انتهاء الأزمة التي نمر بها، وفي مرحلة إعادة الأعمار، يجب عليها النظر إلى الملاكات، بحيث يكون حجم الملاك مناسباً لعدد الموظفين، ويجب أن يكون تصميم الملاك بشكل علمي مدروس من خلال دراسة الحاجة الفعلية للعمالة، وتوصيف الوظائف بشكل واضح ومحدد والعودة إلى الترشيد والعمل الإداري.

تحديات وفجوات
كذلك فإن التحديات التي ما زالت تواجه شركات القطاع الصناعي العامة كانت وما زالت كبيرة، برأي الدكتور أيمن ديوب” كلية الاقتصاد” منها عمل أغلبها بوسائل وأساليب قديمة ومعدات متهالكة، الأمر الذي يتطلب وفرة أموال كبيرة لتحديثها، وكذلك وجود فجوة بين القوانين غير المكتملة أو المطلوب الشروع بها، وما هو موجود على أرض الواقع، كذلك الأمر أن المشكلة الأكبر تأثيراً هي العمالة الزائدة غير المستغلة وعدم استغلالها بالنحو الأمثل في فرص جديدة، وضعف المهارات المطلوبة لإنجاز متطلبات التحول الاقتصادي، فضلاً عن شح الموارد المالية المستخدمة في هذا القطاع من أجل تطوير وتحديث الصناعة، وعدم تقديمها كأولوية ضمن خطط التنمية، وتراجع ثقافة المجتمع بأهمية تطوير الصناعة الوطنية، وعدم إعطائها الأولوية ضمن اهتماماتهم، بل خلال ذلك يوجه النقد لها دائماً باعتبارها صناعة ناشئة وغير رصينة مقارنة بنظيرتها في دول الجوار، بالرغم من أنها تعد من روافد تنويع الاقتصاد الوطني، إضافة لدورها الرئيس في إيجاد فرص العمل الجديدة.

خطوة جريئة
رغم كل ما تم الحديث عنه عن فائض ونقص العمالة، إلا أننا مازلنا نجد في بعض التقارير الدورية نقصاً كبيراً في العمالة الخبيرة الماهرة القادرة على تحقيق الخطط الطموحة لإدارة المؤسسات، لذا نعتقد بأن الخطوة العملية في هذا الاتجاه هي قيام الدوائر بإعداد قوائم تتضمن الأعداد الزائدة لديها من العاملين ورفعها للجهات لتقوم بدورها بنقلهم إلى مواقع أخرى تنتظرهم وتحتاج لجهودهم، ولكن يبقى السؤال، من هي تلك الجهات المعنية بنقلهم؟؟
ميس بركات