هل باتت معركة الرقّة أولوية للجيش السوري؟

هل باتت معركة الرقّة أولوية للجيش السوري؟

أخبار سورية

الخميس، ٩ فبراير ٢٠١٧

عمر معربوني  -  بيروت برس -

كيف تحدد الجيوش أولوياتها؟ هو السؤال الذي يجب ان ننطلق منه لمقاربة عنوان هذه المقالة، علمًا أنّ المعايير التي كانت سائدة في تحديد الأولويات والأهمية باتت من الماضي، حيث يخوض الجيش السوري ومعه الجيش العراقي وكل القوى الرديفة لهما معارك لا نمطية خارج كل الأنماط السابقة، وهذا ما يفرض علينا رؤية المشهد بكليته وليس بتفاصيله اللحظية ولا بنتائج المعارك المتعددة الأماكن.

في مقاربة لمشهد المعارك عند مدينة الباب، نرى بوضوح تزاحمًا للوصول الى المدينة التي باتت تُصنّف بالعقدة الإستراتيجية لأسباب سياسية اكثر منها عسكرية، ترتبط بمعنويات فرقاء الصراع بالقرب من المدينة.
فإذا ما اخذنا الأهداف التركية من الوصول الى المدينة، فهي ببساطة ترتبط بمنع الأكراد من وصل كانتونهم المزمع، وهو امر تحقق عمليًا بعد سيطرة قوات درع الفرات على مساحات واسعة من مشارف مدينة منبج شرقًا حتى اعزاز ومارع غربًا على كامل خط الحدود للمنطقة المذكورة، ما جعل الكانتون الكردي مقطوع الأوصال. لكن اصرار تركيا السيطرة على مدينة الباب يرتبط بزيادة الضغط على مدينة حلب لصرف الضغط في المفاوضات السياسية، وهو ما تنبّهت له الدولة السورية حيث تتقدم وحدات الجيش السوري من شرق وجنوب الباب لتسيطر على اكثر من 365 كلم مربع كانت تحت سيطرة تنظيم "داعش"، ولتقطع الطريق بين مدينتي الباب وتادف مع الإتجاه الجنوبي والشرقي لقطاع سيطرة "داعش" عند قرية عويشة، وهو امر سيضعف صلابة التنظيم وقوة مدافعته داخل مدينة الباب ويمنعه ايضًا من سحب قواته من المدينة نحو مدينة الرقّة، وهو ما سيعزز وضعه هناك اكثر، لهذا يبدو برأيي قطع الطريق الى الباب من قبل وحدات الجيش السوري اولوية قبل البدء بمهاجمة "داعش" في المدينة.

حتى اللحظة يبدو ان تركيا التي التزمت الخط الأحمر الذي رسمته الدولة السورية وتبناه الروس حول مدينة الباب تحاول التخلي عن التزامها، وهذا ما ظهر من خلال اعادة فتح المعركة في الجهة الشمالية للمدينة، وهو يعني ان السباق الى الباب لا يزال قائمًا إلّا اذا استطاعت روسيا الضغط مجددًا على الأتراك، وهو امر لا يمكن تبيّنه الآن رغم بعض المعلومات غير المؤكدة عن قصف الطيران الروسي لقوات درع الفرات المدعومة من تركيا التي حاولت التقدم اليوم الى المدينة.

وقد يسأل البعض لماذا هذه المقدمة الطويلة عن معركة الباب وعنوان المقالة عن الرقّة، والجواب هو أنّ تركيا التي ترغب بالمشاركة بمعركة الرقّة باتت الباب بالنسبة لها ممرًّا إلزاميًا للزحف نحو الجنوب، وهذا ما يفسر اندفاعة وحدات الجيش السوري نحو العويشة لقطع طريق الباب - دير حافر واغلاقها امام اي احتمالات تقدم تركية، ويخرج الأتراك من الرهان على مشاركة يأملونها في المعركة نهائيًا.
قد لا يكون الكثيرون قد انتبهوا او اعطوا اهمية لتقدم الجيش السوري وسيطرته على بحيرة الجبول، وهي المنطقة التي ستجعل من وجود "داعش" في منطقة دير حافر صعبة ومعقدة خصوصًا اذا ما اطلق الجيش السوري اتجاه هجوم من مطار كويرس ومنطقة بحيرة الجبول باتجاه دير حافر، عندها يمكننا القول ان المعركة باتت على مشارف منطقة مسكنة وهي مفتاح مدينة الطبقة والوصول الى بحيرة الأسد المجمع المائي الضخم، والذي يمكن ان تُحلّ من خلاله مشكلة المياه في حلب واريافها وتشكل بنفس الوقت نقطة ارتكاز لوحدات الجيش السوري للقيام بهجوم اراه بعيدًا ولن يتعدى برأيي تقدم الجيش السوري الوصول الى منطقة مسكنة في المرحلة القادمة.

وبالرجوع الى الأولويات، فالوصول الى دير الزور يشكل اولوية اكبر حيث  يتواجد عشرات آلاف المدنيين وآلاف الجنود، وحيث تستمر هجمات تنظيم "داعش" هناك بشكل متواصل دون توقف ما يعني التعجيل بحسم معركة تدمر والتقدم الى منطقة السخنة كممر الزامي للبدء بتقدم كبير نحو دير الزور لا يمكن ان تتأمن ظروف نجاحه الا بتوفير عدد كبير من القوات مدعومًا بمئات الدبابات ومئات قطع المدفعية والمنظومات الصاروخية لتحقيق تقدم سريع في الارض المفتوحة مترافقًا مع تغطية جوية من طائرات الدعم القريب والحوامات، حيث يمكن حينها سحق قوات "داعش" بسهولة بشرط اجراء استطلاع ميداني دقيق ورسم خرائط سيطرة دقيقة لتوجيه ضربة قاصمة بظروف الحرب التقليدية، حيث تساعد طبيعة المنطقة على القيام بهجوم تقليدي والتفوق على تنظيم "داعش" عبر خوض معركة سريعة من الحركة.

اذن، الأولوية ليس كما يروج البعض لمعركة الرقة بل لمعركة دير الزور والتي ستكون حينها نقطة ارتكاز اساسية مع نقطة ارتكاز مسكنة التي تكلمنا عنها في السياق، يمكن بعدها خوض معركة الرقّة وهي معركة محكومة بتعقيدات كبيرة على عكس معركة دير الزور التي تكتسب بعدًا انسانيًا عاجلًا بسبب وجود المدنيين ووحدات الجيش السوري المحاصرة هناك.