عودة اقتصادية لمناطق ريف دمشق «الثائرة»

عودة اقتصادية لمناطق ريف دمشق «الثائرة»

أخبار سورية

الجمعة، ٢٣ يونيو ٢٠١٧

 على فداحة ما لحق بها من خراب ودمار، إلا أن مناطق عديدة في ريف دمشق، والعائد معظمها حديثاً إلى سيطرة الحكومة، لا يزال بإمكانها أن تلعب دوراً اقتصادياً مسانداً للبلاد عموماً، وللعاصمة خصوصاً. لا بل إن هناك من يربط نجاح التأثير الأمني لاستعادة تلك المناطق على العاصمة، بسرعة العمل على إعادة إحياء اقتصاد المناطق «المحررة» وتنميتها تدريجاً، وربما هذا ما دعا الحكومة لتتحرك سريعاً نحو منطقة الزبداني بعد خلوّها الكامل من المسلحين، ولاحقاً نحو منطقة التل. وقبل ذلك نحو المناطق الصناعية في مزرعة فضلون في داريا، وتل كردي في عدرا وغيرها.

فما إن أُعلن رسمياً خروج جميع المسلحين من منطقة الزبداني ومحيطها بموجب اتفاق المدن الأربع، حتى فتح الجيش مصايف المنطقة أمام مختلف الزائرين، وحركت الحكومة آلياتها لفتح طرقات الزبداني المدمرة وإزالة الركام منها، فضلاً عن تكليف لجنة وزارية خاصة متابعة توفير احتياجات المنطقة على المستويات الخدمية والاقتصادية. البعض رأى في الخطوة محاولة حكومية لدحض مزاعم واتهامات التغيير الديموغرافي، التي دأبت «المعارضة الخارجية» ودول إقليمية وغربية على توجيهها مع كل عملية خروج للمسلحين من منطقة ساخنة. وهناك من يعتقد أن التحرك الحكومي جاء على خلفية عاملين اثنين: الأول اقتصادي، ويتمثل في إعادة تشغيل المنشآت الاقتصادية على اختلاف قطاعاتها وزيادة معدلات الإنتاج الزراعي، وهذا من شأنه الإسهام في التخفيف من حدة ما تواجهه البلاد من أوضاع اقتصادية صعبة، والعامل الثاني اجتماعي، ويتعلق بالسعي إلى تحقيق حضور واسع وقوي لمؤسسات الدولة في تلك المناطق وإعادة استقطابها شعبياً، وهذا لن يتحقق إلا بإحداث تغيير إيجابي في حياة السكان بعد معاناة مريرة دامت لسنوات عدة.

80% من المنشآت السياحية في ريف دمشق مهدّمة
أو متضرّرة جزئياً

عملياً، فإن الحكومة أرادت أن تضرب بتحركها المذكور العصافير الثلاثة السابقة بحجر واحد، ولا سيما أن مناطق ريف دمشق تمثل ثقلاً اقتصادياً مهماً، فهي مثلاً كانت تحتل المرتبة الثانية بين المحافظات لجهة حجم ناتجها المحلي الإجمالي قبل الأزمة، الذي بلغ في عام 2010 وبالأسعار الثابتة نحو 198 مليار ليرة، ووفق التقديرات الخاصة للمركز السوري لبحوث السياسات، التي كان قد أعدها سابقاً بناءً على طلب «الأخبار»، يشكل الناتج المحلي للصناعات التحويلية في المحافظة نحو 19,30% من إجمالي الناتج المحلي لهذا القطاع على مستوى البلاد. كذلك الأمر بالنسبة إلى الناتج المحلي للتجارة، الذي كان يشكّل ما نسبته 16,08%، في حين أن الزراعة وعلى نسبتها القليلة التي لم تتجاوز 5,02% إلا أنها تبقى مؤثرة بنوعية الإنتاج وسهولة وصوله إلى العاصمة. وعلى ذلك، فإن استعادة ريف دمشق لمكانته الاقتصادية أو جزء منها سيريح العاصمة من جهتين: فمن جهة، سيخف ضغط سكان الريف على اقتصاد العاصمة وخدماتها، ومن جهة ثانية فإن العاصمة وبعض المحافظات ستشهد نشاطاً اقتصادياً جديداً، سواء لتوفير المواد الأولية لمشاريع ومنشآت وحقول الريف أو لتصريف منتجاته ومحاصيله.
لكن المهمة الحكومية ليست بالسهلة، ولا سيما في ظل الأضرار التي لحقت باقتصاديات هذه المناطق بفعل الحرب والمعارك. فمثلاً في القطاع الزراعي، يرصد المهندس حسان قطنا، الباحث في القطاع الزراعي والتنمية الريفية، عدة أضرار، أهمها تعرض «المساحة المزروعة بالأشجار المثمرة بمحافظة ريف دمشق للتحطيب أو الحرق أو التخريب المتعمد أو خلال الأعمال عسكرية، ويمكن تقدير المساحات المتضررة بما لا يقل عن 15% من مساحة الأشجار المثمرة. كذلك دخلت معظم الأشجار في طور الهرم المبكر وتراجع الإنتاجية نتيجة قلة رعايتها، هذا فضلاً عن ارتفاع نسبة الهدر في الإنتاج إلى أكثر من 30% بفعل عدم تمكن المزارعين من جني الثمار، وصعوبات توفير العمالة الزراعية والنقل والتسويق». إلا أن الضرر الأهم يكمن، كما يضيف في حديثه لـ«الأخبار»، في «تهريب كميات كبيرة من منتجات الفواكه إلى لبنان عبر الممرات الحدودية غير النظامية، التي كانت هناك صعوبة في ضبطها خلال الأزمة. فالفستق الحلبي الأخضر الذي تجاوز إنتاجه العام الماضي 50 ألف طن، نُقل إلى دول الجوار تصديراً أو بأشكال أخرى، وكذلك الكرز وغيره من القلمون ومناطق أخرى...».
في القطاع السياحي، الذي يشكل النشاط الاقتصادي الرئيسي في مناطق عدة كالزبداني، ووادي بردى، وصيدنايا، تبدو الأضرار أكبر، فبحسب ما يؤكد نائب رئيس اتحاد غرف السياحة السورية عبد الباري شعيري، فإن «80% من المنشآت السياحية في ريف دمشق تعرضت إما لتهديم كامل، أو لضرر جزئي، لكن أغلبها تعرض للسرقة ونهب محتوياتها وتجهيزاتها، باستثناء قسم صغير من المنشآت الموجودة في بلودان وصيدنايا». ويشير شعيري لـ«الأخبار» إلى أنّ «جميع المناطق السياحية في ريف دمشق أصبحت اليوم تحت سيطرة الحكومة، لكن برز مع انتهاء مرحلة الحرب في مناطقها نوعان من الصعوبات: النوع الأول يتعلق بالوصول إلى هذه المنشآت والزمن اللازم لذلك، خاصة في ظل ارتفاع أسعار الوقود، والنوع الثاني يتمثل في التعويضات التي يمكن أن تمنح للمنشآت المتضررة، وبإمكانية حصولها على قروض تشغيلية». ولا تقل أضرار المنشآت الصناعية العامة والخاصة عن نظيراتها في السياحة، والأرقام الرسمية تتحدث عن تضرر أكثر من 346 منشأة صناعية في دمشق وريفها، بقيمة أضرار وصلت إلى أكثر من 60 مليار ليرة، كذلك هناك 1254 منشأة تضررت في المنطقة الصناعية في عدرا.
ولأن إصلاح كل ما تضرر في وقت واحد يبدو مهمة مستحيلة، اعتمدت الحكومة السورية على سياسة جديدة تقوم على إطلاق يد سكان تلك المناطق لإعادة إعمار اقتصادها، مع تقديم تسهيلات لوجستية ومادية تتناسب والوضع الأمني لكل منطقة والإمكانات المالية الحكومية المتاحة. وهذا من شأنه أن يحقق عدة أهداف للحكومة يلخصها المهندس قطنا في القطاع الزراعي «بإعادة تنظيم إدارة الموارد والحفاظ على المياه الجوفية من الاستنزاف والحفاظ على المصادر المائية من التلوث، وضبط الخطة الإنتاجية الزراعية، وضبط الحدود ومنع تهريب المنتجات، وتوجّه الإنتاج الزراعي نحو الأسواق الداخلية النظامية». فضلاً عن «أنّ إعادة العمل الزراعي في المناطق التي جرت فيها مصالحات يحقق إعادة تشغيل القوى العاملة بالزراعة ونقل المنتجات ومستلزمات الإنتاج ويعيد النشاط الاقتصادي لكل فئات المجتمع بالمنطقة». لا بل إن نائب رئيس اتحاد غرف السياحة السورية، يرى أن إعادة تشغيل المنشآت السياحية من شأنه أن «يحقق غايات أخرى غير اقتصادية تبدو ضرورية في زمن الحرب، كنجاحها في إحداث نوع من التواصل الاجتماعي بين الناس، كذلك إن عمل المنشآت السياحية يمثل رسالة واضحة بتعافي المنطقة أمنياً، وترسيخ ذلك مع مرور الوقت».
ويبقى كل ذلك رهناً بقدرة الحكومة على تخطي عقبات كثيرة في مسعاها لإحياء المناطق العائدة لكنفها. تبدأ هذه العقبات بمافيا الحرب التي تشكلت خلال سنوات المعارك، وعاشت على المتاجرة بمعاناة الناس واحتياجاتهم، فمثلاً لن يكون من السهل إيقاف المكاسب التي كان يتحصل عليه المشرفون على عمليات تهريب أكثر من 50 ألف طن من منتجات ريف دمشق الزراعية إلى لبنان، وتبرز كذلك عقبة إعادة فرض إيقاع الدولة بتوجهاتها وسياساتها بعد سنوات من الفوضى عاشتها تلك المناطق.