وجع حقيقي للفرد والأسرة والمجتمع.. البطالة.. قنبلة موقوتة والتراخي في علاجها سيؤدي إلى كارثة..!.. 400 ألف وافد إلى سوق العمل سنوياً

وجع حقيقي للفرد والأسرة والمجتمع.. البطالة.. قنبلة موقوتة والتراخي في علاجها سيؤدي إلى كارثة..!.. 400 ألف وافد إلى سوق العمل سنوياً

أخبار سورية

السبت، ٢٧ مايو ٢٠١٧

أكثر ما يمكن قوله عن البطالة إبان الحرب إنها مؤلمة اجتماعياً واقتصادياً، فقد تفاقمت كماً وتحورت نوعاً، فهي اليوم لا تشبه حالة البطالة في أي وقت من تاريخ سورية، لأنها نتجت ليس عن حالة اقتصادية تمر بها الاقتصادات عادة، بل عن أزمة مزلزلة، ليصبح لدينا في المحصلة سوق عمل مختلة.
400 ألف وافد إلى سوق العمل سنوياً حسبما أكدته مصادر في المكتب المركزي للإحصاء لـ«تشرين» الأمر الذي يستدعي جهود متأطرة بين مختلف الجهات لاستيعاب هذا الكم الهائل، ومع ذلك تشير مصادر غير رسمية إلى أن البطالة الحالية لا تتجاوز 20% وتنفي كل ما يشاع عن وصولها إلى نسبة تراوحت بين 60- 70%.
في هذا التحقيق نخوض في أعماق واقع البطالة والحالة التي آلت إليه، ما الإجراءات التي تتخذها الجهات المعنية ولاسيما وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل لكونها الجهة المسؤولة مباشرة عن التشغيل وإيجاد فرص عمل لطالبيه، والحد من البطالة قدر المستطاع؟
/سعيد/ صاحب ورشة نجارة سابقاً، نزح من إحدى المناطق الساخنة في ريف دمشق بعد تدمير منشأته بالكامل ليجد نفسه وعائلته من دون مصدر رزق، سعيد الذي اعتاد حياة الترف والغنى أصبح اليوم في عداد الفقراء كغيره ممن فقدوا أعمالهم ومنشآتهم، فهو كما يقول ينفق من مدخراته لأنه لا يتقن عملاً آخر ولا يستطيع أن يعمل بائع خضر وفواكه… بينما /هبة/ خريجة جغرافيا منذ سبع سنوات وإلى الآن لم تحظ بفرصة عمل، وقد تقدمت لعشرات المسابقات علماً أنها كانت تنجح بمعظمها إلا أن العدد في اختصاصها كان محدوداً جداً ما أضاع عليها الفرص.
أما أحمد فلم يستسلم لظروف قاسية تعرض لها، حيث خسر عمله في مصنع كان يعمل به منذ سنوات طوال، ونتيجة الحرب وتدمير المصنع من قبل الإرهابيين اضطر أحمد أن يجد بديلاً يعيش منه، فهو يعمل حالياً على البسطات في دمشق ريثما يقلع المعمل من جديد.
ليست منطقية
عميد المعهد العالي للدراسات والبحوث السكانية ودكتور علم الاجتماع أكرم القش يقول: إنّ المتعطل عن العمل ينطبق عليه تعريف واحد فقط، وهو الذي لم يمارس العمل نهائياً يدر عليه أي دخل خلال يوم أو أسبوع أو… وهذا لا ينطبق على نسب البطالة التي تتحدث عن 60%، مؤكداً أن هذا الكلام غير دقيق اقتصادياً ومنطقياً في الوقت الحالي، ربما كانت تلك النسبة صحيحة في فترة عامي 2012- 2013 ، معزياً ذلك أن من فقد فرصة عمله الدائمة سابقاً تحول إلى العمل في مهن مختلفة حيث تدخل ضمن القطاع غير المنظم أو ما يسمى الأعمال الهامشية، وهؤلاء لا يعدون متعطلين عن العمل، مشيراً إلى أن نسبة البطالة في الوقت الراهن لا تتجاوز 20%.
يوافقه الرأي في السياق ذاته الباحث الاقتصادي الدكتور عابد فضلية الذي أكد أن النسب المرتفعة للبطالة غير منطقية، حيث مازالت الجهات الحكومية والقطاع العام يشغلان حوالي ربع إلى خمس القوى العاملة، ومازالت الكثير من شركات ومؤسسات القطاع الخاص قائمة وتعمل، ناهيك بمئات الآلاف من العاملين في اقتصاد الظل والحرفيين والمزارعين وأصحاب المهن والأعمال الحرة، مضيفاً أنه وبناء على استقراء منطقي وليس معلومات فإن نسبة البطالة الفعلية تتراوح ما بين 11- 15% وهي أعلى بقليل في صفوف الإناث والخريجين وموظفي المكاتب، وأقل بكثير بين صفوف الشباب الفنيين والمهنيين والمهرة. . الحرب ألقت بظلالها على سوق العمل وزادت عدد العاطلين، ما أدى إلى زيادة عدد الوافدين إليه حيث أكدت مصادر خاصة في المكتب المركزي للإحصاء لـ«تشرين» أنّ عدد الوافدين حالياً إلى سوق العمل يتراوح ما بين 350- 400 ألف وافد سنوياً، بينما وصل العدد قبل عام 2011 إلى 500 ألف وافد.
النافذة الديمغرافية
القش أوضح أن البطالة في سورية جاءت نتيجة انفتاح النافذة الديمغرافية بمعنى ارتفاع نسبة السكان داخل سن العمل على حساب السكان خارجه، فالأطفال كانوا يشكلون حوالي 50%، لكن مع التحول الديمغرافي الذي بدأ منتصف تسعينيات القرن الماضي بدأت سورية تتحول نحو انفتاح النافذة الديمغرافية حيث بدأت نسبة الأطفال تتراجع لتصل 43%، وأن نسبة السكان أصبحت ما بين 15- 60% الذين هم ضمن سن العمل، من هنا بدأت تزداد نسبة البطالة، موضحاً أنّ المسألة كانت بحاجة إلى استعداد سابق لانفتاح النافذة الديمغرافية، حيث بدأت البطالة تظهر عند الشباب وتسمى طول مدة البحث عن فرصة عمل التي كانت لا تتجاوز ستة أشهر، لكن مطلع عام 2000 أصبحت المدة تتراوح ما بين 2– 3 سنوات حتى يجد الشاب فرصته في العمل.
تقلص حجم الاقتصاد
بدوره أكد فضلية أنه رغم هجرة عشرات الآلاف من الشباب والعمال والمهنيين، والتحاق آلاف آخرين بالجيش العربي السوري لا تزال توجد نسبة عالية من البطالة نتيجة تقلص حجم الاقتصاد بنسبة أكبر من نسبة نقص العمالة، لافتاً إلى أنه لتفسير هذه الأحجية أكثر يجب تصنيف أنواع العاطلين عن العمل وتبويب طبيعة ونوع البطالة، فهناك أنشطة وصناعات وقطاعات إنتاجية حرفية مهنية تعاني نقص العمالة نتيجة هجرة الشباب، وهي تبحث عن عمال ولا تجد، بالمقابل هناك عشرات الآلاف من الباحثين عن عمل في الشركات والمؤسسات الخدمية والإنتاجية لكن لا يجدونه بمن فيهم خريجو الجامعات وخاصة الإناث، فهذه الشركات لم تعد تحتاج حاملي الشهادات من الإداريين بقدر ما تحتاج الفنيين، الذين أصبحوا قلة نادرة نسبياً في التراكمية الإجمالية لقوة العمل، وكذلك الأمر بالنسبة للعاطلين عن العمل من النازحين قسراً من مدنهم وقراهم التي دخلها المسلحون، مبيناً أن هؤلاء لا يجدون أماكن عمل تناسب طبيعة تخصصهم وقدراتهم لذلك انضم جزء منهم إلى أنشطة اقتصاد الظل غير الرسمي، بينما افتتح جزء آخر منهم عملاً جديداً في مقصد النزوح وبقي جزء آخر بلا عمل. موضحاً أنه يجب عند الحديث عن البطالة التمييز بين المدن والمحافظات والمناطق الجغرافية التي ليست متوازنة في معدلات البطالة، فبعضها يعاني بطالة عالية مثل دمشق والريف الآمن، بينما بعضها الآخر يوجد فيه نسبة بطالة قليلة كاللاذقية مثلاً.
في حين شدد القش على ضرورة التركيز على موضوع التشغيل في القطاع الهامشي الذي يشكل حوالي 55% من القطاع الخاص، حيث يعمل هؤلاء العمال بأعمال ثانوية غير مجدية بالنسبة لهم وللمجتمع على المدى البعيد كمن يعمل في البسطات أو بيع الخبز، من هنا لابد من العمل على إيجاد عمل لهم منتج ومستقر أفضل بكثير من التركيز على كم هي نسبة البطالة، إضافة إلى أهمية دعم الأفراد والأسر بتأسيس مشاريعهم الإنتاجية المتناهية الصغر بهدف أن يتحول هؤلاء من عمال بالمياومة إلى دائمين ومنتجين.
«استثناء» نعم للبطالة المقنعة
فضلية أشار إلى وجود كل أنواع البطالة في مجتمعنا والتي رصدها الفكر الاقتصادي، منها البطالة الهيكلية– الاحتكاكية– الإرادية والقسرية إضافة إلى المقنعة والصريحة الموجودة في القطاع العام والمؤسسات الحكومية، لكن بسبب ظروف الأزمة نقول استثناء نعم للبطالة المقنعة التي تعني إبقاء جزء من العمال والموظفين على رأس عملهم من دون حاجة حقيقة لهم، أي إنه يتم دفع رواتب وأجور لشريحة لا تنتج، فقط لمجرد منحهم إيراداً يعتاشون به، لافتاً إلى أنه نتيجة الظروف الاجتماعية الصعبة في ظل هذه الأزمة يعد بمنزلة قرار سياسي اجتماعي تتقصده الدولة بنموذجها التدخلي الإيجابي في إطار دورها الرعائي للاقتصاد والمجتمع.
تضخم وركود
وعن دور السياسات المالية الحالية في الركود الاقتصادي وتقلص فرص العمل سواء في القطاعين العام أو الخاص أكدّ فضلية أنّ الاقتصاد السوري يعاني نوعين متناقضين من الظواهر أو الحالات الاقتصادية الشاذة وهما التضخم والركود بسبب الأزمة وتسمى هذه الحالة (الركود التضخمي)، حيث إن إجراءات معالجة أحدهما تؤدي إلى تفاقم الآخر، بمعنى إذا سعت السياسة المالية إلى لجم التضخم يعاني الاقتصاد الركود وضيق فرص العمل، وفي حال سعت إلى التوسع بالإقراض وزيادة التشغيل للخروج من الركود وخلق فرص عمل، يعاني الاقتصاد التضخم، منوهاً بأن هذه طبيعة الحال في الحروب والأزمات الشاذة كالتي عانى ويعانيها الاقتصاد والمجتمع المحلي منذ أكثر من ست سنوات.
بازارات عمل مشتتة
وبيّن فضلية أنه في ظل الأزمة الحالية لم يعد لدينا سوق عمل بالمفهوم المعروف، بل تشرذمت سوق العمل إلى بازارات عمل مشتتة غير مستقرة، موزعة بين مناطق آمنة تسيطر عليها الدولة، توجد فيها أنشطة اقتصادية متنوعة، فبعضها لا يجد ما يكفي من العمالة الفنية المناسبة، وبعضها الآخر لا يعمل بطاقته الإنتاجية القصوى وفيه بطالة مطلقة ونسبية ومقنعة، بينما القسم الآخر من البقعة الجغرافية السورية يوجد فيها المسلحون حيث لا وجود لأركان الأنشطة الاقتصادية فيها، وتالياً لا توجد سوق عمل واضحة المعالم، مؤكداً أنه مما لا شك فيه تأثير ذلك سلباً على الاقتصاد الوطني الذي أصابته بسبب الأزمة تشوهات هيكلية بما فيها تشوهات في التركيبة الهيكلية لقوة العمل كما في أركان سوق العمل، مشيراً إلى أنه بالرغم من الظروف الاستثنائية فإن الوضع حالياً على مختلف الصعد أفضل من العام الماضي، كذلك فإن الوضع في عامي 2014 و2015 كان أفضل من العامين السابقين، لذلك يرى فضلية أنه مع الأشهر الأولى لانقشاع الهباب الأسود للحرب وتحرك بوابات انفراجها ستتحرك بالتأكيد عجلة البناء وإعادة الإعمار، وتالياً سوف يتحسن معها الوضع الاقتصادي والاجتماعي، ولن يعاني طالبو العمل من إيجاد فرصة عمل، بل سيواجه سوق العمل نقصاً بالكم المعروض من العمالة، ولكنه سيعاني ربما من ندرة في نوع المهارات والكفاءات الني يحتاجها.
مسؤولية مشتركة
وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل الجهة المعنية بالدرجة الأولى بمسألة البطالة، وتالياً خلق فرص عمل للشباب، لكنها ليست المسؤولة الوحيدة عن ذلك حسبما أكده مدير مرصد سوق العمل في الوزارة محمود الكوا، فالمسؤولية مشتركة ومتكاملة بين القطاع الحكومي والخاص والمشترك وأيضاً المجتمع الأهلي، لافتاً إلى أن تكامل تلك الأدوار يؤدي حتماً إلى تنشيط سوق العمل، انطلاقاً من ذلك وضعت الوزارة قائمة تتضمن 75 شريكاً من القطاع الخاص يمثل أهم الفاعلين الاقتصاديين في سورية، إلا أنه تم تقليص تلك القائمة إلى 22 شريكاً فقط، وذلك من أجل التعرف على أماكن وجود الثغرات وتلافيها، موضحاً أنه تم توقيع مذكرة تفاهم مع الشركاء تتضمن ثلاث نقاط أساسية، أهمها أن يزودنا القطاع الخاص بما لديه من فرص عمل وكذلك فرص تدريب وقدرات وأيضاً فرص تنتهي بالتشغيل ما يؤدي إلى إمكانية نفاذ المتعطلين عن العمل لهذه المعلومة، إضافة إلى توقيع مذكرة مع مركز الأعمال والمؤسسات السورية الذي سيعمل على بناء قدرات المتعطلين عن العمل وتزويدهم بالمهارات اللازمة لتأمين انخراط مناسب في سوق العمل.
600 فرصة عمل
وأشار الكوا إلى أنه تم تأمين 600 فرص عمل من قبل غرفة صناعة دمشق وريفها من خلال توقيع مذكرة بينها وبين الوزارة نهاية العام الماضي لافتاً إلى أن الأولوية في تلك الفرص لذوي الشهداء ومن في حكمهم، وأيضاً تم تأمين 48 فرصة مع شركاء آخرين، مؤكداً أنه على الرغم من الظروف الحالية لايزال القطاع العام يقوم بواجبه في تأمين فرص عمل.
مدير مرصد سوق العمل بين أنه بعد تحرير حلب من الإرهابيين وعودة مدينة الشيخ نجار للعمل، بدأت تواجه الصناعيين مشكلة عدم توافر يد عاملة مدربة تلبي حاجاتهم للعمل في مصانعهم، انطلاقاً من ذلك سارعت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل وتلقفت بشكل فوري هذا الموضوع حيث يتم العمل حالياً بالتنسيق مع غرفة صناعة حلب وأيضاً دائرة العلاقات المسكونية، حيث سيكون هناك مشروع لدعم صناعيي حلب سيبصر النور قريباً، لافتاً إلى أن المشروع يقوم بشكل أساس على اختيار المتعطلين عن العمل، حيث ستزود غرفة صناعة حلب الوزارة بالمعايير التي تريدها والتي بدورها تختار المتعطلين حسب قاعدة البيانات، علماً أن التدريب سيكون في مدينة حلب وأيضاً في مراكز التنمية الاجتماعية لدائرة المسكونية وكذلك ضمن المصانع بالتعاون مع الصناعيين،ليتم العمل معهم بموجب عقود سنوية، مشيراً إلى أن سورية ستكون بحاجة إلى عدد كبير من فرص العمل في مرحلة التعافي وإعادة الإعمار، مثلاً مهنة البناء يرتبط بها ما يزيد على 130 مهنة، حيث سيتم إعادة بناء أغلب المنشآت التي تم تدميرها وهذا يتطلب يداً عاملة ، مضيفاً أن الهدف الاستراتيجي للوزارة ألا تحتاج يداً عاملة من خارج البلاد في مرحلة إعادة الإعمار، لذلك تعمل الوزارة حالياً على إعادة تأهيل القوة العاملة لكي تكون كفؤة وتلبي حاجات تلك المرحلة.
لا حلول سحرية
الدكتور فضلية أكد أنه لا توجد حلول سحرية فورية ومطلقة للقضاء على البطالة حتى في الظروف العادية، ولا في أي دولة في العالم، لكن الواقع يشير إلى أن عجلة الاقتصاد بدأت تتسارع ولو أنها ليست بالمستوى المناسب، مبيناً أن الجميع يعرف أن الإسراع بالخروج من ذيول الأزمة الاقتصادية والمصاعب الاجتماعية يبدأ ولا ينتهي بتحريك وتسريع عجلة الإنتاج السلعي الحقيقي، الأمر الذي من شأنه خلق فرص عمل جديدة تؤمن دخولاً إضافية لمزيد من العائلات السورية وتزيد من القيم المضافة للقطاع العائلي ما يعني بوجهه الآخر تحسناً في مستوى المعيشة، بينما شدد مدير المعهد العالي للدراسات والأبحاث السكانية على ضرورة العمل على تغيير الذهنية الاجتماعية لمسألة العمل بحيث لا يكون محصوراً ضمن القطاع العام، وأن يتم التشجيع على توليد فرص عمل ذاتية وهي ما تسمى مشاريع منتهية الصغر.. تلك أفضل وأنجع الطرق للحد من البطالة.