تفتح أبواب الرزق المشــروعات المنزليــة.. إمكانيات بســيطة.. عائـد اقتصادي جيد.. وفـرص عمل كثيــرة

تفتح أبواب الرزق المشــروعات المنزليــة.. إمكانيات بســيطة.. عائـد اقتصادي جيد.. وفـرص عمل كثيــرة

أخبار سورية

الجمعة، ٢٠ يناير ٢٠١٧

بين القيود والتعقيدات التي تواجهنها في إيجاد فرص عمل في القطاعين العام والخاص من جهة، وما فرزته الأزمة من جهة أخرى، اتجهت مجموعات كبيرة من السيدات والفتيات السوريات إلى تأسيس مشروعات تجارية خاصة بهن تنطلق من المنازل، وترتكز على تقديم منتجات قائمة على الحرف والصناعات اليدوية بالإضافة إلى المأكولات المنزلية التي تعد حالياً الأكثر طلباً من الأسر المنتجة التي لاقت أفكارها من المنازل في تشغيل النساء حماساً واضحاً في المجتمع  السوري،  وما يدل عليه ذلك الانتشار الكبير للسيدات والفتيات العاملات من المنازل، وما تجده منتجاتهن من إقبال، ما دفع بالمزيد منهن إلى خوض التجربة، والدخول في زمرة الأسر المنتجة، أو السيدات العاملات من المنازل.
نرصد هذه الظاهرة الإيجابية القديمة الجديدة، ونسجل التالي، والبداية من سوق الشعلان.
تحررت من الاستغلال
تنتشر في شوارع المدن السورية، وفي مواقع الانترنت، ومواقع التواصل الاجتماعي، خصوصاً على فيسبوك وتويتر، إعلانات كثيرة لنساء عاملات بمهن مختلفة يقدمن منتجاتهن من داخل المنازل، وخلال السنتين الماضيتين اللتين انتشرت فيهما هذه الظاهرة، وأسهمت أفكار العمل من المنزل في تشغيل أعداد كبيرة من الفتيات والسيدات السوريات في مشروعات حرفية ويدوية مختلفة، يقف في صدارتها إنتاج المكدوس والمخللات والمربيات والخرز والصوف والخياطة والتطريز.
أم جابر واحدة منهن، امتهنت الأشغال اليدوية: الخياطة والتطريز، وتعمل بمفردها، قالت: أستمتع بالعمل في وقت فراغي، وأسعد كثيراً بإنتاجي، والعمل داخل المنزل أكثر راحة، صحيح أن الوظيفة تضمن دخلاً ثابتاً، ولكن عمل البيت أكثر إنتاجية.
وتتابع: عملي بدأ برأسمال خاص، ومبيعاتي تشمل جميع المناطق، ولكن أغلب الطلبات تأتي من معارفي، وبذلك تحررت من الارتهان لأحد، سواء كان قريباً أو بعيداً، وكنت سابقاً أستجدي زوجي، أو أهلي ببضع ليرات، اليوم أنا أقدّم لهم، وهذا عزز قراري وشخصيتي.

تحايل على الواقع
وتذكر فاديا أنها تنتج أكلات متنوعة مثل المحاشي والكوارع، وحتى المكدوس والمخللات والحلويات، وأنها قامت بتوظيف ثلاث بنات لتسويق تلك المنتجات على المراكز التجارية والأسواق والمخابز التي ترحب كثيراً بتلك المنتجات بعدما وجدت إقبالاً من المستهلكين الذين يرون أن المأكولات المنزلية مضمونة، وتحمل “نكهة” أكل المنزل نفسه، وتتابع: بدأت في تجهيز الطلبيات للمقربين مني في البداية، وبعدها توسع العمل، واشتهرت في المنطقة بالإنتاج الجيد والصحي، وحالياً أفكر في توسيع العمل بتشغيل المزيد من الفتيات.
وتضيف فاديا: إن عملها من المنزل وفّر عليها دخلاً مقدراً دون أن تتحمل تكاليف كبيرة، ونصحت الفتيات السوريات الباحثات عن العمل بالاتجاه إلى العمل من المنزل، خصوصاً ممن يمتلكن مهارات في الأعمال اليدوية والحرفية، وبهذا الدخل المحترم استطعت تعليم أولادي الذين يدرسون الآن في كلية الصيدلة والهندسة.
تجميل البطالة
من جهته يرى الدكتور عابد فضلية “جامعة دمشق” أن فكرة العمل من المنازل تتناسب مع واقع شريحة من المجتمع السوري الذي لا يحبذ كثيراً فكرة خروج المرأة للعمل، مشيراً إلى أن الأفكار المبدعة التي تقدّمها السيدات والفتيات العاملات من المنازل، أسهمت بشكل واضح في خفض معدلات البطالة وسط النساء،  وأن نجاح هذه التجارب قاد إلى الإقبال عليها، وتوسيع الأعمال، وتنويعها بعدما كانت محصورة في جانب المأكولات.
ويؤكد فضلية أن المشروعات المنزلية تحفز السيدات والشابات على صقل إبداعاتهن، وأعمالهن الحرفية، واليدوية، والتراثية التي تحتاج إلى مهارات عالية، كما أن هذه المشروعات قد تمثّل نواة لمشروعات استثمارية صغيرة قد تصبح بعد فترة من العمل والاجتهاد مشروعات كبيرة بناءة ومثمرة للمجتمع والاقتصاد الوطني.
ويضيف فضلية: من أهم ثمار عمل المرأة من بيتها سد حاجتها، والغنى عن الناس، والتوفير المالي، وفي الوقت نفسه يهيئ لها قضاء وقت أكبر مع العائلة، كما يمنحها حرية الابتكار في العمل، ويمنحها الشعور بالأمان، والراحة النفسية والبدنية، كما أن عملها الخاص من بيتها يحميها من الخوف من التأخر في السلم الوظيفي، ويجنبها الاستغلال والتحرش، كما يناسب العمل من المنزل بعض المعوقات ذات الاحتياجات الخاصة.

الأم ضحية الحروب
تقول الدكتورة سميرة القاضي، “كلية التربية”: من المعروف عالمياً أن النساء والأطفال هم الفئة الأكثر تضرراً أثناء النزاعات المسلحة في أي بلد، والأزمة في سورية منذ اتخذت شكلها المسلح، وبطريقة عنيفة وقاسية، بدأت الأضرار تتوالى على النساء يوماً بعد يوم، فمن فقدان أب، أو أخ، أو زوج، أو ابن.. إلخ، إلى ألم المصيبة، وصدمتها، وآثارها النفسية، إلى ما يتبعها من نتائج ترتب على المرأة أن تحل محل الرجل الغائب، أو المفقود، أو الشهيد، فتزداد مسؤوليتها، وتثقل أعباؤها، فتغدو الزوجة في الوقت عينه أماً وأباً لأطفالها، وتغدو البنت معيلاً لعائلتها، عدا المعاناة التي تعيشها المرأة بعد اضطرارها وعائلتها للنزوح عن بيتهم، واللجوء إلى أماكن غير مناسبة للعيش، وما يرافق ذلك النزوح من مصاعب، والبحث عن لقمة العيش الشريف، فليس أمامها سوى العمل الحرفي اليدوي الذي تجيده بشكل فطري، وإن كانت غير راضية عنه لأنها مرغمة، وأشارت إلى أن الأزمة أدت لفقدان الكثير من النساء أعمالهن، واضطررن للعمل بأعمال غير لائقة بهن كنبش النفايات، أو فرزها، أو العمل ضمن المنازل، وغير ذلك، فعملت على تغيير الأدوار، وتغيير أنماط العمل التقليدية التي كانت سائدة، الأمر الذي أثر على جميع النساء، سواء أكانت ربة منزل، أم عاملة في القطاعين العام أو الخاص!.

معاناة
وعن انعكاس الأزمة على المرأة، وسوق العمل، أفاد الدكتور محمد أكرم القش، “عميد المعهد العالي للدراسات والبحوث السكانية”: نلحظ فقدان الكثيرات لوظائفهن، وخاصة في القطاع الخاص الذي أغلق أبوابه نتيجة لأعمال العنف التي طالته، كما طالت الكثير من القطاعات العامة، وتسببت في إيقاف حركة العمل فيها.
وتابع القش القول: من ناحية أخرى أدت الأزمة الاقتصادية إلى ارتفاع الأسعار، واختفاء العديد من الضرورات المعيشية، الأمر الذي زاد الأمر صعوبة على النساء المعيلات لأسرهن، واللواتي ازداد عددهن، الأمر الذي اضطر كثيرات بالفعل إلى مزاولة مهن غير لائقة اجتماعياً، وهذا ما زاد من شدة الضغط النفسي، وظهور الاضطرابات النفسية، والسلوكية، والاجتماعية عليهن، الأمر الذي يتراكم حالياً، وسينفجر في وقت لاحق بشكل أكثر حدة، ما سينعكس سلباً على أسرهن، وعلى أطفالهن بالذات، فالمرأة التي تمارس عملاً غير مُرض بالنسبة لها ستعاني من ضعف تقدير الذات، وتقدير المجتمع، الأمر الذي يخلق نساء فاقدات الثقة بأنفسهن، وبالمجتمع حولهن، ويولّد نقمة تجاه كل ما تسبب لهن بذلك، وفي الوقت الذي هن غير قادرات على تغيير واقعهن، فإنهن سيلجأن لاشعورياً لآليات دفاعية ستكرّس الصور النمطية السلبية الموجهة ضد المرأة، فتدفع بذلك مرات ومرات ثمن العنف والقهر الذي يتعرّض له المجتمع!.

عارف العلي