زلزال تركي ـ أميركي يعصف بالفصائل السورية

زلزال تركي ـ أميركي يعصف بالفصائل السورية

أخبار سورية

الاثنين، ٢٦ سبتمبر ٢٠١٦

انقلبت مساعي الاندماج التي عُلِّقت عليها آمال عريضة لتوحيد الساحة إلى أعمق حالة خلاف تهز أوساط الفصائل المسلحة في سوريا منذ فتنة «داعش ـ النصرة» في نيسان من العام 2013. ووسط التباينات الحادّة التي برزت نتيجة الموقف من التدخلات الأميركية والتركية، كان لافتاً انضمام «حركة نور الدين الزنكي» المدعومة أميركياً إلى «جيش الفتح» الذي أُعلِن عن تعيين قائد جديد له خلفاً لأبي عمر سراقب.
وانقسمت الفصائل المسلحة، في الشمال السوري تحديداً، في ما بينها إلى ثلاثة أقسام رئيسة: الأول قسم من هذه الفصائل يؤيد التدخل التركي والأميركي ويشجع على القتال مع أيّ منهما، وهو يتشكل من غالبية الفصائل المدعومة من «غرفة عمليات ألموك» وأبرزها «الجبهة الشامية» و «لواء المعتصم» و «فرقة الحمزة» و «اللواء 51». ويميل «المجلس الاسلامي السوري» إلى ترجيح هذا الرأي.
وقسم يؤيد التدخل التركي لكنه يرفض التدخل الأميركي، وهو ما عبّرت عنه الفتوى الصادرة عن «تجمع أهل العلم في الشام» التي لم تكتفِ برفض القتال تحت الراية الأميركية، بل طالبت ما اسمته «فصائل البنتاغون» بحل نفسها، مع اشتراط تحويل المنطقة التي تطالها العمليات العسكرية التركية إلى منطقة محكومة بالشرع الاسلامي. وقسم ثالث يرفض كلا التدخلين. وتمثل هذا القسم «جبهة النصرة» وبعض الكتائب أو القادة من فصائل أخرى، وقد أصدرت «النصرة» بياناً حرّمت فيه «القتال تحت راية أي طرف إقليمي أو دولي في ريف حلب الشمالي لا من جهة الاستعانة ولا من باب التنسيق».
ويمكن القول إنه بينما تتفق غالبية الفصائل على قبول تدخل الجيش التركي ولا تمانع في القتال تحت رايته، فإن بعض الفصائل تتحرج من القتال إلى جانب الأميركي، في حين تكاد «جبهة النصرة» تنفرد مع فصائل قليلة أخرى يغلب عليها الطابع «القاعدي» بتحريم القتال مع كلا الطرفين التركي أو الأميركي على السواء.
وقد استدعى التعرض لـ «فصائل البنتاغون» من قبل «تجمع أهل العلم» و «جبهة النصرة» إلى إصدار بعض الفصائل المتهمة بتلقي الدعم من واشنطن (وهي الحمزة والمعتصم و51) بياناً توضيحياً حول علاقتها بالجانب الأميركي، محاولة التبرؤ من تهمة العمالة للخارج.
ويأتي تصريح هذه الفصائل بأن مرجعيتها الدينية هي «المجلس الاسلامي السوري» و «المجلس الشرعي في حلب»، ليؤكد تبنيها موقف هاتين الجهتين من القتال إلى جانب الأميركي، لكن المشكلة أن كلاً من هاتين الجهتين اتخذت موقفاً مختلفاً عن الأخرى حول التدخل الأميركي، فالأولى لم تعارضه لأنه لا يجوز «القول إن تركيا تستعين بدولة كافرة أو تتعاون معها وبالتالي لا يجوز القتال معها (تركيا)»، بينما الثانية حذرت منه حيث أن «تسلل بعض الجنود الأميركان إلى منطقة الراعي لم يكن إلا بقصد تشويه المعركة وإثارة البلبلة».
وقد بدا نفي هذه الفصائل لوجود أي علاقة لها مع أي جهة خارجية أو دولية، حسب ما ورد في بيانها، مثيراً للسخرية خصوصاً أنه جاء متناقضاً مع مقابلة أجراها في وقت سابق المعتصم عباس قائد «لواء المعتصم» مع صحيفة «دايلي بيست» البريطانية، أقر فيها بتلقيه تدريبات على يد «البنتاغون» استمرت لعام ونصف.
لكن المفارقة الكبيرة تكمن في أن «المجلس الاسلامي» كان أصدر في أيلول من العام 2014 فتوى تعتبر «الحرب على الارهاب إنما تُشَنُّ ضد (أهل السنّة)»، داعياً إلى الوقوف ضد «تحالفات الغرب الأخيرة». والمفارقة ليست في الانقلاب الذي حصل في موقف المجلس وحسب، بل في كون الفصائل التي تقاتل إلى جانب «التحالف الدولي لمحاربة الارهاب» كـ «الحمزة» و «المعتصم» أصبحت تعتبره مرجعية دينية لها!
ولم تؤدِّ هذه المواقف المتباينة إلى إفشال مساعي الاندماج بين الفصائل المسلحة التي استغرقت العمل طوال اسابيع عديدة وعُقدت عشرات الاجتماعات من أجلها، لكنها أدت ايضاً إلى خلافات داخل الفصيل الواحد تسببت بموجة من الانشقاقات.
هذا ما حدث مع «أحرار الشام» التي انشق عنها بعض شرعييها المصريين، و«لواء أشداء» ومؤخراً القيادي أبو حمزة الكردي، وذلك بعد اسابيع من انشقاق «صقور الشام».
كذلك انشق عن «جيش الاسلام في الشمال» كل من «اللواء السادس» والأمير الشرعي أبو أنس معرتمصرين. كما شهد «جيش السنة» انقلاباً على قيادته حيث تم عزل أمجد البيطار (مؤسس كتائب «الفاروق الاسلامية») بعد الهجوم على مكاتبه، وتعيين أبو كعدة قائداً جديداً، ويأتي ذلك بعد الانشقاق الذي تعرض له الجيش العام الماضي حيث بايع قسم منه «حركة أحرار الشام». أما في «جبهة النصرة» فيبدو أن مسلسل انشقاق القادة الأردنيين مستمر، إذ بعد انشقاق كل من بلال خريسات واياد الطوباسي تتوارد الأنباء حول انشقاق المفتي العام السابق سامي العريدي بسبب خلافه مع الأمراء الشرعيين على طبيعة رد الفعل التي ينبغي اتخاذها تجاه الفصائل المؤيدة لتركيا.
لكن الانشقاق الأهم هو ذاك الذي ضرب «تجمع أهل العلم» والذي كان يفترض أن يكون الأساس الذي يقوم عليه أي مشروع اندماج مستقبلي بين الفصائل، وهو ما يمكن اعتباره نهاية سوداوية لمساعي الاندماج في هذه المرحلة بعدما كانت الحملة الاعلامية المواكبة لهذه المساعي قد بالغت في تفاؤلها، حتى أطلقت على العام الحالي اسم «عام الجماعة».
وقد أعلن كل من أحمد نجيب والمصري شريف هزاع وعباس أبو شريفة استقالتهم من التجمع لعدم قدرته على تحقيق الغاية منه، في حين أن السبب الحقيقي هو عدم رضاهم عن فتواه بخصوص ما اسموه «نازلة جرابلس»، والتي قيّد فيها الموافقة على القتال تحت الراية التركية بشروط لم ترق لبعض الفصائل.
وإذا كان دعم الولايات المتحدة لفصائل تتخذ من مجالس إسلامية تصفها بـ «الدولة الكافرة» و «المحاربة لأهل السنة» عملاً مثيراً للاستغراب، فإن هذا الاستغراب قد ينقلب إلى شكوك حول جديتها في محاربة الارهاب، خصوصاً أن أحد الفصائل المدعومة من «غرفة عمليات ألموك» أعلنت الانضمام إلى «جيش الفتح» الذي تشكل «جبهة النصرة» عموده الفقري، وذلك في وقت تتصاعد فيه الاتهامات الروسية لواشنطن بعدم بذل جهود حقيقية لعزل «النصرة» عن الفصائل المعتدلة بموجب ما ينص عليه الاتفاق الثنائي بينهما.
وكانت «حركة نور الدين الزنكي» أعلنت انضمامها إلى «جيش الفتح» عسكرياً بهدف «توحيد الجهود لفك الحصار عن حلب». وما يزيد من غموض خطوة «الزنكي» أنها من الفصائل التي تقاتل فعلياً تحت قيادة الجيش التركي في جرابلس، وهو ما تقول «جبهة النصرة» إنها تحرمه تحريماً مطلقاً، ومع ذلك فإنها (أي النصرة) توافق على مشاركتها لجانبها في «جيش الفتح» وهو الوضع نفسه القائم بالنسبة لـ «فيلق الشام»، الأمر الذي يثير شكوكاً كبيرة حول الأسباب الحقيقية التي تقف وراء خلاف هذه الفصائل حول «قضية جرابلس» والقتال تحت راية هذه الدولة أو تلك.
من جهة أخرى، وبينما أكد حساب «مزمجر الشام» أنه تم تعيين»أبا حسين الأردني» أمير «جبهة النصرة في إدلب» قائداً عاما لـ «جيش الفتح» خلفاً لأبي عمر سراقب الذي اغتيل بغارة مجهولة قبل اسابيع عدة، ذكرت معلومات أخرى أن الذي تم تعيينه بهذا المنصب هو أبو الزبير الشامي عضو اللجنة العسكرية في «جبهة النصرة» الذي شارك في قيادة الهجوم الفاشل على جنوب حلب.