خيارات ما بعد “الباب” تضع تركيا في مأزق بسورية

خيارات ما بعد “الباب” تضع تركيا في مأزق بسورية

أخبار سورية

الأربعاء، ٢٢ فبراير ٢٠١٧

أحرز الجيش التركي، بالتعاون مع المتمردين السوريين المتحالفين مع أنقرة، تقدماً ميدانياً ملحوظاً في المعارك السورية، رغم فداحة الكلفة، إلا أن ذلك جعله في وضع جيد لانتزاع مدينة الباب السورية من سيطرة تنظيم “داعش”.
وبالسيطرة على مدينة الباب، فإن تركيا قد تكون أنجزت الأهداف المحددة في عملية درع الفرات التي شنتها شمال محافظة حلب والتي تتمثل في تطهير الحدود التركية من تنظيم الدولة ومنع القوات الكردية المعادية في سوريا من ربط أراضيها جنوب تركيا.
ولكن بعد السيطرة على مدينة الباب لم يعد لعملية “درع الفرات” أهداف أخرى، وإذا كانت تركيا تسعى لتحقيق مكاسب مستدامة فإن قواتها قد تكون غير قادرة على مغادرة البلاد، فمع شن “درع الفرات” ألقت تركيا نفسها في مستنقع سوريا، فهي ليست لديها إستراتيجية خروج واضحة، بالإضافة إلى افتقارها إلى خيارات للتصعيد، ويبدو أن تركيا ملتزمة باحتلال مؤقت ولكن بأجل غير مسمى لجزء من شمال حلب، والذي بشكل معاكس قد يزيد من إضعاف الوحدة السياسية والإقليمية السورية ويعزز من خصوم تركيا.
ماذا بعد الباب؟
لم تعلن الحكومة التركية بعد عن أي خطة لتنظيم الأراضي التي تسيطر عليها الآن في سوريا أو لنقل السلطة إلى سلطة مدنية قادرة على إدارة الخدمات في سوريا التي مزقتها الحرب، وبالعكس فإن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أشار أخيراً إلى نيته توسيع العملية لاستهداف قوات “سوريا الديمقراطية” ووحدات “حماية الشعب” وهي الفرع السوري لحزب “العمال” الكردستاني، تلك الجماعة المسلحة الكردية التي تشن حملة تمرد في منطقة جنوب شرق تركيا منذ العام 1984.
وتشكل وحدات “حماية الشعب” أيضاً العمود الفقري لقوات “سوريا الديمقراطية”، أقرب شريك للولايات المتحدة في الصراع السوري، وعلى ما يبدو فإن اقتراح أردوغان هو جزء من المجهود التركي لإنشاء منطقة آمنة تبلغ مساحاتها  5000 كيلو متر خالية من تنظيم “داعش” ووحدات حماية الشعب. وهذه المنطقة ستشمل كلاً من مدينتي “منبج” و”عفرين” اللتين يسيطر عليهما تنظيم “داعش” ووحدات “حماية الشعب” بقوة، وتقع المدينتان على طول الحدود التركية السورية.
ومن الممكن أن ينتج عن الخطوات التي ستتخذها تركيا بعد معركة الباب آثاراً كبيرة على الهجوم الحالي الذي تتزعمه قوات “سوريا الديمقراطية” بدعم من الولايات المتحدة في شمال مدينة الرقة حيث المركز الإداري لتنظيم “داعش” في سوريا.
وعلى سبيل المثال، فإن الهجوم التركي ضد مدينة “منبج”، سوف يدفع وحدات “حماية الشعب” لنقل قواتها من ضواحي الرقة، وربما يؤخر بدوره هجوم تركيا المخطط على المدينة.
ويمكن للجيش التركي أن يتوسع في عملياته بعد السيطرة على مدينة الباب، ولكن خصومه على استعداد للدفاع ضد أي هجوم مدعوم من جانبها، وستكون ردود الأفعال مماثلة لتلك التي أبطأت عمليات تركيا حول مدينة الباب، والتي تنذر بسلسلة أخرى من المعارك الدامية للمدن السورية من دون أي آلية متماسكة لنظام الحكم ثم الانسحاب من تلك الأراضي المسيطر عليها.
وعلى هذا، فإن هناك مخاطر جسيمة قد تنتج عن الوجود التركي لفترة طويلة وقد مكنت الصعوبات التي واجهتها تركيا حول مدينة الباب الجيش السوري والميليشيات المتحالفة معه بدعم من الضربات الجوية الروسية من المضي شرقاً من مدينة حلب.
ويسيطر الجيش السوري وحلفاؤه الآن على الأرض المرتفعة التي تطل على الطريق الرئيس الذي يربط مدينة الباب مع الرقة؛ ما يشكل عائقاً أمام أي هجوم تركي نحو الرقة.
ويبدو أن الجيشين التركي والسوري يمضيان قدماً من أجل السيطرة على مدينة “تادف” على الرغم من أن روسيا قد نجحت في التوسط لوقف إطلاق النار على طول الخط الفاصل بين شمال مدينة “تادف” والمدخل الجنوبي للباب.
وأدى تقسيم الأراضي إلى تهدئة التوترات بصورة مؤقتة حول أنحاء المدينة ولكن تقدم الجيش السوري جنوب مدينة الباب يحد من خيارات تركيا بل ويستبعد أي خطة تركية محتملة لتوسيع عملية درع الفرات للدفع جنوباً باتجاه الرقة.
وكانت أنقرة عرضت سابقاً هذا المقترح على المسؤولين في الولايات المتحدة وعلى وسائل الإعلام الدولية كبديل للهجوم الذي تقوده قوات “سوريا الديمقراطية” على المدينة التي يسيطر عليها التنظيم المتطرف، ولكن ليس هناك بديل أمام القوات التركية لتنفيذ هذا المقترح إلا إذا كانت على استعداد للقتال من خلال مواقع النظام المدعوم من روسيا في جنوب الباب، ثم الاشتباك مع تنظيم “داعش” على مشارف الرقة.
ويبدو أن هذا المسار ليس مفضلاً من جانب تركيا إذ إن ذلك من شأنه أن يضعها في حرب مفتوحة مع الجيش السوري.
وفي المقابل من الممكن للقوات التركية أن تسعى لتوسيع عملياتها حول مدينة تل رفعت أو منبج وهما مدينتان تعهدت تركيا باستهدافهما كجزء من عملية درع الفرات.
هجوم “تل رفعت”
الخيارات المتاحة والقيود أمام تركيا وفي شمال غرب سوريا تتحكم فيها وحدات “حماية الشعب” لاسيما في مدينة “عفرين”، وهي منطقة جبلية معظم سكانها من الأكراد  ومتاخمة للأراضي الخاضعة للسيطرة التركية في سوريا.
وهناك خيار واحد، وغالباً تم طرحه من المتمردين السوريين والحكومة التركية، وهو الهجوم على وحدات “حماية الشعب” في “عفرين” من أجل إحكام السيطرة على “تل رفعت”، وهي مدينة ذات غالبية عربية قرب الحدود الغربية.
وقد وقعت تل رفعت تحت سيطرة وحدات حماية الشعب منذ فبراير العام 2016، عندما استولت الجماعة على المدينة من المتمردين بدعم من القوات الجوية الروسية والسورية، ولذلك فإن المتمردين السوريين على استعداد لقتال وحدات حماية الشعب في هذه المنطقة.
ووقعت اشتباكات بين الجيش التركي وحلفائه المتمردين مع وحدات حماية الشعب في الماضي حول تل رفعت.
وفي الـ 22 من أكتوبر 2016، بدأت فصائل الجيش الحر بدعم من الضربات الجوية والمدفعية التركية هجومها على المدينة، ولكن تم صدهم وبعد ثلاثة أيام فقد المتمردون المدعومون من تركيا السيطرة على قريتين جنوب شرق تل رفعت أمام الهجمات المرتدة لوحدات حماية الشعب.
ولكن ماذا بعد، أمام القوات التركية المحاصرة ؟ سبق وأن قالت الحكومة التركية مراراً إنها لا تنوي البقاء في سوريا لمدة طويلة، ومع ذلك فإن الانسحاب المبكر قد يترك متمردي عملية درع الفرات في موقف ضعيف، وإذ إنهم غير مجهزين للتعامل مع تهديدات وحدات حماية الشعب أو الجيش السوري، واللذان اشتبكا مع المتمردين في الماضي.
وقبل التدخل التركي، ناضل المتمردون الذين يشكلون الآن “درع الفرات” للدفاع عن الأرض بصعوبة ضد هجمات “داعش”، وكان التنظيم المتطرف قضى على معظمهم تقريباً في هجومه على مدينة “مارع” في عام 2016.
ولذا، وجب على القوات التركية إعادة تنظيم قوات المتمردين المنقسمين حالياً إلى عشرات الفصائل في قوة واحدة قادرة على الدفاع عن أراضيها بشكل مستقل.
erem