الحرائق تطال عشرات الآلاف من الدونمات الحراجية في حماة.. والمساءلة تسجل ضد مجهول!

الحرائق تطال عشرات الآلاف من الدونمات الحراجية في حماة.. والمساءلة تسجل ضد مجهول!

أخبار سورية

الاثنين، ١٠ يوليو ٢٠١٧

ألحقت الحرائق التي طالت الآلاف من الدونمات من الغابات الحراجية خلال السنتين الماضيتين في مجال محافظة حماة خسائر جسيمة تعدت كل حدود الوصف والتعبير، لدرجة تحولت معظم هذه المواقع إلى تصحر حقيقي، فعندما يتم إقصاء أشجار هذه المساحات من على وجه الأرض، فهذا يعني الإصرار على جعل هذه الغابات بأشجارها في خبر كان، وبالتالي يمسي الوضع كارثياً، بيئياً واقتصادياً.
إلا أن السؤال المهم الذي يطرح نفسه وبإلحاح هنا هو: كيف يجرؤ هؤلاء العابثون بهذه الغابات على فعل كل هذا بحضور كل الجهات المعنية، بدليل أنهم يعبرون الطرقات نفسها التي تتواجد عليها هذه الجهات المعنية؟!.
قد يحتاج السؤال إلى المزيد من الإيضاح ليصبح على الشكل التالي: كيف يمكن لتجار الحطب والفحم أن يسلكوا كافة الطرقات ناقلين هذه الأخشاب من محافظة إلى أخرى دون أن يوقفهم أحد؟!.
حكاية الغابات الحراجية وما لحق بها خلال السنوات القليلة الماضية تثير الشجون والهلع في آن معاً، ففي العام الماضي فقط تم حرق 7200 دونم في مجال هيئة تطوير الغاب لوحدها، في حين تعدى الأمر ذلك بكثير في مجال زراعة حماة، ووصل إلى أكثر من 12  ألف دونم في ذاك العام، يضاف إليها هذا العام في مجال غابات منطقة مصياف بحريق واحد بشكل تقديري  500 دونم، حسب وصف مدير منطقة مصياف العقيد ماهر هنانو، وحتى هذه الأرقام مشكوك في دقتها لجهة إخفاء الأرقام الحقيقية؟!.
حرائق مع سبق الإصرار!
عندما يقول مدير عام الهيئة العامة لتطوير الغاب المهندس غازي العزي بأنه نشبت في يوم واحد، وفي وقت واحد، وفي مواقع مختلفة، ستة حرائق في أجمل غابات السفح الغربي لسلسلة جبال وغابات منطقة الغاب، ماذا نسمي ذلك؟! وهل هي المصادفة؟!.. لا نعتقد ذلك، فالدلائل تشير إلى أن هناك عملاً متقصداً مع سبق الإصرار، وقد أراد منفذوه  إشغال عمال الحرائق، وبعثرة جهودهم، وتصعيب الأمر على المعنيين، حدث هذا العام المنصرم؟!.
وأضاف العزي بأن من أهم المشاكل التي تعاني منها هيئة تطوير زراعة الغاب، ضعف الإمكانيات لجهة الآليات المستخدمة في إخماد هذه الحرائق، فجلها ليست بسوية جيدة، وذات فعالية مقبولة، فكيف لنا إخماد حرائق في مواقع غاية في الصعوبة، والوصول إليها، يتساءل العزي؟!.
وتابع: حماية الغابات ليست مسؤولية خفرائها أو حراسها، وإنما مسؤولية الجميع، وهذا يدل على ضعف ثقافة الاهتمام بالغابات، فما لحق بغاباتنا، أتحدث هنا عن مجال هيئة تطوير الغاب، لا يوصف بكلمات، بل يمكن وصفه بالكارثة لما تحولت فيه غاباتنا ومواقعها الحراجية إلى تصحر حقيقي، رغم أننا وضعنا في خططنا السنوية زراعة وتشجير آلاف الهكتارات، وبخاصة في تلك المواقع التي تعرّضت للحرائق، لكننا نحتاج إلى عشرات السنين لنعيد هذه الغابات إلى ما كانت عليه، بل مئات السنين!.

خسائر لا تعوّض
من ناحيته قال المهندس أمير عيسى رئيس قسم الحراج في زراعة الغاب بأن المساحات التي تم تشجيرها هذا العام في مجال زراعة الغاب هي 160 هكتاراً، لكن كل هذا لا يعوّض الأشجار الحراجية التي طالتها الحرائق، فمنها النادر، ومنها المعمر، فضلاً عن أن العديد من هذه الغراس الجديدة تموت بسبب العوامل المناخية، وارتفاع درجات الحرارة، وتحتاج للعديد من السقاية، في ظل غياب الآليات المساعدة لذلك كالصهاريج، ووسائل نقل المياه؟!.

أراض جافة
ترجع هشاشة النظم البيئية في الأراضي الجافة بدرجاتها إلى صفاتها وأحوالها الطبيعية التي نذكر منها هنا، أن شح الموارد المائية كالمطر، مثالاً، يجعل النمو النباتي المعمر بطيئاً ومبعثراً، لا يهيئ غطاء دائماً يقي التربة من عوامل التعرية والانجراف، ولعل ما شاهدناه في المواقع التي طالتها هذه الحرائق، أو الاحتطاب الجائر من على وجه الأرض، قد أدى إلى تعرية بعضها، وانجراف تربتها، وبالتالي عدم قدرة هذه التربة على الحمل مجدداً للكلأ أي المراعي، وهذا يؤدي بالتالي إلى يباس النباتات الحولية فصلياً، وتذرو ذلك الرياح مع ما تذروه من التربة، ومن خلال هذه المقارنة والمقاربة، كنا نلاحظ وجود المئات من المصطافين في المواقع التي طالتها الحرائق، وبخاصة هنا ما يتعلق بغابات مصياف، في حين الآن غدت مقفرة موحشة لا تجد العصافير فيها مأوى  ولا ملاذاً ولا موئلاً، حالها كحال بقية الحيوانات الأخرى، بمعنى أوضح، تدمير البيئة وزيادتها سوءاً على سوء.

النباتات العطرية
في جولة قمنا  بها قبل أيام بحثاً عن نباتات عطرية في المواقع الحراجية لاحظنا بأن العديد من النباتات العطرية التي كانت تملأ هذه الجبال قد انقرضت، ولم يعد لها أثر، وهذا مرده إلى قلة الأمطار الموسمية التي كانت تتيح لهذه النباتات بالنمو سنوياً من جهة ولتعرضها لأكثر من مرة للحرائق، وبالتالي عدم تمكن جذورها المتبقية في باطن التربة من النمو مجدداً، وحتى وإن أثرتها الأمطار ثانية، فلم تعد قادرة على الانبثاق ومن هنا يجب أن ندرك حجم ما تلحقه الحرائق والاحتطاب الجائر في الغابات الحراجية والطبيعية على حد سواء.
قطع الأشجار
من الأسباب الرئيسية التي دفعت بالعديد من الناس لقطع أشجار الغابات هو ارتفاع أسعار الحطب، حيث وصل سعر الطن في العديد من الأماكن بالمحافظات إلى ما يفوق ال 15 والعشرين ألف ليرة، بينما كان يباع في المناطق الساخنة بحوالي المائة ألف ليرة، ما دفع بتجار الحطب إلى حرق الغابات أولاً ومن ثم اللجوء إلى قطعها على مرأى الجميع فكيف يتم نقل هذا الحطب بين المحافظات بلا ترخيص؟..
الجواب لا يحتاج إلى تفكير، فكما تعبر كل المواد غير المسموح بنقلها كالدقيق التمويني مثلاً  من محافظة إلى أخرى تعبر هذه الأخشاب، وهنا تكمن المشكلة بل الطامة الكبرى.
نذكر جيداً بأنه كان لدينا في منتصف السبعينات خطط وبرامج لمكافحة التصحر في الأراضي المتدهورة ومشروعات لتثبيت الكثبان الرملية وحملات للتشجير لم يبق منها إلا هذه الأخيرة باعتبار أن تدهور المراعي وقطع أشجار الغابات وحرائقها يعد شكلاًً من أشكال التصحر، فكيف إذا كان مترافقاً مع الحرائق وقطعها من على وجه الأرض، هنا يغدو الأمر أكثر خطورة وتأزماً، ولقطع الطريق على المزيد من هذه السلوكيات لابد من توفير المحروقات في فصل الشتاء وقطع الطريق على تجار الحطب فعندما تتوافر المحروقات يقف سوق الحطب، وبالتالي تقف عملية الاتجار به.

500 دونم في حريق واحد
آخر حريق نشب نهاية الأسبوع الماضي في أجمل الغابات القريبة من مدينة مصياف كان ضحيته 500 دونم تقديرياً، وفق ما ذكره لنا العقيد ماهر هنانو، مدير منطقة مصياف، وإن سبب الحريق هو محاولة البعض إشعال النار بالغابة لأسباب، حيث يجري التحقيق مع أحد الأشخاص الذي ألقي القبض عليه في الوقت الذي لاذ آخرون بالفرار، ويشتبه بأنهم هم من كان وراء الحريق.
تمام معلا، رئيس مصلحة زراعة مصياف، قال: لقد بدأت النار بجانب مخالفة بناء بالقرب من الطريق العام، مضيفاً بأن الموقع  يقع في رأس جبل يفتقد إلى الطرقات الحراجية، وهذا ما صعب جهود إخماده فضلاً عن تزامنه مع ارتفاع درجات الحرارة والرياح، الأمر الذي استدعى طلب مؤازرة من محافظات حمص وطرطوس وزراعة الغاب.
منوهاً إلى أنه في نفس الوقت نشب حريق آخر في المواقع القريبة من بلدة دير شميل، كل ذلك هدفه هو الاحتطاب والمتاجرة بالخشب لكن بالمحصلة الضحية غاباتنا الحراجية.

من دائرة الإنتاج
إن خروج الآلاف من  الدونمات الحراجية من الخدمة يعني خروجها من دائرة الإنتاج لجهة الكلأ، والزراعة، والحطب وتتحول إلى ما يشبه الصحراء وهذه الرقعة تكبر سنوياً كالرقع المتنامية حتى تتلاقى وتندمج لتشكل نطاقاً قاحلاً.
ليبقى السؤال المهم هو: هل تطال العقوبات الشديدة مرتكبي هذه الحرائق ومتاجري أحطابها أم ينقضي الأمر بغرامات مالية لاتساوي قيمتها ثمن طن من الحطب ما يشجع العديد من هؤلاء السماسرة لارتكاب المزيد من الاعتداءات على هذه الغابات؟..
لقد أنشأت جامعة الدول العربية المركز العربي لدراسة المناطق الجافة والأراضي القاحلة ومقره سورية وسبق لحلب أن استضافت مطلع التسعينات المركز الدولي لبحوث الزراعة في المناطق الجافة بقصد العناية بقضايا الأراضي الجافة والتصحر، فأين هم المعنيون من كل مايجري وما يلحق بغاباتنا الحراجية من اعتداءات وتطاول كالحرائق والقطع والاحتطاب الجائر وفقدان التوازن البيئي، بل تخريب البيئة، إننا بأمس الحاجة لإجراءات صارمة وقاسية للحد من هذه الاعتداءات على الغابات التي حولتها إلى مناطق وجبال قاحلة.

محمد فرحة