تأجير شهادات الصيدلة.. تبادل للأدوار بأهداف تجارية.. وكثرة الأخطاء تُدين الجهات الرقابية

تأجير شهادات الصيدلة.. تبادل للأدوار بأهداف تجارية.. وكثرة الأخطاء تُدين الجهات الرقابية

أخبار سورية

الأربعاء، ٢١ يونيو ٢٠١٧

حالات الإسعاف التي استطعنا رصدها في مستشفى المواساة نتيجة خطأ في وصف الوصفات الطبية من قبل الصيادلة، كانت بمثابة شهادات حية عن مخالفات كثيرة، أكدها حديث الأطباء عن استقبالهم للعديد من الحالات في اليوم لمرضى تناولوا أدوية، لا تناسب حالاتهم المرضية بعد أن تم صرفها، أو وصفها لهم من قبل الصيدلي في المنطقة التي يقطنون بها بشكل خاطئ، حيث مازال الاعتقاد السائد لدى معظمنا أن الشخص الذي يجلس في الصيدلية هو خريج كلية الصيدلة، وبالتالي هو” طبيب” حسب ما يتم تسميته عند تخرجه، ولا يشك اثنان بمقدرته على وصف العلاج المناسب للداء الذي يشكو منه المريض عند سؤاله له، لكن وللأسف ما نشاهده اليوم على أرض الواقع هو الغياب الفعلي للصيدلاني الحقيقي عن كرسيه في الصيدلية، وجلوس أي شخص آخر يجده الصيدلاني مناسباً من ناحية إلمامه باللغة الانكليزية، وببعض البديهيات في علم الدواء، حيث يقوم الصيدلاني بتأجير الصيدلية لهذا الشخص بمبلغ مرضٍ للاثنين، في حين يبحث هو عن فرصة للعمل في أية شركة أدوية أخرى ليكسب منها مصدراً جديداً للدخل، وهنا يقع المريض ضحية جهل الشخص المتواجد في الصيدلية بالأدوية والعقاقير التي أودت بالكثيرين إلى المشافي نتيجة لغط في وصفها لهم.

شهادات متنوعة

وجود أحمد في صيدلية زوجته في منطقة الـ”86″ لعشر سنوات كاملة كان لإرضاء ذاته بأنه قادر على أن يعمل عمل الصيدلاني، وهو من يحمل شهادة جامعية في “علم الاجتماع”، ولإفساح المجال لزوجته للعمل في إحدى شركات الأدوية، حتى بات الجميع في “الحارة” يطلقون عليه لقب” الدكتور” عند دخلوهم للصيدلية دون علمهم بأنه ليس طبيباً، ولا حتى صيدلانياً،  ناهيك عن استشارتهم له بأنواع الأدوية التي يجب أن يتناولوها لحالاتهم المرضية، ليجيبهم أحمد وبثقة عالية دون أي خوف أو تردد، وكأن شهادته مستقاة من علم الطب، وعند سؤاله عن مدى درايته الكافية بعلم الأدوية يقول: إن الجلوس على كرسي الصيدلاني، لا يحتاج سوى لشهر كامل يتعلم به الشخص أصناف الدواء، وكيفية التعامل معها مع الإلمام طبعاً باللغة الانكليزية، متسائلاً عن جدوى السنوات الخمس التي يمضيها الطالب خلف مقاعد الدراسة في كلية الصيدلة دون أي حاجة لذلك، فاليوم خلال سنوات الأزمة قلما تجد صيدلانياً حقيقياً يجلس في صيدليته من بين حوالي عشرين صيدلية موجودة في المنطقة، وهذا ما لاحظناه في منطقة ال”86″ والتي تتميز بمخالفاتها في كل شيء لتصل إلى انعدام وجود صيدلاني يحمل شهادته ويجلس في صيدليته، حيث فضّل الكثيرون تأجير شهاداتهم في ظل غياب رقابة حقيقية على هذه المناطق بالذات، والعمل في معامل أو شركات أدوية طمعاً بالربح المضاعف.

أسعار خيالية

على الرغم من أن نقيب صيادلة سورية محمود الحسن كان قد كشف عن أن نسبة تأجير شهادات الصيادلة انخفضت في ظل الحرب إلى 90% إلّا أن نظرة سريعة على بعض المناطق الريفية والمناطق التي كانت “ساخنة” والتي عاد الأمان لها اليوم سنجد أن المخالفات مازالت تسري بداخلها وكأن عين الرقابة غافلة عنها بشكل تام ففي منطقة “المعضمية” مثلاً تحدث لنا أحد القاطنين عن عدم وجود أي صيدلية في المنطقة يديرها شخص حاصل على شهادة الصيدلة، بل هم أشخاص ليس لهم علاقة بالصيدلة  ولم يدرسوا الطب في حياتهم، إلا أن لديهم بعض الإمكانيات الجيدة في اللغة الإنكليزية، حيث تتم عملية الإيجار على قسمين، فإما أن يستأجر الشخص الشهادة والتي كانت قبل الأزمة يصل سعرها إلى 20 ألف ل.س، أما الآن فتصل إلى ما يزيد عن 100 ألف ليرة سورية، أو يستأجر الصيدلية التي تكون عادة مفتوحة على اسم أحد الصيادلة النظاميين حيث تراوحت أسعارها بين 100-150 ألف ليرة سورية للشهر الواحد، وعن وصول لجان المراقبة إلى تلك الصيدليات لم ينف لنا أحد وجود هذه اللجان، إلّا أن القائمين على الصيدليات المخالفة يرشون المراقب بمبلغ من المال، ليتم بعدها تسجيل كافة الأمورعلى أنها مطابقة لشروط وزارة الصحة، وغض النظر عن أن من يعمل في الصيدلية هو شخص لا يمت للصيدلة ولعلم الأدوية بصلة.

اعتماد كلّي

لا يمكن أن ننكر اعتماد الكثيرين على الصيدلية بشكل كبير عند إصابتهم بأي وعكة صحيّة حيث يتجه المريض خاصة خلال السنوات الأخيرة إلى الصيدلية ليصف له الصيدلاني الدواء المناسب بعد أن يشرح له المريض حالته المرضية، ولم ينف غالبية المواطنين اعتمادهم على الصيادلة كأطباء بسبب تدني المستوى المعيشي، وارتفاع أجور معاينة الأطباء لتصل إلى 5آلاف ليرة، ناهيك عن ارتفاع أسعار الأدوية بشكل مخيف، ليصبح الذهاب إلى الطبيب وشراء الدواء أمراً يجلب المرض بحد ذاته، لذلك اختصر أغلب الناس الذهاب إلى الطبيب بالذهاب إلى الصيدلية بشكل مباشر لتخفيف الأعباء المادية، لكن وبرأي الدكتور أحمد بدران “نقيب صيدلة دمشق” أن الاعتماد على الصيدلاني في وصفه للمواطن الدواء المناسب يكون في حالات معيّنة كالأمراض البسيطة كالزكام وبعض الالتهابات السطحية، والمسكنات وآلام الاحتقان، شريطة أن يكون الشخص الذي يدير الصيدلية حاملاً لشهادة الصيدلة، لا لأية شهادة توقعه في عواقب غير محمودة، وإلا فالذهاب إلى الطبيب المختص، حتى وإن اضطر لدفع تكاليف مادية مضاعفة، سيكون أفضل من وقوعه في حالات مرضية مضاعفة هو بغنى عنها.

مخالفات

نقيب صيادلة دمشق في سياق حديثه استنكر وجود مصطلح “تأجير شهادة الصيدلة” بالقول: “لا يوجد شيء اسمه تأجير شهادة الصيدلة، مشيراً إلى وجود لجان يتم إرسالها بشكل أسبوعي إلى كل مناطق دمشق لمتابعة الصيدليات المخالفة، واتخاذ الإجراءات اللازمة، وهناك لجان مشتركة مع وزارة الصحة، لجان مشتركة مع المحافظة لمراقبة الصيدليات، لكن نقيب الصيادلة وجد أن أكثر المخالفات التي يتم ضبطها هي وجود أدوية غير نظامية ومزورة، حيث يتم تحويل صاحبها لمجلس تأديب يرأسه قاض من وزارة العدل، أما شكاوى المواطنين فغالباً تكون بسبب الأسعار غير الثابتة، حيث يقوم الصيدلاني بتسعير الأدوية على مزاجه بسعر أعلى من الموضوع على العلبة، أما فيما يتعلق بتأجير شهادات الصيدلة فهو حالات نادرة في دمشق، وإذا لم ترد الشكوى من المواطنين أنفسهم، سيكون عمل النقابة ضعيفاً، لذا المطلوب هو التعاون الحقيقي من قبل المواطنين، وتنبيه النقابة إلى أماكن المخالفات، ولكن من الطبيعي أن يكون هناك مساعدون للصيادلة في صيدلياتهم، إلا أنه لا يحق لهم أن يصرفوا وصفات طبية من تلقاء أنفسهم، وأشار بدران إلى أن الوضع في دمشق أفضل بكثير من غيره، ومتدارك، وذلك بخلاف ريفها بحكم اتساعه، إذ تنتشر عملية تأجير الشهادات، كما أن قيام أشخاص غير مؤهلين علمياً بممارسة هذه المهنة يقلل من شأنها، ويؤدي إلى أخطار كبيرة على صحة المواطن، ولاسيما أن الصيدلاني هو الضامن الأساسي لوصفة الطبيب، وتعليمات صرف الدواء بالشكل الأمثل للمريض، وتسعى النقابة إلى اجتثاث هذه الظاهرة التي أساءت إلى سمعة المهنة من خلال التنسيق مع جميع الجهات المختصة لإعطاء الصيدلاني دوره الحقيقي والفاعل في المجتمع، خاصة أن الكثير من الصيادلة بدؤوا يعملون بشهاداتهم نتيجة ظروف المعيشة الصعبة التي يمرون بها.

ميس بركات