كيف نفعلها دمج ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع.. مهمة تربوية ذات أبعاد اجتماعية أخلاقية

كيف نفعلها دمج ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع.. مهمة تربوية ذات أبعاد اجتماعية أخلاقية

أخبار سورية

الجمعة، ١٦ ديسمبر ٢٠١٦

تعتبر عملية تثقيف وتوعية المجتمع بفئة ذوي الاحتياجات الخاصة، ومتطلبات دمجهم في المجتمع، من المهمات التي تسعى المؤسسات العاملة في هذا المجال لتحقيقها، حيث قطعت شوطاً كبيراً في هذا الاتجاه، والدمج يعني التكامل الاجتماعي، والتعليمي للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، وللأطفال العاديين في الصفوف العادية، ولجزء من اليوم الدراسي على الأقل، حيث يرتبط هذا التعريف بشرطين لابد من توافرهما وهما وجود الطالب في الصف العادي لجزء من اليوم الدراسي، إلى جانب الاختلاط الاجتماعي المتكامل الذي يتطلب أن يكون هناك تكامل وتخطيط تربوي مستمر.

اجتماعي أخلاقي
والدمج في جوهره مفهوم اجتماعي أخلاقي، وفق تعبير الدكتور آصف يوسف، “كلية تربية دمشق”، نابع من حقوق الطفل ضد التصنيف والعزل لأي فرد بسبب إعاقته، إلى جانب تزايد الاتجاهات المجتمعية نحو رفض الوصمة الاجتماعية للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، فسياسة الدمج هي التطبيق التربوي للمبدأ العام الذي يوجه خدمات التربية، وهو التطبيع نحو العادية في أقل البيئات قيوداً، وتقوم سياسة الدمج على ثلاثة أركان أساسية تتمثّل في أنها توفر بشكل تلقائي خبرات التفاعل بين ذوي الاحتياجات الخاصة، وأقرانهم العاديين، وتؤدي إلى زيادة فرص التقبّل الاجتماعي لذوي الاحتياجات من قبل العاديين، كما تتيح فرصاً كافية لنموذجة أشكال السلوك الصادرة عن أقرانهم العاديين، لذا فإن سياسة الدمج هي الطريقة المثلى للتعامل مع ذوي الحاجات التعليمية الخاصة لكافة الطلاب في المدارس العادية، للمفهوم القائل بأن كل الأطفال لهم الحق في التعليم معاً دونما تمييز فيما بينهم، بغض النظر عن أية إعاقة، أو أية صعوبة تعليمية يعانون منها.

قيم الدمج
والدمج هو إتاحة الفرص للأطفال المعوقين للانخراط في نظام التعليم  العام، حسب تعبير يوسف، كإجراء للتأكيد على مبدأ تكافؤ الفرص في التعليم، ويهدف إلى الدمج بشكل عام لمواجهة الاحتياجات التربوية الخاصة للطفل المعوق ضمن إطار المدرسة العادية، ووفقاً لأساليب، ومناهج، ووسائل دراسية تعليمية، ويشرف على تقديمها جهاز تعليمي متخصص، إضافة إلى كادر التعليم في المدرسة العامة، تلك العملية التي تشمل جمع الطلاب في صفوف ومدارس التعليم العام، بغض النظر عن الذكاء، أو الموهبة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعي، والاقتصادي، أو الخلفية الثقافية للطالب، وهذا يعني أن يوضع مع أقرانه العاديين، وأن يتلقى خدمات خاصة في فصول عادية، وأن يتفاعل بشكل متواصل مع أقران عاديين في أقل البيئات تقييداً.

أساليب التدريب
وللدمج أنواع، حسب توصيف الدكتورة سميرة القاضي، “كلية تربية دمشق”، منها الدمج المكاني، وهو اشتراك مؤسسة التربية الخاصة مع مدارس التربية العامة بالبناء المدرسي فقط، بينما تكون لكل مدرسة خططها الدراسية الخاصة، وأساليب تدريب، وهيئة تعليمية خاصة بها، ويمكن أن تكون الإدارة موحدة.
والدمج التعليمي”التربوي” هو إشراك الطلاب المعوقين مع الطلاب غير المعوقين في مدرسة واحدة تشرف عليها الهيئة التعليمية نفسها، وضمن البرنامج المدرسي، مع وجود اختلاف في المناهج المعتمدة في بعض الأحيان، ويتضمن البرنامج التعليمي صفاً عادياً، وصفاً خاصاً، وغرفة مصادر، أو ما يقصد به دمج الطالب ذي الاحتياجات الخاصة مع أقرانه العاديين داخل الصفوف الدراسية المخصصة للطلاب العاديين، ويدرس المناهج الدراسية نفسها التي يدرسها العادي، مع تقديم خدمات التربية الخاصة.
والدمج الاجتماعي، أي التحاق الأطفال المعوقين في الصفوف العامة بالأنشطة المدرسية المختلفة كالرحلات، والرياضة، وحصص الفن والموسيقا، والأنشطة الاجتماعية الأخرى، وهذا أبسط أنواع وأشكال الدمج، حيث لا يشارك الطالب ذو الاحتياجات الخاصة نظيره العادي في الدراسة داخل الصفوف الدراسية، وإنما يقتصر على دمجه في الأنشطة التربوية المختلفة مثل: التربية الرياضية، والتربية الفنية، وأوقات “الفسح”، والجماعات المدرسية، والرحلات، والمعسكرات، وغيرها، والدمج المجتمعي، أي إعطاء الفرص للمعوقين للاندماج في مختلف أنشطة وفعاليات المجتمع، وتسهيل مهمتهم في أن يكونوا أعضاء فاعلين، ويضمن لهم حق العمل باستقلالية، وحرية التنقل، والتمتع بكل ما هو متاح في المجتمع من خدمات، والدمج الجزئي، ويقصد به دمج الطالب ذي الاحتياجات الخاصة في مادة دراسية أو أكثر مع أقرانه من العاديين داخل صفوف الدراسة العادية.

تعليم المتكافئ
والغاية من الدمج، وفق القاضي، إتاحة الفرص لجميع الأطفال المعوقين للتعليم المتكافئ والمتساوي مع غيرهم من الأطفال، وإتاحة الفرصة للأطفال المعوقين للانخراط في الحياة العادية، والتفاعل مع الآخرين، وإتاحة الفرصة للأطفال غير المعوقين للتعرف على الأطفال المعوقين عن قرب، وتقدير مشاكلهم، ومساعدتهم على مواجهة متطلبات الحياة، وتقديم خدمة الأطفال المعوقين في بيئتهم المحلية، والتخفيف من صعوبة انتقالهم إلى مؤسسات ومراكز بعيدة عن بيتهم، وخارج أسرهم، وينطبق هذا بشكل خاص على الأطفال من المناطق الريفية، والبعيدة عن مؤسسات ومراكز التربية الخاصة بغية استيعاب أكبر نسبة ممكنة من الأطفال المعوقين الذين لا تتوفر لديهم فرص للتعليم، والتقليل من الكلفة العالية لمراكز التربية المتخصصة، والتخفيف من الفوارق الاجتماعية، والنفسية بين الأطفال أنفسهم، وتخليص الطفل وأسرته من الوصمة التي يمكن أن يخلقها وجوده في المدارس الخاصة، وإعطاء هذا الطفل فرصة أفضل، ومناخاً أكثر تناسباً لينمو نمواً أكاديمياً، واجتماعياً، ونفسياً سليماً، إلى جانب تحقيق الذات عند الطفل ذي الاحتياجات الخاصة، وزيادة دافعيته نحو التعليم، ونحو تكوين علاقات اجتماعية سليمة مع الغير، وتعديل اتجاهات الأسرة، وأفراد المجتمع.

مناهج معدلة
بينما يؤكد الدكتور فواز العبد الله، “كلية تربية دمشق، على ضرورة تجهيز مناهج معدلة، وبرامج تربوية فردية في المهارات اللغوية تساعدهم في التعبير عن أنفسهم، ويزود الدمج الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة بالفرص المناسبة لتحسين مفهوم الذات، والسلوكيات الاجتماعية اللذين وجد أنهما مرتبطان ببعضهما بشكل كبير، كما أن دمج الطفل من ذوي الاحتياجات الخاصة مع الأطفال العاديين يساعد هؤلاء في التعرف على هذه الفئة من الأطفال عن قرب، وكذلك تقدير احتياجاتهم الخاصة، وبالتالي تعديل اتجاهاتهم، وتقليل آثار الوهم السلبية من قبل الأطفال الآخرين، والمدرسة، ومن أفراد العائلات الأخرى، ومن غير المعوقين، ووضع الأطفال في ظروف، ومناخ تعليمي أكثر إدماجاً، وأقل تكلفة، وتوفير تعليم فردي، حيث إن دمج الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في المدارس العامة من الناحية الاقتصادية يكون أقل تكلفة مما لو وضعوا في مدارس خاصة لما تحتاجه تلك المدارس من أبنية ذات مواصفات، ومن جهاز متخصص من العاملين، بالإضافة إلى الخدمات الأخرى.
يجب ألا يغيب عن أذهاننا، والكلام للعبد الله، بأن الدمج قد لا يكون الحل الأمثل لكل الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، بل إن بعض الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة قد لا يتمكنون من النجاح في أوضاع الدمج المختلفة لتباين حاجاتهم، وعدم فعالية الخدمات التي قد تقدم لهم في تلك الأوضاع الدراسية.

تحضير
من أهداف الدمج بعيدة المدى، حسب العبد الله، تخليص ذوي الاحتياجات الخاصة من جميع أنواع المعيقات، سواء المادية، أو المعنوية التي تحد من مشاركتهم في جميع مناحي الحياة، وهناك بعض الأمور الواجب مراعاتها قبل تطبيق سياسة الدمج، ومن هذه الأمور درجة الإعاقة، إذ يجب أن يراعى نوع وشدة الإعاقة قبل البدء بعملية الدمج، ومعرفة الاستعداد النفسي للطالب المراد دمجه، والتربية المبكرة، حيث يجب أن تسبق عملية الدمج لذوي الاحتياجات الخاصة تربية مبكرة من الأسرة لمساعدتهم على أداء بعض الوظائف الأساسية للحياة مثل: الكلام، والحركة، والتنقل، والاعتماد على النفس في الأكل، وإعداد معلمي المدارس العادية، حيث ينبغي تدريب معلمي المدارس العادية على كيفية التربية مع ذوي الاحتياجات الخاصة، وكيفية التعامل مع المواقف السلوكية عند الطلاب من ذوي الاحتياجات الخاصة في الصفوف العادية، ويفضل ألا يزيد عدد الطلاب المراد دمجهم في الصف العادي عن طالبين.

عارف العلي