أوباما .. و"العرس الأخير" في تدمر ودير الزور

أوباما .. و"العرس الأخير" في تدمر ودير الزور

أخبار سورية

الثلاثاء، ١٧ يناير ٢٠١٧

 ماهر خليل
عندما هاجم تنظيم داعش منذ أكثر من شهر مدينة تدمر وكامل محور البادية السورية، نظّمت الإدارة الأمريكية حملة إعلامية ضخمة لإقناع الرأي العام بأن روسيا مع الجيش العربي السوري غير قادرة على حماية "مكتسباتها" في سورية، وأن تنظيم داعش الذي خسر تدمر في وقت سابق هاهو اليوم يعود إليها "فاتحاً"، لكن تلك الإدارة التي ستودّع في 20 الشهر الجاري البيت الأبيض، انصدمت هذه المرة عندما لم يتمكن تنظيم داعش من تحقيق مآربها في تدمر، حيث كان أهم أهداف الهجوم هو تطويق "مطار الـT4" العسكري ومن ثم السيطرة عليه، إلا أن التنظيم وجد نفسه محاصراً على أسوار الحصن العسكري، ليبدأ بعدها الجيش مدعوماً بحلفائه بعمليات عسكرية معاكسة كبّدت التنظيم خسائر كبيرة دفعته لسحب جزءاً من قوامه المُهاجم إلى الخطوط الخلفية، في بادرة أوضحت أن التنظيم "أحياناً" أذكى من الإدارة الأمريكية واستخباراتها.

مايجري اليوم في مدينة دير الزور ومحاولات تنظيم داعش لفصل المطار العسكري عن المدينة، هو إستمرار لمعركة البادية، إن لم يكن أحد أهدافها الأساسية في تشتيت القوات السورية - الروسية "الجوية"، فإدارة أوباما لا ترغب اليوم في ترك البيت الأبيض دون تسليم الرئيس المنتخب دونالد ترامب ملف أوسع في سورية، فهي تعتقد أن "سقوط" مدينة دير الزور بيد داعش وانسحاب الجيش السوري منها، سيحقق أمرين: 1- منح تنظيم داعش مكاناً بديلاً عن الموصل التي يتقدم فيها الجيش العراقي بدعم "كامل" من التحالف الأمريكي، وهي جزء من صفقة دولية تكسب أوباما "نصراً وهمياً" قبل خروجه من أبواب البيت الأبيض، 2- إحراج دونالد ترامب بملف دير الزور والرقة معاً، وبالتالي تسليمه جبهات ساخنة ومعارك مباشرة مع تنظيم داعش للقول للأمريكيين أن ترامب الي انتخبتموه وتعهّد أمامكم بقتال داعش و"إزالتها من الوجود" غير قادر على حسم أي معركة هناك، وهو بذات الوقت محاولة لإحراج الجانب الروسي الذي يراهن على "توحّد" في الأهداف مع الجانب الأمريكي خاصة في قتال التنظيمات الإرهابية في عهد ترامب.

لايعني ماسبق أن مدينة دير الزور وحتى الساعة هي في مرحلة خطيرة قد تُفضي فعلياً لسقوطها بيد تنظيم داعش، فبحسب المصادر العسكرية فإن التقدّمات التي حققها التنظيم ليست مهمّة كما تحاول الآلة الإعلامية تسويقه، فمازالت معظم الجبهات الاستراتيجية بيد الجيش لكنها تشهد ضغوطاً كثيفاً من قبل التنظيم الإرهابي الذي وبحسب المصادر ذاتها "لم يغيّر من تكتيكاته" الهجومية، وبالتالي كان من السهل صد الهجمات خلال الساعات الـ72 الماضية على بعض الجبهات، فيما تشهد جبهات أخرى عمليات كرّ وفرّ مع ترجيح كفّة الجيش السوري فيها. هذا ميدانياً، إلا أن الهجوم "الواسع" الذي نفذه تنظيم داعش لم يكن متوقع من حيث العدد والعديد، وهو ما يكذّب الروايات الأمريكية التي صدعت رأسنا منذ ظهور داعش عندما كانت التقارير الأمريكية "خاصة مع بداية معركة الموصل" تقول، أن القوات الأمريكية تمكّنت تارةً من كسر التنظيم "بشرياً"، وتارةً أخرى "لوجستياً"، إلا أن هجماته في سورية سواءاً في تدمر قبل شهر، واليوم في دير الزور، تؤكد أن التنظيم مازال بحالة قتالية جيّدة وقادر على تحشيد قواته حسبما تدلّه "البوصلة الأمريكية" على الجبهة التي يردي فتحها، فهجوم داعش في دير الزور، ميّزه هذه المرة الجبهات المتعددة، وهو مايخالف كل التقارير التي قالت أن التنظيم يُعاني من نقص "المقاتلين" في صفوفه، فبحسب التقديرات، يُشارك في معركة دير الزور التي مازالت قائمة أكثر من 8000 مقاتل، بينهم 2500 مقاتل تم "استقدامهم" من الموصل منذ 20 يوماً تقريباً، إضافةً إلى أكثر من 1200 مقاتل تم سحبهم من جبهات تدمر خلال الأسابيع القليلة الماضية (كانت الدفعة الأكير نهاية الأسبوع الماضي ويقدر عددها بـ600 مقاتل دفعة واحدة"، ما يفتح على الجانب الأمريكي سؤال: من تقاتلون في الموصل إذاً ..؟.

معركة دير الزور التي دخلت اليوم يومها الرابع، باعتقادنا، هي المعركة الأمريكية الأخيرة في سورية، فإن نجحت "في تحقيق أهدافها" إن لا قدّر الله، سيكون أوباما ترك البيت الأبيض بعد أن رمى كل مابحوزته من "وقود" لإشعال المنطقة تاركاً حِمل إطفاءها على ترامب وحلفائه الروس، بينما هو سيجلس في صفوف المتفرجين علينا ونحن نحترق، لكن وإن فشلت محاولته على غرار معركتي "تدمر وحلب"، فستكتب دير الزور نهاية الأزمة السورية الفعلية، ونهاية باراك أوباما والتدخل الأمريكي في سورية على الأقل، وسنذكر مستقبلاً أن "معركة دير الزور" هي المعركة التي أنهت الأزمة السورية وحافظت على الدولة السورية بكامل كيانها وقوتها.

لن نخوض كثيراً في تحليلات معركة دير الزور اليوم ليس من باب "التشاؤم أو الخوف" أبداً، بل سنترك للميدان أن يقول كلمته، خاصة وأن ثقة الشعب السوري ومنذ بداية الأزمة في البلاد عام 2011 لم تتزعزع من مكانها بالجيش العربي السوري، هذا الجيش الذي على مايبدو قرر خوض معركته في عروس الفرات حتى الرصاصة الأخيرة، وأنه لن يترك موقعاً له أمام هجمات داعش الإرهابي إلا لآخر رجل فيه .. فدير الزور هي "دير الرجال" كما يلقّبها حُماتها .. ولن تسقط.
عاجل الاخبارية