أطبــاء بــلا قـلب! أسماء.. ماركات في عالم السمسرة العلاجية ولا قرار يحدد أجورهم!..

أطبــاء بــلا قـلب! أسماء.. ماركات في عالم السمسرة العلاجية ولا قرار يحدد أجورهم!..

أخبار سورية

الأربعاء، ٢٢ فبراير ٢٠١٧

طبيب الفقراء: العلاقة مع المريض ليست مادية أبداً بل ثقة روحية

يندر ألّا يتكرر اسمه بين شركاء الداء، فالرجل صار ماركة مسجلة في عالم السمسرة الطبية، ولا يعني ذلك بالضرورة تميزاً أو فرادةً ما تجعله أفضل من غيره، ربما كان الأكثر شهرة في موسم يتكئ فيه السوريون على تجارب بعضهم، أملاً بشفاء سريع وألم أقل.

*في عيادته الشبيهة بمشفى مصغر، استقلالية من نوع مختلف، تبدأ مع حجز المواعيد، فعلى المريض أن ينتظر حوالي ثلاثة أشهر حتى يُتاح له مقابلة الطبيب، بعد ذلك، يبدأ جزء جديد من مسلسل العلاج، مع معاينة تكلفتها 8000 ليرة، تليها متطلبات مختلفة كالتحاليل والصور الشعاعية، ولا حاجة لإجرائها في أي مكان آخر، فكل ما يلزم موجود سلفاً بأسعار لن يملك المريض التفكير بها كثيراً، فأوجاعه أشد إلحاحاً، لتتراوح كلفة العلاج ما بين 40 ألفاً إلى 60 ألف ليرة، من دون ثمن الدواء المتوافر حصراً في صيدلية محددة، لا ينسى الطبيب مفاجأة مرضاه بذلك!.

*حالة الاستقواء العلنية هذه، صارت معروفة بين أبناء الحرب، حتى إن سيدة مهجرة من حلب، اضطرت للجوء إلى أحد فاعلي الخير، لإجراء عملية جراحية لاستئصال بقايا شظية من رئة ابنتها، من دون أن تتمكن من إقناع الأطباء الذين زارتهم بأن وضعها المادي مزرٍ جداً، في حين تلجأ أسرة فقيرة قادمة من الرقة إلى إبراز أوراقها الرسمية كلما دعتها الحاجة لعلاج ابنها المصاب بمرض في الدم، أملاً بتعاطف الطبيب، وفي عيادة الرجل المشهور، هناك من جاءت للمعاينة بعد "لمة" من الجيران والأصدقاء!.

*الحديث عما يتقاضاه الأطباء من أجور، مؤلم بقدر المرض نفسه، ولا سيما أن آلام الحرب اليومية ضاعفت وهن الأجساد والنفوس، إلى أن ارتبطت سمعة الطبيب وخبرته بأجرةٍ مرتفعة، ويصح القول أيضاً إن ما يبلغه أحدهم من مستوى علمي ومهارة لا يعني دائماً أخلاقيات جيدة، كما يفترض "قسم أبقراط الطبي"، بأن هناك خصالاً معينة يتصف بها الطبيب منها "أن تكون رغبته في إبراء المرضى أكثر من رغبته فيما يلتمسه من أجر، ورغبته في علاج الفقراء أكثر من رغبته في علاج الأغنياء"، لكن الطب في نظر البعض وظيفة يأتي رزقها من عدد المرضى وشدة مرضهم، وعليه هم ليسوا جمعيات خيرية تتبرع بالجهد والوقت.

*تتسع صلاحيات الطبيب أحياناً لتشمل التعاقد مع "صيدليات، شركات أدوية، مستشفيات"، ولا يتردد آخرون بطلب فحوصات وتحاليل وعمليات غير ضرورية، ناهيك عمن تضطرهم حالتهم الصحية لاستشارة أكثر من طبيب، والمشكلة أن ما يعتقده بعض الأطباء مبلغاً عادياً، لا يعتبر كذلك لعدد كبير من المرضى.

*استعراض أجور الأطباء، يصل إلى مبالغ غير مفهومة، لكنها سلطة يمتلكها الطبيب وحده، وبموازاة شهرة طبيب الأعصاب في بداية هذه المادة، هناك شهرة مختلفة للطبيب إحسان عز الدين، لا نذكرها من باب الدعاية، فهو يتقاضى 50 ليرة من المريض، أياً كانت حالته المادية، حتى لا يشعر الفقير بالحرج أو التمييز.

*وفي عيادته يقول لنا أحد النازحين من الغوطة: السعر الرمزي والسمعة الطيبة دفعاني لزيارة الطبيب "أبو الفقراء"، النية الطيبة تجاه فقراء البلد لم نعد نلمسها عند أطباء هذا الزمن.

*يقول عز الدين لـ"الأيام": العلاقة بين الطبيب والمريض ليست مادية أبداً بل علاقة ثقة روحية، أتلقى مساعدة من شركات الأدوية، لكن كما يقال "وزع البحر بيتوزع"، غايتي ليست المضاربة والمزاحمة، فالأطباء يعرفون أسلوبي وهدفي، والمريض يأتي للعلاج وليس لاستغلالي أو الاستفادة من الأجرة المنخفضة، لا يوجد طبيب "عملة نادرة"، ولا أعتبر أنني أفضل من غيري لكنني لست أقل أبداً، فرضت على نفسي متابعة آخر المستجدات الطبية، حتى إن كثرة التماس مع المرضى تولد الثقة عند الطبيب فيكون أداؤه بعيداً عن التردد، لدي خبرة جيدة الحمد لله، والزملاء جميعهم فيهم الخير والبركة.

*حتى اليوم لا تزال أجور الأطباء في سورية خاضعة للقرار 79 الصادر عن وزارة الصحة عام 2004 ، والمفترض تعديله كل 3 سنوات وكلما دعت الحاجة حسب ما جاء فيه، لكنه لا زال على حاله، رغم كل التغيرات التي طرأت على المجتمع السوري اجتماعياً واقتصادياً، بالطبع لا أحد يلتزم به، لكنه مبرر لدى البعض لفرض المبالغ التي يرتؤونها.

*يشرح نقيب أطباء سورية الدكتور عبد القادر حسن لـ"الأيام": السبب يكمن في وزارة الصحة فهي لا تسعى إلى تعديل هذا القرار، رغم إدراكها ضرورة ذلك فالأجور الطبية تبعاً له، لا تتناسب مطلقاً مع الواقع المعيشي لجميع الناس، طالبنا بذلك خــــلال المؤتمر الـ 33 للنقابة، وكانت المقررات بأن تكون الأجور الطبية: للطبيب الاختصاصي 1500 ليرة، للطبيب العام 1000 ليرة، دراسة الملف 2500 ليرة، لكن ذلك لم ينل موافقة الوزارة، بالتأكيد كل الأطباء حالياً يتقاضون أكثر مما هو مقرر، والرقم يرتفع في دمشق تحديداً.

*يؤكد نقيب الأطباء عدم إمكانية محاسبة الأطباء المخالفين، لعدم وجود قرار ينصفهم، بحيث تتم المحاسبة على أساسه، وإن كان ذلك لا يعتبر مبرراً بطبيعة الحال، مشيراً إلى ما يدفعونه من ضرائب، منها ضريبة الدخل التي ارتفعت عشرة أضعاف لتصل إلى 400 ألف، أيضاً ارتفعت أجور التمريض وضريبة الدخل عليها، مع "الكهرباء، الهاتف، المياه"، ومن لا يملك عيادته الخاصة يضطر للاستئجار، إضافة إلى ما يتعلق بالتأمين الصحي، فالأجر فيه حتى اليوم 700 ليرة للطبيب الأخصائي، 500 ليرة للطبيب العام، يذهب منها 15 % للنقابة والشركات، إذاً ماذا يتبقى للطبيب؟، لذا نرى عدداً كبيراً منهم يرفض الاشتراك في التأمين.

ارتفاع الأجور لا ينفصل عن سعر المواد المستهلكة، وهذا ما لا يعرفه المواطن كما يرى حسن، فهو كطبيب داخلية، قد تضطره حالة المريض لإجراء تخطيط أو إيكو للقلب، ولا علاقة له بالكشفية، علماً أن الوزارة لم تقم أيضاً بتعديل ثمن المواد المستهلكة، فسعر بكرة تخطيط القلب كان 4 ليرات، وصل اليوم إلى 600 ليرة، أما سعر جهاز إيكو القلب سابقاً كان مليوناً ونصف، وصل اليوم إلى 15 مليوناً، فكيف يمكن إجراء إيكو قلب بـ1500 ليرة؟.

*يتابع نقيب الأطباء: في قرار وزارة الصحة، تبلغ كلفة القثطرة القلبية مع المواد المستهلكة 28 ألف ليرة، لكن كلفة المواد المستهلكة تبلغ حالياً 48 ألف ليرة، من دون أجرة المشفى والطبيب، تتقاضى المشافي حالياً 80 ألف ليرة، أيضاً العملية القيصرية مسعرة بـ30 ألف ليرة، كلفتها في المشفى 90 ألف ليرة، بالمحصلة هناك تناقض كبير بين المفترض والواقع، إذا لم تقم وزارة الصحة بتعديل الأجور فالأمور سيئة جداً، يجب ضمان حق الطبيب والمواطن، وهذا يتعلق بخبرة كل طبيب ومهارته، فالوزارة ذاتها لم تصدر حتى اليوم تسلسل الرتب، لدينا فقط من لديه خدمة أكثر أو أقل من عشر سنوات، يجب أن يكون هناك تسلسل علمي حسب الشهادات التي يملكها الطبيب "اختصاصي أول، استشاري".

*يشير حسن إلى دور الأطباء العاملين في الجمعيات الخيرية ومراكز الإيواء والمشافي العامة بأجور مخفضة، ومن يقدمون خدمات مجانية في عياداتهم، لتصل الخدمة الطبية إلى المواطن أياً كان ظرفه المادي، لكنه حين يختار العلاج من خلال عيادة طبيب ما فهذا قراره، مؤكداً رفضه فكرة أن عدداً من الأطباء لا يقدرون ظروف المرضى.

*لكن لماذا لم يتم تعديل القرار الصادر عام 2004 لتحديد أجور الأطباء وما يتعلق بها، هل يمكن لوزارة الصحة ضمان حق الطبيب والمريض بما يتعلق بالأجور والكشوف الطبية، وغير ذلك من الإجراءات غير المسعرة؟.

*توجهنا بهذه التساؤلات إلى وزارة الصحة، وكانت الإجابة إن "الموضوع مؤجل حالياً"، ولا زيادة على ذلك أو توضيح له، يبدو أن المعنيين لديهم مبررات خاصة تتجاهل ظروف الحرب التي يعيشها السوريون، وما حملته من أمراض وإصابات وأوبئة، حتى صارت أعداد المرضى في مختلف العيادات والمستشفيات لافتة، وتحولوا إلى "زبائن" بنظر كبار أطباء أمراض القلب والأعصاب وغيرهم، كأن ضمير هؤلاء يتبدل بمجرد دخولهم العيادة، مفترضين أن القادمين إليهم قادرون دوماً على الدفع مقابل العلاج، في حين يتغاضى أطباء حديثو العهد في المهنة، وآخرون فقدوا عياداتهم في الحرب عن الكشفية، ليقدموا العلاج مجاناً.

تبعاً لنقابة أطباء سورية: عدد الأطباء 35 ألف طبيب، من سددوا رسومهم في النقابة عن عام 2016 ، هم 22 ألف طبيب، ولا ننسى من يقيمون في المناطق الساخنة ولم يستطيعوا التسديد، غادر البلاد حوالي 10 أو 12 ألف طبيب، ومن حصلوا على وثائق للعمل خارج القطر 5 آلاف طبيب خلال مجمل سنوات الأزمة