هذا هو مصير الغوطة الشرقية بعد تحرير حلب..

هذا هو مصير الغوطة الشرقية بعد تحرير حلب..

أخبار سورية

الجمعة، ٢٣ ديسمبر ٢٠١٦

عمر معربوني  -  بيروت برس -

نتفق مع كل اعداء سوريا بأن تحرير حلب لن يُنهي الحرب في سوريا ولكننا بكل بساطة نعيش تحولًا تاريخيًا كبيرًا، وعندما نصفه بالتاريخي لأن ما بعده ليس كما قبله في الميدان والسياسة.
منذ بداية الحرب على سوريا كنا أمام حرب متعددة الأوجه، ولم تقتصر على الميدان ولا تقل خطورة عنه سواء في معركة الحرب الإعلامية والنفسية او معركة المصطلحات.

قد يكون سهلًا ويسيرًا على عموم الناس ان يفسروا مسارات الحرب العسكرية وحتى الإعلامية والنفسية منها، لكنه من الصعب ان يقاربوا الشق الأخطر من هذه الحرب وهي معركة المصطلحات التي تحتاج الى خلفية علمية تخصصية في مجالات الفلسفة والقانون، وهو الجانب الذي لم يأخذ حقه في المواجهة لناحية التوضيح ومساحة الإهتمام الإعلامي.
وما تطرقي لموضوع معركة المصطلحات في هذه المقالة، والذي سنقاربه قريبًا بمقالة مستقلة، الا لأننا في المرحلة القادمة سنشهد استخدامًا اكبر واشمل من اعداء سوريا لمصطلحات قديمة وجديدة هدفها كسر وهج الإنتصارات وخصوصًا انتصار حلب والإنتصارات القادمة على كامل الأرض السورية، ومن ضمنها موضوع مقالتنا المرتبط بمعركة الغوطة الشرقية.

بعد تحرير حلب، من المؤكد ان القيادة السورية ستعيد ترتيب اولوياتها الميدانية انطلاقًا من نتائج معركة حلب التي لا يختلف اثنان انها ستُستكمل بعمليات لاحقة شرحنا في مقالة سابقة الإتجاهات المحتملة لها، واعتبرنا استكمالها ضرورة لتأمين مدينة حلب وكامل نطاقها الإداري ورسم معالم معركة ادلب احدى اهم المعارك القادمة.
والسؤال هنا في ضوء المتغيرات السياسية الناتجة عن معركة حلب: هل ستحمل معركة الغوطة الشرقية نفس مستوى اهمية معركة ادلب؟وهل ستتجه الأمور فيها نحو الحسم العسكري او باتجاه التسوية؟

على المستوى العسكري، ما تبقى من مساحة تسيطر عليها الجماعات الإرهابية في الغوطة الشرقية تقلص كثيرًا وحصلت خلال السنتين الأخيرتين منذ تحرير مدينة المليحة متغيرات جذرية تمثلت في تقليص مساحة تموضع الجماعات الإرهابية وتضييق نطاق الحركة والمناورة لها، حيث تبتعد القوات عن مدينة دوما مسافات تتراوح بين 2 و6 كلم من اتجاهات مختلفة لا مجال لتفصيلها الآن، حيث تدخل ضمن باب التفاصيل التكتية المرتبطة باتجاهات الإقتراب والتموضع.
في البعد الشامل لمعركة تحرير سوريا، تكتسب معركة الغوطة الشرقية اهمية كبيرة كونها تلاصق العاصمة السورية دمشق وتعتبر احد المعاقل الكبرى المدعومة من المملكة السعودية، وكما شكل تحرير حلب ضربة قاسية للمشروع الأردوغاني سيكون تحرير الغوطة الشرقية ضربة قاضية للعبث السعودي، ومن هنا نفهم دعوة الجانب الروسي السعودية للإنضمام الى مشاورات روسيا وايران وتركيا بمثابة الفرصة الأخيرة وربما الإنذار الأخير قبل استئناف العمليات في الغوطة الشرقية.

بمقاربة سريعة لما حصل من انتصارات وتسويات في الأشهر الأربعة الفائتة، يمكن ملاحظة حجم القوات التي باتت جاهزة للعمل في جبهات اخرى، وكمثال على ما اقول بدأ الجيش السوري معركة تحرير الدرخبية وخان الشيح مباشرة بعد انتهاء تسوية داريا، حيث تم تحرير الدرخبية والبدء بمرحلة الضغط على خان الشيح وتضييق الحصار حولها  لتساهم تسوية قدسيا والهامة بزج مزيد من القوات واجبار مسلحي خان الشيح وزاكية والطيبة والمقيليبة على الدخول في تسوية توسعت ايضًا لتشمل بلدة كناكر الواقعة قريبًا من مثلث محافظات ريف دمشق والقنيطرة ودرعا التي تعتبر من اهم العقد العسكرية في المنطقة. ومن يعرف جغرافيا هذه المناطق يُدرك حجم المساحة التي نتكلم عنها والتي تتجاوز بكثير المساحة المتبقية في الغوطة الشرقية تحت سيطرة الجماعات الإرهابية، وهذا يعني ان القيادة العسكرية في سوريا ستعمد على اعادة تشكيل القوات المعنية بمعركة الغوطة الشرقية ورفدها بالعدد الكافي من القوات التي لم يعد لها مهمات مباشرة في المناطق التي حررها الجيش او دخلت في تسويات، وهي قوات كافية لتشكيل ضغط مضاعف على الغوطة الشرقية عمّا هو قائم حاليًا.

المعركة الأهم في الغوطة الشرقية ستكون بالتأكيد معركة مدينة دوما التي تبلغ مساحتها 9 كلم مربع، وهي ان حصلت في بعدها العسكري ستكون شبيهة بمعركة الأحياء الشرقية لمدينة حلب بفارق ان مدينة دوما لا تتجاوز مساحتها مساحة حي مساكن هنانو وحي جبل بدرو وارض الحمرا التي استطاعت وحدات الجيش ان تحررها بوقت قياسي لم يتجاوز الأيام القليلة، رغم ان الأحياء المذكورة في حلب تمتاز بخاصية الإرتفاع عن القوات المتقدمة وهي ميزة ليست موجودة في مدينة دوما.
ان حصلت المعركة العسكرية في دوما فسيكون الإستخدام للبعد الإنساني بشكل اكبر، وهو ما يجب ان يتم الإستعداد له مسبقًا والإستفادة من تجربة الإستخدام والتوظيف للبعد الإنساني التي حصلت بالتزامن مع تحرير الأحياء الشرقية.

قد يتساءل البعض لماذا حصرت الكلام عن معركة الغوطة الشرقية بمدينة دوما ولم اتطرق للبلدات الأخرى، والسبب مرتبط بمسألتين:
1-    المسألة الأولى ان دوما تشكل الكتلة الأكبر على مستوى الإكتظاظ السكاني، وبدء العمليات باتجاه دوما سيترك المجال للسكان بالتوجه الى بلدات اخرى خارج دوما تقع ايضًا تحت سيطرة الجماعات الإرهابية، ولكن ذلك سيحسم بسرعة معركة مدينة دوما كمعقل ومقر اساسي ويجعل باقي البلدات تتساقط بسرعة كما حصل في احياء حلب الشرقية.
2-     وجود وحدات الجيش السوري القريب من مدينة دوما باغلب الإتجاهات، وهذا يعني امكانية خلق تماس متقارب في زمن اقل.

في البعد السياسي، لا يمكن استبعاد حصول تسوية كبيرة تتعلق بالغوطة الشرقية تجنبها مزيدًا من الدم والدمار، وهذا الأمر يرتبط بما يمكن ان تقرره السعودية بخصوص المسارات السياسية المفتوحة حاليًا والتي تدرك السعودية انها ربما تحافظ من خلالها على ما تبقى من ماء الوجه بعكس ما يمكن ان يحصل فيما لو سلكت الأمور اتجاه المعركة العسكرية.