سورية بخير... من رحمها تخرج المواهب!

سورية بخير... من رحمها تخرج المواهب!

أخبار سورية

الجمعة، ٢ ديسمبر ٢٠١٦

 وسام كنعان-الأخبار
رغم الحرب المستعرة منذ سنوات، وتشتت الوسط الفني بين الداخل والخارج، وضيق الفرص، وانسداد الأفق، والمحسوبيات ودخول كم هائل من الدخلاء على المهنة، إلا أنّ هناك حفنة من النجوم الشباب الذي تحّدوا الظروف وأثبتوا أنفسهم على الساحة التمثيلية
لا بد من أن يمتلك الممثل مقومات عدّة تخوّله صعود سلّم الشهرة والحضور المكثّف. من أهم هذه المقومات حركة الجسد المرنة، وانسجامها مع الشخصية وطبيعتها، بالإضافة إلى خامة الصوت المتلونة بحسب المرحلة العمرية للدور، والحضور الكارزمي والقدرة على إبداع شخصية مركبة، انطلاقاً من عوالمها الداخلية، ووعيها وطريقة إدراكها للحياة، وصولاً إلى شكلها الخارجي، وحالة التصرف وردّات الفعل.

تلك المقومات يمتلكها الكثير من خريجي «المعهد العالي للفنون المسرحية» في دمشق. المؤسسة الأكاديمية الهامة، عرفت عبر زمن طويل أن تتحول إلى مصنع الممثلين المرموقين. لم يجد كثير منهم أمثال تيم حسن، وباسل خياط، وسلافة معمار، وقصي خولي صعوبةً كبيرةً في الوصول إلى الشهرة، بينما صارت تواجه الخريجين الشباب مشاكل حقيقة تبدأ بالحرب الدائرة في الشام، ولا تنتهي بالغلاء المعيشي، والمحسوبيات ودخول كم هائل من الدخلاء على هذه المهنة، التي استبيحت كحال غالبية مفاصل الحياة في سوريا، بذريعة الفوضى الحاصلة بسبب الحرب.
مع ذلك، هناك بين هؤلاء من يعرف اقتناص الفرصة المناسبة ليلمع نجمه في زمن قياسي، من بينهم مثلاً جفرا يونس التي لمعت في مسلسل «الندم» (حسن سامي يوسف والليث حجو) وفي «العرّاب- نادي الشرق» و «العراب- تحت الحزام» (عن الرواية والفيلم الشهيرين ـ إخراج حاتم علي). أيضاً، برز اسم أويس مخللاتي في «نص يوم» (عن أفلام أجنبية ـ إخراج سامر البرقاوي). ورغم أن مشاهد «ماستر» جسّدها أويس كانت مأخوذة بتقنية القص واللصق من السينما العالمية، إلا أنّ الشاب برع في تجسيد دور «اللقيط الشرير» الذي يعرف كيف تحاك ضربات النصب الكبرى.
انطلاقاً من كل ذلك، توجهت «الأخبار» بمجموعة أسئلة للممثلين السوريين الشباب أنفسهم حول المشاكل الإضافية التي يواجهونها في سنوات الحرب، أثناء طريقهم نحو تكريس اسمهم في مهنة إبداعية، وحول شروط المعادلة التي تخوّل ممثلاً جديداً سرقة حصّته من الضوء، ولو كان يعمل مع ممثلين ذائعي الصيت.
بدأنا مع مجد فضة (خريج المعهد عام 2010) الذي جسّد العام الماضي مجموعة بطولات منها في مسلسل «أحمر» (كتابة علي وجيه ويامن الحجلي، إخراج وجود سعيد)، و«بلا غمد» (كتابة بشار أبو قورة وعثمان جحى ومؤيّد النابلسي، وإخراج فهد ميري) وإحدى ثلاثيات «مدرسة الحب» (نور شيشكلي ومازن طه، وصفوان نعمو). وهذا العام، أنهى فضة تجربته في «هواجس عابرة» (تأليف وإخراج مهند قطيش) ويستعد للعب مع فادي سليم في الجزء 13 من «بقعة ضوء». في حديثنا معه، يقول فضة بأنّ العثرات التي تقف في طريق الممثل الشاب، تنقسم إلى شقيّن أولها مادي «نتيجة الظرف الذي تعيشه سوريا من تهاو للاقتصاد المحلي، وتدهور وضع الليرة والغلاء الفاحش، صار الممثل بحاجة ماسة إلى العمل لأن التمثيل مهنته الوحيدة التي غالباً ما يعيش من ورائها». ويضيف فضة: «الجانب الآخر مهني يتعلّق بحجم الفرصة، والرغبة في انتزاع دور مهم يترك أثراً عند الجمهور، ويجعله اسماً مكرّساً إلى حد ما. وهذا يحتاج جهداً، إضافة إلى فرص تمنح من قائمين على توزيع الأدوار ومدى قابلتيهم لطرح أسماء جديدة واقتناعهم بها، إلى جانب أننا صرنا نواجه يومياً عشرات الأشخاص الذين يريدون الشغل في التمثيل، وبعضهم يأخذ فرصاً لا يستحقها بدعوى العلاقات الشخصية».
وعن الشروط التي يجب أن تتوافر في الممثل حتى يتمكن من جذب الأنظار في حال قدّمت له فرص، يعلّق فضة: «الأمر رهن بحجم العمل، وأهميته والقنوات التي تبنتّه، إضافة إلى سوية الدور، والطريقة التي يتعاطى فيها الممثل مع دوره. هناك ممثلون قدموا أدواراً بأسلوب متهالك فنياً، لكن النتائج كانت مدهشة لدى الجمهور. وهذا الأخير ظاهرة تستحق الدراسة المستمرة لأنك لا تعرف ماذا يحب وكيف ومتى، لكن في أماكن ثانية، فإن النتائج تأتي على قدر الاجتهاد والبحث والشغف بما يقدمه الممثل».
كانت الممثلة الشابة جفرا يونس واحدة من نجمات الدراما السورية العام الماضي، بعدما اجتهدت بما يكفي وأضافت بأداء رصين لمسة دهشة على شكلها المميز. تقطع جفرا يونس بروفات أحد العروض المسرحية التي تجريها لتحكي لنا عن المشاكل التي تواجه أبناء جيلها اليوم: «اختلف الزمن نتيجة هجرة عدد كبير من المختصين في الفن، ولم تعد هناك فرصة كبيرة للتواصل المستمر معهم. وهذا من سوء حظ كل ممثل شاب، بأن أسماء كثيرة ممن أسّست هذه المهنة صارت خارج البلد. إضافة إلى ذلك، هناك مشكلة في طريقة صناعة «الكاستينغ»، إذ لا يكفي أن ترى صورة على صفحة الممثل على الفايسبوك مثلاً، وتحكم أنه يصلح للدور، أو «بينفد» حسب التعبير السلبي الدارج لبعض الأدوار الصغيرة. أتمنى أن يكرّس تقليد بـ «كاستينغ» احترافي حتى يأخذ كل ذي حقّ نصيبه». من جهة ثانية، تتقاطع جفرا مع زميلها مجد فضة في الحديث عن الظرف الاقتصادي الذي يرخي بظلاله على حياة أي ممثل شاب، فتقول: «في سوريا، هناك غلاء معيشي قاتل، مما يفرض عليك أن تظل في حالة تأهب وسعي وراء الشغل. شخصياً لدي رغبة حقيقية بأن أقدّم أشياء متميزة على المسرح والسينما. بالنسبة إلى المسرح، فالتواصل دائم، وأجرّب تحقيق كامل شغفي هنا، لكن لا أعرف الأبواب الصحيحة التي يجب أن أطرقها لاشتغل في السينما التي أحلم، ولا أعرف متى يعقد «الكاستينغ» للأفلام العربية المهمة. على العموم، أنت بحاجة للاستمرار في العمل تلفزيونياً، وتأجيل أحلامك التي تحب الخوض فيها بشوق أكبر». لكن لماذا السينما ونحن نشهد تطوراً يصل إلى حدود الثورة في عالم المسلسل التلفزيوني الذي صار يصنع عالمياً بمواصفات ومقاييس وتقنية تضاهي الفن السابع؟
ترد نجمة «الندم»: «هناك أشياء مهمة تصنع باحترافية في السينما، لكنها قليلة نسبياً، وربما يكون شغفنا بالسينما نابعاً من تأثرنا البالغ في المرحلة الجامعية، والمرجعية السينمائية لدى البحث أو التعمّق في أي فكرة أو مشروع. حتى على مستوى شخصي، عندما كنت أشاهد الأفلام القديمة، والسينما المستقلة، كنت أتلمّس كيف تصنع بجهد كبير وقوي من نصوص معقدة أو صعبة، ليكون كل شريط بمثابة جزء من تاريخ المكان، وفرصة للتوثيق.... أعتقد أنّه كما ساهم الأدب في تغيير حياة شعوب، فإن السينما تملك هذه الميزة الذهبية». تجرّب جفرا التواضع قدر الإمكان كأنها تفوّت على نفسها نشوة النجاح خوفاً من مأزق الغرور الباكر. تمرر بين جملة وأخرى أنّ «هناك ممثلين ممتازين من زملائي، لكن جلّ ما يحتاجون إليه هو الحظ».
على ضفة مقابلة، بدا أويس مخللاتي كطائر وحيد يجيد إمتاع مراقبيه وإن كانوا صيّادين محترفين، بل يملؤهم شوقاً لمعرفة الجهة التي يهاجر إليها. رأينا ذلك في تجربته «نص يوم» التي صنعت له شهرة ناصعة. الممثل الأشقر الذي كان يجيد منذ صباه فن التسكّع في حدائق دمشق وحاناتها، تحوّل نجماً بضربة واحدة هي حقاً ضربة معلّم. لم يعنه أن يجسّد مشاهد مسروقة، ولم تقع مقارنة ظالمة بينه وبين ويل سميث مثلاً الصاحب الأصلي لأحد المشاهد المهمة، نتيجة استسهال القائمين على المشروع. كذلك لم يهزمه، أو يقلقه أنه يلعب أمام نجم «الكاريزما والحضور» تيم حسن. بحنكة، شدّ أويس البساط نحوه بحركات مدروسة، وإيقاع مدوزن بعناية، وفهم عميق لطبيعة وحركة وصوت الشرير والنصّاب، المتخرج من مدرسة الشقاء والملاجئ القاسية. هكذا، صاغ مخللاتي دوراً استثنائياً من دون أن يكشف إلا عن جزء بسيط من مواهبه المتعددة، فالشاب يغني ويعزف ويرقص وغالباً ما ينتظره مستقبل متألق. يقيم مخللاتي حالياً في بيروت هرباً من سعار الحرب، لذا فالأفق تبدو ضيقة أمامه قياساً مع أبناء جيله. في ردّه على أسئلتنا، يقول: «المشاكل الأساسية هي حالة الشتات السوري، لكل من اضطر أن يسافر، أو يتشرد بشكل قسري. هذا السبب يعيق الحركة، والوسط الفني السوري صار عبارة عن شتات وهو ما يخير قواه، ويقلل من فرصة لمعان الأفكار نتيجة تبادل الأفكار والجلسات والمشاريع». أما عن الآلية التي يمكن من خلالها أن يلمع الممثل بتجربة واحدة، فيقول مخللاتي «لا وصفة سحرية لتحقيق هذه الضربة. لا بد من الصبر حتى تأتي الفرصة المناسبة، ولا بد من أن يبذل الممثل كل طاقاته حتى يعود بنتيجة شخصية، بالإضافة إلى التكاتف وتضافر جهود جميع الفريق الفني. عندما يرافقك فريق عمل جيد من ممثلين إلى فريق إخراجي وفنيين، فهذا يمهد الأرضية للنجاح، بالإضافة إلى توجيه كل اهتمام الممثل صوب الدور الذي يقدمه خلال فترة زمنية لا تتعدى بضعة شهور. بعد ذلك، يتوقف الموضوع على القناة التي تعرض والجهة الإنتاجية». على ضفة موازية، يعيد الممثل السوري الكلام ذاته عن أن المهنة هي مصدر رزقه، وأن السفر القسري جعله مثلاً يبحث عن مصدر رزق ثابت بعيد عن التمثيل، وهو ما يستنزف الشخص ويشتت خياراته. وعن آراء النقاد وإجماعهم حول جودة ما قدّمه، يجيب مخللاتي: «وضعني ذلك أمام مسؤولية أكبر تجاه ما قدمته، لكنّه خلف نشوة وشعوراً بالنجاح ربما يجعل المزاج يتخطى خيبات الماضي القريب». وأخيراً يكشف الممثل الشاب بأنه في صدد التحضير لتجربة جديدة بعد مطلع العام الجديد سيكشف عنها عندما يصبح الورق جاهزاً بين يديه.