دي ميستورا: حتمية الحل السياسي حتى بعد حلب

دي ميستورا: حتمية الحل السياسي حتى بعد حلب

أخبار سورية

الأربعاء، ٣٠ نوفمبر ٢٠١٦

تقرّب معارك حلب «لحظة الحقيقة» في سوريا: سواء انتصرت دمشق وحلفاؤها مع وصول الساكن الجديد إلى البيت الأبيض، أم تمّ التوصل لتسوية اللحظة الأخيرة «الممكنة» بين موسكو وواشنطن لعزل «جبهة النصرة». لحظة الحقيقة تلك، كما يراها المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، هي اختبار مدى قبول دمشق، بضغطٍ تفترضه المصلحة الروسية، لتشارك «حقيقي» للسلطة ضمن حلّ سياسي لا سلام من دونه.
هذا يعني أن الأرجحيات العسكرية، حتى لو مالت لصالح دمشق وحلفائها، لن تنهي صلاحية مرجعية جنيف، على رأسها صيغة جديدة للحكم السوري، برغم أنها ستعيد توزين الحصص فيه. غير ذلك، كما يحذّر دي ميستورا، ستكون روسيا أمام أفغانستان جديدة، عالية الكلفة على كل الصعد: وراثة بلد ممزق، مع حرب استنزاف طويلة، مع مخاطر تنبعث في الداخل الروسي، وسط عزلة اقتصادية.
يبقى المبعوث الدولي متفائلاً بأن الباب لم يغلق تماماً. سألت «السفير» دي ميستورا على ماذا يعوّل الآن لإعادة إحياء التفاوض السياسي، ردّ بالقول :»أنا أعوّل على حقيقة أن الجميع يدرك، حتى الحكومة السورية، أن النصر العسكري ليس كافياً في حلب»، قبل أن يضيف «هناك حاجة أيضا لإعادة إطلاق سياسية للحوار، لأنه لن يكون هناك حل عسكري مستدام من دون حلّ سياسي».
يمكن اتمام الجملة الأخيرة: من دون رضوخ جميع الأطراف لتقاسم «حقيقي» للسلطة، يتم فرضه بضغوط روسية وأميركية. الاضافة تأتي من استعراض مستفيض قدمه الوسيط الدولي أمام البرلمان الأوروبي. أما مسألة الفعالية المنتظرة لـ «ضغوط» تفرض التسوية فتأتي من مصدرين، وفق إيضاحاته.
أولاً خطة كيري ـ لافروف «لا تزال حيّةً بطريقة ما»، كما قال، بما يعني العمل على عزل «النصرة» وإخراجها مقابل الهدنة في حلب. هنا لا تزال الديبلوماسية شغّالة بين واشنطن وموسكو. ثانياً، اعتبار أن «تشارك السلطة» سيكون ضرورة حتمية لـ «هزيمة داعش»، في حال قرّر دونالد ترامب تنفيذ أولويته السورية بالشراكة مع روسيا كما أعلن سابقاً.
الاستعراض الذي قدّمه دي ميستورا أجمل 26 شهراً من توليه مهمة الوساطة، ليحمل إلى بروكسل بعض الخلاصات اللافتة لانخراطه مع أطراف الصراع في مستوياته كافة. المسؤولية عن حال حلب كانت يوماً بيد الطرف الآخر، كما ذكّر مستمعيه، مشيراً إلى حيثيات إطلاقه سابقاً مبادرة «إنقاذ حلب» الرمزية: «لم تعمل المبادرة حينها لأن تخفيف العنف في حلب لم يكن يساعد أولئك الذين اعتقدوا وقتها أنه يمكنهم القتال والانتصار، وفي ذلك الوقت كان اولئك هم المعارضة، صدقوا أو لا تصدقوا، وحتى الأسد لم يساعد بالقصف حول حلب، لكن المعارضة شعرت أنه ليس الوقت المناسب للتسوية مع الأسد».
صفقة كيري ـ لافروف تبقى الآن الأمل الوحيد، قبل النظر إلى ما بعد حلب وانتظار استراتيجية ترامب السورية. تلك الصفقة «كانت مثيرة جداً للاهتمام، وكان لديها فرصة واعدة جدا»، كم قال دي ميستورا، لافتاً إلى أنها لم تنهر تماماً، وذلك بهدف إنهاء الاستعصاء الحاكم للحرب الأهلية: «الحكومة قالت لا يمكنك الحديث عن الدستور المستقبلي، لا يمكن الحديث عن الرئيس الأسد، والجانب الآخر يقول باستمرار إننا جاهزون للحديث فقط إذا كان الرئيس الأسد سيرحل».
الحال الآن تغيرت، لينتقل الاعتداد بإمكانية الحسم العسكري في حلب لجهة دمشق وحلفائها. الوسيط الدولي قال إن المعطيات الحاكمة للمعركة «لا تزال متحركة»، بما في ذلك ضمناً قرار حلفاء «المعارضة»، لكنه لفت إلى أن الأمر قد يحسم قبل تدشين حكم ترامب. أصرّ على تشخيص ما يحدث بأنه «التسريع العسكري»، متجنباً الحديث عن حسم أو حلٍّ عسكري، كما جعل من الواضح أنه يعوّل على وجود مصلحة روسية لإنجاز تسوية.
مُجملاً فحوى محادثاته مع المسؤولين الروس، قال دي ميستورا «إنهم يبحثون عن استراتيجية للخروج». تحدث عن طيف واسع من العواقب: «هل سيكون عرض عمل جيد أن تعلق في سوريا لعشرين سنة مقبلة، مع استنزاف ربما في المناطق الريفية، إلى جانب توقف الاعمال مع السعودية والكويت وقطر والامارات لأنه سيكون الوجه الآخر للعملة، ومع كثير من الناس داخل روسيا هم حقيقة من المسلمين السنّة، ثم الانتظار أن يكونوا منخرطين في إعادة الاعمار وبأيّ أموال؟».
شدد المبعوث الدولي على أن حديث روسيا عن المصلحة في إيجاد تسوية «صحيح جدا»، موضحا أنه يصدق شخصيا أن «ليس لديهم أي مصلحة في وراثة سوريا ممزقة». النصر في حلب، إذا تمّ، يجب التأقلم معه، لأنه «حينها سيكون علينا أن نعبر الجسر لنرى ما بعده»، كما قال.
موعد اختبار جدية النيات الروسية برأيه اقترب كثيرا، حتى لو كان ذلك مؤجلا إلى ما بعد حلب: «سيقولون حسناً، الحرب تمّ ربحها الآن بوضوح، لكنه يبقى نصراً هشاً، نحتاج أن يستمر البلد، وإلى إعادة إعماره ونحتاج إحلال الاستقرار فيه، ولا يلزمنا خروج داعش آخر من أجواء الإحباط».
ما فحوى ذلك الاختبار لروسيا؟ يجيب دي ميستورا ردّا على استفسارات النواب الأوروبيين: «نأمل أن روسيا ستقول للأسد لقد حان الوقت للتفاوض، فهو لم يفعل ذلك إلى الآن، وهنا لحظة الاختبار، فحينما كانوا يأتون إلى جنيف يقولون ببساطة: لا شيء يمكن لمسه، مستعدون لحكومة وحدة وطنية. ماذا تعني حكومة وحدة وطنية؟ هل تعني تعيين وزير للزراعة أو وزير للآثار، أم يكون هناك حقا تشارك للسلطة مبني على حكومة شاملة؟ هنا الاختبار».
تلك الصيغة سيكون «لا غنى عنها»، وفق دي ميستورا، لأي شراكة بين دونالد ترامب وموسكو لهزيمة «داعش»، مشدداً على أن ذلك له ترجمةٌ واحدة: العودة لمرجعية «إيجاد صيغة جديدة شاملة للحكم في سوريا» وفق القرار الدولي 2254. تلك الرسالة يحملها المبعوث الدولي، الذي يرفض الاستقالة، نافياً شائعات بهذا الخصوص، إلى الادارة الأميركية المقبلة لأنها «الطريقة الوحيدة لهزيمة داعش.. بغض النظر إذا هناك حلّ أو حلّ عسكري».
بناء على تلك الحصيلة، ما يجري وفق ترجيحاته «تسريع للحصول على نتيجة عسكرية يمكن بطريقة ما تغليفها في إطار سياسي». الأمر إذاً يدور في فلك تحسين الموقع التفاوضي للانتقال بثقة إلى طاولة المفاوضات، أو بترجمة أخرى من كلماته، إنهاء صلاحية فرضية «لا مفاوضات إلا على رحيل الأسد». أما الحديث عن تقسيم سوريا، كحلّ أخير، فيرى المبعوث الدولي أن ذلك لن يحصل لأن «لا أحد يريده، وسوريا يجب أن تكون دولة واحدة»، ليستدرك أن «هذا لا يعني أنه لا يمكن أن تكون هناك لامركزية إدارية، وأنه في نهاية الصراع ألا يكون هنالك اعتراف بأن الحقائق على الأرض غيّرت طريقة الادارة المحلية».