«عام حلب»: قبضة الجيش وحلفائه أقوى... وكلمة موسكو «هي الأعلى»

«عام حلب»: قبضة الجيش وحلفائه أقوى... وكلمة موسكو «هي الأعلى»

أخبار سورية

السبت، ٣١ ديسمبر ٢٠١٦

بخريطة ميدانيّة تعكس تقدّماً كبيراً لمصلحة الجيش السوري وحلفائه، تودع الحرب عام 2016. العام المنصرم حمل عناوين بارزة كثيرة، لكن أبرزها استعادة الجيش السوري السيطرة على كامل مدينة حلب. وعلى إيقاع التقدّم الميداني، واصلت موسكو فرض هيمنتها السياسيّة على الملف السوري، لتستبدل بالشريك الأميركي آخر تركيّاً
تصلحُ المقارنةُ بين نهايتي العامين 2015 و2016 لتقديم صورة تختصر تعقيدات المشهد السوري العجائبيّة. فبقدر ما تعكس المعطيات اختلافاً هائلاً في التفاصيل بين النقطتين الزمنيّتين، تُقدّم في الوقت نفسه مشهدين متشابهَين إلى حد كبير في الشّكل العام (ولا سيّما في شقه السياسي).

ودّعت البلاد العام الماضي وهي تتهيّأ لجولة مباحثات سياسيّة جديدة، في ظل تغيّر جذري في موازين القوى على الأرض لمصلحة الجيش السوري وحلفائه. نبرة التفاؤل كانت قويّة استناداً إلى غطاء وفّره قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 الذي تبنّى «خريطة فيينا». التنسيق الروسي ــ الأميركي كان ذاهباً في مسارٍ تصاعدي، خطط «تجميد القتال» على الطاولات، وبالتوازي مع جهود «اصطفاء» الشخصيات والكتل المعارضة المؤهّلة للمشاركة في جولة مفاوضات «حاسمة» ومع نيات روسيّة مبيّتة لـ«خفض وجودها العسكري» دعماً للمسار السياسي. اليوم، ندخل العام الجديد والحديث في أوجه عن جولة مفاوضات «حاسمة» على مسرح مختلف هذه المرّة، «وقف الأعمال القتاليّة» أُعلن سلفاً، مصحوباً مع قول موسكو إنها بصدد تقليص عديد قواتها في سوريا، بينما يبحث مجلس الأمن دعم الهدنة. في التفاصيل، يكاد كلّ شيء يكون مختلفاً وبشكل خاص في محور «المعارضة» ورعاتها.
غاب اللاعب الأميركي عن الواجهة (مؤقّتاً)، وتقدّمت أنقرة لتلعب دور راعٍ شريكٍ لموسكو. قادة المجموعات المسلّحة «أمراء الحرب الفعليون» حضروا على الطاولات مباشرةً، فيما تحوّلت الكيانات السياسيّة المعارضة إلى كومبارس. ما كان لهذه التطوّرات أن تبصر النور لولا التحوّل الكبير في المشهد الميداني، الذي شكّلت حلب عنوانه الأبرز. «عاصمة الشمال» استمرّت على امتداد العام في لعب دور البوصلة التي تقدّم المؤشرات الأدق لمسارات الحرب في البلاد. وبرغم أن كثيراً من المعطيات ترجّح قيام السّاسة (استباقيّاً) بإعداد الأوراق اللازمة لقطف رأس المجموعات المسلّحة في حلب، غير أنّ الواقع يؤكّد أن أطراف الحرب اختبرت على امتداد العام المنصرم حرب كسر عظم (ورؤوس) طاحنة في «الشهباء». الجيش السوري أفلح أيضاً في توسيع هوامش السيطرة في محيط العاصمة حيث تكرّر سيناريو شبه ثابت: تصعيد عسكري، ضغط أهلي في مناطق سيطرة المسلّحين، فتسويةٌ تفضي إلى خروج المسلّحين وعوائلهم ومن يرغب من المدنيين إلى إدلب (وهو ما تكرّر أيضاً في الوعر الحمصية، وحلب).
الخريطة الميدانيّة تغيّرت معطياتها لمصلحة الجيش بنحو كبير مقابل تقلّص مناطق سيطرة «المعارضة المسلّحة»، فيما خسر كلّ من تنظيم «داعش» و«قوّات سوريا الديموقراطيّة» مساحاتٍ لمصلحة الجيش التركي الغازي تحت راية «درع الفرات». عمليّاً، كان توازي العمل على المسارين السياسي والعسكري السمة الأبرز لأداء دمشق وحلفائها خلال عام 2016، في مقابل تخبّط غير مسبوق في المعسكر المقابل. موسكو كانت عرّابة هذا التلازم بلا منازع، والباحثة باستمرار عن تثمير أي تقدّم ميداني في صورة خرقٍ سياسي يقود إلى وضع حلول فعليّة للأزمة على السكّة، وبما يناسب المصلحة الروسيّة في الدرجة الأولى.

تحوّلت الكيانات السياسيّة المعارضة إلى كومبارس

وقاد ذلك إلى «تطويبها» عرّاباً للملف بأكمله. في الشكل العام تقلّص حضور طهران في ثنايا الملف السياسي، شأنه في ذلك شأن حضور الرياض. الفارق أن اللاعب الإيراني حرص على فرض وجوده عند المنعطفات الأساسيّة، مستنداً إلى الدور الميداني المحوري الذي لعبه على امتداد الحرب (وما زال). في المقابل، كان دور أنقرة يكبر في الثلث الأخير من العام، وبرعاية موسكو تحديداً. وخلافاً لما أوحى به مشهد الانقلاب الفاشل على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من انكفاء «مرتقب» عن الساحة السوريّة، دخل الجيش التركي غازياً للشمال تحت عنوان «درع الفرات» في الرابع والعشرين من آب. ويبدو الترابط قويّاً بين الغزو التركي والتقدّم الكاسح الذي أحرزته «قوّات سوريا الديموقراطيّة» في الشمال السوري وبرعاية مباشرة من «التحالف الدولي» بقيادة الولايات المتحدة، ليأتي غضّ النظر الذي منحته موسكو لأنقرة بمثابة ردّ على سيطرة «قسد» على مدينة منبج (ريف حلب الشمالي الشرقي). كانت الأخيرة قد استشعرت فائض قوّة كبيراً دفعها إلى محاولة طرد الجيش السوري خارج مدينة الحسكة، فيما كان حضور القوى الغربيّة عسكريّاً واستخباريّاً يتفاقم في مناطق سيطرتها، ومجدّداً لعب تضارب الأجندات في المعسكر المعادي لها دوراً محوريّاً في خدمة دمشق. حافظت الأخيرة على نبرة «عدائيّة» تجاه أنقرة، من دون أن يتأثّر ذلك بعودة الحرارة إلى الخط الأمني بين العاصمتين! استثمار التناقضات واللعب بينها (خاصة ما يرتبط بالصراع الكردي السوري ــ التركي) لم يكن حكراً على دمشق وحلفائها. الولايات المتحدة ذهبت بعيداً في هذا السياق عبر دعم كلّ من الطرفين واستثمار مخاوفه من الآخر، وكان لعب كليهما دوراً أساسيّاً في «التحالف الدولي» واحداً من المفارقات الأبرز على امتداد الحرب السوريّة. وحتى اليوم يبرز حرص موسكو وواشنطن (كلّ على حدة) على رعاية التناقضات الإقليمية واستثمارها بوصفه سمةً أساسيّة لأداء القطبين العالميين في الملف السوري. وبرغم صعوبة التكهّن بخطط الإدارة الأميركيّة الجديدة للملف السوري، يبدو مرجّحاً أنّ مواصلة اللعب على الحبل الكردي ــ التركي ستكون حاضرة على سلّم أولويات الرئيس العتيد دونالد ترامب وفريقه. الأكراد أنفسهم حاولوا السير في هذا الركب وسارعوا إلى فتح قنوات تواصل خفيّة مع دمشق على وقع الغزو التركي، من دون أن يعني ذلك تخليهم عن عباءة «التحالف الدولي» والجزرة الأميركيّة المتنقّلة من منبج إلى الرقّة. ولم ينصرم العام من دون تسجيل تغيّر لافت في طموحات «الإدارة الذاتيّة» لتختفي تسمية «روج آفا» من التداول ويعتمد الحلم الفيدرالي تسمية جديدة «المجلس الفيدرالي لشمال سورية». لم يكن هذا التحول بعيداً عن الأصابع الروسيّة التي لعبت دوراً مفصليّاً في رسم ملامحه الجديدة، وفي استثمار جديد للصراع الكردي ــ التركي. كذلك، تنبغي الإشارة إلى حرص موسكو في الفترة الأخيرة على دفع الدور المصري إلى الواجهة قدر المستطاع، وبالتوازي مع تعاظم الدور التركي بفضل جهود موسكو أيضاً (مع ملاحظة العداء المُعلن بين نظامي الحكم في أنقرة والقاهرة). سياسة التعويم الروسيّة لم تقتصر على تعاملها مع العاصمتين المذكورتين، بل تجاوزتها إلى المجموعات المسلّحة في سوريا وعلى وجه الخصوص «جيش الإسلام» و«حركة أحرار الشّام الإسلاميّة».
وفيما كان عام 2015 يودّع أيامه مع إصرار روسيا على إدراجهما في قائمة «المجموعات الإرهابيّة» تحوّل الاثنان إلى جزء من «الهدنة» الأخيرة في خطوة تضفي عليهما «شرعيّةً» من نوعٍ ما. لم تغب الصين عن المشهد، واستمرّت في لعب دور الداعم الأساسي لدمشق من دون الانخراط العسكري المباشر.
وسجّلت بكين حضورها عبر محطّتين بارزتين: تعيين مبعوث خاص إلى سوريا في آذار، واستخدام حق النقض «الفيتو» إلى جانب موسكو في كانون الأوّل. لم تفلح «القارّة العجوز» في انتزاع أي دور أساسي في الملف، وبقي أداء الاتحاد الأوروبي محصوراً في الرضوخ حيناً إلى ابتزازات أنقرة في ما يتعلّق بملف اللاجئين، وآخر إلى مد جسور أمنيّة تحت الطاولات مع دمشق بفعل الهواجس الأمنيّة. وبين هذا وذاك واصلت التمايل على إيقاع واشنطن في إطار «التحالف الدولي» وفي المحافل السياسيّة الأمميّة، قبل أن تخرج أخيراً ورقة «إعادة الإعمار» وتضعها على الطاولة بين يدي العام المقبل.

تحديات 2017

تحفل أجندات أطراف الحرب للعام الجديد بخطط وتحديّات يرسمها كلّ على مقاسه. دمشق تراهن على تحوّل أميركي يضع الحرب على الإرهاب في مقدمة الأولويات. وفي الوقت نفسه على رضوخ أنقرة لفكرة أن الكف عن تكرار لازمة «رحيل النظام» هو الضامن الأساسي لنزع فتيل النيران المتقدّمة بهدوء نحو الداخل التركي. طهران تحرص على تعزيز حضورها القوي في سوريا، بينما تترقب بحذر أداء الإدارة الأميركيّة القادمة، وتراقب تحرّكات الحلف الروسي. الأخير يعد نفسه بفرض تسويةٍ تتوّجها على رأس نظام عالمي جديد. داخل معسكر دمشق وحلفائها تبرز تحديّات كثيرة، على رأسها الحفاظ على حدّ أعلى من التنسيق و«وحدة الصف» من دون أن تتحوّل الاختلافات في المصالح والمقاربات داخل أطراف هذا المعسكر إلى خلافات. ما زال الأكراد يأملون عدم «الخروج من المولد بلا حمّص». لدى كل من السعودية وقطر ومصر طموحاتٌ سيسعون إلى تحقيقها بما يضمن «الاستمرار في الأجواء»، بينما يواصل الشارع السوري إحصاء الضحايا و«الصراع من أجل البقاء»!