لسد الفجوة الطاقية الترشيد والبحث عن بدائل لتوليد الطاقة الكهربائية.. مخارج آمنة نحو رفع الكفاءة وتحقيق الوفر

لسد الفجوة الطاقية الترشيد والبحث عن بدائل لتوليد الطاقة الكهربائية.. مخارج آمنة نحو رفع الكفاءة وتحقيق الوفر

أخبار سورية

الأربعاء، ١٧ مايو ٢٠١٧

يربط بعض المتابعين والمهتمين أيّ تحسنٍ في الواقع الكهربائي، أو خفض ساعات التقنين بانتظام وصول دفعات من مادة الفيول اللازمة لتشغيل المحطات الكهربائية في المحافظات السورية المختلفة، وتحسن الوضع الأمني، لكن هل نستطيع فعلاً أن نعزو أي تحسن يطرأ في هذا الواقع لانتظام تغذية المحطات الكهربائية، وعامل الأمان فقط دون الانتباه لنقاط وعوامل أخرى شديدة الأهمية، كالسعي لتأمين مصادر إضافية من الطاقة، وترشيد استخدام الموارد المتاحة لدينا بالشكل الأمثل، لماذا نلاحظ مثلاً انخفاض التقنين في المرحلة التي تتوسط ذروتي الاستهلاك الكهربائي بين فصلي الصيف والشتاء رغم تأكيد بعض المعنيين في وزارة الكهرباء أن الكميات المنتجة في المحطات هي نفسها، وأن الكهرباء المنتجة لا يمكن تخزينها، وإنما تحول من منفذ وقطاع إلى منفذ وقطاع آخر، ألّا يمكن القول  إن الاستخدام المثالي سيؤدي أيضاً لتخفيف التقنين، خاصة مع قلة الموارد من الفيول والغاز اللازمين لتشغيل المحطات، وتوسّع الرقعة الجغرافية التي يحررها الجيش تباعاً، ما سيضعنا قريباً أمام استحقاق كهربائي جديد في تلك المناطق، ومشاكل أكثر سوءاً مع هذا القطاع الحيوي وقطاع الطاقة عموماً، وبالتالي من المهم طرح أفكار ورؤى وسيناريوهات مختلفة في مجال الترشيد، وطرق الاستفادة المثلى من كميات طاقة مهدورة نحن بأمس الحاجة إليها في مرحلة إعادة الإعمار، وما سيليها أيضاً.

حقائق صادمة
يمكن القول: إن الواقع الكهربائي الملموس كان سيبدو أسوأ من ذلك بكثير، فيما لو تم الاعتماد على ما ينتج محلياً من نفط وغاز دون القيام بعقود توريد خارجية للمشتقات النفطية ذات الكلفة الاقتصادية الباهظة، حيث تؤكد الأرقام والمعطيات التي خلّفتها سنوات الحرب المتتابعة حقائق صادمة حول قطاعي النفط والكهرباء، فبعد إنتاج يومي كان يقدّر بــ 343 ألف برميل من النفط في عام 2011، انخفض الإنتاج لـ 9000  برميل فقط في عام 2015، وكذلك انخفض الإنتاج اليومي في قطاع الغاز الطبيعي لـ 12 مليوناً عام 2015 ولـ 6 ملايين فقط العام الماضي، خاصة بعد الاعتداءات الإرهابية على آبار الغاز في منطقة تدمر بعد أن كان يقدّر بـ 30 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي في عام 2011، وهذا الواقع أثّر بشكل سلبي على كل الفعاليات الاقتصادية والإنتاجية لدينا، إضافة لتحديات أخرى طالت قطاع الكهرباء، كالاعتداءات الإرهابية على مكونات المنظومة الكهربائية والعاملين فيها، والعقوبات الاقتصادية على هذا القطاع، لتبلغ القيمة التقديرية للأضرار المباشرة وفقاً لمصادر في وزارة الكهرباء نحو /830/ مليار ل.س منذ بدء الأزمة، وبالعموم تأثر الاستهلاك الأولي للطاقة من عام 2011 وحتى عام 2015 بحدود 10.3ملايين طن مكافئ نفطي، في حين كانت في الـ 2011 بحدود 24.2 مليون طن مكافئ نفطي، ما يشير إلى تدهور شديد في مصادر الطاقة المتاحة في سورية.

فجوة طاقية
ومع بداية الأزمة الحالية بدأت التحديات المستقبلية لقطاع الطاقة في سورية تزداد جسامة، وبرزت أهمية تطبيق إجراءات الترشيد، ورفع كفاءة استخدام الطاقة والطاقات المتجددة، وهو أمر مختلف من حيث المبدأ عن إجراءات التقنين في قطاع الكهرباء المتبعة حالياً لأن الأخيرة ناتجة عن نقص في كميات الكهرباء نتيجة الحرب، وبالتالي تقنين توزيعها على المشتركين بحسب الحاجة والضرورة لتكفي ضروريات الاستهلاك، خاصة بعدما انخفض الإنتاج السنوي للكهرباء من 50 مليار كيلو واط ساعي عام 2011 حتى وصل في عام 2015 إلى حوالي 20 مليار كيلو واط ساعي، أي أن نسبة الانخفاض 60 %، أما إجراءات الترشيد، فهي إجراءات طويلة واستراتيجية عمل تشمل قطاع الطاقة بأكمله، وربما كانت مثيرة للاهتمام الدراسات التي قدّمها المركز الوطني لبحوث الطاقة في هذا المجال، ومنها مخطط يتوقع الاستهلاك الأولي للطاقة في سورية منذ عام 2011 وحتى عام 2030، حيث يتوقع أن يصل الطلب على الطاقة الأولية في عام 2030 إلى 41 مليون ط.م.ن، لكن المتوفر في أفضل الأحوال بحسب التقديرات هو 25 مليون ط.م.ن، أي أن العجز المتوقع سيكون حينئذ 16 مليون ط.م.ن.

سيناريوهات مختلفة
يضع مدير مركز بحوث الطاقة الدكتور يونس العلي ثلاثة سيناريوهات مختلفة لسد الفجوة الطاقية المتوقعة مستقبلاً، إذ يوضح أن تأمين الكميات الإضافية المطلوبة من الطاقة في سورية يمكن أن يتم، إما باستيراد المصادر التقليدية من الطاقة (النفط ومشتقاته والغاز)، وهو سيناريو مكلف جداً، أو عبر سيناريو ثانٍ يعتمد على إقامة مشاريع طاقات متجددة RES، وهو أقل كلفة، أو سيناريو ثالث يتمثل بترشيد، ورفع كفاءة استخدام الطاقة، وإقامة مشاريع طاقات متجددة REEES في الوقت نفسه، وهو ما يجب أن نعمل عليه، وبالعودة للسيناريو الأول الذي يبدو أكثر الحلول سهولة من الناحية النظرية يجدر السؤال، هل نحن قادرون فعلاً على تحمّل نفقاته الباهظة، خاصة أن كلفة سد عجز مقداره /1/ مليون ط.م.ن من خلال استيراد النفط في العشرين سنة المقبلة سيبلغ 8.4 مليارات دولار، ومع أن السيناريو الثاني يبدو أقل تكلفة بحسب ماأوضح العلي، فهو سيناريو يعتمد على الطاقات المتجددة الشمس والرياح معاً، حيث يحتاج كل /1/ مليون طن من النفط المكافئ إلى 700 ميغاواط مزارع ريحية، و(تكلفتها التأسيسية حوالي =840 مليون دولار) مع 1200 محطات كهروضوئية، و(تكلفتها التأسيسية حوالي 1،8 مليار دولار)، وبالتالي تكون التكلفة  /2,6 /مليار دولار، لكن هذا السيناريو سيحتاج أيضاً إلى حجم كبير من الاستثمارات تقدّر بحوالي 41 مليار دولار، قد لا تكون متوفرة، فهذا تحدٍ كبير، خاصة في مرحلة إعادة الإعمار، لذا يفضل العلي البدء باعتماد السيناريو الثالث الذي يعمل على خفض الفجوة الطاقية باستخدام إجراءات ترشيد الطاقة من 16 مليون ط.م.ن إلى 3 ملايين ط. م. ن، وهذا الرقم يمكن تغطيته من خلال مشاريع الطاقة المتجددة التي سيكون حجم استثماراتها 7.8 مليارات دولار بدلاً من 41 وفقاً لمدير مركز بحوث الطاقة، ويختم: اعتماد هذا السيناريو سيؤدي أيضاً لتخفيض الطلب على الطاقة بمعدل لا يقل عن 30% في كافة القطاعات، وخاصة القطاع المنزلي والصناعي والتجاري والنقل حتى عام 2030، أي من /41/ مليون طن مكافىء نفطي إلى حوالي/30/ مليون طن م.ن، ومن شأنه أيضاً تخفيض الآثار السلبية لقطاع الطاقة على البيئة من خلال تخفيض كمية الانبعاثات الضارة الناجمة عن تلبية الطلب على الطاقة من خلال المصادر التقليدية النفط والغاز إلى ما يقارب /50/ مليون طن من غاز CO2، وعند اعتماد هذا السيناريو، فالمطلوب حجم عمل مضاعف من كل المعنيين.

فهم خاطئ
هناك من يقابل أي حديث عن ترشيد الطاقة، ورفع الكفاءة بالتهكم والسخرية، خاصة عند من عانى الأمرين من إجراءات التقنين، وغابت مصادر الطاقة عنهم، أو ربما يكون الأمر أيضاً ناتجاً عن الفهم الخاطئ، والخلط بين مفهومي التقنين الناتج عن النقص، والترشيد النابع من السلوك وحسن الإدارة، لكن الجدير بالذكر أن إجراءات الترشيد تتجاوز التفكير التقليدي، كما ذكرنا سابقاً، لتشمل كل النواحي المتصلة بالطاقة والتي نحاول كمستهلكين الحصول عليها باستمرار، فمثلاً حين يقرر أحدنا شراء آلية معينة، أو هاتف جديد، أو جهاز كهربائي سيعنيه حتماً مقدار استهلاك هذا الجهاز من الوقود أو الطاقة أو الكهرباء، وغالباً ما نلاحظ تفاوت سعر الأجهزة وفقاً لاستهلاكها وجودة ترشيدها، ويؤكد المهندس سنجار طعمة معاون مدير مركز بحوث الطاقة أن اعتماد اللصاقات التقنية للطاقة، إضافة لتطبيقات أخرى في القطاع المنزلي وقطاع النقل سيعود بتوفير كبير على الاقتصاد والمواطن، فمثلاً شراء براد درجة تصنيفه الطاقية/ A/ يكون استهلاكه اليومي من الطاقة الكهربائية 1500 كيلو واط ساعي، واستهلاكه السنوي 548 كيلو واط ساعي، في حين أن براداً آخر له الحجم ذاته، ولكن تصنيفه الطاقي /E/، فسيكون عندها استهلاكه اليومي 2,625  كيلوواط  ساعي، ويكون استهلاكه السنوي 959كيلو واط ساعي، ويكون فرق التوفير 411 كيلو واط ساعي سنوياً، ففي حال شراء المواطنين البرادات من النوع /A/ على مستوى القطر سيؤدي إلى تحقيق وفورات كبيرة على المواطن والدولة  بما لا يقل عن /1,2/ مليار ك.و.س، أي الوفر حوالي /72/ مليار ليرة سورية، وهنا ربما تكون الحكومة المعني الأبرز في فرض معايير تتماشى مع هذه السياسة عبر ضوابط جمركية وإجراءات رقابية على المستوردات المطابقة أو المخالفة لهذه اللصاقات، كما يؤكد سنجار أن الترشيد يمكن أن يكون في مجالات أخرى كثيرة كتطبيق مبدأ العزل في البناء، واعتماد أنظمة ضخ مياه بالاعتماد على الطاقة الشمسية، فالمعلوم أن هدر المياه هو هدر طاقة، لأنها تأتي للمنازل عن طريق الضخ، وكذلك يمكن أن نرى تطبيقات الترشيد في السيارات، وهنا المطلوب رفع الكفاءة بمعنى نفس المنتج باستهلاك أقل للطاقة، وبالتالي فإن مؤشر الطاقة من أهم الأولويات التي يجب أن ترافق سورية المستقبل التي نتطلع إليها.

آليات متبعة
وبحسب المركز الوطني لبحوث الطاقة، فهناك مجموعة من الآليات المتبعة لنشر ثقافة الترشيد كسيناريو مثالي يمكن العمل عليه في السنوات المقبلة، فمن المهم إعداد برنامج وطني لثقافة الترشيد بحيث يتم اعتماده من قبل الحكومة السورية، وملزم التطبيق من كافة الجهات العامة، وخاصة الجهات الفعالة، ويتم في هذا البرنامج التركيز على المشاركة الفعالة للقطاعات الرئيسية: (التربية، الإعلام، الأوقاف، القطاع المجتمعي)، كما يتم تحديد الأنشطة والفعاليات المطلوب تنفيذها من قبل كل قطاع على حدة في معرض تنفيذ هذا البرنامج الوطني لثقافة الترشيد، ويمكن أن يتم تنفيذ البرنامج على عدة مراحل زمنية، حيث تحدد المرحلة الأولى بخمس سنوات، وبعدها يتم وضع خطة خمسية أخرى، وهكذا بما يضمن استمرارية هذا البرنامج عبر عدة أجيال، ويجب التركيز على تأمين البرنامج بالمتطلبات البشرية والمادية: كوادر متخصصة، اعتمادات مالية لكل قطاع من القطاعات المسؤولة عن التنفيذ.

محمد محمود