بين صناعة النجوم وترويج الاقتصاد تنازع مهام وأدوار.. قطاع الإعلان في سورية تحت وطأة التمويل.. والأزمة تثقيل جديد لمشكلات قديمة

بين صناعة النجوم وترويج الاقتصاد تنازع مهام وأدوار.. قطاع الإعلان في سورية تحت وطأة التمويل.. والأزمة تثقيل جديد لمشكلات قديمة

أخبار سورية

الاثنين، ٢٠ فبراير ٢٠١٧

أصوات الضحك، تملأ المكان.. ممزوجة بأصوات إعلانات أصرّ أصدقائي على “تحميلها عبر النت”، ومشاهدتها من جديد لقضاء سهرة ممتعة ومضحكة عليها حسب ظنّهم، ذلك أن الإعلانات القديمة التي كانت تُعرض على شاشة التلفزيون السوري “تزيل الهم عن القلب “باعتقادهم سواء من حيث الكلمات، أو من حيث الأداء، مروراً بالشخصيات التي قدّمت الإعلان والذي فتح لهم باباً للنجومية، فمنهم من قصد باب التمثيل، ومنهم من قصد باب الغناء ليرتقوا للنجومية، منطلقين من اسم”فتى إعلانات – دعايات”.
8

تلك الإعلانات التي كنا نشاهدها عندما نجتمع أمام الشاشة الصغيرة على مسلسل السهرة اليومي والذي لا يتجاوز العشرين دقيقة، لولا الكم المخيف من الإعلانات التي يتم زجّها في المسلسل لإطالة فترته من جهة، وإجبار المشاهدين على متابعة الدعايات لترويجها، وترغيبهم في شراء هذه المنتجات بعد مشاهدتها مراراً وتكراراً، ومن جهة أخرى باتت خلال سنوات الأزمة الأولى شبه معدومة،  لكن بدأنا نلاحظ عودتها خلال العام الماضي بشكل تدريجي ليبقى السؤال هنا، هل تطوّر مستوى الإعلان في بلدنا بعد الانفتاح التكنولوجي الذي كان لا بدّ، وأن يغيّر من نمطية إعلاناتنا، أم أن تصنيع الإعلان مازال مرهوناً بقالب غنائي لأغنية لمطرب مشهور، تمت إعادة بناء كلماتها على كلمات جديدة تحوي اسم المنتج المعلن عنه، وسنشهد أجيالاً قادمة تضحك على إعلانات الفترة الحالية التي لا نكهة لها، ولا فائدة تُذكر…؟.

بين الماضي والحاضر

المتتبع لمسيرة الإعلانات التي بدأت على القناة الأرضية الوحيدة، واستمرت بالنمطية نفسها مع دخول الفضائيات إلى كل المنازل، وتعدد القنوات الفضائية السورية، والتطور التكنولوجي الذي كان من المفروض أن يؤثر على الأداء الإعلاني في مؤسستنا الإعلانية، سيجد أن الفرق بين القديم والحديث غير مرئي بشدّة، فمازالت إعلاناتنا عبارة عن مجموعة من الحركات الراقصة تحركها كلمات مترافقة بموسيقا لإحدى الأغاني الشهيرة، حيث لا فكرة ولا هدف سوى ترويج لمنتج غير معروف للجميع، وحسب رأي عدد من المواطنين الذين أبدوا امتعاضهم  بالإعلانات والدعايات السورية بين الماضي والحاضر، فالإعلان السوري برأيهم لم يطرأ عليهم أي تغيير بين الماضي والحاضر، ولا يمكن المقارنة بين صناعة الإعلان في بلدنا وصناعتها في أي بلد آخر، ففي أقرب الدول المجاورة لنا والتي لا تمتلك كفاءات وخبرات أعلى من بلدنا، نجد الإعلان يحوي عنصر الجذب والإثارة، ما يدفعك لمشاهدته مراراً وتكراراً دون أن تشعر بالملل الذي يسري إلى داخلك عند مشاهدة الإعلان السوري الذي يفتقد لكونه إعلاناً هادفاً، حيث مازلنا حتى اليوم، نرى إعلانات، كنا نراها في طفولتنا على شاشتنا الأرضية.. وإعلانات متشابهة في الشكل، وتختلف بنوع المنتج المعلن عنه، فهل أصبح منتجو الأفلام في القطاع الخاص غير قادرين على طرح أفكار جديدة!!.

باب للنجومية

وإذا أردنا الحديث عن “كركتر” الإعلان السوري القديم، لا يمكننا إلّا أن نتذكر النجوم والنجمات الصاعدات اللواتي صعدن إلى أقصى النجومية من باب الدعاية والإعلان، ومنهن من دخل باب الإعلان بعد أن كانت ملكات جمال في الدول المجاورة.. كاتيا كعدي وغيرها من ملكات جمال لبنان أصبحن فتيات ونجمات إعلانات سوريات مراهنات بجمالهن على كسب قلوب المشاهدين ورضاهم وجذبهم للإعلان الذي يستعرضنه، ولا أحد يمكنه أن ينسى الموهوبة “هيفاء وهبي”، والتي برعت كفتاة إعلان سورية لنوع من “السباغتي” قبل أن يكتشف الآخرون موهبتها الصوتية لتتحوّل إلى مغنية مشهورة على الساحة العربية، إن لم نقل العالمية أيضاً، ومنهم من انطلق من الإعلانات ليقتحم باب التمثيل بعد أن اكتسب شهرة واسعة ومحبة جمهور عريض، كونه نجم إعلانات محبوباً كإحدى الممثلات السوريات التي أصبحت في فترة من فترات عقد التسعينيات من القرن المنصرم، أهم ممثلة إعلانات، ولتصبح فيما بعد نجمة تلفزيونية في العديد من المسلسلات، وكذلك الممثل السوري الذي دخل باب التمثيل بعد أن حقق طموحه في مجال الإعلان، وكون الإعلان والتمثيل والغناء تندرج جميعها ضمن كلمة “فن” حسب زعم هؤلاء جميعاً مع غيرهم من النجوم الذين انطلقوا من الإعلانات فإنهم لا ينكرون في المقابلات التلفزيونية بداياتهم الإعلانية والتي حققت لهم شهرة على مستوى محدود قبل أن تتسع دائرة جمهورهم، واليوم هم يرفضون قطعاً العودة إلى نطاق الإعلان كونها لا تلبي الطموح المادي والشهرة المرغوبة حالياً، مع العلم أن أكبر الشركات تستعين بفنانين ومطربين مشهورين جداً لتغطية إعلان لهم، وبالتأكيد فإن الأجر الذي يتقاضاه هؤلاء النجوم لتسويق المنتج ليس بالقليل…

آلية خاطئة

السبب الأول والأخير في تدني مستوى جودة الإعلانات المقدمة على شاشاتنا الوطنية يعود برأي “مؤيد الحسين، فنان ومصمم إعلانات” إلى عدم وجود الموارد المالية الكافية لتخصيصها في إنتاج الإعلان، إضافة إلى عدم التخصص في مجال الإعلان، وبات معروفاً للجميع أن الإعلان الغربي أكثر تطوراً، وذلك يعود إلى وجود هامش حرية واسع لديهم، ولا ننسى آلية العمل الخاطئة للمؤسسة العربية للإعلان فخدماتها محدودة جداً بالنسبة لوكلاء الإعلان وتكاد تقتصر على الأمور المالية فقط، مع العلم أنها تقتطع جزءاً من الإعلان لصالحها، فتحول عملها إلى نوع من “التنفيعة” للعاملين فيها، ولم يبتعد علي محمد” مصمم إعلانات في شركة ماسة ميديا” في رأيه عن رأي الحسين، فقلة الموارد المالية هي السبب الرئيسي في ضعف الإعلان السوري، وأغلب ما نراه من إعلانات على القنوات العربية هي من عمل مصممين سوريين، إذ إن شركات الإعلان في تلك الدول ترغب بأيد ماهرة وجودة أفضل بأقل الأسعار وهذا ما يحققه لهم المصمم السوري، فمثلاً في لبنان لا يوجد إعلان قوي لمنتج لبناني، فالإعلانات القوية هي لمنتجات خليجية في أغلب الأحيان بالتالي تمويل الإعلان سيكون خليجياً، وإذا أردنا الحديث عن ضعف الإعلان في فترة الأزمة فيعود لأسباب كثيرة أهمها قلة حركة المنتجات في بداية الأزمة، كذلك لا ننسى موضوع الكهرباء وتأثيره على تصميم الإعلان، ناهيك عن ضعف موضوع الترويج للإعلان بسبب هيمنة وكلاء معينين على السوق، في المقابل كان لرائد زيود “معيد في كلية الفنون الجميلة” رأي مخالف فالميزانية المخصصة للإعلان تلعب دوراً مهماً لكن ليس أساسياً، إذ يمكن خلق أفكار إعلانية بغاية الروعة وتنفيذها ضمن إمكانيات ليست بضخمة، وانتقد زيود وجود مكاتب غير مرخصة لأشخاص “لا علاقة لهم بالإعلان”، لأن هذا يؤثر على سوية الإعلانات، فالإعلان علم وفن، ولا بد ممن يريد العمل في مجال الإعلان أن يكون على دراية بأسسه ومفاهيمه.
5

البيئة السليمة

لم تنكر المؤسسة العربية للإعلان ضعف الإعلان السوري حالياً مقارنة بما كان عليه قبل الأزمة، فحسب رأي “وسيم حمزة” المدير العام للمؤسسة العربية للإعلان  بأن أول ما تضرر في السوق الاقتصادي نتيجة الأزمة الراهنة هو الإعلان، فمع بداية الأزمة انخفض عدد المستثمرين والتجار والصناعيين وبدأت عملية فك اللوحات الإعلانية عن الطرقات، ما ترك الأثر الكبير على الإيراد الإعلاني للمؤسسة، ناهيك عن المقاطعة الدولية والحصار الاقتصادي وتوقف الإعلانات التي كانت تأتي من دول مجاورة…كل هذه الأمور أدت إلى شبه انعدام الإيراد الإعلاني للمؤسسة، وانحصرت الحملات الإعلانية في السنوات الأولى من الأزمة على كونها حملات توعية ودعم للجيش العربي السوري وحملات تخص وزارة التربية وحث الطلاب إلى العودة للمدارس، ومع ذلك استطاعت المؤسسة أن تحافظ على توازنها خلال سنوات الأزمة ولم تتعرض لخسائر سوى عام 2013 والتي قدرت بـ 13 مليون ليرة سورية، لكن ما لبثت المؤسسة في العام التالي أن نهضت من جديد واستطاعت تحقيق إيراد أطفأ خسائر العام السابق وحققت ربحاً صافياً بمقدار 260 مليون ليرة سورية، ما سيجعل عمل المؤسسة في المستقبل أكثر حذراً وانتقاءً في مرحلة ما بعد الأزمة خاصة فيما يتعلق بالإعلانات الطرقية والتي اكتشفنا أنها بحاجة لدراسة أكبر من ناحية الجدوى الاقتصادية لهذا الإعلان، والموقع الإعلاني في الطرق ومدى أهميته، بحيث يكون مدروساً بشكل كبير مستقبلاً، فالعائد الإعلاني يجب أن يكون بشكل دائم للوحات الإعلانية ولا يقتصر على الإعلان المعلق عليها، وفي مجال الإعلان التلفزيوني يجب على الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون أن تقوم بإعداد دورة برامجية محددة من أجل العمل على التسويق لها من حيث الرعايات والإعلانات، أما فيما يتعلق بصناعة الإعلان في المؤسسة فقد انعدم تقريباً في الوقت الراهن ففي السابق كانت المؤسسة تقوم بصناعة الفلم الإعلاني ابتداء من السيناريو انتهاء بالإنتاج ومن ثم يعرض على لجنة مراقبة الإعلان لتعطي الموافقة عليه من حيث السعر والمضمون الذي لا يخل بالعادات والتقاليد، خاصة وأنه سيعرض على تلفزيون حكومي، لكن دخول القطاع الخاص بشكل كبير على الإنتاج الإعلاني أدى إلى تعامل التجار والمعلنين مع منتجي أفلام خاصين، وانحسار دور المؤسسة بالإشراف، ومراقبة هذه الأفلام الإعلانية، فأسعار القطاع الخاص باتت منافسة لنا، لأن المؤسسة لا تملك أدوات صناعة الإعلان، ونقوم بتكليف منتجين معتمدين لديها، ما يزيد التكلفة على المعلنين الذين باتوا يختصرون الطريق بذهابهم المباشر إلى المنتجين، ما شكّل انعداماً لدورنا في صناعة الأفلام الإعلانية حالياً!.

ولم يخالف وفيق السيد أحمد، مدير شؤون الإعلان في المؤسسة، رأي المدير العام للمؤسسة  بأن الإعلان مرتبط أولاً وأخيراً بالحالة الاقتصادية، فالإعلان هو أول من يهرب في الأزمات، وآخر من يعود عند تعافي البلد، ومنذ بداية عام 2015 بدأ الإعلان السوري يستعيد عافيته تدريجياً، ولكن بالطبع ليس كما كان عليه قبل الأزمة، ونكر السيد أحمد ضعف صناعة الإعلان، وافتقاده لعنصر الجاذبية، لافتاً إلى وجود إعلانات جيدة، بالرغم من وجود الكثير من الإعلانات المتشابهة، وفيما يتعلق بالمادة الموجودة في المرسوم الذي صدر عام 2011، والتي تعفي القطاع الخاص الإعلاني من عمولة المؤسسة من إعلانات القطاع الخاص، فإن الهدف منه هو دعم القطاع الخاص، وإعطاؤه دوراً ومجالاً أكبر، ما أدى إلى انخفاض إيراد المؤسسة، ولكن ليس بشكل كبير، فإيراد المؤسسة الكبير يأتي من الإعلان الرسمي والتجاري، كما تصدر عن المؤسسة نشرة إعلانات رسمية تعود إيراداتها للمؤسسة بالكامل، وبلغ عدد المشتركين بالنشرة قبل الأزمة 9000 مشترك، في حين انخفض عددهم اليوم إلى 32٠٠ مشترك.

رسائل خفية

منطلقين من دراسة الجمهور المستهدف، ونفسيته، وطبيعة الإعلان الذي سيؤثر على سلوكه، ويدفعه لشراء المنتج، يقوم مصممو الإعلانات بتصميم الإعلان، حسب رأي الدكتورة رشا شعبان، “علم اجتماع”، فالإعلان هو نشاط يهدف إلى التأثير على المستهلك لحثه على شراء منتج، أو طلب خدمة، أو تقبّل فكرة، اعتماداً على معرفة بنفسية هذا المستهلك، وعقليته، وطرق التأثير عليه لدفعه، بوعي أو دون وعي، للقيام بسلوك استهلاكي معين، ويخلط الكثيرون بين الدعاية والإعلان، فالدعاية لها مفهوم أوسع، فهي النشاط الذي يؤدي إلى التأثير في تفكير الجمهور، سواء لجعله يؤمن بفكرة، أو مبدأ معين، أو من أجل صرفه عن فكرة، أو مبدأ يؤمن به، ولها وسائل متعددة منها: الإعلان، الإعلام، عقد المؤتمرات والندوات، تأليف الكتب والقصص، وما يقدمه التلفزيون السوري هو إعلان، لكن الطريق الوحيد الذي يسلكه مصممو الإعلانات في بلدنا هو الاعتماد  الكلي على جذب الجمهور لشراء المنتج من خلال تقديم المنتج من قبل فتيات إعلانات جذابات، ليسعى المستهلك وراء جمال تلك الفتاة التي تشدّ انتباهه، وبالتالي تستدعيه لشراء المنتج، والغاية بالطبع هي فائدة صاحب السلعة الذي يدفع للمؤسسة التي تقوم بتقديم فكرة الإعلان، والترويج له، بغض النظر عن قناعتها بفائدة هذه السلعة، أو ضرورة هذه الخدمة، والعامل الأهم للطرفين هو الربح، والخاسر الوحيد هو المواطن في أغلب الأحيان، وتحدثت شعبان عن الخطورة الأكبر التي تقف خلف الدعاية والإعلان من خلال الرسائل الخفية التي تبثها الإعلانات التجارية، والتي في كثير من الأحيان لا تهدف فقط للترويج للسلعة، وإنما تهدف إلى الترويج لأفكار وعادات جديدة تتسلل إلى المجتمع دون شعور أو انتباه من أفراده، فالمرأة الجميلة هي تلك التي تشبه فتيات الإعلان، والبيت الجميل هو البيت الذي يشبه ذاك الذي يظهر في الإعلان، وما إلى هنالك من رسائل تؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على المستهلك، كما لا تخفى أيضاً الرسائل الاجتماعية التي تغيّر كثيراً من نظرة الأفراد في المجتمع لمفاهيم الجمال، والقيمة الإنسانية، والفنية، والتربوية، ما ينعكس بمجمله على عاداتنا، وتقاليدنا، وحياتنا، وهذا كله يشكّل خطراً، دون أن نعي تلك الخطورة بشكل مباشر، ما يتطلب وجود أسس اجتماعية أخلاقية عند تصميم أي إعلان موجّه لمجتمعنا!.

ميس بركات