“لست هو” تشابه الأسماء.. إشكالية قانونية تنتهي بحكم “خلاف المقصود”.. وتكرار المشكلة يزعزع ثقة المواطن بالضابطة العدلية

“لست هو” تشابه الأسماء.. إشكالية قانونية تنتهي بحكم “خلاف المقصود”.. وتكرار المشكلة يزعزع ثقة المواطن بالضابطة العدلية

أخبار سورية

الاثنين، ١٣ مارس ٢٠١٧

عشرات الحالات التي ما زالت تتكرر، ونسمع بقصصها بين الحين والآخر عن قصص تشابه الأسماء والإشكاليات التي تترتب على من تقع عليهم، فبين سجلات كثيرة موزعة بعشوائية فوق طاولة كبيرة، يبحث فادي رحال بإحدى غرف محكمة الإرهاب في القصر العدلي بدمشق عن اسم مشابه لاسمه، يحاول الشاب الثلاثيني القادم من محافظة أخرى استحضار جلسات المحاكمة التي خضع لها غيابياً شبيه اسمه، فالأخير متهم بقضية جنائية، ومتابعة جلسات المحاكمة الخاصة بالمتهم وتفصيلاتها مهمة لتكون صك البراءة له أمام القاضي، وتثبت أنه خلاف الشخص المقصود، وليس المتهم الحقيقي صاحب الاسم الثلاثي المشابه رغم اختلاف باقي التفصيلات الأخرى، كاسم الأم، ومكان الولادة، أو الإقامة والعمر.
ومع أن حالة “الرحال” انتهت إيجاباً بعد أكثر من مراجعة للمحكمة بحصوله على “صك براءة”، فهناك حالات أخرى تزور المحاكم والدوائر القضائية وفروع الأمن الجنائي يومياً، بعضهم لا يعرف القراءة أو الكتابة ليبحثوا في السجلات عن محاضر الجلسات القضائية للأسماء المتشابهة معهم، ذنب هؤلاء الوحيد  التشابه مع أسماء أخرى ارتكبت جرماً أو جناية، فكانت مذكرات البحث الصادرة بحقهم جماعية دون أن تستثني أياً منهم، فتتعطل أعمالهم، وتوقف حتى المعالجة.
إشكالية متجددة
مع بداية البحث عن معلومات أكثر دقة حول هذه الإشكالية المتجددة قصص أخرى تسمعها على لسان معظم من تقابلهم، والطريف أن بعض من تستفتي رأيهم القانوني حول مسألة تشابه الأسماء لديهم قصص تُروى، فما حدث مع رئيس رابطة الحقوقيين محمد الحسين مرات عديدة مثال جديد عن تشابه الأسماء، إذ لم يشفع للرجل المتمرس لأكثر من أربعين عاماً في مهنة المحاماة، ولم يستثنه عمله في مجال القانون من هذه الإشكالية، فأوقف أكثر من مرة في المطارات والنقاط الحدودية السورية لتشابه اسمه مع أحد المجرمين المتهمين بقضية “تجارة حشيش”، يقول المحامي محمد الحسين: في إحدى المرات تأخرت لأكثر من ثلاث ساعات على الحدود الأردنية بسبب هذه الإشكالية، والأمر نفسه تكرر حين كنت أنوي حضور مؤتمر في العراق، وبسببي حينها تأخر الوفد كله، مضيفاً: مصطلح “ممنوع من السفر” أصبح هاجساً عندي وواجهني أيضاً عند سفري إلى لبنان، وأصبحت أخشى هذا التشابه في كل مرة أعتزم فيها البدء بمعاملة قانونية، كتجديد جواز السفر، أو رخصة القيادة، أو غير ذلك من المعاملات القانوينة، ويكمل: رغم أنني حصلت أخيراً على ورقة من فرع إدارة المخدرات العامة تثبت أنني خلاف الشخص المقصود، لكن للأسف الشديد، فلموضوع تشابه الأسماء حالات كثيرة ومتكررة، ويجب العمل على حلها بعدم تعميم أسماء ثلاثية دون تفاصيل أخرى في النشرات الشرطية، ومفيد جداً البحث في هذا الموضوع.
تجنباً للتأويل

“تشابه الأسماء يأتي ضمن الإجراءات الإدارية التي تطلبها جهات الضابطة العدلية”، يشرح نقيب المحامين في دمشق نزار سكيف بهذه الكلمات الإشكالية التي نبحث عنها عند زيارتنا له، ويوضح: الأصول أن تحدد الضابطة العدلية مفصل هوية المطلوب، وألّا تتركه احتمالاً لأي تأويلات يمكن أن تتسبب بمشاكل أخرى، ويجب عند إصدار البحث من قبل الضابطة العدلية أن تبين مفصل هوية المطلوب من حيث الاسم الثلاثي واسم الأم وتاريخ الميلاد ومكان الولادة حتى تكون العدالة في الطلب سليمة، ويجب ألا يترك الأمر استثنائياً أو مزاجياً للجهة التي تنفذ هكذا مذكرات، وهي الضابطة العدلية حتى لا ينال الطلب أي إنسان بريء، فهذه الأصول متبعة ومعمول بها في كل الأنظمة القضائية في العالم وبما فيها نظامنا القضائي لأن الإدارة هي المسؤولة أولاً وأخيراً، السكيف أوضح: عدم معالجة هذه الإشكاليات وتكرار حالات تشابه الأسماء سواء لجهة المحاكم الجزائية أو المدنية أو غيرها يفقد ثقة المواطن بالدولة وبالضابطة العدلية، فالضابطة العدلية لا تمثل نفسها لكنها تمثل نظاماً قضائياً وتنفيذياً عاماً، لذا لا بد من توخي الدقة وتحقيق أعلى معايير العدالة في هذه القضية.

كيف يحدث

معلومات أكثر تفصيل عن أصول المشكلة والطرق المتعامل بها قضائياً للحل حصلنا عليها من القاضي أنس الخطيب، رئيس النيابة العامة بدمشق، الذي أوضح: بداية المشكلة تكون حين يتم إلقاء القبض على أحد المطلوبين أو المجرمين ويتم التحقيق الأولي معه من قبل الأجهزة المختصة من أجل الاعتراف بارتكابه الجرم الموقوف لأجله، وهنا قد يتضمن اعترافه ذكره لأسماء أشخاص قاموا بالاشتراك معه بارتكاب الجرم. مثال على ذلك: عندما يتم إلقاء القبض على شخص يتعاطى مخدرات فإنه يقوم بالاعتراف على الأشخاص الذي تعاطوا معه أو باعوه المخدرات وعليه يتم إذاعة بحث الأشخاص الذين تم ذكر أسمائهم بالضبط الأولي بموجب إذاعة بحث صادرة عن الجهة التي قامت بتسليم الضبط، والإشكال الذي يحصل عندما تكون الأسماء الثنائية أو الثلاثية شائعة بالقطر، ويوضح الخطيب: يتوجب على الجهة التي أذاعت البحث أن تأخذ معلومات كافية عن الشخص إذ لا يكفي فقط ذكر الاسم الثلاثي يجب أن يتم ذكر اسم والدته والمحافظة والعمر والأوصاف، والمشكلة أن الضابطة العدلية التي قامت بوضع يدها على الشخص تذيع أحياناً أسماء ثنائية أو ثلاثية فقط دون معالجة باقي الإشكاليات.

سفر للمحافظات

ويبدو أن المعالجة تستوجب وتتطلب في بعض الأحيان السفر من محافظة إلى أخرى وتحديداً العاصمة دمشق التي تنحصر فيها معالجة بعض قضايا الأساسية في تشابه الأسماء، فالخطيب أوضح أن معالجة التشابه يمكن أن يتم عبر الفروع القضائية المختلفة الموجودة في المحافظات، ويمكن لكل من يتشابه اسمه مراجعة فرع محافظته ومعالجة موضوع إذاعة البحث، لكن المشكلة حين تكون الإدارة هي التي تذيع البحث والإدارات حصراً موجودة في دمشق. مثال: شخص تم إلقاء القبض عليه في حلب عليه إذاعة بحث في فرع حلب وبنفس الوقت إذاعة بحث لصالح الإدارة في دمشق فيجب أن يتوجه إلى دمشق للمعالجة وهذه مسألة يصعب حلها، ويكون الحل الأمثل بحسب القاضي الخطيب هو توخي الضابطة العدلية الحذر وجمع أكبر قدر من المعلومات، ويختم الخطيب: لا يمكن معرفة من هو الشخص  الذي عليه إذاعة بحث إلا حين مراجعة قسم الشرطة من أجل عقد إيجار أو هوية ويمكن أن يحصل على الحدود أو أثناء تجديد الهويات، وعندها يقدم الطلب من الشخص الحاصل عليه الالتباس بعد أن يعلم بموضوع البحث ويقدم الطلب للنيابة العامة لإحالته لقيادة الشرطة للحصول على صورة برقية البحث الذي يتضمن الاسم المشابه لاسمه، وهنا يتم تحويله لقيادة الشرطة ويتم تزويدنا بالبرقية للمعالجة.

خلاف المقصود

على باب القصر العدلي بريف دمشق وقبل مراجعة المحامي العام هناك للحصول على معلومات إضافية عن تشابه الأسماء قصة أخرى تصادفنا مع المواطن محمود عطية محمود الذي اكتشف تشابه اسمه مع آخر مطلوب حين أراد الحصول على ورقة غير محكوم فتوجه لقسم جديدة عرطوز قبل  زيارة القصر العدلي بريف دمشق دون ذنب ارتكبه للحصول على بطاقة خلاف المقصود، وبعد الحديث السريع مع محمود، تحدث القاضي أحمد السيد المحامي العام بريف دمشق حين قابلناه عن تفاصيل إضافية، إذ أوضح: إن الضابطة العدلية، وغيرها من أقسام الشرطة، يمكنها إذاعة البحث عن الاسم الثنائي والثلاثي، أما النيابة العامة فلتحريك الادعاء يجب توافر كافة البيانات الخاصة بالشخص، وإذا تم إصدار تعميم تقديم شخص إلى النيابة بموجب اسمه الثلاثي أو الثنائي، يتم التأكد من كافة البيانات المطلوبة، وقد يحدث خطأ في الاسم، فيتم تقديم شخص للقضاء، ويتبيّن أنه خلاف المقصود، هنا يعالج القضاء هذا الأمر، ويتم الحصول على بطاقة خلاف  المقصود.

السيد أكد أنه مؤخراً، ونتيجة الظروف التي حصلت في وزارة العدل لجهة أتمتة العمل القضائي، خاصة في عدلية ريف دمشق، فقد تم إحداث برنامج في نظارة القصر العدلي بريف دمشق يرتبط مع إدارة الأمن الجنائي، وذلك لسرعة الكشف عن الخطأ بهذا الخصوص، والتأكد من معرفة الشخص المطلوب، وقد خفف هذا البرنامج عبئاً كبيراً على المواطنين، وقصّر من عملية الوصول إلى النتائج بأقصى سرعة بديلاً عن المراسلات الورقية، ولكن بالنتيجة القانون يستوجب التأكد من البطاقة الشخصية لكل شخص تمت إذاعة البحث عنه من الضابطة العدلية، وما يحصل أن تلك الجهات تقوم بإذاعة البحث بناء على اعترافات أولية من قبل متهمين لا يمتلكون بطاقة، وهنا تحصل الإشكالية، وتم تدارك الأمر منذ عامين بخصوص الأسماء الثنائية، وحالياً هناك لجان مشتركة ما بين وزارة العدل ووزارة الداخلية تقوم ببحث قانوني لوضع آلية لتدارك هذه الإشكاليات، ووضع أسس قانونية لتجنب هذه المشاكل مستقبلاً، وقد أنجزت هذه اللجان جزءاً كبيراً من العمل، وختم السيد: هناك 80 ألف إذاعة بحث قبل عام 2009 ارتفعت مقترحات لمعالجتها قانونياً في حال كانت بأسماء ثنائية أو ثلاثية دون أسماء أخرى.

 

إشكاليات أخرى

الجدير ذكره أن أتمتة العمل القضائي التي تحدث عنها المحامي العام بريف دمشق يمكن أن تسهم في حال تم توسيعها وتنفيذها بالشكل الصحيح بحل مشكلات أخرى كثيرة، فمشاكل تشابه الأسماء لا تقتصر على الدوائر القضائية، وكثيرة هي القصص التي نسمعها أيضاً في السجل العقاري والمدني، وغيره من الدوائر الحكومية حول التشابه، وربما تسهم الأتمتة أيضاً في حل إشكاليات أخرى جاء على ذكرها رئيس رابطة الحقوقيين محمد الحسين بالقول: أحياناً يتم منع شخص من السفر عبر منفذ حدودي لوجود غرامة مالية عليه مثلاً حتى لو كانت بقيمة بسيطة لا تتجاوز الـ 500 ليرة، ويتساءل: لماذا لا يتم إحداث منافذ لدفع هذه الغرامات دون العودة إلى القضاء مجدداً، وتعطيل السفر، وهذا الأمر نقلناه بدورنا للمحامي العام بريف دمشق القاضي أحمد السيد الذي أوضح أن هناك لجنة قدمت توصيات بهذا الخصوص لإحداث إما طوابع بقيمة المبلغ، أو دفع قيمة الغرامة على المنفذ الحدودي مباشرة، ولاسيما كونه يريد السفر في طور التفعيل.

ضرورة وأولوية

ختاماً يبدو أن الإسراع في معالجة كل الإشكاليات، وإذاعات البحث الصادرة من قبل الضابطة العدلية بالأسماء الثلاثية، والعمل على أتمتة كل العدليات، ضرورة لابد منها، وأولوية خاصة أمام ما يواجه بعض الأشخاص من صعوبات في السفر، خاصة ضمن الظروف الأمنية الحالية التي تشهدها سورية، فالإشكالية قديمة جداً، والأسماء المتشابهة كثيرة، لكن توخي الدقة واجب وضرورة حتى لا يعاقب البريء بذنب اقترفه سواه.
محمد محمود