أوقفـــوا عمليــات قلعهـــا..  الحمضيــات تحتضــر والســاحل الســوري يتحضــّر لــولادة زراعــات بديلــة

أوقفـــوا عمليــات قلعهـــا.. الحمضيــات تحتضــر والســاحل الســوري يتحضــّر لــولادة زراعــات بديلــة

أخبار سورية

الأربعاء، ٢١ يونيو ٢٠١٧

بعد انتظار طويل دام سنوات عدة، يبدو أن مزارعي الحمضيات في محافظتي الساحل فقدوا الأمل في أن الحل سيجد طريقه يوماً إلى مشكلة تسويق محصولهم من الحمضيات.. المحصول الذي فضلت شريحة كبيرة من المزارعين تركه على الأشجار بدلاً من قطفه، وذلك بسبب أن تكلفة قطفه، وتوضيبه، ونقله إلى السوق أكثر من سعره الذي ضاهاه سعر حزمة البقدونس.. واقع الحال الذي دفع بعض المزارعين إلى قلع أشجار الحمضيات، واستبدالها بالتبغ والزيتون والخضروات،  أملاً منهم في أن تصلح هذه الزراعات ما أفسده كساد الحمضيات.

نريد أن نطعم أولادنا

أبو علي من قرية حميميم تحدّث معنا بحرقة كبيرة: لم يعد أمامي خيار آخر سوى أن أقلع أشجار الحمضيات التي لم أعد أجني شيئاً من ورائها، مضيفاً: خلال الموسمين الماضيين دفعت على المحصول أكثر مما جنيته منه، متسائلاً: إلى متى سأبقى بانتظار أن تحل الحكومة مشكلة الحمضيات، وعدونا كثيراً إلّا أن الحال بقي على ما هو عليه، والسماء بالنهاية لا تمطر حلولاً، ولذلك اقتلعت معظم أشجار الحمضيات، وزرعت بدلاً منها البطاطا والذرة والفاصولياء، التي ترتفع أسعارها مقابل تدني سعر كيلو البرتقال بمختلف أنواعه.

أحد الفلاحين من قرية سيانو، شرح لنا كيف يخرج مزارع الحمضيات من الموسم بخسارة مدوية: كيف لا نخسر إذا كان سعر كيلو الحمضيات لا يتجاوز 50 ليرة سورية في السوق، ويكون المزارع قبل أن يصل بمحصوله إلى السوق قد دفع ما بين أجور القطاف إلى العبوة، إلى أجور النقل ما بين 40 إلى 50 ليرة سورية، ناهيك عن التكاليف التي دفعت على فلاحة الأرض وسقايتها، مضيفاً: بهذه الحسبة يكون المزارع “خسران مية بالمية”، وما كسبه من بيع المحصول قد دفعه مسبقاً.

وبناء على هذه “الحسبة” قلع “أبو نادر” أشجار الحمضيات من بستانه، وزرع بدلاً منها الزيتون، لأنه كما أكد محصول استراتيجي مطلوب كثمرة وكزيت، ولا يمكن الاستغناء عنه في أي بيت، وليس كماليات كالحمضيات، على حد تعبيره.

المزارع فريسة احتكار تجار السوق

ويؤكد الدكتور والخبير الاقتصادي إبراهيم صقر أن مزارعي الحمضيات يعانون من مشكلة كبيرة تتعلق أولاً وأخيراً بموضوع التسويق، موضحاًَ أن تكلفة تسويق المحصول تضاهي أسعار مبيعه، الأمر الذي دفع نسبة لابأس بها من المزارعين إلى قطع أشجارهم، والقيام بزراعة أنواع أخرى كالزيتون والتبغ والخضروات، فالكثير من المزارعين لم يقطفوا محصولهم بسبب الاحتكار الذي يمارسه تجار سوق الهال، وأضاف: لا توجد منافسة في السوق بسبب احتكار التجار، ما يجبر المزارع على البيع بالسعر الذي يتفق عليه التجار فيما بينهم، خاصة أنه لا يوجد لدينا اليوم أسواق تصريف خارجية، فالكمية التي صدرت خلال الموسم الماضي لم تتجاوز 1%.

وحذّر صقر من  أن استمرار المزارعين في عملية قلع أشجار الحمضيات سيترتب عليه آثار سلبية كبيرة في المستقبل، وقال: إذا استمر الحال على ما هو عليه، فإننا سنعاني خلال السنوات القادمة من كارثة عندما تصبح معظم أراضي الساحل مزروعة بالزيتون، وعليه سيباع كيلو الزيتون مثلما بيع كيلو الحمضيات خلال الموسم الماضي، وسيعاني المزارعون بالتالي من كساد الموسم الذي لن يجد سوقاً للتصريف بسبب كثرة الإنتاج، موضحاً أن سعر “بيدون” الزيتون اليوم 30000 ليرة سورية، لكنه سيباع بعد عشر سنين  ما بين 6000 و7000 ليرة سورية.

وفي السياق، أكد صقر أنه لا يمكن للمزارع أن يقلع الأشجار على هواه، ويزرع على هواه دون رقيب أو حسيب، مطالباً في الوقت ذاته بوضع خطة زراعية تلزم المزارعين بالتقيد بها.

حلول تسويقية

ودعا  إلى التفكير بشكل جدي بحل مشكلة تسويق الحمضيات، وذلك من خلال إيجاد آلية لدعم الحمضيات من خلال إنشاء معامل للعصائر، لافتاً إلى أنه في عام 2010 أنشىء صندوق لدعم الحمضيات، إلّا أنه توقف عن العمل بعد عام، مطالباً مؤسسة الخزن والتسويق بأن تضع كل جهودها في سبيل تسويق الحمضيات وإيصال الدعم إلى كافة مستحقيه دون استثناء، بالإضافة إلى القيام بحملات إعلامية مشتركة بين وزارة الزراعة ووزارة الإعلام للترويج للحمضيات وتسويقها، وفي المقابل هناك تجار يعمدون في موسم الحمضيات إلى إغراق السوق بمادة الموز وتخفيض أسعاره ليصل إلى 200 ليرة، في حين أن سعر الموز في غير موسم الحمضيات لا ينزل عن 900 ليرة، مشدداً على ضرورة دعم المزارع وإنشاء معمل عبوات تابع للقطاع العام، لأن سعر العبوة لا يغطي سعر كيلو البرتقال، بالإضافة إلى مساعدة المزارع بالتسويق النظيف في عملية التصدير، مشدداً في الوقت ذاته على أن ارتفاع أسعار الأسمدة والمبيدات يؤثر سلباً على المزارع الذي يقع فريسة احتكار تجار السوق الذين يتحكمون به.

بانتظار الوعود الحكومية

وتحدث هيثم أحمد، رئيس اتحاد فلاحي اللاذقية عن سلسلة الوعود التي لم تقدم للفلاح سوى السراب: تلقينا الوعود من الحكومة بأنه سيقام قريباً معمل للعصائر في المحافظة بطاقة إنتاجية تصل إلى 60 طناً من الحمضيات يومياً أي بمعدل ثلث الموسم، مشيراً إلى أنه تم تزويدهم خلال العام الماضي بمبلغ مليار ليرة سورية من أجل شراء محصول الحمضيات من المزارعين وذلك في إطار دعم تسويق الحمضيات والتخفيف من معاناة المزارعين، إلا أن المشكلة أكبر مما تم تقديمه. ولفت إلى أنه تم التعميم على أكثر من 500 جمعية ورابطة فلاحية في المحافظة بضرورة توعية المزارعين إلى أهمية المحافظة على أشجار الحمضيات وخطورة القلع لما له من تداعيات سلبية في المستقبل، مشيراً إلى أنه في هذا السياق تمت إقامة الكثير من الندوات والاجتماعات التي انعكست بشكل إيجابي على أرض الواقع.

“الحق” على مديرية الزراعة

أما أديب محفوض رئيس الرابطة الفلاحية في جبلة فقد برر للمزارعين قطع أشجار الحمضيات بقوله: إن انخفاض أسعار الحمضيات وارتفاع تكاليفها جعلت بعض المزارعين يعمدون إلى قطع أشجارهم والتوجه نحو زراعة الخضروات والتبغ بسبب ارتفاع أسعارهم.

وحمل محفوض مسؤولية ما يجري لمديرية الزراعة التي كانت تعطي المزارعين غراس الحمضيات بكلفتها أي بسعر شبه مجاني ما دفع معظم المزارعين إلى زراعة أراضيهم بالحمضيات وإغفال زراعات كثيرة مهمة على الشريط الساحلي.

وحول مطالب المزارعين حتى يتوقفوا عن قلع أشجار الحمضيات، أوجزها محفوض بإيجاد أسواق تصريف خارجية وإنشاء معمل للعصائر الطبيعية وإلزام معامل العصائر باستجرار الحمضيات لإنتاجها بدلاً من الملونات والخلاصات الصناعية وإقامة خطوط لتوضيب الحمضيات في مناطق الإنتاج وتفعيل دور المؤسسة العامة للخزن والتسويق في تسويق المحاصيل.

إنتاج الحمضيات ليس رقماً سهلاً

ويوضح سهيل حمدان رئيس مكتب الحمضيات في الساحل أن تكلفة محصول الحمضيات أقل من تكلفة أي محصول آخر بنسبة 200% فتكلفة الحمضيات 30 ليرة فيما تتراوح تكلفة التبغ ما بين 70 إلى 80 ليرة.

وبين حمدان أن إنتاج العام الحالي من الحمضيات رقم ليس سهلاًً أبداً، إذ بلغ حوالي مليون ومئة وخمسين ألف طن، مشيراً إلى فشل عمليات التسويق الخارجية التي جرت خلال الموسم الحالي بسبب عدم كفاءة مراكز الفرز والتوضيب، حيث وصلت نسبة كبيرة من المحصول التي تم تسويقه إلى بعض الأسواق الخارجية دون المواصفات المطلوبة، مع العلم أنه في سورية توجد أجود أنواع الحمضيات من حيث النكهة واللون والحجم.

وعن كيفية حل مشكلة التسويق قال: السعر العالمي للحمضيات في أسواق الجملة هو 1 دولار وسطياً للكيلو غرام الواحد، وإنتاجنا من الحمضيات يزيد عن مليون طن، فإذا نجحنا في تصدير 100 ألف طن من الحمضيات الجيدة فإننا نكون جنينا 100 مليون دولار وبقي لدينا 900 ألف طن، فإذا تم بيع الباقي “ببلاش” نكون رابحين.

تسويق خجول

محمد ديب رئيس دائرة التسويق الزراعي والحيواني في وزارة التجارة الداخلية فرع اللاذقية، أكد أنه تم تسويق 16 ألف طن من الحمضيات خلال موسم 2016-2017، موضحاً أنه تم تزويد التعيينات العسكرية بـ 2272 طناً، وفروع مؤسسة الخزن والتسويق بـ 3327 طناً، واتحاد المصدرين بـ 1480 طناً تم تسويقها خارجياً، وضمن حملة دعم الحمضيات أشار ديب إلى تسويق 8750 طناً إلى المحافظات السورية.

عملية تنظيف لزراعة الحمضيات

أحمد محمد، مدير مصلحة زراعة جبلة، يرى أن ما يجري هو عملية تنظيف لزراعة الحمضيات، قائلاً: لندع الحمضيات تنظف نفسها، بحيث يبقى المزارع الجيد، والمحصول الجيد، فكيلوغرام حمضيات جيد أفضل بكثير من عشرة كيلوغرامات غير جيدة، مؤكداً أن هناك تهويلاً كبيراً لعملية قلع أشجار الحمضيات، ويجب عدم إعطاء هذا الأمر أهمية أكبر من اللازم، فعدد أشجار الحمضيات التي تم قلعها في جبلة قليل بالمقارنة مع اللاذقية، موضحاً أنه من أصل 82 ألف دونم تم قلع 250 دونماً، بينها 198 دونماً رخصت فيها عمليات القلع!.

ودافع محمد عن وجهة نظره بأن المزارعين يقلعون الأشجار المعمرة التي لم تعد اقتصادية، مشيراً إلى أن هناك قوانين تجيز قلعها واستبدالها بأخرى اقتصادية، وهناك لجان زراعية تقوم بالإشراف على عملية القلع، فإذا تبيّن أن عمر الشجرة المراد قلعها تجاوز 40 سنة يرخص قلعها.

وبيّن محمد أن هناك أصنافاً قديمة من الحمضيات مثل: “اليافاوي، وبالنسيا” ليست اقتصادية، فيما هناك أصناف جديدة مبكرة ومطلوبة مثل: “أبو صرة، وارتونيك، وسبانتاتيريز”، مؤكداً أنهم يقومون بتوجيه المزارعين إلى إنتاج أصناف جديدة ومبكرة تحقق الاستقرار في السوق.

المزارع الطمّاع

مدير الزراعة في محافظة اللاذقية منذر خير بك أكد أن المديرية عملت بالتنسيق مع وزارة الزراعة على إعداد مذكرة تشرح الواقع الراهن لعمليات القلع، والمطالبة باتخاذ إجراءات صارمة تجاه المزارعين الذين يقومون بقلع الأشجار المثمرة، بما فيها الحمضيات، دون رخص قلع، ومن خلال المطالبة بوضع حد لهذا القلع غير المنظم والمرخص، تم صدور المرسوم التشريعي رقم (14) الخاص بتعديل المادة 10 من المرسوم التشريعي رقم (59) تاريخ 20-7-2005 الخاص بتنظيم الإنتاج الزراعي.

ووفقاً لهذا المرسوم أوضح خير بك أن مديرية الزراعة شكّلت لجاناً على الحواجز مهمتها مراقبة عمليات نقل الأحطاب والأشجار المقلوعة، والعمل على ملاحقة المهربين، وتنظيم الضبوط بحق المخالفين.

وأشار خير بك إلى أن المديرية تعمل على منح تراخيص القلع وفق تعليمات ناظمة تحدد الأشجار المثمرة التي يسمح بقلعها، مشيراً إلى أن  آخر إحصائية لمديرية الزراعة بيّنت أنه تم قلع 25421 شجرة على مساحة تقدر بـ 71.5 هكتاراً، وذلك خلال العام الماضي وبداية الربع الأول من العام الجاري.

ولفت خير بك إلى أن محصول الحمضيات يشغل المرتبة الثانية من حيث المساحة المزروعة في محافظة اللاذقية بنسبة تقدر بـ 32.5% من مساحة الأراضي المستثمرة في المحافظة، حيث تبلغ مساحته /33399/ هكتاراً موزعة على أربع مناطق: اللاذقية 17665 هكتاراً، وجبلة 7523 هكتاراً، والحفة 3828 هكتاراً، والقرداحة 4383 هكتاراً، مشيراً إلى أن محصول الحمضيات يعد مورد العيش الأساسي لحوالي 44 ألف مزارع في محافظة اللاذقية، وبلغ الإنتاج من الحمضيات لموسم 2016 – 2017 حوالي 850 ألف طن، تشكّل مجموعة البرتقال حوالي 70% منها.

وفيما يتعلق بمشكلة تسويق الحمضيات، السبب الرئيسي في قلع الأشجار، أوضح خير بك أن أصنافاً كثيرة من الحمضيات تم جنيها وتسويقها بأسعار جيدة، ولكن المشكلة بدأت عندما تعمد بعض المزارعين التأخر في عملية الجني رغبة منهم في الحصول على أسعار أفضل، وتسببت الرياح الجافة، وموجة الصقيع التي تأثرت بها المحافظة، في تساقط نسبة كبيرة من ثمار الحمضيات التي طرحت في الأسواق بكميات كبيرة، ما أدى إلى حدوث اختناقات، وتدني قيمتها التسويقية.

وأوضح خير بك أنه تم سحب كميات يومية من محصول الحمضيات من الأسواق المحلية قدرت بحوالي 200 – 250 طناً يومياً، وتوزيعها كهدايا على المحافظات غير المنتجة للحمضيات، الأمر الذي أدى  إلى تخفيف العرض بأسواق الهال في المحافظة.

وفيما يتعلق بمطالب المزارعين إنشاء معمل للعصائر، بيّن خير بك أنه من خلال المتابعة مع وزارة الصناعة، تم تخصيص موقع معمل الأخشاب في اللاذقية لإقامة معمل عصائر، وحالياً المعمل في المراحل الأخيرة من عملية التعاقد.

باسل يوسف