لم يرتكبوا إثماً في تأمين فرص عمل!! لماذا لا تكون المحـافظة رحيمة فـي التعامل مع أصحاب البسطات؟

لم يرتكبوا إثماً في تأمين فرص عمل!! لماذا لا تكون المحـافظة رحيمة فـي التعامل مع أصحاب البسطات؟

أخبار سورية

الأربعاء، ١ مارس ٢٠١٧

    يسرى المصري

أصبحت أسر كثيرة من دون معيل أو مورد مالي يغطي نفقاتها..كثير من أصحاب المهن والورش فقدوا أعمالهم.. وكل إنسان شريف يعف نفسه عن الطلب ولو كانت به حاجة.. ويعمل ولو أمام بسطة فيأخذ حيزاً من الرصيف أو الشارع..ومع انتشار عشرات الآلاف من البسطات.. تتغير معالم الشوارع.. وتهب المحافظة لنجدة المدينة وشوارعها لتحافظ على جمالها ونظافتها وأحياناً أمنها وتبدأ المطاردة ما بين صاحب بسطة يبحث عن مورد يسد به رمق العائلة وبين شرطة المحافظة التي لا تجد بداً من مصادرة البسطة ومن ملاحقة أصحابها وكل من يشاهد هذه المطاردة يتأثر فيقول في سر أو علن لو أن المحافظة تتلطف في طلبها وتجد لهؤلاء المواطنين بديلاً فتخصص لهم أسواقاً وأماكن يعملون بها بترخيص ونظام وبإشرافها وتهيب بأصحاب البسطات باختيار أماكن لاتؤذي المارة أو تشوه الطريق ودائماً ثمة حل.
ما هي قصة البسطات؟
فاقمت الأزمة أعداد العاطلين عن العمل لكن البسطات لها قصة طويلة فليست الظاهرة جديدة، يقول الخبير القانوني وعضو مجلس الشعب الأستاذ محمد  العكام تحتل البسطات معظم الأرصفة وأجزاء العديد من الشوارع والساحات العامة بالعديد من المدن الرئيسة وخاصة دمشق التي ضمت أرصفتها ما يتجاوز الـ 20 ألف بسطة, وهذه الظاهرة بكل أبعادها وجوانبها ظاهرة اقتصادية واجتماعية وليست فقط مسألة خدمية.‏  وكانت بسطات الأرصفة قد شهدت تجاذبات متعددة بين القرارات التي كانت تضع هذه الظاهرة في سلم الممنوعات، باعتبار أن البسطات مرتبطة مباشرة بحقوق واحتياجات المارة وأصحاب المحال والبسطات، جعلت هذه الحقوق تتعرض للانتهاك من وجهة نظر الحكومة بطرق خفية غالباً, ومعلنة في بعض الأحيان ومن جانب آخر، فالتطبيق العملي لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة ما زال ينتظره المواطن بفارغ الصبر ليرى جوهره الحقيقي على أرض الواقع.‏
ويضيف العكام: لفترات طويلة لم يكن هناك أي حل لظاهرة بسطات الأرصفة، حيث قامت محافظة دمشق بتخصيص بضعة أماكن محددة تكون بمنزلة احتواء لهذه الظاهرة، وليشكل ذلك صوناً لحركة المارة التي خصصت الأرصفة لهم، وحتى لا يشعر أصحاب المحال التجارية بالغبن من دفعهم مبالغ ضريبية كبيرة في وقت تأتي بسطة صغيرة لتأخذ البقية الباقية من مرابحهم.‏‏
وتم فعلاً تحديد سوق الجمعة في منطقة الزاهرة الجديدة وسوق يوم الثلاثاء بمنطقة برزة، ولكن بعد بضعة أسابيع عاد كل شيء إلى سابق عهده وعادت البسطات للتموضع العشوائي بعيداً عن تحديد أماكن مخصصة تصبح مع الزمن مقصداً لأصحاب الدخل المحدود بشكل أو بآخر، وذلك أسوة بالكثير من عواصم العالم ومدنه الكبرى، حيث يتم تخصيص يوم في الأسبوع حسب العطلة الأسبوعية، إذ يتم قطع طريق كامل من مرور السيارات لتفترشه البسطات. ‏‏
ووصلت البسطات لدرجة غطت معها أكثر من 90% من مساحة بعض الأرصفة الرئيسة في دمشق على سبيل المثال لاالحصر كما هو الحال في 172 بسطة منتشرة على طول رصيف كلية الحقوق والمصرف العقاري و185 بسطة أخرى ممتدة أمام معهد الآثار والمتاحف (رصيف تمثال صلاح الدين أمام قلعة دمشق) و210 بسطات من جسر فكتوريا وصولاً إلى الحميدية والبقية انتشرت على أرصفة الأزقة والحارات والشوارع الرئيسة ورأسمالهم شبك معدني لصف البضاعة عليه مع غطاء مناسب يقيه حر الشمس ليصبح لدى صاحب البسطة شبه منفذ صغير يحجزه فوق منطقة محددة من الرصيف لتصبح مع الوقت بمنزلة حق مكتسب له.‏‏
بعيداً عن الرقابة
والسلع المعروضة على تلك البسطات ليس لزاماً عليها أي مواصفات دقيقة للبضاعة لأن معظمها مهرب من ألبسة وأحذية رياضية وعادية إلى الكهربائيات وذواكر الحاسوب ومستلزمات الهاتف العادي والمحمول وصولاً إلى تعبئة الوحدات وأوراق اليانصيب وبيع وتصليح الساعات والإكسسوارات والعطور بأنواعها، تدني الأسعار هو الشعار والقاعدة الذهبية لعملية البيع والشراء عبارة استباقية (إن القطعة التي تباع لا تبدل ولا ترد).‏‏
عمل شريف
ويرى الخبير القانوني محمد العكام أن الجهات الاقتصادية وحتى المحافظة تصف عمل البسطات بالشريف.. وقال: لامانع من أن تكون الحكومة رحيمة في التعامل مع أصحاب البسطات ماداموا أنهم لايرتكبون إثماً بتأمين فرص عمل لهم ولذويهم من دون تحميل الدولة أي تبعات، ويمكن الذهاب لأبعد من ذلك حيث تشكل قنوات تواصل مع أصحاب البسطات وتشجعهم على الإبقاء على أسعارهم رخيصة وعدم بيع أي بضائع مخالفة، ويمكن إيجاد حلول لجعل ظاهرة البسطات تتجه في الاتجاه الصحيح عبر تخصيص مساحات محددة لإنشاء بازارات في أطراف المدن ليقوموا بعملهم فيها ضمن رقابة محددة للسعر والجودة.‏‏
المحافظة تقوم بدورها‏
وأوضح العكام أنه بالنظر إلى ما خلفته الأزمة من دمار وخراب بالمنشآت العامة وأيضاً الخاصة للمواطنين فإن معظم الإجراءات المتخذة عبارة عن إجراءات آنية ومؤقتة و لا تتعدى كونها حلولاً ترقيعية تزيد المشكلة تفاقماً مع مرور الوقت, وأن الحل لابد من أن يكون من خلال التنسيق والتعاون مع محافظة ريف دمشق لقدرتها على تأمين الأراضي والمساحات اللازمة لإحداث عدد من الأسواق الشعبية وطرحها للاستثمار من قبل الوحدات الإدارية.
ومن جهة أخرى فإن البسطات حلت مشكلة عدم وجود سيولة نقدية للكثيرين للانطلاق بمشروع يدر عليهم بعض المرابح نظراً للحاجة إلى وجود رأسمال معين للبدء بأي مشروع، لكن في حالة البسطات فالانطلاقة لا تحتاج أكثر من حفنة صغيرة من المال لشراء بضاعة بكميات قليلة لا يحتاج معها لأي ضرائب أو أجرة محل تجاري أملاً بتوسيع الدائرة التجارية شيئاً فشيئاً.‏‏
وهنا يشعر هذا التويجر الصغير (صاحب البسطة) أنه من جهة أخرى حمى نفسه من الحاجة للدخول بمتاهة الاقتراض ومد اليد إلى البنوك التي لاتعطي قرشاً إلا وتكبل المقترض بالقيود، ناهيك بالنسب المئوية المرتفعة التي يتم استجرارها كأرباح للمصرف من المقترض.‏