يتواصل البحث عنها فرص العمل تتنافس في ميادين الخبرات الاحترافية.. وخيارات الكوادر الوظيفية في تفاضلية العام والخاص

يتواصل البحث عنها فرص العمل تتنافس في ميادين الخبرات الاحترافية.. وخيارات الكوادر الوظيفية في تفاضلية العام والخاص

أخبار سورية

الأربعاء، ١٩ أبريل ٢٠١٧

رغم الظروف الصعبة التي باتت اليوم تحكم واقع الشباب السوري، ما زالت فرص العمل التقليدية، أو الوظيفة العامة، تمثل هاجساً دائماً يعيشه معظم الشباب منذ اللحظة الأولى التي يغادرون فيها ميادين دراستهم، فيسارعون إلى تسجيل أسمائهم في مكاتب التشغيل “سيئة الصيت” والتي ترتسم حولها علامات استفهام كثيرة في ظل أرقام عديدة، سجلتها سابقاً لشباب متعطلين عن العمل، ما زالوا يراوحون في دائرة الانتظار، لكن في المقابل تبدو الأفكار الجديدة المقدمة، وبناء شراكات وتفاهمات مختلفة مع القطاع الخاص والأهلي، وإطلاق مواقع الكترونية لتوظيف الشباب وتدريبهم بادرة أمل، قد تثمر في انتظار مرحلة أخرى يعاد الإعمار فيها، إذ سيكون سوق العمل حينها متعطشاً لكوادر كثيرة رغم ما ينقص تلك الكوادر حالياً من مؤهلات عديدة كالخبرة والتدريب والنظرة التقليدية للوظيفة، أو فرصة العمل.
إجابات غير تقليدية
إجابة غير تقليدية، قدّمتها رانية ابنة الثلاثة وعشرين عاماً حين سألناها عن أسباب اختيارها للعمل في القطاع الخاص، إذ أكدت أن الوظيفة العامة لا تعنيها كثيراً، وهي لن تتطلع إطلاقاً للحصول على فرصة عمل في قطاع يقتل الطموح، ويضعف العزيمة، وينهي مسيرة التطور بالنسبة للشباب على حد قولها، ثم تضيف متحدثة عن الأجور التي أصبحت منخفضة جداً في تلك الوظائف، ولا تتناسب اليوم مع الواقع المعيشي في البلاد، ورانية شابة حصلت منذ سنتين على فرصة عمل في شركة خاصة تعمل فيها بمجال المواد البشرية، وتتطلع لتطوير خبرتها في مجال عملها، وتطوير لغتها الانكليزية، وتختم أعتقد أنني لو كنت أعمل في القطاع العام لما كان لدي الحافز على التطور والتقدم كما هو الآن، وتبدو تلك الإجابة غير التقليدية المدعمة بالعديد من المبررات على لسان رانية تحظى بدعم بعض من تحدثنا إليهم من الشباب الذين يعملون في القطاع الخاص، ويشجعون على العمل فيه مثل المهندس علي الذي تخلّى قبل سنوات مضت عن قرار تعيينه في إحدى الجهات العامة لصالح فرصة عمل في القطاع الخاص ليحصد ثمار هذا القرار اليوم، فراتبه تضاعف عشرات المرات عن ذاك الذي كان سيجنيه في الوظيفة العامة، إضافة للخبرة الكبيرة التي تراكمت لديه بعد الكثير من دورات التدريب والتأهيل التي خضع لها في قطاع الاتصالات الذي يعمل فيه.

أكثر أماناً
لكن ورغم تلك الإجابات غير التقليدية السابقة، يبدو السواد الأعظم من الشباب مازال محافظاً على النظرة التقليدية للوظيفة، والتطلع للعمل في القطاع الحكومي مدعمين إجاباتهم بالكثير من الأسباب المقنعة والمنطقية التي تفسر انتظارهم للمسابقات العامة، والفرص القليلة التي قد يحصلون عليها بعد تسجيل أسمائهم في مكاتب التشغيل. يجزم نوار أن بقاءه دون عمل أفضل كثيراً بالنسبة إليه من الوقوع تحت رحمة أرباب العمل الخاص، ومزاجهم المتقلب الذي يمكن أن ينتهي فيك مطروداً من العمل في أي لحظة يبدو منك التقصير، حتى ولو كان لأسباب قاهرة خارجة عن إرادتك، في حين تتحدث نور عن تجربة قاسية خاضتها في مجال التعليم حين خرجت من إحدى المدارس الخاصة بعد عمل استمر لمدة ثماني سنوات دون أي تعويض يذكر، وتقول: إن الكثير من أرباب العمل يجبرون المدرس على التوقيع على استقالته مع عقد العمل المبرم لضمان عدم مطالبته بأي حقوق له لاحقاً، ويؤكد شباب آخرون أن الأجور المرتفعة التي يتحدث البعض عنها في القطاع الخاص ما هي إلّا مرآة خادعة لحقيقة، مفادها أن أي أجر تحصل عليه يجب أن تعمل بأضعافه، هذا إلى جانب تهرب أرباب العمل في القطاع الخاص من تسجيل موظفيهم في التأمينات، وتوفير الكثير من الحقوق لموظفيهم، وأمام تلك النظرة المدعمة أيضاً بمبررات منطقية ومقنعة أيضاً تستمر الوظيفة العامة في لعب دور الحضن الآمن، والملجأ الحصين الذي يمثل اليوم نظرة الباحثين عن فرص العمل في انتظار قانون عمل أكثر تطوراً يضمن حقوق الشباب الباحثين عن فرص العمل.

توظيف
“توظيف” هو اسم موقع الكتروني، أطلقته مؤسسة بصمة شباب سورية بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل قبل أشهر لاستقطاب الشباب الباحثين عن العمل بغية توظيفهم، وربطهم مع فرص العمل التي تناسب إمكانياتهم، والموقع بحسب نور قصاص مديرة العلاقات العامة في المؤسسة هو جزء من برنامج متكامل يحمل اسم برنامج غدي التنموي من الـ 2016 إلى 2020، ويتضمن البرنامج السعي لتوظيف الشباب السوري الباحث عن العمل، ووصلهم مع الشركات التي تبحث عن الموظفين. تؤكد قصاص أن الشباب المتطوعين في بصمة شباب سورية قاموا باختبار البرنامج على الشبكة الضيقة قبل إطلاقه، أي تم تأسيس الموقع واختبار فعاليته، بعد ذلك أطلق كمشروع توظيف جاهز ومتكامل لكافة شرائح المجتمع، وعن الموقع تتحدث أنه يتضمن خيارين للتسجيل، كباحث عن العمل أو كشركات للباحثين عن الموظفين، فالشركة تضع معلومات كاملة عن طبيعة عملها وطبيعة الاختصاصات المطلوبة لديها وتقدم معلومات تفصيلة عن الموظفين الذين تستهدفهم، في حين يقوم الباحث عن العمل بالإجابة عن أسئلة دقيقة تساعده في تقديم نفسه لجهة العمل بصورة صحيحة، وتتحدث قصاص عن مذكرات تفاهم عديدة تم توقيعها مع عدة جهات لدعم هذا المشروع، الأولى بين وزارة الشؤون ومؤسسة بصمة شباب سورية، والثانية بين الوزارة وغرفة الصناعة، والثالثة بين مؤسسة بصمة شباب سورية واتحاد غرف التجارة السورية، وكل هذا في إطار تحفيز الشباب للتسجيل في الموقع واستقطاب الشخصيات المهتمة بتشغيل الشباب من خلال تكوين قاعدة بيانات ضرورية عن العاطلين عن العمل.

مفاهيم احترافية
وتتحدث قصاص أن مفهوم الشباب عن العمل اليوم هو مفهوم بسيط وليس احترافياً، فمثلاً خريج التاريخ الذي يتطلع للعمل في قطاع التعليم ينبغي أن يطور مهارات أخرى في التواصل مع الطلاب وطرق تلقينهم المعلومات، وللأسف معظم الشباب المتبقين في سورية اليوم هم شباب جامعيون يفتقرون للاحترافية ومعرفة آليات العمل وتفاصيلها، فمن الأهداف الأخرى التي نسعى إليها في هذا المشروع هي توفير فرص تدريب من خلال علاقات المؤسسة وإقامة دورات مجانية للمسجلين في الموقع، ومتابعة كافة البيانات التي يقوم الشباب بتسجيلها لبناء سيرة ذاتية احترافية، ثم فلترتها والبحث عن نقاط الضعف، وتوجيه الشباب ليقوم بدورات تدريبية وبالتالي تحسين فرصته في الحصول على وظيفة، وتختم القصاص نحاول اليوم تغيير النظرة التقليدية عن مكاتب العمل التي فقدت لفترة طويلة مصداقيتها، فنحن قمنا بالمرحلة الأولى بتقديم 824 فرصة عمل كلها في القطاع الخاص آملين بذلك تغيير النظرة التقليدية التي تدفع الشاب للبحث عن الوظيفة العامة.

لم يحضروا !!
ورغم تقاطع الأرقام التي قدمتها مؤسسة بصمة شباب سورية بالحديث عن 800 فرصة عمل تم توفيرها بعد توقيع مذكرات تفاهم بين جهات مختلفة كوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل وغرفتي صناعة وتجارة دمشق لتوظيف الشباب العاطلين عن العمل، إلا أن غرفة صناعة دمشق أكدت في معرض ردها على مجموعة استفسارات حول دور الصناعيين السوريين في تشغيل الشباب على حداثة التعاون في مجال تشغيل الشباب، فلا توجد أرقام سجلتها الغرفة لتشغيل أشخاص عاطلين عن العمل، ولكن تلبية لرغبة الصناعيين بالبحث عن العمال تم إرسال حوالي 800 اسم من الوزارة للغرفة ومنها للصناعيين، وللأسف ورغم رغبة الصناعيين بتشغيلهم لم يحضر أي عامل للعمل، والكثير منهم قد تغيرت أرقام هواتفهم وعناوينهم بحيث تعذر التواصل معهم ومن تم التواصل معه ودعوته لم يلتحق بالعمل، كما أكدت صناعة دمشق أن مذكرة التفاهم التي تم توقيعها مع وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل للربط بين هيئة مكافحة البطالة والصناعيين عن طريق الغرفة بحيث تحصل الغرفة على أسماء العمال العاطلين عن العمل لإعطائها للسادة الصناعيين لتوظيفهم وهذا ما  نعمل عليه باستمرار، مضيفة أن هناك إمكانية كبيرة لتشغيل العاطلين عن العمل لنقص اليد العاملة الحاد في سورية بسبب الهجرة وغيرها، ولكن يجب العمل من خلال الإعلام على الترويج للشباب أن يقبلوا بالعمل بالقطاع الخاص لأن أغلب من قدم اسمه إلى هيئة مكافحة تشغيل البطالة يرغب بالعمل في القطاع العام فقط، وختمت غرفة الصناعة يجب العمل على إعطاء ضمانات لأرباب العمل والعمال معاً وليس فقط للعمال لأنه لا يوجد أي قانون في سورية يحمي رب العمل في حال قرر العامل ترك العمل لأي سبب كان، فيجب أصلاً تغيير النظرة لهذا الأمر، ومن الجميع، وبالمنطق والعقل أي رب عمل لديه عامل جيد وأمين وملتزم سيحافظ عليه، لكن إذا ترك هذا العامل العمل فجأة فمن سيحاسبه.

قواعد بيانات
ويبدو اليوم أن الدور الأكثر أهمية الذي باتت تقوم به مكاتب التشغيل هو تكوين قاعدة بيانات تشمل احتياجات سوق العمل وعدد العاطلين واختصاصاتهم، وبحسب محمود الكوا مدير العلاقات العامة في وزارة الشؤون الاجتماعية فهناك 14 مكتب تشغيل موزعين على كافة المحافظات السورية أحدثت بموجب القانون التشريعي 2001، ومارست هذه المكاتب نشاطاتها في كافة الأراضي السورية من تاريخ 2001، ومن الجدير ذكره أن قاعدة البيانات في مكاتب التشغيل محدثة منذ عام 2012 تقريباً، أي بعد مرور عام على الأزمة، وتشمل اليوم ما يزيد عن 900 اختصاص، كما تتضمن المعلومات الشخصية للمسجل، إضافة لاختصاصه الأساسي، واختصاصه الفرعي، وتتضمن معلومات التواصل معه، وهذه القاعدة مؤتمتة بالكامل منذ عام 2008، وقمنا اليوم بتطوير  البرنامج المؤتمت لمكاتب التشغيل ليصبح قابلاً للربط مع المرصد الوطني لسوق العمل، والأخير كان عبارة عن وحدة موجودة في هيئة التخطيط والتعاون الدولي في عام 2011- 2012، نقلت إلى وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وتم توقيع اتفاقية مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الـ UNDP حتى نطلق هذا المرصد، ورغم توقف هذا البرنامج بسبب الأزمة، لكننا قررنا بعد ذلك إعادة إطلاقه، والانطلاق بكوادر وطنية، وتم وضع رؤية واستراتيجية لنضعه موضع التطبيق، والمرصد بجزء منه يتضمن بوابة الكترونية يدخل إليها المتعطلون عن العمل، ويتقدمون من خلالها بـ CV تأخذ معلومات أكثر تفصيلاً عن المتعطل، وتكون قاعدة بيانات عن العاطلين عن العمل مختلفة عن تلك الموجودة في مكاتب التشغيل، إلا أن قاعدة بيانات مكاتب التشغيل سيتم ربطها بسوق العمل.

مؤشرات هامة
ويؤكد الكوا أن بوابة مرصد سوق العمل لها اليوم أهداف أبعد من تكوين قاعدة بيانات عن العاطلين عن العمل، فهي تقدم مؤشرات هامة عن القوى العاملة، كما يمكن أن تدعم في مرحلة إعادة الإعمار متخذي القرار باتخاذ سياسات، أو توجهات معينة، فهي تحلل مثلاً على المدى القريب أو المتوسط احتياجات سورية من الاختصاصات: “كم مهندس نحتاج”، أو “كم طبيب”، وهكذا تقدم تقديرات، وبالتالي فكل هذه المكونات ستربط مع مرصد سوق العمل، بالإضافة للسجل العام للعاملين بالدولة الذي تم إلحاقه بموجب المرسوم التشريعي رقم 19 لوزارة الشؤون، ومن الجدير ذكره أن سجل العاملين تتوفر فيه أيضاً قاعدة بيانات ضخمة عن العاملين في الدولة، وهذه القاعدة ستفيد مرصد سوق العمل ليقوم بدراسات وأبحاث عن القوى العاملة الموجودة في الدولة، تفيد القطاع العام والخاص على حد سواء، وتدعم صناع القرار أيضاً، وتقديم بيانات تسهم بالمواءمة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل، هذه الحلقة مهمة جداً، ففي المرحلة المثالية التي نتطلع إليها يجب التشبيك أيضاً مع المؤسسات التعليمية، بحيث تكون المفاضلات الجامعية على أساس حاجة سوق العمل الفعلية، وقدرتنا على التوظيف، ولا تكون هناك انزياحات كبيرة بين المطلوب والمتوفر، ويؤكد الكوا مواءمة مخرجات التعليم مع احتياجات سوق العمل، وهذا من أهم الاستراتيجيات التي نسعى إليها في الوزارة لتطوير المرصد الوطني لسوق العمل.

شراكات ضرورية
ويتحدث الكوا أيضاً عن الشراكات والتفاهمات التي تم توقيعها مؤخراً بين الفعاليات المختلفة كمؤسسات المجتمع المدني، والتجار، والصناعيين السوريين، فيقول: شراكتنا مع بصمة شباب سورية تأتي ضمن إطار التعاون والتشبيك مع مؤسسات المجتمع المدني، حيث تم وضع قائمة تتضمن 75 شركة من الشركات الفاعلة على المستوى الاقتصادي في البلد، وعلى المستوى الوطني، وتم تقليص القائمة لنبدأ كمرحلة أولية ببعض الشركات فقط، وتم الاجتماع مع هؤلاء الشركاء من مختلف القطاعات، وتضمنت مذكرات التفاهم ثلاث نقاط أساسية ضمن مبدأ التشاركية مع القطاع الخاص، حيث تم  الاتفاق على فرص عمل ليتم ربطها مع العاطلين عن العمل، فرص تدريب كمسؤولية مجتمعية للقطاع الخاص، وفرص تدريب منته بالتشغيل، فالفكرة الرئيسية من هذه الشراكات ليس فقط تنشيط سوق العمل، والبحث عن الفرص المتاحة في القطاع الخاص، ولكن أيضاً بناء قدرات المتعطلين عن العمل، وهذه مسؤولية مجتمعية، يفترض بكل شركة أو مؤسسة أن تقوم بها كواجب تجاه المجتمع وأبنائه، وأن يتم تأطير هذه المسؤولية المجتمعية بخطة كاملة لبناء قدرات العاطلين عن العمل، كما تهدف هذه الاتفاقية لإعادة بناء مركز الإرشاد الوظيفي وريادة الأعمال.
محمد محمود