دمــــج المؤســــسات وفروعهـــا.. معالجة صحيحة لفشل الأداء أم رؤية غير مكتملة الخطوات والأهداف

دمــــج المؤســــسات وفروعهـــا.. معالجة صحيحة لفشل الأداء أم رؤية غير مكتملة الخطوات والأهداف

أخبار سورية

السبت، ٨ أبريل ٢٠١٧

يبدو أن مسلسل دمج بعض المؤسسات العامة ببعضها البعض، وإلغاء فروع لها في محافظات بربطها بأخوات لها في محافظات أخرى، بدأت تظهر فصول حلقاته تباعاً، وإن كان بشكل تدريجي، مع الإشارة إلى أنه كانت توجد تجارب سابقة مماثلة، وبرأي الكثيرين لم تكن نتائجها بالمشجعة لكي نقيس عليها بقية التجارب المماثلة الأخرى، واليوم تخطو بعض الوزارات، ومنها وزارة التجارة الداخلية بدمج مؤسسات تابعة لها كمؤسسات التدخل الإيجابي بمؤسسة واحدة تحت مسمى السورية للتجارة، كما توجد خطوات لدمج مؤسسة الحبوب والصوامع وغيرها ربما.
وإذا كان من المبكر جداً الحكم على تجربة السورية للتجارة الوليدة، ولاسيما أنها تحتاج الإدارة العامة لها لترتيب الكثير من الأوراق، وإصدار النظام الداخلي، وتحديد الملاك العددي، ونقل مقرات وأثاث، ودراسة الجدوى الاقتصادية ومنعكساتها على واقع العمال ومصير الفائض، وما يمكن أن تحققه من أرباح، وتقليل الخسائر، ومعالجة الكثير من مظاهر الهدر والفساد.
 استطلعنا رأي بعض الأكاديميين، فيما إذا كانت سياسة الدمج تحقق ما تسعى إليه الجهات الوصائية، وكذلك رأي مدراء بعض الفروع القائمين على رأس عملهم أو غيرهم.

رأي المعنيين
وزارة  التجارة الداخلية، أكدت في تصريحاتها أن الغاية من دمج بعض مؤسسات التدخل الإيجابي هو دفع هذه المؤسسات لتحقيق التكامل في عناصر الإنتاج، وتحسين نوعيته وجودته، وتخفيف الأعباء المالية، بالإضافة إلى مواجهة المنافسة، وتهيئة فرص أكبر لتأمين حاجة السوق المحلية، ورفع القدرات المالية، فيما رأى البعض من المدراء  أن عملية الدمج باتت حاجة ملحة في ظل التشابكات الإدارية ما بين تلك المؤسسات والتي  تسببت بأعطال كبيرة في تنفيذ الأعمال، وإرباكات في عمليات الإنتاج والبيع والشراء والتسويق، كما عملية الدمج يمكن أن تخفف من الهدر الناتج عن تخديم تلك الإدارات المتعددة.
ورأى بعض المدراء المعنيين في طرطوس، والذين تمت إقالتهم أو عزلهم لأسباب مختلفة، بأن عملية الدمج لا يمكن أن تحقق أهدافها، وما تطمح إليه الجهات العليا في ظل الآليات المتبعة، وبوجود ذات العقلية المهيمنة على متخذ القرار، وتساؤل البعض منهم، هل مكافحة الهدر والفساد تأتي من خلال فقط عملية الدمج، أم من خلال  آليات مختلفة كلياً، وهل المقصود بالدمج إلغاء منصب مدير فرع وتبعية الفرع لفرع آخر ومديره فقط، أم تأتي هذه العملية أو السياسة عبر مجموعة مؤشرات، لا بد من  الأخذ بها عند بحث أي خطة لاتخاذ قرار بشأن ذلك، وهل تم الاعتماد على رأي مختصين ومؤهلين لإبداء الرأي وتقديم المشورة والخبرة بشكل محايد، وبعيداً عن التجاذبات الداخلية لكي نضمن الوصول إلى نتائج مشجعة يمكن البناء عليها، وبرأي هؤلاء المعزولين بأن رأيهم يبقى شخصياً، وقادمات الأيام سوف تحكم، ولا سيما أنه أكثر من جهة عامة فكت هذا “الارتباط المدمج “وغير المقدس مع جهات أخرى، سواء على مستوى الوزارات أو المؤسسات الأدنى منها، وقد غمز بعض هؤلاء من قناة قرار عزلهم  بأن هذا الكلام قد لا يرضي، أو قد لا يعجب من أقالهم، وبالمقابل رحّب عدد من المدراء الذين تم إبقاؤهم، ولم يتم عزلهم أو إقالتهم بهذه الخطوة، حيث أشار أحدهم إلى  أن اتخاذ القرار القاضي بالدمج، على الرغم من بعض الصعوبات والإجراءات الإدارية التي ستظهر مباشرة، ومع ذلك فهي تساهم، أو ستضع حداً لحالات كثيرة من الهدر والفساد الإداري والمالي، ولاسيما في مؤسسات على تماس مباشر مع المستهلك والسوق المحلي، لكن من دون أن يقدّم أجوبة مقنعة، وهل سيحقق الدمج حلاً شاملاً وشافياً لمظاهر الفساد بشتى أشكاله وألوانه؟!!.

رأي أهل الاختصاص من الأكاديميين
بالمقابل فإن لبعض الأكاديميين في جامعة طرطوس وجهة نظر مختلفة كان من المفيد الأخذ بها، فقد أشار الدكتور علي شاهين عميد كلية الاقتصاد  بأنه يجب وضع المنهجية العلمية، وأخذ وجهة نظر الأكاديميين عند طرح مثل هذه القضايا الإشكالية، وضرورة اتباع عدة خطوات للوصول إلى مثل هذه القرارات المصيرية والبعيدة الأهداف،  ومنها متى يتم  اتخاذ القرار، وماهية المشكلة، وهل أسبابها داخلية أم خارجية أم مؤقتة أو دائمة، وكذلك هل تحقق الإنتاجية المرجوة، كما أن فكرة الدمج هل تؤدي إلى تحقيق المرونة عند متخذ القرار، وسرعة اتخاذه له،  وسرعة تقديم الخدمة المرجوة للجهة المستفيدة والمستهدفة منه، كما من المفيد مناقشة  عملية تحقيق الهدر، وضغط النفقات، وكذلك ضرورة إعادة النظر بهيكلية الإدارات والمؤسسات، والنظر بالعمالة الفائضة، وكيفية الاستفادة منها، كما أكد شاهين على ضرورة الأخذ بالبعد الاجتماعي عند دراسة موضوع الدمج، وضرورة المحافظة على حقوق العمال المكتسبة، وزيادة الإنتاج، وزيادة الحوافز الإنتاجية للعمال، وكذلك المحافظة على الضمان الصحي، وزيادة المساحة أو المظلة التأمينية وتنوعها، حيث تشمل كافة العمال، وبالمحصلة يجب أن تعود بالفائدة والمصلحة المشتركة على الدولة والعامل معاً، وأنهى شاهين كلامه بقوله: من المفيد جداً عند مقاربة هذه الإشكالية تقديم أفكار متعددة، ووضع جملة من التصورات قبل اتخاذ مثل هذه القرارات الاقتصادية والتي تحمل كذلك أبعاداً اجتماعية مؤثرة.
رؤية وأهداف
ومن جانبه رأى الدكتور مدين الضابط، أستاذ في كلية الاقتصاد في جامعة طرطوس  بأن القضية في رأيه  تتطلب رؤية وأهدافاً، وبالتالي ما هو الهدف من عملية الدمج، وما هي المخرجات التي ينبغي الوصول عليها  بالمطلق، فإذا كان الهدف من دمج مؤسسات متشابهة في عملها وأهدافها، وكذلك الخدمات التي تقدمها للمواطن، فلا شك بأن عملية الدمج  يجب أن تؤدي إلى التقليل من التكاليف، والتركيز على الجودة، كما أن عملية الدمج يجب أن تتطلب إعادة الهيكلة الإدارية، وتحليل القوى العاملة، وتوصيف الإجراءات وتبسيطها، وضمن مشروع إصلاح إداري متكامل، الأمر الذي يفترض أن تتبناه استراتيجية عمل وطنية بالعموم، وأيضاً قد تكون لهذه الجهة أو تلك تشابكات مالية وإدارية مع جهات أخرى، أو ربما قد تتكامل أهدافها بطريقة معينة، لذلك يجب، ويفضل أن يكون قرار الدمج من خلال هذه الرؤية  الاستراتيجية الوطنية الشاملة، وليس بمنطق الأغراض الآنية الطارئة أو الظرفية المؤقتة، وهي أغراض غير موضوعية، ومن جهة أخرى  قد يترتب لعملية الدمج الكثير من الصعوبات التي يجب وضع الحلول قبل اتخاذ القرار، ومنها كيفية  إصدار النظام الداخلي، والملاكات العددية، وتوزيع القوى العاملة، ثم لا بد من إجراء عملية قياس وتقديم النتائج، وبالتالي هل تحقق ما تم التخطيط من عملية الدمج، سواء لجهة تقليل الهدر والتكاليف وغيره، وبكل الأحوال فإن الطريقة التي سمعنا بها بدمج بعض المؤسسات ببضعها البعض، وبهذا الوقت فإنه يرسم الكثير من علامات الاستفهام، والتعجب، نأمل أن ألّا تكون متسرعة، وجاء اتخاذ القرار على عجَل!.

خلاصة
بكل الأحوال فإن قرار دمج بعض مؤسسات التدخل الإيجابي بالدرجة الأولى، وتالياً بعض المؤسسات التي هي في طريقها للدمج من المبكر الحكم عليه سلباً أم إيجاباً في ظل عدم تقديم المعطيات والمؤشرات التي تدعم وجهة نظر أصحاب القرار سوى الحرص، ومن خلال التصريحات الإعلامية  أن الهدف من كل هذا هو ضغط النفقات، والتقليل من الهدر، وحتى مكافحة الفساد الذي يستشري بطريقة مرعبة جداً وتحديداً في عمل هذه المؤسسات، حيث الواقع يشي بكثير من الحذر، وعدم الثقة بأن المتغير أفضل حالاً طالما آلية وضبط هذه العملية تحكمها آليات ومزاجيات شخصية فردية  انتقائية، وليست وفق ضوابط وآليات محاسبية  عملية، أساسها التدقيق الشفاف، والمحاسبة النزيهة، وإطارها مكافأة المنتج، ومساءلة المقصر والفاسد، وهنا تكمن شياطين التفاصيل.

لؤي تفاحة