لعبة أرقام ونسب خادعة مواســم «الأوكازيــون» إغـــواء للزبـــون.. ورهانـــات خاســرة علــى الرقابـــة التموينيــة

لعبة أرقام ونسب خادعة مواســم «الأوكازيــون» إغـــواء للزبـــون.. ورهانـــات خاســرة علــى الرقابـــة التموينيــة

أخبار سورية

السبت، ١١ مارس ٢٠١٧

كانت منهمكة مع أولادها بإجراء العمليات الحسابية التي تحاول من خلالها معرفة سعر تلك الألبسة المعروضة على واجهة المحل بعد التنزيلات، وذلك كإجراء احتياطي يقيها من أي إحراج، وفي الوقت ذاته يساعدها في اتخاذ قرار الدخول، أو المغادرة إلى واجهة أخرى ذات أسعار أكثر رأفة بحالها، كما أخبرتنا نهاد المحمد (أم سامر) عندما حاولنا مساعدتها في حل ألغاز النسب المئوية التي تتنافس على تلك الواجهات البلورية المليئة بالتنزيلات المبهرة بألوانها الخاطفة للأبصار وخطوطها البراقة والجذابة.
وطبعاً حال (أم سامر)، التي بدا عليها التعب من كثرة البحث في السوق عما يلبي حاجتها، ويناسب واقعها المادي، كحال الكثير من الأمهات اللواتي ينتظرن موسم التنزيلات في هذه الأسواق لشراء ماعجزن عن شرائه في بداية كل موسم نظراً لارتفاع أسعارها.. فهل موسم التنزيلات كان هذا العام مواكباً لأحوال الناس، وضمن دائرة توقعاتهم، أم أنه إعادة وتكرار لسيناريو المسلسلات السابقة بإغراءاته الوهمية وأرقامه الخادعة؟!.
جولة في السوق
وجودنا في السوق كان استجابة لأحاديث الأصدقاء عن التنزيلات والذين طلبوا مني أكثر من مرة القدوم معهم والتسوق، وبشكل أثار فضولي وحفّزني للذهاب في جولة سريعة لأرى بعيني إن كانوا على حق، أم أنهم يبالغون في كلامهم، وعلى أمل أن أوفق بشراء بعض القطع، وأستفيد من الحسومات التي توقعتها، وكانت البداية في أسواق الحميدية والصالحية والشعلان، فوجدنا أن واجهات الكثير من محال الألبسة الشتوية، قد تزينت بإعلانات الحسومات والتي وصلت لحدود الـ 50 %، وأبرز ما لوحظ في هذه الأسواق عند المقارنة بينها أن التفاوت بدا واضحاً بين أسعار ملابسها، فتشعر كما لو أن لكل سوق زبائنه، ولكل سوق أسعاره التي تعوّد المواطن عليها، ولدى حديثنا مع “أبو خالد”،  صاحب أحد المحال بسوق الحميدية، عن مدى حقيقة وجود تنزيلات، قال : بالتأكيد التنزيلات على الملابس الشتوية موجودة، ويستطيع المواطن أن يلمسها بمجرد قيامه بالاطلاع على أسعار السوق ومقارنتها بما كانت عليه بداية الموسم، وتابع: في هذا المجال لا يمكن خداع المواطن عبر التلاعب بالأسعار والحسومات، حيث إنه كانت هناك إمكانية لوجود ذلك في أوقات الرخاء، أما في ظل الأزمة الحالية، فهذا صعب جداً، خصوصاً أن القدرة الشرائية للمواطن لم تعد كالسابق، كما أن المواطن اليوم يتجول في كافة المحال في السوق، ومن ثم يقارن الأسعار، وبالنهاية يقوم بشراء السلعة بعد أن يجد السعر الأنسب له، أو حتى قد لا يشتري.

كل سوق يغنّي على ليلاه
سوق الحميدية يشهد الإقبال الأوسع، باعتبار أن الأسعار مشجعة جداً مقارنة ببداية الموسم الشتوي بعد التنزيلات التي تصل إلى 30 % هناك، فبالنسبة لأسعار ألبسة الأطفال تباع البيجاما الكاملة بين 2500 إلى 4000 ليرة، ويباع الجاكيت بسعر يتراوح بين 6000 إلى 8000 ليرة بعد أن كان يزيد عن 10000ليرة.
وفي الصالحية بدا الحال، وكأنما أصبحنا في مدينة أخرى، فرغم التنزيلات المعلنة 30 % بقيت الأسعار عالية إذا ما قورنت بالحميدية، فالبناطيل الرجالية أسعارها  بين 6000 حتى 9000 ليرة، والكنزات من 6000 إلى8000 ليرة، والجاكيت يباع بسعر يتراوح بين 12000 إلى 22000 ليرة.
أما سوق الشعلان، فيمكن القول”: إنه اسم على مسمى، كيف لا، وهو السوق الذي اشتهر بأسعاره العالية مهما حدثت تخفيضات على الملابس فيه، فرغم أن بعض المحال هناك وصلت نسبة التنزيلات فيها إلى 50% إلّا أن الأسعار تبقى غالية، خصوصاً أن موسم الشتاء قارب على الانتهاء، فمثلاً إذا تحدّثنا عن الألبسة النسائية، فالبناطيل تكلفتها بين 3000 حتى 10000 ليرة، والكنزات بين 6000 إلى 8000 ليرة، في حين يبدأ سعر الجاكيت القصير من 17000 حتى 24000 ليرة، ويبدأ سعر الجاكيت الطويل من 25000 حتى 40000 ليرة.

آراء مواطنين
في سوق الحميدية الذي بدا الأكثر حركة في دمشق التقينا بأم أحمد “ربة منزل وموظفة”، وعند سؤالنا لها عن موضوع الحسومات، قالت: في بداية الموسم الشتوي، لم يكن بإمكاني أن أفكّر بشراء شيء من سوق الحميدية، فالأسعار كانت عالية بالنسبة لي، وليس لدينا القدرة كعائلة من 6 أفراد على تحمّل تكلفة اللباس بهكذا أسعار، حيث كانت البالة هي ملاذنا وملجأنا الوحيد، ولكن الآن أستطيع أن أقول: إن التنزيلات جيدة ومشجعة، وأصبح بالإمكان شراء بعض القطع لنكمل بها هذا الشتاء، أو نحتفظ بها للموسم القادم.
أما في سوق الصالحية، فكانت غالبية المحال خالية من الزبائن، ولا تشهد الإقبال المأمول من أصحاب المحال، رغم التنزيلات المعلنة التي تصل إلى 30%، وهنا استوقفنا أبو جميل “أحد سكان منطقة الصالحية”، وسألناه عن رأيه، والسبب في قلة حركة السوق، فأجاب: من المعروف أن أصحاب الدخول العالية، هم من يشترون من سوق الصالحية، وهؤلاء يكونون قد اشتروا حاجتهم منذ بداية الموسم الشتوي، وحتى الشرائح الأخرى الأقل قدرة، فرغم التنزيلات المعلنة تبقى عاجزة عن الشراء، حيث يعتقدون أن التخفيضات لا تزال دون المتوقع.
وبالنسبة لمحمد “طالب اقتصاد” فلم يختلف الأمر بالنسبة إليه فيما يخص الأسعار، رغم الحسومات، حيث ذكر لنا: نعم التنزيلات موجودة وتصل لـ 30% في الشعلان والصالحية، ولكن كنت متأملاً أن تكون الأسعار أرخص من ذلك، خصوصاً أننا في الثلث الأخير من الموسم، فما معنى أن يكون الجاكيت بـ 15 ألفاً والبنطال بـ 7 آلاف والكنزة بـ 8 آلاف، هذا يحتاج مني مصروف شهر كامل من أجل ثلاث قطع، وتابع: يبدو أن هذه الأسواق ستظل حلماً بعيد المنال بالنسبة لي.

صوتان والخاسر الأكبر هو المواطن
وللوقوف على مدى حقيقة هذه التنزيلات وهل هناك عين تراقب وتتابع عن كثب مدى تحققها على أرض الواقع فعلاً وليست مجرد عروض خلبية وكليشيهات تتزين بها واجهات المحلات، قمنا بزيارة وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، والتقينا مدير حماية المستهلك بدمشق الدكتور حسام النصر الله، والذي أكد لنا على دور المديرية في ضبط موضوع تخفيضات الأسعار، حيث قال: نقوم قدر الإمكان بمسؤوليتنا كمديرية في مراقبة الأسواق ومتابعة شكاوى المواطنين، وتم إصدار تعميم لكافة مديريات التموين لإرسال دوريات تفتيش بشكل دوري إلى الأسواق تكون مهمتها رصد الأسعار في المحلات قبل التنزيلات وفق بيانات الكلفة الفعلية ثم المقارنة بالأسعار بعد التنزيلات، وفي حال كان هناك أية مخالفة فإنه ينظم ضبط بتهمة البيع بالسعر الزائد أو الإعلان بالسعر الزائد، ويتم اتخاذ الإجراء اللازم وفق القانون رقم 14 الخاص بحماية المستهلك، مشيراً إلى أن هناك نسباً محددة من قبل الوزارة للربح المسموح به.
بالمقابل لا يخفي البائع سواء كان بائعاً بالجملة أو المفرق اعتراضه وامتعاضه من السياسة التي يتم اتباعها من قبل وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بحقهم، سواء في المخالفات أو نسب الأرباح التي يتم مطالبتهم بالبيع وفقها، معتبرين إياها ظالمة وجائرة وخالقين العذر لأنفسهم بذات الوقت لرفعهم نسب الأرباح، وحينما ذهبنا إلى منطقة الحريقة وتحدثنا إلى أحد بائعي الجملة حول ذلك قال: في الوقت الذي يتم فيه تحديد مربح بسيط لنا لا يتعدى 15 % تتناسى الوزارة ومديرياتها الوضع الصعب الذي نعيشه وأن هناك تكاليف أخرى نتحملها وعلينا تغطيتها لكي نستمر في عملنا، منها فواتير الكهرباء وأجرة المحلات التي لامست السماء لشدة غلائها، وتابع: المحل الذي أنا فيه الآن يكلفني إيجاره 350 ألفاً شهرياً فهل تضع الوزارة هذا بعين الاعتبار، ولماذا لا يكون هناك رقابة أيضاً على مالكي المحلات الذين لا يزالون مستمرين بالاستغلال منذ بداية الأزمة، أم أن الرقابة لناس وناس على حد تعبيره ؟..

توقيت وأسباب
لا شك أن هذه التنزيلات لا تكون في أوقات عشوائية ولا تأتي عن عبث ودون تخطيط مسبق أو دوافع محددة، وحول ذلك كان لنا لقاء مع الدكتور في كلية الاقتصاد شادي بيطار، وسألناه عن الموضوع فقال: إن طرح التنزيلات في الثلث الأخير من الموسم الشتوي هو أمر لا مفر منه للتجار والبائعين خصوصاً أن الملابس هي عبارة عن سلع تحكمها الموضة وهي موسمية ودورة حياتها قصيرة، أي إنها تتعرض للكساد بنهاية موسمها، وبالتالي يضطر التجار وأصحاب المحال إلى اللجوء للتنزيلات لكي يقوموا بتصريف البضاعة الشتوية تحضيراً لدخول الموسم الجديد الربيعي والصيفي.
وبطرح نفس السؤال على صالح “صاحب أحد المحال بالصالحية” قال: نحاول جاهدين أن نستقطب الزبائن وشرائح المجتمع التي لم يتسن لها الشراء بداية الموسم بسبب الغلاء عبر إعلاننا عن التنزيلات التي تصل إلى 30%، فعملنا يقوم على مبدأ العرض والطلب وفي هذا الوقت يخف الطلب على اللباس الشتوي فنضطر إلى البيع بسعر أقل وتقليل هامش الربح لدينا كي لا نضطر في الموسم الشتوي القادم إلى بيع القطع بأقل من سعر التكلفة.

ضرورة ملحة
في الوقت الذي يتم طرح التخفيضات والعروض في أسواق الملابس ويستفيد من ذلك كل من البائع والمشتري، فإن ذلك يعود بالنفع أيضاً على الاقتصاد الوطني ككل، حيث أشار الدكتور بيطار إلى ذلك بقوله: أهمية التنزيلات تكمن في أنها تحرك دورة رأس المال، وبالتالي تساعد على تحريك عجلة الاقتصاد الوطني، وتعود بالفائدة عليه من خلال زيادة الطلب على السلع، وأضاف الدكتور بيطار: نجاح موضوع التنزيلات في دعم الاقتصاد الوطني مرهون بقيام وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بضبط حقيقي للأسعار والرقابة الصارمة على التخفيضات المعلنة لأن المستهلك السوري إذا لم يلمس الفرق في الأسعار لن يقبل على الشراء وهو ما سيؤثر سلباً على الاقتصاد المحلي.
الدكتور بيطار أشار أيضاً إلى حاجة السوق السورية الملحة إلى جوانب ترويجية مثل العروض والحسومات، حيث قال : لا شك بأن السوق السورية لا غنى لها عن التنزيلات في مجال الألبسة، والسبب في ذلك أنه يوجد اقتصاد ظل يتمثل في البالات التي تعد أرخص بكثير من كافة الأسواق وهي مقصد للعديد من شرائح السوريين، وبالتالي فإن ذلك سينعكس سلباً على الأسواق العادية بشكل عام، خصوصاً إذا علمنا أن البالات لا توجد رقابة عليها ولا تدفع أي ضريبة لخزينة الدولة، وهذا ما يسبب ضرراً حقيقياً للاقتصاد الوطني.
أحمد الزعبي