جنيف 4.. خطوة من مسار طويل

جنيف 4.. خطوة من مسار طويل

أخبار سورية

السبت، ٤ مارس ٢٠١٧

عمر معربوني - بيروت برس -

بالنظر الى عنوان المقالة، سوف يلاحظ القارئ أنّي كتبت المسار وليس الحل، فالمسار يفرضه منطق الضرورة لوجود تعقيدات وتداخلات كبيرة ضاغطة ترتبط بالمراحل وصعوبتها، وهو ما يفرض سلوك مسار قد يكون طويلًا ولكنه في كل الأحول مسار مؤقت، وهذا يرتبط أيضًا بتعريف الحرب وماهيتها. فالدولة السورية وحلفاؤها يعتبرونها حربًا خارجية بأدوات بعضها داخلي وبعضها خارجي، في حين يجهد أطراف الهجمة لنشر فكرة أنها حربٌ أهلية وذلك لتسهيل فرض أهدافهم من خلال الأدوات الداخلية التي يسمونها "معارضة".

وإن كانت هذه الحرب في الشكل انطلقت عبر مقدمات تضمنت تجمعات وتظاهرات شارك فيها قسمٌ من السوريين، فإنها تصاعدت فيما بعد وبشكل سريع لتأخذ مسارًا عسكريًا تم التخطيط له بعناية في غرف استخباراتية تديرها المخابرات الأميركية من الأردن، حيث كان وصول إرهابيين من ليبيا جاؤوا مباشرة بعد ما حصل في ليبيا واستقروا في درعا قبل شهر آذار 2011، وتلقوا مساعدة من عناصر الأخوان المسلمين في درعا سواء فيما يتعلّق بتوفير الملاذات الآمنة او في التحرك، وليس خافيًا على أحد تحويل الجامع العمري في درعا الى غرفة عمليات ومستودع للسلاح، ما يعني انتفاء صفة الحرب الأهلية التي تستدعي حصول تسوية لإنهائها.

وحتى لا أستغرق في سرد ما حصل فيما بعد وحتى اللحظة، أكتفي بذكر وصول الإرهابيين الليبين الى درعا للدلالة على أنّ ما يحصل لم يكن بالصدفة وانما كان مخططًا له ان يحصل من خلال استقدام العناصر الإرهابية الخارجية للتسريع في انهاء الوضع وتفكيك الجيش ومؤسسات الدولة، وهو ما لم يحصل حتى اللحظة ولن يحصل بحكم التطورات المرتبطة بصمود الدولة السورية ووقوف الحلفاء الى جانبها وانتقال الدولة عبر ست سنوات من الصراع الى مرحلة المبادرة والهجوم المضاد.

خلال ست سنوات من الحرب، كان واضحًا شكل المسارات المتعاقبة لجهة نمو وتعاظم التنظيمات الإرهابية بمختلف مسمياتها واختلاف الجهات الداعمة لها ذات المصلحة الواحدة، سواء كانت هذه الجهات دولية او اقليمية، وأذكر هنا بالطبع أميركا التي تدير الصراع مع العديد من الدول الغربية والسعودية وقطر وتركيا كجهات ممولة وداعمة بشكل مباشر.
وفي حين كان الهدف من "الربيع العربي" في البداية إحداث عملية تغيير في الأنظمة، أصبح واضحًا الآن وبمرور الوقت أنّ الهدف هو تفكيك المنطقة وتقسيمها، وهو هدف كنا ندركه منذ البداية.

الصراع الآن اكثر وضوحًا لناحية الإنقسامات والإصطفافات من اي وقت آخر، فهذه أميركا ومعها "إسرائيل" و"دول الإعتدال العربي" باتت تتكلم بصوت عالٍ عن العدو البديل للأمة وضرورة القضاء عليه، او في الحد الأدنى اضعافه وإجباره على الإنكفاء.
واذا ما نظرنا الى طبيعة الصراع الشامل والمتشابه، ينبري سؤال بغاية الأهمية وهو لماذا ينعقد جنيف فقط من أجل سوريا والصراع نفسه في العراق واليمن وليبيا؟
والجواب هو لأنّ الأطراف المقصودة بالهجمة موجودة كلها في سوريا، وهنا اذكّر بأن خطة المحافظين الجدد كانت تتضمن ثلاث مراحل، تبدأ بإسقاط الإتحاد السوفياتي وتفكيكه مع كتلة الدول الإشتراكية وهذا تم بسرعة كبيرة، والإنتقال الى اسقاط سوريا وتفكيكها بشكل اساسي والبدء بتعميم السقوط والتفكيك على كل دول المنطقة بما فيها تركيا وايران، واستكمال تطويق روسيا والإنتقال الى المرحلة الأخيرة وهي السيطرة على بحر الصين وتضييق الخناق على الصين.

ولأنّ الصراع الآن يتجاوز قضية اسقاط نظام هنا او هناك، ويندرج بشكل واضح تحت بند تثبيت الهيمنة على المنطقة وثرواتها بما فيها البترول وخطوط النقل والعبور، فما يحدث في جنيف هو بمثابة مسار سياسي وليس منصة لحل سياسي.
ولأنّ الدولة السورية صمدت وعلى رأس مؤسساتها الجيش، حضرت ايران كدولة مستهدفة وروسيا كذلك الى الميدان السوري لتثبيت الصمود وتغيير معايير الميدان كمقدمة لإنجاز النصر الذي سينتهي بتفاهمات دولية على عالم جديد، هو عالم ما بعد حكم القطب الواحد وشرق اوسط جديد غير ذلك الشرق الأوسط الذي اعلنت عنه كونداليزا رايس.

المعركة الآن في مرحلة متقدمة، لهذا يجهد وفد الرياض الى جنيف للحصول في المحادثات على ما عجز إرهابيوهم أن يمنحوه لهم وهو السلطة، فما يطرحه وفد الرياض هو انتقال بالسلطة وليس مشاركة فيها على قاعدة النسب والتمثيل، وهو شأن اي عملية ديمقراطية.
هذا الإستعجال من وفد الرياض يحاول ديمستورا كممثل ناعم لقوى الهجمة أن يناور فيه من خلال بنود القرار 2254 الذي يحاولون جاهدين فصله عن القرار 2253.

إنّ ما حصل في جنيف هو شكل من اشكال المناورة، يحاولون من خلاله فرض امر واقع يخالف قوانين الصراع. ففي القرار 2253 دعوة واضحة لتجفيف منابع الإرهاب، حيث جاء فيه ما يلي: "يدعو القرار 2253 إلى تجميد الأصول المالية والموارد الاقتصادية التي تعود إلى تنظيم داعش وتنظيم القاعدة ومن يرتبط بهما من أفراد وجماعات ومؤسسات وكيانات. كما يدعو الدول إلى تجريم المعاملات المالية المتصلة بالإرهاب، بما في ذلك جميع المعاملات مع الإرهابيين، أفراد وجماعات، وليس فقط تلك المعاملات المرتبطة بأعمال إرهابية، من أجل تعطيل أفضل لأنشطة المقاتلين الإرهابيين الأجانب، ووقف تهريب النفط والاتجار بالبشر والآثار". بالإضافة الى ما جاء في بنود القرار 2253 من دعوة الى تعريف الإرهاب ومعالجة ظروف انشائه وغيرها من الأمور.
والتذكير بالقرار 2253 يأتي للتأكيد على اولوية محاربة الإرهاب والتي جاءت في البند الرابع من جدول اعمال جنيف القادم على الشكل التالي، حيث ستكون المعركة القادمة في جنيف هي ترتيب الأولويات وهو امر لن يتم حسمه إلّا في الميدان وما يحصل فيه من متغيرات.

حتى ذلك الوقت المعركة مستمرة حتى تحقيق الإنتصار، فهذه المعركة الكونية لا بد فيها من منتصر ومهزوم، وما وفد الرياض ببدلات وربطات عنق إلّا أدوات سينتهي دورها مع حصول التبدل النهائي في موازين القوى لتسلك الأمور خطين واضحين:
-    الخط الأول وهو الإتفاق بين القوى المتصارعة على مستوى المنطقة والعالم على صيغة نهائية ستعكسها نتائج الميدان التي من المفترض أن تتوحد فيها الجهود لهزيمة الإرهاب، وحينها سيذهب مع داعش والنصرة كل من يدعمهما او يتماهى معهما او يستفيد منهما، سواء كانوا دولًا او جهات او افراد.
-    الخط الثاني هو تبلور الواقع السياسي السوري من خلال حوار يجمع السلطة الحالية مع قوى المعارضة الداخلية وبعض معارضات الخارج كمنصة موسكو ومنصة القاهرة، وهو أمر سيحتاج نقاشًا هادئًا ضمن مؤتمر دمشق 1 وما يليه إن احتاج الأمر لذلك، ولكنه سيُدخل سوريا في حقبة ما بعد الحرب بكل معانيها.

*ضابط سابق - خريج الأكاديمية العسكرية السوفياتية.