الدبس “عسل الفقراء”والحاجة أم الاختراع.. منتجات مغَّيبة عن ساحة الاهتمام وبدائل اقتصادية تغني عن “معمعة” تسويق التفاح

الدبس “عسل الفقراء”والحاجة أم الاختراع.. منتجات مغَّيبة عن ساحة الاهتمام وبدائل اقتصادية تغني عن “معمعة” تسويق التفاح

أخبار سورية

الأربعاء، ١٤ ديسمبر ٢٠١٦

تشكّل صناعة دبس التفاح حلاً لفاقد بساتين التفاح، وتشهد إقبالاً كبيراً نظراً لخصائص المنتج الكبيرة كمنتج غذائي طبيعي يلبي حاجة المستهلك في الحصول على منتجات آمنة، ومصدراً للكلوكوز الطبيعي يضاهي في جودته العسل، صناعة تؤمن العديد من فرص العمل، ودخلاً معقولاً تستند إليه الأسر الريفية.
دراسة واستنتاجات
الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية انتبهت لأهمية هذه الصناعة، فسارعت لإجراء دراسة حول جدوى إنتاج دبس التفاح كبديل تسويقي اقتصادي عن فاقد الثمار الرديئة تسويقياً في السويداء، حيث درست واقع دبس التفاح كأحد المنتجات الثانوية لثمار التفاح في محافظة السويداء، ونسبة الفاقد في البساتين، والعوامل المؤثرة فيها، وخلصت الدراسة إلى أن نسبة 49% من المزارعين على مستوى العينة تتعرّض ثمار التفاح لديهم لعوامل مختلفة خفّضت من القيمة التسويقية للتفاح، ما تسبب في فقد كمية الإنتاج، وقدّر متوسط كمية الفاقد لديهم بحوالي 16% من المنتج من متوسط الإنتاج في وحدة المساحة، ولوحظ أن الفاقد الناتج عن التساقط بسبب الرياح احتل المرتبة الأولى من إجمالي الفاقد من التفاح، حيث شكّل حوالي 42%، تلته الأسباب الحشرية، ومن ثم عملية القطف والفرز التي شكّلت 16%، و32% من إجمالي الفاقد على التوالي، وبيّنت الدراسة أن العوامل المؤثرة معنوياً في زيادة كمية الفاقد من الثمار في وحدة المساهمة هي: المساحة المثمرة، وعدد مرات المكافحة، وطريقة التربية المعتمدة للأشجار، وتنفيذ التقليم الصيفي، والفاقد النوعي في التفاح، ونقصد به الفرق بين أسعار البيع الفعلية للفاقد، والسعر المزرعي السائد للثمار الصالحة، وقدرت قيمته بحوالي 73 ليرة سورية للكيلوغرام، هذا الفاقد ناتج عن الأضرار الميكانيكية، والصقيع الربيعي، والقشب، والتساقط بسبب التأخر في القطاف، ثم يلي ذلك الفاقد النوعي الناتج عن الأسباب المرضية الذي قدّر بنحو 61 ليرة سورية للكيلوغرام.

بديل رئيسي
وأوضحت الدراسة أن الكمية الأكبر من الفاقد في ثمار التفاح قد استمرت في صناعة دبس التفاح، حيث بلغت نسبته نحو 43% من عملية الفاقد الإجمالية، ما يسترعي الانتباه لأهمية هذه الصناعة كبديل رئيس لفاقد الإنتاج.
وبيّنت الدراسة أن نحو 60% ممن قاموا بإنتاج دبس التفاح كانوا مدفوعين برغبتهم لاستثمار ثمار التفاح التالفة، بينما رغب 24% من المزارعين بصناعة الدبس بهدف خوض تجربة جديدة في مجال الإنتاج والتسويق، و16% منهم لتأمين مصدر غذائي ذي قيمة مرتفعة لأسرهم، وبالمقابل هناك فئة من المزارعين لا تحبذ هذه الصناعة لأسباب متعددة، كعدم توفر المعلومات والخبرة فيها، واعتبارها نوعاً من المغامرة، وعدم توافر الوقت الكافي عند بعضهم!.

خصائص وصفات
زراعة أشجار التفاح من الزراعات الأساسية في محافظة السويداء، وتعود هذه الأهمية للظروف البيئية في المناطق الجبلية في المحافظة التي توفر المتطلبات البيئية اللازمة لنموها وإنتاجها بالدرجة الأولى، ولانعكاس هذه الظروف البيئية على الصفات التسويقية، والتخزينية، والتصنيفية، والغذائية لثمارها كالمربيات، والعصائر، والخل، بالإضافة إلى صناعة دبس التفاح التي تعد من الصناعات حديثة العهد في محافظة السويداء، حيث أفرزت عمليات التوضيب مئات الأطنان من الفاقد، والمهددة بالتلف، احتوتها صناعة دبس التفاح التي تشكّل حلاً لفاقد بساتين التفاح، وتشهد إقبالاً كبيراً نظراً لخصائص المنتج الكبيرة، وما تتميز به من صفات وخواص طبيعية، ولتوفر مادته الأولية.
يقول مدير الزراعة المهندس بسام الجرمقاني: إن محصول التفاح يعد من المنتجات الزراعية التي تتعرّض للتلف والفقد خلال مراحل إنتاجه المختلفة، وذلك لأسباب عدة قد تكون طبيعية، أو تتعلق بمستوى خدمة الأشجار، وبين الجرمقاني أن نسبة الفاقد يمكن أن تصل إلى أكثر من 6%من إجمالي الإنتاج الكلي، وتختلف هذه النسبة بحسب المراحل التسويقية المختلفة، وأن تسويق الثمار الرديئة، وهي الثمار المعرضة لإصابات ميكانيكية أو حشرية أو مرضية يعد غير اقتصادي، ويفضل بيعها بعد تصنيعها، الجرمقاني طبق معادلة الانحدار المتعدد المرحلي لتحديد العوامل المؤثرة على الفاقد لمحصول التفاح، مشيراً إلى أن هناك الكثير من أسباب الفاقد للمحاصيل تتعلق بمراحل ما بعد الحصاد كسوء عملية القطاف، وسوء عملية التداول في أثناء القطاف.

جودة عالية
تحويل المادة الأساسية وهي التفاح إلى دبس يحتاج العديد من الخطوات التي لا بد من المرور بها ابتداء من العصر مروراً بعمليات السلق التي تستغرق نحو ساعتين، وانتهاء بالطبخ الذي يعتمد على عمليات التبخر للوصول إلى الكثافة المطلوبة، البعث زارت إحدى المعاصر التي تنتج الدبس واطلعت على خطوات التصنيع والتي تعتمد معظمها على العمل الميكانيكي، إضافة إلى مراحل السلق والغلي عبر خطوط إنتاج عدة تمر بها المادة حتى الوصول للمنتج النهائي.
توفيق كيوان “صاحب إحدى المعاصر” قال: إن المعصرة وفرت على المزارعين الكثير من الجهد لعدة أسباب، أهمها أن التفاح الذي يتم عصره هو من الدرجة الثالثة والرابعة غير قابل للتسويق، ولكن بعملية تحويله إلى الدبس أصبح سعر كيلو التفاح يعادل النخب الممتاز، فعملية التصنيع تلك ضاعفت من سعر المادة الأولية، وبنفس الوقت قدمت منتجاً ذا جودة عالية، ويضيف كيوان بأن المعصرة شاركت بمعرض في ألمانيا، واحتل المنتج المرتبة الثانية من حيث الجودة بعد العسل.
وطالب المزارع سعيد أشتي الجهات المعنية بمساعدة الفلاح على تسويق هذه المادة عبر طرحها في المعارض الدولية والتعريف بها في الأسواق الخارجية، فعدم تصريف المنتج جعل الكثر من المزارعين يحجمون عن عملية التصنيع تلك، مشيراً إلى أن سعر كيلو الدبس 1000 ليرة سورية يكلف تصنيعه نحو 450 ليرة، وبالتالي يبقى صافي الربح حوالي 550 ليرة سورية.

مرجعية أخيرة
الصناعة تؤمن العديد من فرص العمل ودخلاً معقولاً تستند عليه الأسر الريفية في المحافظة عبر الاستفادة من الفاقد  في عملية التصنيع وتحويله لمنتج غذائي طبيعي يلبي حاجة المستهلك في الحصول على منتجات آمنة ومصدر للكلكوز الطبيعي يضاهي في جودته العسل، نحو 50 طناً من دبس التفاح يصنع من فاقد البساتين والذي كان مرشحاً للتلف بعائد اقتصادي يصل لنحو 50 مليون ليرة تشكل دخلاً إضافياً لمئات المزارعين الذين اتجهوا نحو عملية التصنيع هذه.
يقول رئيس غرفة زراعة السويداء، حاتم أبو رأس، إن دبس التفاح يعتبر حاجة غذائية عالية الجودة، وهو مرجعية أخيرة للفلاح لتسويق إنتاجه المتساقط، وتحدث أبو رأس عن أهمية هذا النوع من الصناعة بعدة نقاط، إضافة لتصريف إنتاج الفلاح، فهو يوفر عشرات فرص العمل الموسمية للمزارعين، والأهم هو تقديم منتج غذائي آمن، حيث تتجه رغبات المستهلكين نحو الغذاء الطبيعي، وهذا يشكل حافزاً أمام تطوير صناعة الدبس بأنواعه المختلفة، وهذه الصناعة أخذت منحى شعبياً يعتمد على تقنيات متواضعة وهي هراسة الفواكه إضافة لمكبس هيدروليك لاستخراج العصير من المهروس وأحواض معزولة لترقيد العصير ومعالجة كمية الحموضة بإضافة كمية مناسبة من كربونات الكالسيوم، إضافة لأوعية نحاسية لتكثيف العصير بواسطة التسخين، وأشار أبو رأس إلى أن دبس التفاح هو منتج طبيعي 100% يحتوي على الغليكوز وعلى الفروكتوز بنسب متساوية، وكلاهما سكر بسيط ويستخدم في الكثير من الوصفات الطبية كمنشط للدورة الدموية ومزيل ليرقان الأطفال ومنشط للكبد وللمصابين بفقر الدم، ويستخدم كذلك في تحلية سوائل البهارات وفي الكثير من الهلامات والكريمات وتحلية سوائل الرضاعة للأطفال.

منافذ تسويقية
صناعة الدبس تواجه العديد من المعوقات كونها صناعة جديدة مازالت غائبة عن أجندة أسواقنا ومعارضنا، وعدم وجود ترويح حقيقي لهذا المنتج الذي يشكل حلاً تسويقياً مهماً لإنتاج التفاح .. فهل تضع المديريات التسويقية في وزاراتنا واتحاداتنا المتنوعة هذا المنتج بقائمة المنتجات النظيفة التي تحتاج إلى لمسة حنان تسويقية تعتمد على الدراسات التي تهتم بمدى إقبال المستهلكين المحليين أو المستوردين على مصنفات التفاح، وعدم الترويج لها، والتركيز على وجود مصانع متخصصة بهذه الصناعات.

رفعت الديك