ارتكابات وتجاوزات تلف الأسواق… وثقة شبه معدومة بدور الرقابة ..! مخالفات تطول سلامة الغذاء ومخاوف من مخاطر صحية

ارتكابات وتجاوزات تلف الأسواق… وثقة شبه معدومة بدور الرقابة ..! مخالفات تطول سلامة الغذاء ومخاوف من مخاطر صحية

أخبار سورية

الأحد، ٢٧ نوفمبر ٢٠١٦

    هني الحمدان

يوماً بعد آخر يزداد «تغول» الأسواق وتمردها على كل الضوابط وقوانين حماية المستهلك, الأسباب كثيرة والمبررات أكثر ولكن في أغلبها غير منطقية وغير مقنعة, محاولات كثيرة لمعالجة هذا الانفلات الذي تعانيه الأسواق لكنها لم تؤت أُكُلها حتى الآن, المواطن هو دافع الضريبة الأكبر من جراء هذا التمادي في ارتفاع الأسعار, لأنه مضطر إلى شراء ما يحتاجه من السلع الأساسية لاستمرار حياته سواء كان منها الطعام أو اللباس أو حتى الأدوية…. ألف طريقة وطريقة يمتلكها التاجر والصناعي والبائع للإفلات من رقابة الأسعار أو الانضباط في الأسواق، المستورد يسعى بألف أسلوب لرفع تكاليف مستورداته حتى يحصل على السعر الذي يحقق جشعه, ومن «يلحس إصبعه من ورائه» …! وهذه الصورة لا تنطبق على المستوردات فقط بل حتى على الإنتاج المحلي, حيث يتم التقييم بالدولار والحقيقة إنه يشتري كل مستلزمات الإنتاج بالليرة ومع ذلك يحصل على أسعار عالية. وإذا أردنا أن نضرب الأمثال عن المواد التي تم تسعيرها بشكل غير منطقي سنجد أن القائمة طويلة ولا تنتهي…

السؤال الذي بات بحاجة إلى إجابة عملية: لماذا يتم التسعير للبضائع بأكثر من أسعارها ؟! وهل هناك كلمة سر بين الرقابة والتجار.؟! والعبرة ليست بالكم في عدد المراقبين التموينيين, بل بمسألة التعاطي بين البائع والتاجر من جهة ومراقب التموين من جهة أخرى. في جلساتهم الخاصة وفي بعض الأحيان في تصاريح إعلامية يؤكد الكثير من المسؤولين على استشراء الفساد بين عناصر الرقابة التموينية, الباعة والتجار يؤكدون هذه الحقيقة بشكل دائم وخصوصاً عندما يهددهم المواطن بالشكوى إلى التموين, يكون الجواب إن تسعيرة «مراقب التموين» معروفة..!! وكل ذلك عندما تسمع كلام جهاتنا المعنية تشعر بأن مسألة سلامتنا الغذائية خط أحمر ولا وجود للمخالفات…!
في هذا التحقيق نحاول تقديم إجابات عن تساؤلات عدة،  ونؤكد أن هذا المواطن يكفيه ما يتعرض له، ويجب أن نقدم الحماية للقمته.
سلامة الغذاء مؤجلة
كلنا يعلم أن سلامة الأغذية قضية أساسية في الصحة العامة في جميع البلدان, وتُعد الأمراض المنقولة بالأغذية بسبب كائنات مُمرضة ميكروبية، أو توكسينات بيولوجية، وملوثات كيميائية، تهديداً كبيراً لصحة الملايين من الناس، فالأغذية غير المأمونة تشكل أخطاراً صحية عالمية النطاق تتهدد كل فرد, ومن المعرضين للمخاطر بوجه خاص الرضع وصغار الأطفال والمسنون كما يشير المهندس الخبير «عبد الرحمن قرنفلة»، الذي بيّن أن الاعتلالات المنقولة بالغذاء عادة ما تكون ذات طابع مُعدٍ أو سميّ، وتتسبب فيها جراثيم أو فيروسات أو طفيليات أو مواد كيميائية تدخل جسم الإنسان عن طريق الغذاء الملوث أو الماء الملوث، ويمكن أن تؤدي مسببات الأمراض المنقولة بالغذاء إلى الإصابة بالإسهال الحاد أو بحالات عدوى موهنة، بما في ذلك الالتهاب السحائي.
بيئة للأغذية غير الصحية
في الأزمة التي يمر فيها بلدنا أصبح مألوفاً مشاهدة الأغذية المكشوفة التي تباع على الأرصفة من دون أدنى ضمانات صحية في تصنيعها وتحضيرها ونقلها وحفظها وعرضها وتداولها، وأصبح مألوفاً لجوء كثير من المواطنين إلى تلك الأغذية نظراً لانخفاض سعرها مقارنة مع الأغذية المأمونة، بغض النظر عن المخاطر الصحية التي قد يتعرض لها المستهلك, وحسب كلام الخبير «قرنفلة»- غش اللبن ومنتجات الألبان، والعسل، والتوابل وزيوت الطعام، وكذلك استخدام الألوان لإخفاء عيوب الأغذية تحايلاً على المستهلكين.
مصدر عدوى ..!
ظاهرة جديدة وخطيرة برزت مؤخراً إلى السطح وهي دخول مادة الفروج المهرب والمجمد وما تحمله من مخاطر صحية على السلامة العامة ومالية على المربين، ويؤكد الدكتور ظافر الكوكو رئيس فرع نقابة الأطباء في حماة لـ «تشرين» أن دخول كميات كبيرة من الفروج المجمد من تركيا وبيض المائدة إلى السوق أدى إلى خسائر كبيرة لحقت بالمربين وعزوف البعض وترك هذه المهنة, وهذه في رأينا حرب اقتصادية ممنهجة تستهدف بلدنا, إضافة لمخاطر جمة على الصحة العامة وهنا يجب توضيح شيء أساس وهو أن الفروج المثلّج مصدر عدوى للكثير من الأمراض كالإسهالات والحمى التيفية وغيرها من الأمراض المشتركة بسبب استغراقه فترة زمنية والحفظ والتخزين أثناء دخوله البلد ، وتعرضه لدرجات حرارة حتى يتم فكه وطرحه في الأسواق، ويتحتم على جميع الجهات مراقبة الأسواق بوجود طبيب بيطري.
بدأنا بالتعافي
صحيح أن هناك حركة تهريب كما أشارت المعطيات وما تسببه من خسائر وويلات صحية حسب المعنيين ونعني هنا تهريب مادة الفروج, فإن هذا تم تحت ظرف قد يكون نقصاً في المادة أو ارتفاعاً في الأسعار ,لكن الملاحظ أن إدارة مؤسسة الدواجن أكدت أن إنتاجها مستمر وإلى تزايد وهي بصدد فتح مشروعات جديدة, وحسبما ذكر مدير عام الدواجن المهندس سراج خضر لـ «تشرين»: بدأنا منذ مدة بالتعافي وإن إنتاج المؤسسة يتزايد ويومياً هناك ما بين 500 -600 ألف بيضة وتم طرح كميات كبيرة جداً من الفروج ومسألة غلاء البيض مرتبطة بحالة العرض والطلب, ومدى إنتاج المربين في القطاع الخاص للمادة, ومسألة تهريب الفروج المجمد مشكلة ليست بالسهلة والجهات المعنية بصدد إنهائها لما لها من مخاطر على المربين وعلى المستهلكين, بينما إنتاجنا يتمتع بمواصفات صحية عالية ومراقب وفق أحدث المواصفات العالمية.
أسواق بلا ..!
غلاء المعيشة بات همّاً يطبق على أنفاس متوسطي ومحدودي الدخل، خاصة أن نسبة الغلاء تفوق بكثير متغيّرات الدخل المحدودة، وأصبح الكثير من التجار يُبدعون في رفع الأسعار بمعزل عن متغيّرات الأسعار العالمية، ومتغيّرات الدخل أيضاً, هناك ضعف قائم في الرقابة على الأسواق التي أصبحت تعمل بالمزاجية والنصب والاحتيال.
هناك من يقومون باحتكار بعض البضائع ويعملون على رفع سعرها، وهذا جشع كبير وظلم، كما يصف المواطن «أحمد الشريف» مطالباً بالوقوف في وجه المتلاعبين وممارسات البعض الذين يرفعون أسعار بعض المواد الاستهلاكية ويحتكرون بعضها من دون وجه حق ومن دون رقابة صارمة من قبل المراقبين، حيث لا حياة لمن تنادي منذ فترة زمنية بعيدة.
وطالب خالد «ش» بتفعيل دور الرقابة من قبل مراقبي «التموين» وكذلك عدم السكوت على هذا الارتفاع الكبير, حيث يرى أن دور الرقابة من قبل حماية المستهلك والمعنيين في الأمر لم يكن مجدياً، كما شدّد على ضرورة التشهير بكل التجار والمحلات التي قامت باستغلال المواطن.!
المواطن يشكو من قلة الالتزام وضعف دور المراقب التمويني ,والجهات المعنية لديها من المبررات الشيء الكثير, بينما الارتكابات لا تستدعي براهين وقرائن فهي واضحة وضوح الشمس.. !
جولات مشتركة

تقوم مديريتنا بمتابعة عمل الفعاليات الاقتصادية والتجارية المنتشرة في مناطق المحافظة- هذا ما قاله مدير حماية المستهلك في ريف دمشق «لؤي السالم» لـ «تشرين»- من خلال تسيير دوريات بشكل يومي لمراقبة هذه الفعاليات التي تشمل معامل لمواد غذائية وغير غذائية (ألبان وأجبان, كونسروة, زيوت, منظفات, …) إضافة إلى متابعة عمل المستوردين للمواد التي تدخل من خارج القطر وأسواق الخضر والفواكه الشعبية ومحال اللحوم ومسالخ الفروج، إذ يتم التدقيق في جميع عمليات الإنتاج ضمن هذه المعامل والمستودعات وخلال الفترة الأخيرة تم تشديد الرقابة على المخابز لتقديم رغيف جيد يتناسب مع الدقيق المقدم للمخابز.
ومن خلال التدقيق في أسعار هذه المواد خلال فترات مختلفة من العام لوحظ تغير في أسعار بعضها كالفروج والبيض والخضر تبعاً لتغير المواسم ,إضافة لتغير أسعار مادتي السكر والأرز تبعاً لتغير سعر الصرف, أما ما يتعلق ببقية المواد المطروحة في الأسواق فكانت أسعارها مستقرة حالياً.
كما ونقوم بجولات مشتركة مع الفعاليات الحزبية والشعبية  والمجالس المحلية ومع مديريتي الصحة والسياحة في المحافظة.
تم خلال هذه الجولات تنظيم أكثر من 7100 مخالفة تموينية شملت مخالفات مختلفة ,وأكثر من 700 مخالفة جسيمة شملت حيازة مواد منتهية الصلاحية ومواد فاسدة والغش في ذات البضاعة والإتجار بالمواد المدعومة من قبل الدولة , وتم سحب أكثر من 1550 عينة مختلفة للتأكد من مطابقتها للمواصفات القياسية  وبلغت نسبة العينات المخالفة نحو 25 % من إجمالي العينات المسحوبة, وتم إغلاق 196 فعالية من معامل ومستودعات ومحال مختلفة وورشات تصنيع كونسروة وحجز عدد من السيارات وإحالة 25 مخالفاً إلى القضاء موجوداً..
 تصرفات محبطة
كلنا يعرف حالة فلتان الأسعار التي شهدتها كل الأسواق في محافظاتنا، وتتفاوت من سوق إلى آخر ومن محل لآخر فضلاً عن وجود مواد غذائية غير نظامية في الأسواق, فكيف سيكون لسان حال المواطن وماذا سيكون تصرف وتدخل موظف الرقابة؟, منهم من يأتي ويرى المخالفة ويمضي ومنهم من يسطر أبسط المخالفات ومنهم من يدخل في إشكاليات مختلفة, وإذا كان تصرفه موضوعياً وتدخله قوياً فإمكانية أن يتعرض لسماع كلمات أو يتعرض لبعض التصرفات واردة وبقوة, وهناك حالات تَمَّت وتعرض البعض للشتم و السب وصولاً إلى الضرب و التهديد، ما دفع بعض المراقبين إلى فرملة خطواتهم الرقابية في ظل تراخي الجهات عن مساندتهم في الأسواق ورغم حجم العمل الرقابي المطلوب منهم من قبل وزارة التجارة الداخلية و حماية المستهلك عزف الكثير منهم عن جولاتهم الرقابية في كثير من قرى المحافظة.. و يشير رئيس دائرة حماية المستهلك في محافظة السويداء مهران أبو عساف إلى أن جميع المراقبين طالبوا، وبكتاب رسمي جرى توجيهه إلى فرع الحزب في السويداء، بتأمين المؤازرة إضافة إلى تأكيدهم على محاسبة المعتدين عليهم.
لافتاً إلى أن تراخي بعض الجهات أدى إلى إصابة مراقبي التموين بالإحباط بسبب تمرد الكثيرين من أصحاب الفعاليات الاقتصادية والتطاول في ظل غياب المحاسبة, ورغم جميع الصعوبات التي يتعرض لها هؤلاء المراقبون إلا أن دائرة حماية المستهلك و خلال تسعة أشهر نظمت حوالي 714 ضبطاً  منها التصرف غير المشروع بالمازوت و البنزين، وقد نجم عن تلك الضبوط إغلاق حوالي 25 محلاً تجارياً و تنظيم حوالي 90 حرماناً لمحطات محروقات و مراكز توزيع و موزعي غاز، كما قامت الدائرة بمصادرة حوالي 35 طناً من القمح و الدقيق التمويني و مصادرة و إتلاف كميات من اللحوم الفاسدة.
  لا تقصير أو قصور
وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك تصر على أن هناك تعاوناً وتنسيقاً مع الجهات ذات الصلة ولا يوجد أي تقصير وفي تصريحه لـ «تشرين» يقول الدكتور حسام النصر الله مدير حماية المستهلك: إن الجهاز يؤدي دوره بشكل مستمر بتشديد الرقابة والقيام بجولات ميدانية مكثفة على الأسواق والمحال التجارية الخاصة ببيع المواد الغذائية وغير الغذائية بكل أنواعها والتحقق من التقيد بالإعلان عن الأسعار, وتداول الفواتير بين حلقات الوساطة التجارية – بطاقة البيان – المواصفة والجودة, وتكثيف سحب العينات من المواد المشتبه بمخالفتها.
لا شك في أن هذه المهام هي من صلب المهام والواجبات التي تؤديها الجهات المعنية بالرقابة, لكن هنا نطرح السؤال الآتي: هل ستبقى هذه النمطية قائمة..؟ أم هناك حركة تغيير تواكب آخر ما وصلت إليه الأسواق..؟!
 رقابة استقصائية
هناك أشبه ما يكون بخطة لتطوير عمل الرقابة والكوادر للحد من حالة الفلتان الحاصلة في الأسواق، وهذه الخطة ستنفذها الوزارة ومديرياتها وحماية المستهلك من أهم مرتكزاتها، حسبما أشار الدكتور «النصر الله», تركيز العمل الرقابي على المواد الأساسية التي تهم المستهلك وعلى مدار الساعة على الأسواق والفعاليات التجارية وقمع أي ظاهرة ارتفاع للأسعار.
والحديث الآن عن تفعيل موضوع الرقابة الاستقصائية من خلال تنفيذ آلية رقابة غير مباشرة على الأسواق وسبر الأسعار وكشف المخالفات على أنواعها وعلى دوريات جهاز حماية المستهلك وتقييم أدائه من خلال الواقع العملي والاطلاع على ما يقوم به من مهام وأعمال, وحسب كلام الدكتور النصر الله، يتم العمل حالياً على التحضير لإقامة دورات تدريبية لتأهيل وتدريب عناصر جديدة لرفد جهاز حماية المستهلك في المحافظات بهدف زيادة فعالية الجهاز, وسيتم إشراك كامل الكادر الرقابي المؤهل من إداريين ومراقبين بأعمال حماية المستهلك بالعمل الرقابي.
 ثقة مهزوزة
ثقة المواطن أو لنقل المستهلك بالجهاز الرقابي تشوبها بعض الشوائب من عدم الثقة نتيجة التجاوزات الحاصلة, إلا أن التسويغ الرسمي يذهب إلى حدّ القول: إن الدور الذي يلعبه المواطن من خلال تقديمه للشكوى أو الإخبار هو دور فعال وأساس لوجوده في الأسواق وتماسه المباشر مع التجار والباعة والمواد المطروحة للبيع, ويورد بها مدير حماية المستهلك رأياً هنا بأن واجبنا تنمية ثقافة الشكوى لدى المواطنين من خلال الطريقة التي يتم التعامل بها مع الشاكي والشكوى من حيث سرعة المعالجة وجديتها ومن خلال الرد على هواتف الشكاوى وبالطريقة المثلى بتلقي الشكاوى ومعالجتها, إضافة للتفاعل والتعامل والتنسيق مع الجهات (الوزارات والهيئات –غرف التجارة والصناعة –النقابات –الاتحادات والجمعيات والفعاليات….)
دعوى قضائية بحق من يعترض عناصر الرقابة
سبق أن تعرض عناصر الجهاز الرقابي للشتم وإسماعهم كلمات غير لائقة ومؤخراً وصل الأمر إلى درجة الضرب, فكيف تتعامل الوزارة مع هذا التصرف  الذي لا يليق مع موظف يؤدي واجبه؟ يبين مدير حماية المستهلك أنه تمت مخاطبة وزير الداخلية لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحق الفاعلين ممن تعرضوا لعناصر جهاز حماية المستهلك في السويداء الذين سببوا إعاقة لعملهم، كما تم الطلب من مدير التجارة الداخلية وحماية المستهلك في السويداء للعمل على رفع دعوى قضائية بحقهم وفق الأصول فيما يخص هذا الموضوع.
معادلة ستبقى قائمة تبحث عن حل, المواطن لم يقتنع بكل أحاديث ومسوغات وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، ولا بتدخلات مراقبيها في الأسواق ولجمهم حالة الاشتعال التي زاد من لهيبها تجاوزات البعض ممن لم يعد عندهم ضمائر ولا رأفة, في وقت تصر فيه الوزارة على أنها تبذل كل ما في وسعها لحماية المواطن ولن تستكين أو تهدأ، وعيونها مفتوحة وستسهر على تطبيق القانون على من تسول له نفسه مخالفة أي إجراء منظم للمهام والواجبات.