ميدان حلب يكسر قرار التدويل

ميدان حلب يكسر قرار التدويل

أخبار سورية

الثلاثاء، ٢٠ ديسمبر ٢٠١٦

أتى قرار مجلس الأمن بفرض مراقبة أممية على عمليات الإجلاء في حلب، بسقف منخفص مقارنة بمشاريع سابقة اصطدمت برفض روسي. القرار الذي وصفه دبلوماسيون غربيون بـ«المتأخر» و«الهشّ» لم يعد قادراً على تغيير التحوّل المفصلي الذي شهدته مدينة حلب، والذي تكرس في الميدان ومن خلال تفاهمات إقليمية سعت إليها موسكو بعيداً عن واشنطن وحلفائها، لتخرج بذلك عاصمة الشمال من حسابات غربية سعت جاهدة لإبقاءها رهينة التدويل
في ضوء استكمال التسوية في مدينة حلب وبلدتي كفريا والفوعة، برغم العقبات التي رافقت مسار تطبيقها، يأتي اعتماد مجلس الأمن الدولي لقرار يطلب مراقبة أممية لعمليات الإجلاء في حلب، ليحرّك عدداً من التساؤلات عن جدوى وآلية تطبيقه على الأرض.

القرار الذي أُقرّ بالإجماع في مجلس الأمن، ينصّ في المجمل على نشر مراقبين أمميين في مدينة حلب، لمتابعة سير عمليات الإجلاء وموافقتها لمعايير القانون الدولي، والعمل على إيصال المساعدات الإنسانية للأشخاص الذين لم يغادروا حلب أو غيرها من المناطق. وبرغم أنه جاء نتيجةً لجهود الدول الغربية في مواجهة ما حققه الجيش السوري وحلفاؤه في حلب، وفي ضوء التفاهمات التركية ــ الروسية، فقد وصفه عرّابه الرئيسي، مندوب فرنسا لدى الأمم المتحدة فرانسوا ديلاتر، بـ«القرار الهشّ».
وقد يعكس التهليل الغربي الضعيف نسبياً لاعتماد القرار، حقيقة أنه لا يرقى إلى طموحات سابقه الفرنسي في مجلس الأمن، الذي طالب بوقف غير مشروط لوقف إطلاق النار من جميع الأطراف، ولقي حينها «فيتو» مشتركاً روسياً ــ صينياً.
ويتضمّن القرار نقطة حساسة مرتبطة بآلية اختيار المراقبين أنفسهم، والعلاقة التي تحدد دور الدولة السورية كطرف فاعل في هذا القرار. ولتحديد هاتين النقطتين، جاء طلب روسيا من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، توفير الأمن للمراقبين الدوليين ليدخلوا شرق حلب «بالتنسيق» مع الأطراف المعنية، في إشارة إلى الحكومة السورية، ووافق المجلس على أن تجري هذه الترتيبات «بالتشاور» مع تلك الأطراف. وقال تشوركين للصحافيين قبل التصويت: «إننا على اتصال بزملائنا السوريين هنا طوال الوقت... ولم يكن لهم أي اعتراضات خطيرة على ما أبلغناهم به».
أما بخصوص اختيار المراقبين، فقد أوضح المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوغريك، أن «لدى الأمم المتحدة نحو 100 موظف أممي في حلب، غالبيتهم من السوريين، ونقوم حالياً بالنظر في طرق تنفيذ مهمتهم حسب قرار مجلس الأمن». وأضاف في خلال حديث للصحافيين في نيويورك، أن «الوضع معقد، ونحن ننظر في وسائل تنفيذ مهمة الموظفين الأمميين، بمعنى أننا ننظر حالياً في من سيذهب إلى داخل حلب وإلى أي المناطق»، لافتاً إلى أنه «في حال احتياجنا إلى موظفين آخرين، فلدينا طاقم أممي في دمشق، ويمكن نقله في أسرع وقت ممكن».
وتتوضح حساسية هذه النقطة لدى دمشق في كلام مندوب سوريا الدائم لدى الأمم المتحدة، بشار الجعفري، الذي شدد على أن «القرار يتحدث عن مراقبين موجودين في عين المكان، تابعين للصليب الأحمر أو الهلال الأحمر السوري ومكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، لتتولى مراقبة ومتابعة تطبيق هذا القرار، ولا يتحدث عن عناصر خارجية أو إنشاء مجموعة تستبدل الموجودين على أرض الواقع»، موضحاً أن «الحكومة السورية ضمنت حماية هؤلاء لأكثر من 6 سنوات ولم يتعرض أي شخص للقتل أو الإساءة».
وقد يتمثّل الخرق الغربي في هذا القرار بأنه يطلب صراحة «احترام الموظفين الصحيين والإنسانيين ووسائل نقلهم ومعداتهم، فضلاً عن المشافي والمنشآت الصحية الأخرى على امتداد سوريا وفقاً للقرار 2286 لعام 2016»، وهو ما قد يشكّل مدخلاً لضغط غربي لاحق، للتضييق على أي عمليات عسكرية لاحقة للجيش وحلفائه على كامل الأراضي السورية.
كذلك، تطرح الأوساط الفرنسية فكرة أن القرار أتى في وقت يجبر فيه روسيا على القبول به، ونقلت صحيفة «لوموند» عن ديبلوماسي فرنسي رفيع المستوى، ما مفاده أن «موسكو اضطّرت إلى اعتماد القرار لكونها بحاجة إلى إعادة التوازن مع الجانب الإيراني على الأرض في سوريا»، وبرّر الديبلوماسي ذلك، بأن إيران «فرضت شروطاً جديدة خلال تسوية حلب، أسهمت في إطالة تطبيقها وتعثّره»، وهو أمر لا يتناسب ورؤية موسكو وفق تفاهمها مع أنقرة.
ويظهر الفرنسيون تعويلاً على هذا القرار، إذ رأى الرئيس فرنسوا هولاند، أنه «يجب أن يفتح الطريق أيضاً أمام وقف لإطلاق النار وإجراء مفاوضات حول حل سياسي». وأوضح أنه «يعطي ضوءاً أخضر للأمم المتحدة لتقديم المساعدات الإنسانية والطبية اللازمة إلى السكان، وحماية المنشآت الطبية والعاملين فيها في مجمل أنحاء البلاد».
من جانبه، قال مندوب بريطانيا لدى الأمم المتحدة، ماثيو رايكروفت، إن القرار جاء «متأخراً»، مشيراً إلى أن «الهدف من صدوره هو حماية أرواح المدنيين».
وقد يتوافق الاندفاع الفرنسي مع إعلان المبعوث الأممي إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا، أمس، أن المنظمة الدولية ستدعو الأطراف السورية إلى مفاوضات في الثامن من شباط في جنيف.

تحتضن موسكو
اليوم لقاءً ثلاثياً يضم وزراء خارجية ودفاع إيران وتركيا


ويبدو النشاط الغربي الأممي، ودعوة الأمم المتحدة إلى محادثات سورية في جنيف، كمحاولة جادة لكسر جليد الاحتكار الروسي ــ التركي لمقدرات الوضع في مدينة حلب ومحيطها، خاصة في ضوء دعوة موسكو وأنقرة الأخيرة لعقد مباحثات في العاصمة الكازاخستاينة، أستانة، بعيداً عن جنيف والنفوذ الغربي داخل المنظومة الأممية.
ويأتي الاجتماع الثلاثي المرتقب بين وزراء خارجية ودفاع روسيا وإيران وتركيا، اليوم في موسكو، ليصعّب المهمة على واشنطن وحلفائها الأوروبيين. ويتزامن مع تسوية جرى تنسيقها ثلاثياً في حلب، ليعزز احتمال التوصل إلى عديد من التفاهمات حول الملف السوري. وهو ما عبّر عنه وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في خلال حديث صحافي، بقوله إن الاجتماع الثلاثي الذي سيعقد اليوم في موسكو سيتضمن «مفاوضات مفصلة ومحددة مع القادرين على تحسين الوضع على الأرض، في ظل تركيز شركائنا الغربيين على الخطابة والدعاية».
وضمن الحراك الديبلوماسي تحضيراً للّقاء، بحث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع نظيره الإيراني حسن روحاني، تطورات الوضع السوري، وخاصة في مدينة حلب، في اتصال هاتفي من الجانب الإيراني. وأشار الكرملين في بيان إلى أن الرئيسين «شدّدا على ضرورة تعزيز الجهود للوصول إلى حل سريع للأزمة السورية»، موضحاً أنه «تمت الإشارة إلى أن الإعداد لجولة محادثات بين ممثلي الحكومة السورية وأعضاء من المعارضة في أستانة، سيكون خطوة مهمة على هذا الطريق».
وشهد يوم أمس استكمالاً لاتفاق إجلاء المدنيين بالتوازي من حلب وبلدتي كفريا والفوعة. ووفق أرقام اللجنة الدولية للصليب الأحمر، فقد جرى أمس الاثنين، إجلاء ما يقارب 5 آلاف شخص في 75 حافلة، من أحياء حلب التي تسيطر عليها الجماعات المسلحة بالتعاون مع متطوعي الهلال الأحمر العربي السوري، مضيفة أنه، بالتوازي، أُجليَ نحو 500 شخص من بلدتي كفريا والفوعة، في ريف إدلب. وفي تغريدة له على موقع «تويتر» ذكر وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، أن «عدد الأشخاص الذين جرى إجلاؤهم إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة بلغ 20 ألف شخص»، موضحاً أن «الجهود تتواصل» لإتمام العملية بنجاح.