بالجرم المشهود أساليب الغش الامتحاني.. تواكب الحداثة لخرق القانون.. وتلاحق أحلام النجاح من بوابات الحظ

بالجرم المشهود أساليب الغش الامتحاني.. تواكب الحداثة لخرق القانون.. وتلاحق أحلام النجاح من بوابات الحظ

أخبار سورية

الأحد، ١٢ مارس ٢٠١٧

بدافع  الحب  انتحل طالب في إحدى كليات جامعة دمشق صفة مراقب، ودخل إلى إحدى القاعات الامتحانية ليساعد من تبادله المشاعر في تجاوز صعوبة الامتحان، وكادت أن تنجح مغامرته لولا فطنة رئيس القاعة  الذي طلب منه إبراز تكليف المراقبة، وهنا افتضح أمره لتصدر بحقه عقوبة الفصل النهائي من الجامعة، وطبعاً هذه الحادثة لا نأتي بها لنتكلم عن جنون الحب، بل نستشهد بها كحالة غش موجودة في جامعاتنا، وقد يكون هناك غيرها من الحالات التي لم تُكشف، فعلى الرغم من القوانين الصارمة، والإجراءات التي تتخذها الجامعة، مازالت ظاهرة الغش منتشرة، حيث يعمل الطلاب على تطوير أساليبها  باستمرار، فبحسب النسب التقديرية  لمكتب الانضباط  في جامعة دمشق بلغت عدد ضبوط الغش الموثقة للعام الدراسي الماضي 2015-2016 (لم يتسن لنا توثيق هذا العام لعدم انتهاء فترة الامتحانات) 1770 ضبطاً، احتلت كلية الآداب المرتبة الأولى من حيث عدد الضبوط، ثم أتت كلية الحقوق في المرتبة الثانية، ثم التربية في المرتبة الثالثة،  فالعلوم في المرتبة الرابعة،  تلحقها الاقتصاد في الخامسة، لتأتي كلية الهندسة بفروعها في المراتب الأخيرة مع كلية الطب التي لا يسجل ضبوط فيها في بعض السنوات، في حين أتت كلية الشريعة في المرتبة  الأخيرة بما لم يتجاوز 10 ضبوط في السنة الماضية، علماً أن الضبوط تشمل  أيضاً الطلاب الوافدين من جامعات حلب والفرات، فما هي هذه الحالات، وما هي الأساليب المستخدمة في عمليات الغش الامتحاني؟.

أقدم وسيلة

لاتزال القصاصة الورقية  من أبرز الأساليب المستخدمة في عمليات الغش،  فبالرغم من  تطور أساليبه، إلّا أن أغلب الطلاب يفضلون ( الراشيتا ) التي يسجلون عليها أهم المعلومات المتوقعة، أو مخلصاً للكتب، وقد حافظت على المركز الأول بنسبة 50% من ضبوط الغش، وتتعدد طرق استخدامها حسب إبداع الطلاب، كما تحتل طريقة الهاتف الجوال (الموبايل) المركز الثاني بنسبة 20% من الضبوط، وتتنوع طرقها بين استخدام سماعات عادية، وسماعات بلوتوث مخفية، لا يمكن الكشف عنها، إلّا بإشراف مختصين،  حيث يمكن تصوير ورقة الامتحان من داخل القاعة وتسريبها إلى شخص في الخارج، يقوم بنقل الإجابات، لكن الجامعة لجأت إلى استخدام أجهزة تشويش للحد من الظاهرة، أما الغش المدرج في خانة تشابه الأوراق أو الشغب، فهو في المركز الثالث بنسبة 15% ولها درجات وتصنيفات متعددة، لذلك تختلف عقوبتها بحسب الحالة، أما  طريقة انتحال شخصية وتزوير، فقد جاءت في المركز الرابع بنسبة 10%، حيث يلجأ بعض الطلاب إلى إدخال شخص آخر يقدّم الامتحان نيابة عنهم، مستخدماً البطاقة الجامعية للطالب المتقدم للامتحان، كما يزداد الأمر صعوبة عندما يستغل الطالب التشابه الكبير مع أخيه خاصة في حالة التوءم الحقيقي، وهي حالات  حدثت على الرغم من ندرتها، في حين قدرت نسبة طريقة الكتابة على الجسم بـ 5%  من ضبوط الغش الموثقة، ومن أنواعها الكتابة على اليد  أو الساق.

أساليب أخرى

هناك أيضاً أساليب أخرى كاستخدام القواميس اللغوية، حيث تشرح الدكتورة ازدهار اسماعيل (أستاذة في قسم الآثار) هذه الطريقة بأنه “خلال المراقبات الامتحانية التي نؤديها، نسمع، ونصادف وسائل غش كثيرة، على سبيل المثال في قسم اللغة الانكليزية يسمح للطالب إدخال قاموس انكليزي- انكليزي  إلى قاعة الامتحان لترجمة بعض المصطلحات، لكن بعض الطلاب  يستغلون الأمر لكتابة بعض المصطلحات على القاموس باللغة العربية، وهو أمر محظور”.

وقد يلجأ البعض إلى أساليب ملء الورقة والاستجداء، فقد تعرّض الدكتور أحمد دياب (أستاذ في قسم الآثار) خلال عمله في تصحيح الأوراق الامتحانية لحالات استجداء مضحكة،  وهنا يروي الدكتور دياب قصة قرأها في ورقة امتحانية، حيث كتبت  إحدى الطالبات على ورقتها الامتحانية ” أنا إنسانة  تزوجت شخصاً أحبه رغم معارضة أهله وأهلي، وقد أنجبت منه  طفلة، لكن زوجي توفي، وتحوّلت إلى أرملة  من دون معيل”، ويكمل الدكتور دياب بأن القصة كان محبوكة درامياً بشكل مؤثر “بالطبع نحن لا نعرف أسماء الطلاب، كون  الاسم على الورقة يكون مغلقاً، لكن بعد فترة اكتشفنا أن كاتب القصة الدرامية هو طالب وليست طالبة، وهذا الطالب أخذ صفراً لأنه لم يكتب في ورقته غير هذه القصة الحزينة”.

يخبرنا الدكتور دياب عن طالب آخر كتب قصيدة شعرية بمساحة صفحة ونصف في مادة “علم آثار ما قبل التاريخ”، يضحك الدكتور دياب ثم يكمل: “أدبياً لابأس في ذلك، فهو لديه موهبة شعرية، لكن هذا لن ينفع الطالب في شيء”!.

أحدث وسائل الغش

ما ذكرناه عن أكثر طرق الغش قد يعتبر بدائياً أمام طلاب لديهم خبرات طويلة في هذا المجال، فرغم ما تبذله الجامعة للحد من ظاهرة الغش، فإن بعض الطلاب يطورون أساليب مبتكرة حديثة للالتفاف على المراقبين، منها ساعة بلوتوث الكترونية، وهي ساعة يدوية تشبه الساعة العادية، إلا أنها ذكية وموصولة عن طريق البلوتوث بهاتف جوال لتعمل برامج الهاتف الجوال على الساعة، ويتم تبادل المعلومات بين داخل القاعة وخارجها، كما انتشرت ظاهرة برنامج المحادثة (whatsapp)، فغالباً ما تستخدم هذه الطريقة مجموعة من الطلاب بشكل جماعي  كشبكة  موحدة داخل القاعة، ونظراً للميزات العالية التي تتمتع بها برامج المحادثة، فإنه يمكن تصوير ورقة الأسئلة من داخل الامتحان ليتشارك الطلاب الحلول والنتائج عن طريق مجموعة واحدة (group) في البرنامج بمساعدة أحد ما في الخارج، تضاف إلى ذلك طريقة الشريط اللاصق، وهو شريط لاصق شفاف يطبع عليه الطالب معلومات أيضاً بقلم شفاف غير ظاهر بوضوح، ثم يقوم الطالب بطبعه على المقعد قبل بدء الامتحان بدقائق، وهو إجراء تصعب ملاحظته من قبل المراقبين، فبحسب محمد العبيد، (مراقب في جامعة دمشق)، فقد استطاع أن يكتشف شريطاً لاصقاً تجاوز النصف متر تقريباً!.

خبرات عالية

تخبرنا هند، (طالبة هندسة مدنية)، عن تجربتها على مدى سنوات في الغش، حيث قالت: “تعلّمت الغش منذ السنة الأولى في الكلية حينما كنت أقدم مادة برمجة، ولم أدرس تلك المادة، فكتب صديقي الحلول على ورقة الأسئلة، وقام باستبدالها مع ورقتي، كما أنني استخدمت هذه الطريقة  في أكثر من 10 مواد على مدى 3 سنوات، وتخرّجت دون أن أكشف أو يُكتب بي ضبط”.

كشفت هند أيضاً أن صديقها أحمد، (طالب هندسة مدنية)، اعتمد على الملخصات والمصغرات، ووصل إلى درجة الماجستير الأكاديمي، في حين يتحدث رئيس الهيئة الإدارية في كلية الآداب علاء الدين صبيخان عن تجارب شاهدها بعينه، فعندما يشعر الطالب الذي يستخدم قصاصة ورقية أنه على وشك أن يكشف من قبل المراقب، يضع القصاصة في فمه ويبلعها، لكن ذلك لا ينفع،  إذ إن مشاهدة المراقب له تكفي لمعاقبته، وقد يلجأ البعض للهروب إلى الحمامات، وهو أمر ممنوع إلا في حالة وجود مراقب معه، يضيف صبيخان، كانتشار حالة ارتداء ثياب معينة عند الامتحان لدى بعض الفتيات لاستخدامها في تغطية سماعة أذن، أو ما شابه.

أسباب الغش

وبالعودة إلى حديث الدكتور دياب الذي يعتقد بأنه قد يمر الطالب ببعض الظروف الصعبة تجعله يفكر في الغش، ولكن لا يوجد مبرر للغش، خاصة عندما يعتمد على الغش في كل مواد الجامعة، وهي ترجع إلى ثقافة خاطئة تعلّمها الطلاب في مراحل ما قبل الجامعة، كما يبيّن الدكتور دياب نتائج العملية بأن “هذا الطالب الذي يتخرّج معتمداً على الغش، ولم يكشف، يخلّف نتائج كارثية بعد التخرّج، لأن أغلب طلاب كلية الآداب قد يعملون في التدريس، وهم  صفر في الإملاء، وليس لديهم معلومات، فماذا سيقدمون للأجيال، كما لا يمكن القول إن المناهج هي السبب الرئيس في الغش، لأن بعض الطلاب يحصلون على علامات عالية، وبعضهم يعاني من الأزمة، وربما تهجّر، فلماذا لا يدرس الطالب الكسول المناهج نفسها التي يقدمها أصدقاؤه؟!.. في حين يعتقد حمود، (طالب حقوق)، بأن سبب الغش “هو صعوبة الأسئلة، وكأنها من “المريخ”، أيضاً يطلب من الطالب حفظ محاضرات بمئات الصفحات قبل الامتحان، فلابد من تغيير أسلوب الامتحان، فهو ليس مقياساً؟!.

محمد الواوي