الوضع الأمني في حلب من وجهة نظر نفسية

الوضع الأمني في حلب من وجهة نظر نفسية

أخبار سورية

الأربعاء، ٢١ يونيو ٢٠١٧

أكد مدير مشفى ابن خلدون للأمراض العقلية والنفسية الدكتور بسام حايك أن ما حدث في الآونة الأخيرة من تجاوزات أمنية وأعمال عنف في حلب «لا يعتبر من الأمراض النفسية ولا حالة غير عادية أو غريبة في المجتمعات لأنها قابلة للظهور إلى العلن في كل لحظة يواجه خلالها المجتمع الخطر أو ما يبدو أنه خطر»، وعد العنف كمصطلح نفسي شكلاً من أشكال العدوان يتحول فيها العدوان من حالة نفسية إلى ظاهرة سلوكية.
وأوضح حايك لـ«الوطن»، أن مدينة حلب تعرضت لحرب عاتية مباشرة زلزلت كيانها الاجتماعي «إضافة إلى الحرب العسكرية الإرهابية المباشرة، تعرضت لحرب شرسة إعلامية اجتماعية حاولت النيل من المقدسات المجتمعية والسلم والأمن الذي كانت تنعم به»، لافتاً إلى أن النصر العسكري المؤزر للجيش العربي السوري «بحاجة إلى تضافر الجهود لإتباعه بنصر مجتمعي مباشر للرقي إلى مستوى تضحيات الجيش».
وحذّر من أن الصراعات تولد «عواقب عاجلة وطويلة الأجل على الأطفال والأسر والمجتمعات المحلية وإضعاف قدرتهم على العمل والإشباع، ومن المؤكد أن أشكال العنف تنطوي على عوامل خطر كامنة كثيرة مثل الشعور بالظلم والحرمان والاضطهاد وغياب العدالة وعدم التساوي بالفرص والتنافسية الشديدة بالمجتمع في ضوء قلة الموارد مع دور مباشر سلبي لوسائل الإعلام عبر تسليط الضوء على الظواهر العنفية بشكل غير ملائم وتطبيع ظواهر العدوان».
وبيّن أن العنف يترافق عادة «بعلاقة تبادلية عن اضطرابات نفسية عديدة أهمها تعاطي مواد الإدمان والاكتئاب والقلق واضطراب الصدمة النفسية ما بعد الرض ومتلازمة فرط النشاط ونقص الانتباه والسلوك الانتحاري، إذ إن من لم يذق طعم الحروب لا يعرف مدى المعاناة التي تعيشها البلدان المتعرّضة لمآسيها، ومن لم يقاتل على الجبهات لا يتمكّن من فهم مشاعر المقاتلين وردّات فعلهم خلال المعارك والمواجهات الدّامية»، مشيراً إلى أنه من الطبيعي أن تؤثر الصراعات والكوارث الطبيعية بشكل كبير في رفاه أفراد المجتمع وصحتهم النفسية وحالتهم الاجتماعية.
وقال: إن العنف تحركه دوافع عديدة «منها التعبير عن الغضب وتأكيد السيطرة والإذلال والإخضاع والتهديد والتعبير عن الامتلاك والسيطرة، وقد يأتي استجابة لخوف أو ألم أو إحباط أو نتيجة التنافس مع الآخرين، وهو يعد السبب الثالث للوفيات عند الذكور الشباب».
وشدد مدير عام «ابن خلدون» على أن لتصاعد ردود الفعل العنفية في الفترة الماضية في حلب أسباباً نفسية سلوكية «حيث يولد الخوف الميل إلى العنف، فالخوف هو شكل من أشكال الضغوط التي تولّدها الحروب وعادة ما يصبح الإنسان مضطرًا إلى معايشة ردود فعله اللاإرادية تجاه المخاطر المتعددة، كما تشيع الإصابة بمتلازمة الاضطراب النفسي التالي للصدمة وهو شكل من الخلل النفسي الذي يتبع التعرض لحوادث حياتية صادمة والذي يؤدي إلى تشوش ذهني مع تراجع في الأداء النفسي والعقلي مع عدم إدراك للمحيط وتراجع في الفعاليات الاجتماعية مع عدم إمكانية تقدير عواقب الأفعال»، مشيراً إلى أن تفاقم التعامل العنفي جاء ضمن المظاهر الإعلامية المختلفة وضعف الثقة بالنفس وتردي الحالة الاقتصادية مع حالة تراجع القيم والتفلت من القيم الاجتماعية الإيجابية وشيوع روح الغوغائية الجمعية»، ولفت إلى أن العنف المجتمعي يمتاز «بالمبالغة في ردود الأفعال والعصبية الشديدة والنزعة لعدم احترام القانون واستخدام العنف ضد الأجهزة الأمنية».
وأكد أن محاربة العنف تحتاج إلى «تضافر جهود الفعاليات المجتمعية كافة ويجب اتّخاذ التدابير اللازمة والوسائل الفعّالة للحدّ من ظاهرة العنف، عبر تعزيز منظومة القيم وتطبيق القانون والعدالة المجتمعية وتعزيز المواطنة والانتماء والهوية الوطنية ونشر الوعي في المجتمع وتثقيفه بمعلومات صحيحة حول مدى انتشار العنف وأسبابه وكيفيّة التعامل معه، إضافة إلى دمج الحقوق الإنسانية والحماية من أنواع العنف وحُرمة الجسد ضمن المناهج المدرسية ودراسة حالات العنف دراسة دقيقة ومعرفة الجوانب النفسية والاجتماعية والعضوية التي تتطلّب المعالجة».
وأضاف: إن من وسائل الحد من العنف «تعزيز ثقافة المحبة والتفاهم وترسيخ مفهوم الحوار لدى الشباب وإعطاؤه الفرصة للتعبير عن ذاته واحتياجاته والعمل على ضمان تكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية وتعزيز ثقافة العمل التطوعي واستخدام العقل ومدح الأذكياء عدا عن تعزيز الكفاءة الأمنية والإدارية وتطوير المعرفة حول العنف عبر إحداث مراكز تدخل وتطوير برامج وقاية مثل برامج مهارات الحياة وبرامج التحكم بالغضب وتسوية النزاعات وحل المشكلات ودعم المدارس».
وخلص إلى القول: إن العلاقة بين العنف والأمن والتنمية «هي علاقة مترابطة وعندما يزداد العنف يتباطأ النمو الاقتصادي وتقل الإنتاجية ويتفكك النسيج الاجتماعي وبالعكس فإن التراجع الاقتصادي يفاقم العنف».