بوتين يقرر الحسم في سورية

بوتين يقرر الحسم في سورية

أخبار سورية

الأحد، ٥ مارس ٢٠١٧

جورج عبيد
روت شخصيّة سياسية عادت من روسيا بعد لقاءات هامّة ونقاشات مستفيضة أجرتها مع مسؤولين كبار، بأن الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين عاكف بصورة جذريّة لا لبس فيها على التسريع في الحسمين في سوريا، الحسم الميدانيّ استكمالاً لما حصل في تدمر والحسم السياسيّ استكمالا لما بدأ به في الأستانة مرتين وينتظر ان يستكمل في جنيف للبلوغ نحو مرحلة جديدة في سوريا ومنها إلى المنطقة كلّها.
وبمحصّلة النقاش ما بين تلك الشخصيّة والمسؤولين في روسيا، تمّ استخلاص ما يلي:
1- لقد قرّر الروس الاتجاه نحو الحسم الميدانيّ الكامل في سوريا، وهم بهذا الأمر متفقون مع الإيرانيين على وجوب اقتلاع الإرهاب التكفيريّ بمنظماته وأدواته من الجذور، وهذا خيار وقرار.
2- يهمّ الروس أن يحافظوا على الحديقة الخلفيّة، وسوريا تبقى قلب تلك الحديقة، وهم ينطلقون من مجموعة اعتبارات في ميكانيزم تلك المحافظة، أهمّها أن تكفّ تركيا بالدرجة الأولى عن المراهنات العبثيّة بإمساكها لبعض الأوراق فتحاول استجماعها معتقدة أنها تملك الفرصة واللحظة بانبثاثها من جديد كحالة نوعية ممسكة بالقرار السوريّ واستطراداً بقرار المنطقة. بالنسبة لروسيا إن الحسم في سوريا بات ضروريّاً وعلى تركيا أن تتعاون في مسألة تسهيل الحرب المطلقة على الإرهاب.
3- يتطلّع الروس إلى النتيجة بصورة مباشرة بشراكة واضحة مع الأميركيين وطبعًا على تلك القاعدة. ومن أبرز ما يرونه أن لا يجازف الأميركيون في التصعيد مع إيران إكراماً لمواقف متطرّفة سواء جاءت من الخليج أو من إسرائيل حتماً. بل أن يسعوا لاستمرار تطبيق الاتفاق الدوليّ- الإيرانيّ، وأن يعود هذا التكامل في الأجزاء بالنسبة للحرب على الإرهاب وهي بالنسبة إليهم حرب جذوريّة بالمطلق.
4- يقرأ الروس بآفاق استراتيجيّة واسعة بأنّ هذه المرحلة مرحلتهم في ترتيب أوضاع المنطقة برمتها بالمشاركة مع معظم الأطراف والدول المعنيّة، وفي الوقت عينه فإنّهم يقرأون انكفاءً اميركيّاً وشيكاً عن الأحداث، سيّما أن وضع الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب غير مستقرّ وبخاصّة على المستوى الداخليّ، وقاعدته الداخليّة معرّضة للاهتزاز في أي لحظة ممكنة، وبرأيهم إنّ التهويل بالحرب على إيران ليس مجدياً ولن يكون ممكناً ولن يكون بمقدوره تحمّل تبعاته بمغامرة عبثيّة لا طائل منها، ولذلك فإنّ الروس يقرأون انكفاء وتسليماً بدورهم في هذه المنطقة المشرقيّة.
5- يرى الروس بأنّ الحل في سوريا ينطلق من تسوية ترتكز بجملتها على مفهوم المشاركة الفعليّة بين كلّ الشرائح والمذاهب والأديان المؤلّفة للكيان السوريّ، وقد أبلغوا القيادة السوريّة بذلك غير مرّة ولا سيّما وزير الخارجيّة السوريّ وليد المعلّم حين زار أيران وسلطنة عمان خلال صيف 2016، وتمّ التاكيد على ضرورة كتابة دستور جديد لسوريا قائم على جوهر المشاركة ونوعيتها.
6- ليس دقيقًا على الإطلاق بأن الروس مزمعون على حلّ مفاده وجود دويلات أو ترسيخ التغييرات الديمغرافيّة، كما أشيع مؤخّراً، فهم مدركون أنّ الاعتراف بدولة كردية مستقلّة أو إقليم كرديّ مستقلّ سيؤدّي إلى مجموعة أقاليم مستقلّة أو دويلات مستقلة، وتلك خيارات لا تناسب الاستراتيجيّة الروسيّة البتّة، وهم على خلاف مع الأميركيين في الأصل حول مسألة وجود كيان كرديّ مستقلّ.
7- يدرك الروس بأنّ الحرب أفرزت مناطق بالمعنى الديمغرافيّ للكلام بعدما أفرغتها من محتوياتها كحمص مثلاً وحلب حاليًا وما يمكن أن يرى في المعارك الحاسمة المقبلة، ولكنّ الحلّ لن ينشأ بمفهومهم على عملية الإفراز بل على عملية الانصهار. ويرون الأنموذج اللبنانيّ كالطائف مثلاً أو الحالة الميثاقيّة منطلقاً جوهريًّا لتكريس حلّ واقعيّ وجذريّ.
8- لن تكون سوريا مستقبليّاً على صورة ما كانت عليه خلال فترة حكم البعث وقبضه على النظام. ما يهمّ الروس بالنتائج والأبعاد استمرار الرئيس بشار الأسد بالضرورة على رأس السلطة «فهو حليف استراتيجيّ وكبير»، التفكير الحاليّ يقوم على محتوى النظام بما يناسب بقاء النظام بانتظام وتوازن مع المشاركة الفعالة للجميع بالحكومة ومجلس الشعب.
9- إنّ إرساء الاستقرار في سوريا ضروريّ للغاية، وثمّة ورشة في روسيا بدأت تحت عنوان سوريا بدءاً من البنى التحتيّة والتي وحدها بحسب خبراء ستكلّف بحدود 300 مليار دولار أميركيّ، فكيف بإعمار المدن التي غدت أطلالاً كحمص بأحيائها وحلب وسواها ويقال بأنّ تكلفة الإعمار فيها تتطلّب بدورها أكثر من 1000 مليار دولار، فيكون مجموع إعادة الإعمار بحدود 1300 مليار دولار وهذا على ذمّة خبراء تدارسوا الوضع.
10- من شأن الاستقرار في سوريا عن طريق التسوية المرتجاة وعن طريق إعمارها وإحيائها، أن يقود إلى تسوية تاريخيّة تقودها روسيا على مستوى حلّ النزاع العربيّ - الإسرائيليّ، والروس مؤمنون بوجود دولتين إسرائيليّة وفلسطينيّة ويعكفون على إحياء مبادرة الملك السعوديّ الراحل عبد الله بن عبد العزيز للسلام والتي أطلقها في قمة بيروت العربيّة الأخيرة.
11- يرى الروس ضرورة إعادة سوريا إلى جامعة الدول العربيّة كما هي موجودة في هيئة الأمم المتحدة، وهم يدفعون نحو هذا الأمر بالضرورة بالتواصل مع معظم الأطراف، وبالتالي فهم شجعوا في الأصل الملك الأردنيّ عبدالله بن الحسين على التواصل مع السوريين، وشجعوا صديقهم الرئيس المصريّ عبد الفتاح السيسي للدفع بدوره نحو هذا الاتجاه، ونظروا إلى كلام الرئيس اللبنانيّ العماد ميشال عون في مصر والأردن نظرة عالية المستوى وهم يثمّنون مبادرته بالمصالحة العربيّة - العربيّة والسعي نحو عودة كريمة وشرعيّة لسوريا إلى جامعة الدول العربيّة. ولعلّهم بحسب استنتاج تلك الشخصيّة يسعون لتوطيد حلف جديد بين مصر والأردن وسوريا ولبنان وربما العراق تحت عنوان الحرب على الإرهاب، وقد بلغت القيادة الروسيّة إمكانية انضمام العراق لشعوره بعدم جدوى زيارة وزير الخارجية السعوديّة عادل الجبير والتي تميزت بالتمظهر المتهوّر.
ماذا عن لبنان في القراءة الروسيّة بحسب تلك الشخصيّة؟
تستنتج تلك الشخصيّة بأنّ إرساء التسوية اللبنانيّة والتي انطلقت من انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهوريّة، ووصول الرئيس سعد الحريري إلى رئاسة الحكومة خدم كثيرًا الرؤية الروسيّة، فاستقرار لبنان ضروريّ للغاية في هذه المرحلة الحاسمة، ويحذّرون بالتالي من استعمال لبنان واستهلاكه كرافعة لمواجهة هذا المخطّط. بالنسبة للعقل الروسيّ المسألة دقيقة للغاية، لبنان يجب أن يحافظ على استقرار المتفق عليه في الأصل من معظم الأطراف الدوليّة والإقليمية المعنيّة به، فوجود الرئيس عون على رأس السلطة ووجود الحكومة الحالية يمثّل هذا الاستقرار عيناً، ويمثّل الضمانة بديمومته بمشاركة جميع الأطراف، والمشاركة بالنسبة لهم تتامّن بقانون انتخاب يضمن عمق المشاركة ويكرّسها بالأبعاد الاستراتيجيّة المتصلة بالمستقبل.
وبرأي تلك الشخصيّة، إنّ الروس لم يتدخلوا بالشكل، فالحسم في سوريا والاستقرار فيها وإرساء التسوية في ربوعها أهداف مثلّثة ينكبون عليها في الزمن الحاضر، لكن دخول لبنان بأنفاق سوداء جديدة يعتبر وبلا أدنى شكّ والتباس بمثابة الحرب على تلك الرؤية الخاصّة بسوريا وهم بالتالي لن يسمحوا بها وقد أبلغوا الجميع بهذا. وتستنتج تلك الشخصيّة بأنّ على اللبنانيين، وقياساً لذلك، الإسراع في إقرار قانون للانتخابات تتزاوج فيه النسبيّة مع المناصفة بصورة عضويّة فتتأمّن بها اوسع مشاركة، وتعتقد تلك الشخصيّة بأن مشروع اللقاء الأرثوذكسيّ قادر على تجسيد هذا الخيار أكثر من أيّ مشروع آخر.
ماذا عن حزب الله في العقل الروسيّ؟
تستند تلك الشخصيّة إلى كلام وزير الخارجية الروسيّ سيرغي لافروف الأخير، معتبرة بأن حزب الله حليف استراتيجيّ، وله دور كبير في تأمين الاستقرار على مختلف الأصعدة بين لبنان وسوريا، وقد أوضح الروس للأميركيين بان إيران وحزب الله شركاء جوهريين وحلفاء حقيقيين في الحرب على الإرهاب، وعلى الأميركيين ومعظم القوى استلهام الرؤى العاقلة بالوقائع وعدم التهوّر فأي تهور أعمى سيدخل المنطقة في جحيم حروب العالم كلّه بغنى عنها.
وفي الختام إستقرار لبنان مع حسم معظم الملفات العالقة يساهم باستقرار سوريا، والحسم في سوريا والتسوية فيها يساهمان بتسوية شاملة تجعل المنطقة تقبل على سلام عادل وشامل للجميع.
الديار