شريكان في كل شيء المهنة الواحدة للزوجين تهدد الحياة الزوجية وتوتر أجواءها .. وتنافسية العمل تطغى على العلاقة العائلية

شريكان في كل شيء المهنة الواحدة للزوجين تهدد الحياة الزوجية وتوتر أجواءها .. وتنافسية العمل تطغى على العلاقة العائلية

أخبار سورية

الثلاثاء، ١٧ يناير ٢٠١٧

“وجهات النظر تتغير بحسب الظروف وأنا ممن غيّرت رأيي”،  بهذه الجملة بدأ حديثه الدكتور لؤي “صيدلاني”، المتزوج من الدكتورة جيداء التي جمعتها معه قصة حب جامعية، وتابعا حياتهما معاً، وحتى في العمل، ويضيف لؤي بنبرة حاسمة: إن عمله مع زوجته في المهنة نفسها، جعل حياته في توتر دائم ، وأفقد الحب بريقه، وبات المنزل يشبه العمل بنمط الأحاديث والنقاشات، وغابت الأوقات الجميلة من حياة العائلة،  وتشوهت – حسب رأيه – لإصرار زوجته بالكلام عن عملها، ومشاكله في سهراتهما، ويضيف ساخراً: حتى أطفالي أصبحوا يعرفون أنواع الأدوية وأسماء الموزعين!! بينما يفتقد المنزل إلى جو الأسرة والمحبة، وفي حديثه لم  يظهر لؤي حاقداً أو حاسداً لنجاح زوجته، بل بدا أكثر عقلانية في طرحه لمفهوم الحياة المشتركة، وفصل الحياة الزوجية عن العملية.
وفي مكان آخر يعتبر الطبيب نزار مهنا،  أن شرط الكفاءة في العلاقة الزوجية، هو أحد أهم أركان النجاح للزواج من المهنة نفسها، فزوجته الطبيبة، وبمجال الاختصاص نفسه الذي أغنى أحاديثهما في المنزل، وتبادلا المعلومات، بل بدت العلاقة من خلال الحديث معهما على أنها تكاملية بناءة، فالزوجة نهى القباني “طبيبة أطفال”، تستفيد من معلومات زوجها في الحالات المستعصية والعقيمة التي تواجهها، لكنه، بحسب قولها، متابع لكل ماهو جديد، ويواظب على حضور المؤتمرات والفعاليات الطبية، في حين يبادر زوجها إلى استشارتها أيضاً، ومشاركتها الرأي في ما يعرض  عليه من حالات، مع تأكيد كليهما أن المنزل يتطلب التضحية والتفاني وروح التشاركية للاستمرار، فلا تطغى الحياة العملية على حياتهما الشخصية، بحيث تبقى أولويات محمية وبعيدة عن نمط الحياة المهنية، بالإضافة إلى اهتمامهما المشترك بحياتهما الاجتماعية وتربية أبنائهما، فالمؤكد، حسب د. نزار، أن المهنة الواحدة تغني حياة الزوجين، إن حافظا على قدسية حياتهما الزوجية ومتطلباتها، وحصنا أنفسهما من الوقوع بفخ الغيرة والتنافس، الذي بكثير من الأحيان يغذيه المجتمع، وتعليقات الناس، بحسب كلام د.القباني، التي قالت: نحن أقوى من أي تعليق، قد يحرف سفينة حياتنا باتجاه الغرق في المطبات النفسية والاجتماعية،  وأتفاداها أنا شخصياً باحترام دوري داخل الأسرة بأنني الزوجة والأم قبل أن أكون طبيبة ناجحة.

الغضب والغيرة
يبدو أن الزواج من  المهنة نفسها كان بمثابة “النقمة” في بعض الزيجات، حيث كانت سبباً لتشوه علاقة الحب، وتحولها إلى جدال، وصراع مستمر لإثبات الوجود على حساب الطرف الآخر، الأمر الذي وضع نهاية لهذا الزواج، كما حدث مع المدرسة ميسون الحسن التي حدثتنا عن تجربة زواجها الفاشل، فالحب والغرام الذي جمعها بابن الجيران، جعلهما يقرران دراسة فرع الأدب العربي في جامعة دمشق معاً، للبقاء مع بعضهم طوال سنوات الدراسة، وتوّج الحب بزواج فاشل استمر تسع سنوات لم تتذكر منه ميسون سوى حالات الغضب والهستيريا التي كانت تنتاب زوجها في حال حديثها عن عملها أمام أصدقائهم، أو مداخلاتها في أحاديثه وتصحيح بعض المفردات أو في مجال الإعراب التي كثيراً ما كانت سبباً لنقاشاتهم ومن ثم خلافاتهم، ليتطور الأمر إلى خلاف شخصي وينتهي بإسكاتها بطرق عنيفة وألفاظ نابية حيناً وبالاستهزاء بتفوقها أحياناً كثيرة، لتضطر إلى إنهاء حياتها الزوجية بطلب الطلاق، مؤكدة أن الرجل لا يستطيع الاعتراف بنجاح زوجته مهما ارتقى بعلمه.

العمل في المكان نفسه
من شروط المهنة ذاتها أحياناً جمع الزوجين في مكان عمل واحد، ما ولد آثاراً على طبيعة العمل وأكثرها سلبية، بحسب رأي الأستاذ محمد كوسا “خبير إداري”، أهمها صعوبة العلاقات الاجتماعية لكل منهم على حدة، فقد تعاني الزوجة من تدخلات الزوج في علاقاتها المهنية مع زملائها، أو العكس ما يعيق حركة العمل، ويخلق أجواء سلبية فيه، وعرض كوسا بحديثه لجانب شديد الخصوصية من “الاتكالية”  قد تمارسه الزوجة في العمل على حساب الزوج ومهامه ونشاطه ما يؤثر سلباً على قيمة العمل المنجز الذي يحتاج إلى أكثر من شخص، لذلك رأى الأستاذ كوسا ضرورة توزيع الأزواج في أماكن مختلفة لتخلق حافزاً أكبر للعمل، وقد تصب في مصلحتهم بتحقيق فائدة مادية من اختلاف طبيعة العمل والحوافز المقدمة لهم، وفي حديثنا عن الجوانب الإيجابية، أكد كوسا أنها لا تتعدى الجانب الخدمي كالمواصلات المشتركة أو تواجدهم في نفس العمل وهو بالأمر الإيجابي خلال الأزمة بشكل خاص، ونوه إلى وجود تحفيز باتجاه التميز والنجاح في بداية الأمر، إلا أنه يخف مع ظهور التنافسية المرضية والغيرة فيما بينهم، أو الاتكالية في فترة الحمل والأمومة.

الرجل الناجح
تنوعت آراء الناس حول الزواج من ذات المهنة ليروا فيها علاقة تكاملية متكافئة، وبعضهم وصفها بالفاشلة، بناء على منطق الرجل الشرقي الذي لا يقبل بنجاح لزوجته يطغى على نحاجه أو يضعف وجوده أمام عائلته والمجتمع، فتنقله العلاقة إلى مصاف الغيورين الحاسدين، ليمارس الضغط عليها في شؤون المنزل واتهامها بالتقصير في واجباتها تجاهه وتجاه حياتهم الاجتماعية، لتجد نفسها الزوجة أمام خيارين أحلاهما مر، إما التنازل عن عملها ونجاحها في العمل، أو الخروج من عش الزوجية، وبكلتا الحالتين تكون الخاسرة الوحيدة، والأمثلة عديدة لا يسعنا الإشارة إليها جميعها، كقول أحد الأصدقاء: لابد من ناجح واحد فقط في المنزل، والآخر داعم له، وعلى الأرجح في المجتمع الشرقي يكون الرجل، انطلاقاً من تجربته بزواجه من زميلته الصحفية التي آل بها المطاف إلى الجلوس بالبيت، والاهتمام بشؤون الأسرة، فيما توفر كل الوقت للزوج للتميز والنجاح.

تحصين العلاقة
حملنا هذه الآراء وطرحناها على الدكتور طلال مصطفى “علم اجتماع” الذي أكد على جمالية الزواج من المهنة ذاتها في حال تفهم الزوجين طبيعة عمل ومكانة كل منهما، وطورا من نفسيهما للتأقلم مع خصوصية هذه العلاقة بتحصينها بالوعي والمحبة لتكون علاقة قوية متكافئة ترفع من قدر الطرفين معاً، والسيطرة على الاضطرابات النفسية السلبية التي قد تولّدها الهزات المهنية كي لا تنعكس سلباً على الحياة الزوجية، وذكر في حديثه أفضل الطرق لحماية الحياة الزوجية في حال تعرّضها للخطر، حيث بيّن أهمية وعي المرأة في اختيار شريكها المناسب بعيداً عن أية ضغوط اجتماعية، ليكون خياراً يناسب شخصيتها، ومكانتها العملية والاجتماعية، والابتعاد عن بعض السلوكيات التي تحكم مجتمعنا كرؤية بعض العائلات وجوب زواج الطبيبة من طبيب، أو الفتاة الحائزة على شهادة علمية عالية بنظيرها كمسلك اجتماعي ملزم، وهنا يمكننا الإشارة إلى سعة انتشار هذه الظاهرة في بعض العائلات، حيث تلزم الفتاة وتمنعها بعدم اختيار من هو أقل منها مكانة، لتنساق برغبة الحفاظ على موقعها، فيكون خيارها الأسوأ عاطفياً، ولفت إلى ضرورة إعادة النظر في دور المرأة في المجتمع، فمهما تطورت قدراتها العلمية والمعرفية يجب عدم تخليها عن دورها الأساسي في البيت كأم وزوجة أولاً، وهو ما يضمن استقرار الأسرة، وحمايتها من العواصف النفسية، والاجتماعية، ويشير إلى قدرة المرأة على تأهيل زوجها على احترام وعيها ونجاحها من خلال توازنها النفسي، والابتعاد عن الغرور، والتنافسية فيما بينهما، ويجب علينا الإشارة إلى الوعي المشترك لكلا الزوجين لحماية علاقتهما من الفشل بتحصين نفسيهما بالمحبة والألفة، والقيام بدورهما خارج المنزل وداخله، كما حذر د. مصطفى من استخدام الأسرة، والأطفال كوسائل ضغط على الطرف الآخر لما لها من نتائج عكسية تأتي بالخراب والدمار للأسرة.

فاتن شنان