الجبهة الجنوبية التي تأخرت ستّ سنوات

الجبهة الجنوبية التي تأخرت ستّ سنوات

أخبار سورية

الأربعاء، ١٧ مايو ٢٠١٧

يفترض منطق أعداء سوريا أن إسقاط النظام يستوجب محاصرته جنوباً؛ من أقصر الطرق إلى العاصمة دمشق.

غير أن الأردن، الدولة المركزية في هكذا مخطط، لم تكن جاهزةً يوماً لتحمّل تبعات هذا السيناريو. و قد تركز جلّ اهتمامها على منع انتقال عدوى “الربيع العربي” إلى داخلها.

تتقاطع استطلاعات الرأي وتقديرات المواقف الغربية والإسرائيلية على أنّ الأردن، الدولة المركزية في مخطط الجنوب، غير جاهزة لتحملّ تبعات السيناريو العسكري منفرداً.

لاعتبارات مختلفة، يرفض معظم الأردنيون التدخل في الشأن السوري عسكرياً، كما يرفض المجتمع الأردني شمال المملكة قتال داعش في سوريا.

يمتلك النظام الأردني حساباته الخاصة أيضاً. في العلن، هو يزعم أنه يخشى من تسلل التنظيمات المتطرفة إلى أراضيه. هي نفسها التنظيمات التي توسعت وتمددت ونَمت على مرأى من الاستخبارات الأردنية.

أما في الباطن، فإنّ بقاء الأردن ككيان لطالما ارتبط بشكل وثيقاً بمصالح إقليمية ودولية ارتأت في هذه اللحظة السورية تحريك الجبهة الجنوبية.

ظلّت الجبهة الجنوبية باردة نسبياً بالمقارنة مع باقي محاور القتال في سوريا، إلى أن أقلق الجيش السوري وحلفاؤه النظام الأردني وحلفاءه بالسيطرة على بلدة “الشيخ مسكين” شمال درعا الاستراتيجية في تشرين الثاني/نوفمبر من العام 2015.

أرسلت دمشق بخطوتها يومها رسالة واضحةً الى من يعنيهم الأمر بأنها جدّية تماماً في مكافحة الجماعات المدعومة من الأردن وأنها لن تتخلى عن ورقة تؤرق بال “إسرائيل”.

ينبع القلق الأردني أيضاً من عامل إضافي؛ إذ أن المملكة الهاشمية غير قادرة على استيعاب حركة نزوح شبيهة بما حصل ويحصل شمال سوريا عند الحدود مع تركيا.

الاقتصاد الأردني يسير على عجلة مكسورة يجرها الأميركيون بقوة دفع من المساعدات تجعل من المملكة ثاني أكبر جهة تحصل على معونات واشنطن بعد “إسرائيل”.

الملك عبد الله؛ أكثر الضيوف زيارةً لواشنطن في عهد دونالد ترامب، يحمل في جعبته دوماً الملف الاقتصادي لما يشكّل هذا الملف من عامل ضغط على إستقرار المملكة.

أمام هذا الواقع، يبدو مشهد النزوح السوري عنصر تهديد إضافي لا حاجة للأردن إليه.

ما الذي تغيرّ إذا؟

مواجهةٌ تترقبها سوريا وحلفاؤها منذ اليوم الأول.

1.أولاً: منع إيران وحلفائها من ربط العراق بسوريا فـ (لبنان).

2.ثانياً: إنشاء حزام أمني يهدف للضغط على دمشق في عملية التفاوض مع روسيا.

3.ثالثاً: حماية العمق الإسرائيلي مع تحوّل الجنوب السوري إلى قاعدة انطلاق بالغة الأهمية في أي حرب مقبلة.

4.رابعاً: حماية العمق الأردني من انتقال الجماعات المتطرفة إليه، عند تفرّغ الجيش السوري وحلفائه لهذه الجبهة.

5.خامساً: تشكيل ساحة اختبار حقيقية للتحالف العربي – الإسرائيلي ورفع مستوى التنسيق بين مكونّات هذا التحالف الذي سيتسع لاحقًا بشكل تلقائي ليشمل مهام خارج سوريا بطبيعة الحال.

هذه الأهداف جميعها تصطدم بشكل جوهري وجذري بمصالح محور المقاومة، بل هي تسحب منه في الواقع أوراق القوة الأساسية لديه.

لهذه الأسباب جميعها، يحشد المعسكران لمعركة الجنوب. ولهذا أيضاً يحظى الأردن بكل هذا الدعم حالياً. ولهذا استبق الجيش السوري وحلفاؤه الزمن لإطلاق عمليتهم في البادية السورية.

عند هذه المرحلة، يجب تسجيل الملاحظات التالية في محور المقاومة:

-تُدرك سوريا وحلفاؤها أن إقامة “منطقة آمنة” أو “حزام احتلال” عند الخاصرة الرخوة لدمشق يعني تهديد كل ما تم إنجازه بعد مرور ست سنوات ونيّف على الحرب.

-تتصدر المواجهة العسكرية المباشرة قائمة الخيارات.

-على “إسرائيل” أن تقلق أكثر؛ لأن احتمال شنّ عمليات ضدها، بالاستناد إلى البنية التحتية التي يؤمّنها انتشار القوات الرديفة والحليفة للجيش السوري جنوباً، في ارتفاع ملحوظ.

-الخيار الأمني سيكون حاضراً بقوة في المشهد المأزوم، في ظلّ أزمة النازحين التي ستشتد وطأتها في الشمال الأردني وثغرة الفساد المستشري في صفوف الاستخبارات الأردنية عند الحدود.

-على “إسرائيل” والأردن أن تحسب جيداً حدود علاقتهما بروسيا في ساحة عسكرية بالغة التعقيد بهذا الشكل.

في الخلاصة، أمام خطورة ما يجري التحضير له، لا يمتلك محور المقاومة خيارًا إلا المواجهة بشتى الوسائل عسكرياً وأمنياً وشعبياً… مواجهةٌ تترقبها سوريا وحلفاؤها منذ اليوم الأول.