الملف الشائك في اللاذقية الاستملاك العشوائي يجمّد  مساحات شاسعة.. ومشروعات تنتظر ساعة الصفر الاستثمارية!

الملف الشائك في اللاذقية الاستملاك العشوائي يجمّد مساحات شاسعة.. ومشروعات تنتظر ساعة الصفر الاستثمارية!

أخبار سورية

الأحد، ١٩ فبراير ٢٠١٧

لايزال الاستملاك العشوائي يجثم على مساحات واسعة من الأراضي الزراعية والسياحية في محافظة اللاذقية المشهود بتجربتها المريرة والممضة مع الاستملاك المحيّر الذي يزحف منذ سنوات طويلة من الشاطئ إلى السهل، واضعاً أراضي شاسعة رهن إشارته إلى إشعار آخر، لتطوي هذه الإشارة معها السنوات كما المساحات دون طائل أو جدوى، لأن الاستملاك خط أحمر ممنوع الاقتراب منه كونه عصياً على المعاينة والمعالجة، وهذا ما أثبتته السنوات الطويلة التي ظل فيها الاستملاك معلّقاً، ولم يخب بريقه الاستثماري الصوري الشكلي الذي يتكشف بخواء المساحات المستملكة من المنشآت، والمشروعات، سواء السياحية، أو غيرها، ومنها الشريط الساحلي المستملك سياحياً، والمساحات الفائضة عن احتياجات السدود، كما في مشروع إرواء هضبة عين البيضا، والأراضي الواقعة بمحاذاة حرم سد 16 تشرين، والعديد من المواقع شاغرة مستملكة لم تبصر مشروعاتها النور،  ففي اللاذقية شريط سياحي مستملك سياحياً منذ أكثر من أربعين عاماً، لم تنطلق قاطرة استثماراته السياحية منذ عام 1975 ولغاية اليوم!!.

تأخير في المشروعات
لن نبالغ عندما نصف الاستملاك الزاحف الحاصل في اللاذقية بأنه ملف معقّد، وبالغ التعقيد، وأنه حمّال أوجه، لأن هذا الاستملاك المطبق الذي يجمّد مساحات واسعة دون استثمارها لسنوات وعقود بوصفه الحلقة الأقوى المستعصية على الحل، هو نفسه الذي يتحوّل إلى الحلقة الأضعف في قطاع السكن الذي تأخرت مشروعاته في القطاع التعاوني مدة ربع قرن بفعل العجز عن استملاك العقارات اللازمة والضرورية للسكن الضاغط والملح، والذي لايزال ينتظر سد احتياجاته من الأراضي، لأنه بعد ربع قرن من الانتظار لم يتمكن القطاع التعاوني من استملاك سوى نصف المساحات التي لاتزال قيد الإجراءات الفنية، وقد سبب هذا التأخر الطويل غير المبرر في استملاك الأراضي الضرورية تحليقاً خيالياً في أسعار وتكاليف العقارات والمساكن التي يتحمّل أعباءها حتماً المكتتبون.
أما الاستملاك الآخر غير المبرر فيحرم عدداً كبيراً من المزارعين من أراضيهم المستملكة منذ سنوات طويلة من أجل تنفيذ مشروعات الري، ورغم انتهاء المشروعات، وبقاء مساحات مستملكة فائضة عن احتياجات المشروعات، كما في مشروع ري هضبة عين البيضا، وسد 16 تشرين، ولا حاجة لها استثمارياً، إلا أنه لم يتم رفع إشارة الاستملاك عنها من قبل وزارة الموارد المائية، وإعادتها إلى أصحابها ومالكيها المزارعين الذين يعتمدون عليها في مورد عيشهم ورزقهم، ورغم عشرات ومئات المرات التي تم فيها طرح هذه المشكلة في كل المؤتمرات الفلاحية، والزراعية، والنقابية، وفي المراسلات والمذكّرات الرسمية، إلا أن الاستملاك لايزال قائماً، ومستمراً، وخارج إطار المعالجة!!.

وللتعثر نصيب
ومن المستغرب أن يتحول الاستملاك، وينقلب إلى نقطة عجز في مسار مشروعات حيوية مباشر بها، وقيد التنفيذ، فيتوقف العمل في إنجاز المشروع لعدم التمكن من تحرير المساحات من الإشغالات بسبب التعثر في استملاك المساحات الضرورية التي ستتوضع عليها المنشآت، كما الحال تماماً في مشروع المتحلق الشمالي لمدينة اللاذقية الذي يعتبر من أهم المشروعات الطرقية الواعدة التي لم تبصر النور منذ أكثر من عشر سنوات مضت على دراسة هذا المشروع، وإدراجه في مشروعات المؤسسة العامة للمواصلات الطرقية، ومجلس مدينة اللاذقية، حيث يتردد الحديث المستمر، والمحفوظ عن ظهر قلب لدى الكثير من أبناء اللاذقية عن مشروع المتحلق الذي يقترن اسمه باستملاكاته التي تمتد نظرياً “لا فعلياً” من دوار مدخل مدينة اللاذقية حتى الباب الرابع لمرفأ اللاذقية، ولهذا المتحلق سمعته الاستملاكية ذات الهواجس الحقيقية التي أثّرت سلباً على القيمة التخمينية للعقارات والمساكن على امتداد محور المتحلق، لأن البوصلة الاستملاكية غير محددة، وما يدعو للمفارقة أنها لاتزال نظرية، لكنها مقلقة في غياب مخطط استملاكي على الأرض للمتحلّق الذي يوصف منذ سنوات طويلة بالمشروع الحلم لمدينة اللاذقية، كونه مشروعاً طرقياً استراتيجياً يربط مدخل المدينة بمرفئها وبمنطقتها السياحية الشمالية، ولكن هذا الحلم بات بعيد التحقيق لأن الاستملاك تعقّد كثيراً بمضي أكثر من عشر سنوات دون أية معالجة استملاكية، تعقّدت فيها الإجراءات، وزادت، وتضاعفت القيمة التخمينية عدة أضعاف، أما المتحلّق الشرقي لمدينة جبلة، فقد تعثّر استملاكياً، كما نظيره الشمالي لمدينة اللاذقية لأنه اصطدم أيضاً بمشكلة الاستملاك التي عادت لتكبح مسار إنجاز المشروع  تماماً،  وباتت تنذر بتوقفه، حيث الأضابير الاستملاكية لاتزال قيد الدراسة رغم الإقلاع بالمشروع منذ سنتين، ما يطرح التساؤل المنطقي المشروع حول سبب إقرار مشروعي المتحلقين واعتمادهما، والإقلاع الجزئي بهما ما لم تنجز أهم حلقة فيهما، وهي تحرير كامل مسارات المتحلقين من الاستملاكات والإشغالات مع أن المشروعين يدرجان سنوياً في خطتي مجلسي مدينتي اللاذقية وجبلة وفي خطة فرع المؤسسة العامة للمواصلات الطرقية دون لحظ إجراءات معالجة فعلية مباشرة وجادة لمشكلة الاستملاكات.
إمكانية الحل
ولدى سؤالنا  مدير فرع المؤسسة العامة للمواصلات الطرقية في اللاذقية المهندس مطيع سلهب عن أسباب المشكلة، وإمكانية الحل والمعالجة، حيث أوضح سلهب أن المتحلق الشمالي لمدينة اللاذقية يتبع لمجلس مدينة اللاذقية، وبالتالي فإن الاستملاك وأضابيره من اختصاص مجلس المدينة، وعندما يكون المشروع خالياً من العوائق والاستملاكات فإن المؤسسة العامة للمواصلات الطرقية جاهزة لرصد وتأمين الاعتمادات اللازمة لإنجاز المشروع وتمويله، وأوضح سلهب أن المشكلة الاستملاكية لاتزال تطال كامل محور المشروع، بدءاً من دوار الصيدلية عند مدخل المدينة، وصولاً إلى الوصلة المرفئية، ولاتزال أضابير الاستملاك موجودة في مجلس المدينة، ولم تعالج لغاية تاريخه سوى إضبارتين من أصل كامل أضابير الاستملاك، ولايمكن لمؤسسة المواصلات الطرقية إنجاز المشروع من دون دراسة، ومعالجة أضابير الاستملاك، وحتى الآن لم يتم استملاك المشروع، والحال نفسه بالنسبة لمشروع متحلق جبلة الشرقي، حيث لم يتم تأمين السكن البديل للمساكن الموجودة على محور المتحلق، علماً أن المشروع بدأنا به، وكان مستملكاً، ومخمّناً منذ عام  2006 بقرار استملاك، وتم الانتهاء من التخمين عام 2012، وبوشر العمل في المشروع  عام 2015، ولكن حتى الآن لم تتم معالجة تأمين المساكن البديلة عن المساكن المستملكة، حيث إن المؤسسة لاتمنح سكناً بديلاً، وإنما تدفع بدلات استملاك، وهي مستعدة لدفع كافة بدلات الاستملاك، أما منح المساكن، فهو من اختصاص وعمل مجلس مدينة جبلة، علماً أن المساكن عددها 44 مسكناً على كامل المسار بحاجة إلى سكن بديل، وأن 92% من مسار المشروع، تم تحريره من الإشغالات، ونسبة التنفيذ بالنسبة للخطة الموضوعة 80%، وقد وصل العمل في بعض مواقع المشروع الخالية من الإشغالات والمساكن  إلى مرحلة التزفيت، كما يتم صب الجدران الاستنادية، ولكن المشروع لن يستكمل إذا لم يتم حل، ومعالجة مشكلة السكن البديل، ويشكّل المتحلق الشرقي لمدينة جبلة  مشروعاً حيوياً يمتد بدءاً من الكورنيش، وحتى المدخل الشرقي والشمالي لمدينة جبلة واللاذقية، وسيؤدي الى تصريف الغزارات المرورية، كما أن حركة المرور ستصبح سهلة دون المرور داخل المدينة، وسيخفف الازدحام.

مساحات بلا استثمارات
دخل الاستملاك السياحي للشريط الساحلي عامه الأربعين مسجّلاً رقماً قياسياً في سنوات سباته الاستثماري المجهول ومساحاته المجمّدة تنموياً، وبرهن إشارته الاستملاكية التي لم تحمل من السياحة سوى الاسم لأنه بعد مضي أربعة عقود من وضع إشارات الاستملاك على هذا الشريط الشاطئي لتحويله إلى مناطق استثمارات سياحية إلّا أن هذه المشروعات “المنتظرة” لم تبصر النور لغاية اليوم، بل على العكس والنقيض، فقد تسبب الاستملاك في تجميد التنمية في هذه المساحات بحرمانها من مشروعات متنوعة الأنماط والأشكال، ولاسيما المشروعات الإنتاجية الزراعية المستديمة طويلة المدى وغيرها من مشروعات كانت كفيلة أن تعيد إحياء الشريط الساحلي ببدائل استثمارية غير سياحية، بدل أن تبقى مشروعاتها المفترضة مجرّد مخططات أولية، وتصورات مستقبلية، تجددت أشكال طرحها النظري، ورغم مضي كل المدة الزمنية الطويلة المهدورة على الاستملاك المجحف، فإنه لم يتم لحظ جدوى وصلاحية كامل المساحة المستملكة للاستثمار السياحي، ما ألحق الغبن والضرر بأصحابها ومزارعيها الذين طال الاستملاك أراضيهم بقصد استثمارها سياحياً.

اعتراضات بلا جدوى
انقضت سنوات وعقود دون أن يأتي الاستثمار الموعود ولم  تنفع الاعتراضات والمذكرات والشكاوى التي لم تنقطع  من الإخوة الفلاحين وأصحاب العقارات المستملكة والكتب الخطية من المنظمة الفلاحية ومجلس المحافظة على مدى  السنوات للنظر في طبيعة الاستملاك وحجم الظلم الذي سببه للكثيرين، إلا أن ساكناً لم يتحرك وبقيت المشروعات مؤجلة، والأمنيات معلقة إلى إشعار آخر. ويؤكد العديد من المطّلعين والخبيرين بواقع ومعطيات الاستملاك أن ما يدعو للاستغراب أن الاستملاك جاء عشوائياً وورقياً بعيداً عن الواقع، وأنه بعد انقضاء سنوات عن صدور قرار الاستملاك حينها تمّ دفع بدل الاستملاك لأجزاء من العقارات المستملكة وبشكل بخس ووضعت الأموال في المصارف دون الرجوع إلى أصحابها، رغم أن لجان عمل عدة مركزية ومحلية خرجت بتصورات مشتركة وإجراءات مقترحة تتصل برفع إشارة الاستملاك عن الأراضي الزراعية غير الصالحة للسياحة ورفع إشارة الاستملاك عن التجمعات السكنية، حتى ولو سددت لها بدلات الاستملاك، والطلب إلى وزارة السياحة تحديد حاجتها الفعلية من الأراضي المستملكة بغية إقامة مشروعات الاستثمار السياحي وفق خطة زمنية محددة، والعمل على إعادة الفائض عن حاجتها للإخوة الفلاحين المالكين، إلا أن شيئاً من ذلك لم يتحقق، بل تمت متابعة تسديد بدلات الاستملاك في عام 2006 وبسعر 17500 ل.س للدونم، علماً أن التخمين يعود إلى العام 1975 حيث تم وضع الأموال بالمصارف دون إعلام الفلاحين، وكان المطلوب من الفلاح لقبض مستحقاته إحضار براءة ذمة من المالية تضطر الفلاح لدفع 3 أضعاف المبلغ المخصص له مقابل رسوم الري والاستصلاح ضاربين عرض الحائط بالأشجار والغراس والأبنية المشيدة طيلة هذه الفترة، فعلى حساب من يتم ذلك؟! والسؤال الذي يطرح نفسه: ما هو مبرر استملاك مساحات لا تصلح لأي مشروع سياحي، إذ إن هناك قرى تفصل بينها وبين الواجهة البحرية سلسلة جبلية وحراجية ووديان وهي ضمن منحدرات أما بالنسبة للقرى الواقعة على محور البصة- فديو- الصنوبر…، حكر الصوفان فرؤية البحر منها معدومة لأكثر من/2/كم في موقع الاستملاك فما هو مبرر الاستملاك، علماً أن هناك مشكلة أخرى لا تقل أهمية عن سابقاتها وهي موضوع الفلاحين الشركاء الذين شيّدوا المنازل وقاموا بزراعة البساتين، فما هو مصيرهم، نؤكد على أهمية الأخذ بمقترحات التنظيم الفلاحي في اللاذقية، وأهمها العمل على رفع إشارة الاستملاك السياحي بأسرع وقت ممكن عن كل التجمعات السكانية وتخفيض عمق الاستملاك السياحي من/3/ كم الى/700/م مؤكدين على تحقيق التكامل والتوازن بين وجهي الطابع المميز لمحافظة اللاذقية السياحي والزراعي وألا يكون امتداد وانتشار أي منها على حساب الآخر.

معالجة مؤجلة
لايزال الاستملاك السياحي يغرق في وعود المعالجة المؤجلة برغم كونه ملفاً تنموياً استثمارياً بامتياز، إلا أنه لايزال معلّقاً، رغم التكرار المستمر لطرحه وتداوله رسمياً وإعلامياً، وفي مناقشته خلال الاجتماعات والمؤتمرات على مدى سنوات طويلة، وقد حصل الفلاحون المستملكة أراضيهم على أقوى وعد حكومي بالحل والمعالجة قبل ثلاثة أعوام، إلا أن ساكناً لم يتحرك، ولايزال الاستملاك السياحي قائماً “اسماً وشكلاً” مجمّداً مساحات زراعية واسعة تمّ استملاكها لمشروعات سياحية، ولم تفض الدراسات المستفيضة الموسعة وتدقيق هذه الدراسات ومئات المذكرات والمراسلات إلى حلول ونتائج، كما لم يوضع ملف الاستملاك السياحي على خط المعالجة الفعلية النهائية، رغم أن أفق الحل له خيارات وبدائل مطروحة من عدة جهات أهمها اتحاد الفلاحين – مجلس المحافظة – المديريات المعنية، وتم إعداد الكثير من المذكرات والمراسلات بهذا الخصوص، إلا أن الاستملاك بقي  معلّقاً، ولم يدخل طور المعالجة المنتظرة  لواحدة من أكثر القضايا التنموية والاقتصادية والاجتماعية تعقيداً في محافظة اللاذقية، وأما اللجان التي شكلت والمذكرات التي أعدت والدراسات التي أنجزت فلا يمكن حصرها ولم تسفر إلا عن وعود تسكينية تمّ تدويرها من عام إلى آخر، ومع كل اجتماع سياحي وزراعي، كما لم تحرّك الجهات المعنية ساكناً، في وقت لا يزال استملاك الشريط الساحلي قائماً بكامل مساحته وبنفس إشارته مخلّفاً آثاراً اجتماعية واقتصادية سلبية انعكست على المزارعين وأسرهم، ومن الطبيعي أن يشكّل استملاك هذا  الشريط  بمساحاته الواسعة المحاذية والمجاورة لشاطئ البحر قضية إشكالية تستدعي إعادة النظر والمعالجة الجادة من قبل الجهات المعنية.

اللاذقية- مروان حويجة